حقائق مجهولة تنشر لأول مرة منذ 150 سنة بمناسبة ذكرى افتتاح الأوبرا الخديوية

حقائق مجهولة تنشر لأول مرة منذ 150 سنة بمناسبة ذكرى افتتاح الأوبرا الخديوية

العدد 636 صدر بتاريخ 4نوفمبر2019

في الأول من هذا الشهر – نوفمبر 2019 – يتم مرور 150 سنة على افتتاح الأوبرا الخديوية، التي افتتحت في الأول من نوفمبر 1869. ومن المعروف أن الخديوي إسماعيل بناها – ضمن ما بناه من منشآت ترفيهية – للترويح عن ملوك وملكات، وأمراء وأميرات أوروبا؛ بوصفهم ضيوف مصر لحضور افتتاح قناة السويس، التي تم افتتاحها يوم السادس عشر من الشهر نفسه!! ومن المعروف أيضا أن الخديوي بنى الأوبرا خلال أشهر معدودة؛ ولكن ما لا يعرفه أغلبنا، أن الأوبرا عندما افتتحت، لم تكن الأوبرا المعروفة في صورها المنشورة والمعروفة؛ بل كانت بناء خشبيا مطليا بالجبس، لذلك استورد الخديوي الموبيليا والنجف والنباتات وأدوات الإضاءة بالغاز والشموع من إنجلترا وفرنسا، حتى تكون الأوبرا جاهزة لاستقبال ضيوف مصر!!
أول خبر عن افتتاح الأوبرا
من الطريف أن الشعب المصري في ذلك الوقت، لا يعرف شيئا عن الأوبرا، لذلك نشرت مجلة «وادي النيل» خبر افتتاحها – بعد أربعة أيام من حدوثه - وعندما ذكرت المجلة لفظة الأوبرا، ذكرتها هكذا (الأوبيره)، ثم ذكرت طريقة نطقها قائلة: «بضم الهمزة في أوله، يليها واو ساكنة، ثم باء موحدة فارسية مفخمة»، ثم وصفت هذا المكان بقولها: «ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية».. وهذا النطق بهذا الوصف هو أول ما نُشر بالعربية في صحافة هذا العهد عن الأوبرا. ومن الطريف أن المجلة في وصفها لافتتاح الأوبرا، ذكرت أمورا مجهولة، لم نكن على علم بها، منها أن الخديوي إسماعيل حضر الافتتاح بصحبة أمير إيطاليا وزوجته فقط!! ولم يحضر هذا الافتتاح ملوك وأمراء أوروبا، كما كنا نسمع ونقرأ ونعتقد، وبالأخص إمبراطورة فرنسا أوجيني؛ التي كانت في ذلك الوقت – مع بعض الضيوف - تزور الآثار الفرعونية في صعيد مصر، ولم تحضر افتتاح الأوبرا، الذي قيل إن الخديوي بناها خصيصا لها!!
أما المفاجأة الثانية التي ذكرتها المجلة، فتمثلت في عرض الافتتاح!! وأظنك عزيزي القارئ تتوقع أن أقول لك: إن عرض الافتتاح، كان أوبرا عايدة كما هو متداول!! للأسف لم يكن العرض أوبرا عايدة كما هو متداول، ولم يكن أوبرا ريجوليتو كما قال البعض، بل كان عرض الافتتاح قصيدة شعرية باللغة الفرنسية بين بعض الممثلين والممثلات، الذين مثلوا بصورة رمزية بعض صفات الخديوي، مثل: الشرف، والشجاعة، والكرامة، والعدل.. إلخ. وهذه القصيدة – أو بالأحرى المحاورة - كانت تُلقى شعرا دون تمثيل، وكان الممثلون والممثلات يقفون على خشبة المسرح حول صورة زيتية كبيرة للخديوي إسماعيل!! وإليك عزيزي القارئ نص ما نشرته المجلة في هذا الصدد:
«بعد العشاء بنحو ساعة من تلك الليلة كان الجناب الخديوي العالي قد شرف هذا المكان بحضرته وجلس في الحجرة الخديوية المعدة فيه لإقامته فيما بين حضرة الأمير الإيطالياني المسمى باسم لودوق داووست وحضرة لادوشيس دووست زوجته إذ كان كل منهما جليسه في تلك الليلة الأنيسة وتم بذلك الفرح والسرور لسائر الحضور حيث كانوا يجهرون جميعا على عدة مرات للحضرة الخديوية العلية بطول الحياة وقد انكشفت الستارة أولا كما بلغنا ممن حضر مجلس الأنس المذكور عن تلحين قصيدة أغاني باللغة الفرنساوية كان قد نظمها بعض أدباء الأمراء الأفرنجيين في مدحة الحضرة الخديوية وقد زان هذا المنظر الجميل صورة أعلى ذاته البهية موضوعة في وسط المجلس على دكة عليه يحيط بها من اللاعبين واللاعبات ما يتصور في ذاتهم بطريق الرموز الإشارية صورة العدل والحلم والشهرة وغير ذلك من الأوصاف الجميلة التي تعود على ذاته الجليلة بالمدح ويطول منها الشرح».
ولعلنا جميعا لا نعرف أثمان دخول الأوبرا عند افتتاحها، وما هي الأماكن الغالية أو الرخيصة في تلك الفترة!! ولحسن الحظ أن مجلة «وادي النيل»، ذكرت ذلك في نهاية عرضها لحفل الافتتاح، قائلة تحت عنوان (بيان أثمان محلات التفرّج في ملعب الأوبيره): «100 جنيه إنجليزي أو 65 فرنق: الحجرة من الحجر الأرضية. 120 جنيه إنجليزي أو 75 فرنق: الحجرة من حجر الدور الأول. 80 جنيه أو 55 فرنق: الحجرة من حجر الدور الثاني. 12 جنيه أو 10 فرنق: المحل من دكك مقدم الأرضية. 8 جنيه أو 7 فرنق: المحل من دكك مؤخر الأرضية. 3 فرنق: المحل من دكك مقدم الدور الثالث. 2 فرنق: المحل من دكك مؤخر الدور الثالث. محل أخذ أوراق الدخول في الأوبرا هو عين محل أخذ الأوراق للدخول في تياترو الكمودية موقتا».
وحقيقة، لا أعلم هل بالفعل كانت الأوبرا مفروشة بالدكك أم بالكراسي!! أم أن لفظة كرسي لم يكن معمولا بها في ذلك الوقت!! أما المقصود بالحجرة، فهو البنوار!! أما «تياترو الكمودية» فهو تياترو الكوميدي الفرنسي، الذي افتتح قبل الأوبرا بعام تقريبا – أو أقل – ومكانه الآن مبنى بريد العتبة.
عرض ريجوليتو لم يكتمل
عموما، هذه هي أسعار دخول الأوبرا الخديوية عند افتتاحها، وهذا هو عرض افتتاح دار الأوبرا الحقيقي. أما أوبرا ريجوليتو، فقد تم عرضها بالفعل؛ ولكن ليس في ليلة الافتتاح، بل في اليوم الثاني من افتتاح الأوبرا. وبكل أسف لم يتم العرض بصورة كاملة، وهذه مفاجأة أخرى لم نكن على علم بها لولا مجلة «وادي النيل»، التي أخبرتنا بأن عرض ريجوليتو بدأ في مساء اليوم الثاني من شهر نوفمبر، وفي حضور الخديوي مع حاشيته – دون ذكر لأي ضيف من ملوك وأمراء أوروبا - وأثناء التمثيل اشتعلت النيران في جزء من الأوبرا بسبب غاز التنوير، مما جعل الممثلين يفرون هاربين خارج المسرح، وكذلك خرج الخديوي وحاشيته، وفشلت جميع المحاولات في استمرار التمثيل، حتى بعد السيطرة على النيران. هكذا كان الأمر مع عرض أوبرا ريجوليتو؛ بوصفها أول أوبرا لم تُعرض بصورة كاملة في دار الأوبرا الخديوية!! وإليك عزيزي القارئ، نص هذا الموضوع، كما نشرته مجلة «وادي النيل»:
«إن من الأخبار التي يقول المصغي لها إذا سمعها الحمد لله الذي قدر ولطف إنه بينما كان الجناب الخديوي المعظم قد شرف مكان تياترو الأوبيره (ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية) الكائن بالمحلة الإسماعيلية بالأزبكية وكان كل من اللاعبين واللاعبات يبدي ما عنده من المهارة ويظهر برهان ما لديه من البراعة والشطارة في اللعبة المشهورة عندهم باسم (لاريجواليته) في ليلة الثلاثاء الماضي (28 رجب) [الموافق 2 نوفمبر 1869] وإذا بثورة من الغاز الموقد في مكان التياترو المذكور قد قامت وكأن القيامة قد قامت حيث فزع سائر الحضور وانقطع سلسال الحظ والسرور وكان أول من أبق من خوف النار وقال إن الغنيمة في الفرار أبناء الفن إذ لم يسعهم غير الخروج من ذلك الكُن وترتب على ذلك حصول اختلاط واختباط والوقوع من الهباط واللياط في مثل ما ذكره الأديب الحريري لمناسبة وقوع المجاعة في دمياط وانقطع اللعب وأعقب ذلك الطرب نوع آخر من الطرب مع ما كان يحصل من طرف بعض المتثبتين منهم من الصياح بالتطمين وما حصل على الخصوص من لدن الجناب الخديوي العالي من التصري بالتأمين حيث خرج على ما بلغنا من حجرة الخديوية المعدة لإقامته العلية إذا كان قد شرف مكان تياترو الأوبيره المصرية وجعل بنفسه يطمن الناس ويصيح بأعلى صوته على الثبات والسكون بأنه لا بأس. وفي الواقع ونفس الأمر قد كان الخطب أسهل من أن يستحق أن يذكر وانطفأت النار ولم يحصل ثم حريقة في الحقيقة ولم يترتب عليهم عظيم ضرر غير جروح ضعيفة وشياطات خفيفة تعدت لبعض اللاعبين واللاعبات ليست بخطيرة ولا كبيرة ولكن يقشعر الجلد إذا تصور ما كان ربما حصل من الحريقة في مثل هذه العمارة الضيقة مع ما هي مبنية عليه من المواد القابلة للاحتراق وكان خبر شأن هذه الحادثة في الآفاق لولا أن الله سبحانه وتعالى قدر ولطف وتدارك وخفف».
لعلك عزيزي القارئ تتساءل الآن وتقول: إذا كان اليوم الأول لافتتاح الأوبرا، كان عبارة عن إلقاء قصيدة فرنسية!! واليوم الثاني، كان عرض ريجوليتو، الذي لم يكتمل بسبب الحريق!! إذن ما هو أول عرض تم بصورة كاملة في الأوبرا؟!! الإجابة.. لا أعلم حتى الآن!! ولم أجد وثيقة تثبت هذا العرض أو تذكره!! وربما هذا العرض لم يتم، طوال أكثر من شهر، بسبب وجود ضيوف مصر من ملوك وأمراء أوروبا، وبسبب انشغال الخديوي – ومصر كلها – بافتتاح قناة السويس!!
العرض الكامل سميراميس
بعد افتتاح القناة، وعودة وفود الدول إلى أوطانها، بدأت الأوبرا نشاطها الفني بعرض أوبرا «سميراميس» في فبراير 1870؛ ولعله العرض الأول، الذي تم بصورة كاملة في تاريخ الأوبرا الخديوية!! وتتمثل أهمية هذا العرض في وجود عناصر شعبية مصرية وسودانية صاحبته؛ بوصفه عرضا أجنبيا!! فحسب وصف المجلة حينها، أبانت أن هذا العرض الأجنبي أضيفت إليه فقرة فنية لتشويق الجمهور، اسمها «حاوية الثعبان»، وهي عبارة عن احتفال شعبي راقص يشبه رقص العوالم؛ حيث يقمن فرحا للملكة سميراميس، بما يشبه “زفة العروسة”؛ حيث يجتمع المشاركون في الزفة وسط ميدان التياترو. وتبعا لهذا الزمن، فاسم «ميدان التياترو» يُطلق على ميدان الأوبرا الآن بالعتبة، الذي يتوسطه تمثال إبراهيم باشا ممتطيا حصانه. وهذا الاحتفال وصفته المجلة بتعبير علمي هو «فرجة جديدة»، مما يعني أن هذا العرض كان يبدأ داخل الأوبرا، وينتهي خارجها، أي في الشارع، وهو أمر متطور جدا في هذا الزمن!!
وهذا نص إعلان المجلة لهذا العرض بمفردات المجلة وأسلوبها: «إلى سائر غواة الألعاب التياترية والألحان الأوروبية. تياترو الأوبيره بمصر القاهرة. في يوم 19 فبراير (ليلة الأحد) ستلعب اللعبة التياترية المشهورة باسم (سيماراميس) ليعطي إيرادها لصندوق الإعانة المنشأ بهمة جناب درانيت بك ناظر عموم التياترات الخديوية لذوي الحاجات من أسطاوات وخدمة التياترات المصرية في ظل الحضرة الخديوية. وهي عبارة عن تخليعة من نوع الألعاب التياترية المسماة باسم الأوبيره أي تصوير وقعة تاريخية يتخللها توقيعات موسيقية والمسماة باسم سيماراميس هذه قد كانت ملكة مدينة بابل العراق المشهورة في التواريخ القديمة في سائر الآفاق تتصور في هذه اللعبة بمعلب التياتر صورتها وتحكي على لسان اللاعبين واللاعبات سيرتها مع تصوير تبعتها وأرباب دولتها وأطراف قصتها بما يتخيل للمتفرجين إنه عين حقيقتها وإن شاء الله تعالى فيما بعد نذكر للراغبين زيادة تفصيل كما هي عادة كتبة الغازيتات في ما يتعلق بزبدة لعبتها ولربما أدرجناها على سبيل الأنموذج لهذه التأليفات الأدبية في صحيفة وادي النيل بكليتها إذا وفق الله سبحانه وتعالى فيما بعد لترجمتها حيث كانت هذه اللعبة تصويرا لبعض أحوال بلاد المشرق في العصر الذي سبق والله خير موفق ولأجل شدة تشويق المتفرجين على هذه القطعة اللطيفة وزيادة بهجة هذه الليلة الظريفة زيد على لعبة سيماراميس هذه فرجة جديدة ونزهة شديدة تسمى بحاوية الثعبان وهي عبارة عن أن جماعة من طقم رقاصين التياترو يرقصون رقص السودان والبنات المغنيات من قبيل ما يعرف باسم العوالم المصريات يجتمعون في ميدان التياترو ويعملون صورة فرح للملكة سيمراميس المذكورة وتأتي معهم الحاوية فتحصل حركات متنوعة وملاعيب مبتدعة ثم تعذب الحاوية ثعبانها فيعضها فترقص كالمصاب بالجنون حتى تقع على الأرض وغير ذلك مما لا يعلم إلا بالمشاهدة من أنواع الملاعيب والفنون».
أول مقالة لأول كاتب
لم تتوقف أهمية عرض سميراميس عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى أن أصبح هذا العرض، هو السبب في نشر أول مقالة نقدية مسرحية باللغة العربية في تاريخ المسرح في مصر، يكتبها أول ناقد مسرحي مصري، وهو «محمد أنسي»، تحت عنوان «ملعب الأوبيره بمصر القاهرة»!! ولأهمية المقالة، سأذكرها كاملة:
«في ليلة الأحد الماضي (19 ذي القعدة) [الموافق 20 فبراير 1870] وليلة السبت 23 منه لعبت بملعب الأوبيره بمصر القاهرة اللعبة التياترية المشهورة باسم سيميراميس وحضرها جم غفير وقوم كثير من التجار الأوروباويين والأهالي المصريين ولا سيما من حضرات الباشوات والبكوات وغيرهم من غواة التياترات وبذلك علم أن ذوقية الملاعب التياترية قد أخذت في الانتشار بالديار المصرية في هذه الحقبة العصرية وهي بدعة حسنة وطريقة للتربية العمومية مستحسنة من حيث ما يترتب عليها من تفتيق الأذهان وتصوير أحوال الإنسان للعيان حتى تكتسب فضائلها وتجتنب رذائلها إلى غير ذلك من الفوائد الجميلة والعوائد الجليلة ويا ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية فإنها من جملة المواد الأهلية التي أعانت على تمدين البلاد الأوروبية وساعدت على تحسين أحوالهم المحلية ولذلك ناسب أن نأتي للعبة سميراميس هذه بزيادة تفصيل حسبما وعدنا بذلك فيما سبق من أعداد وادي النيل فنقول: إن أصل مبنى هذه اللعبة على حادثة تاريخية وقصة واقعية في بلاد آسية أي في البلاد المشرقية قبل ظهور عيسى عليه السلام بنحو ألفي عام بمدينة بابل التي هي كرسي مملكة العراق المسماة في لغات الأمم الأوروبية ببلاد الأسيرية وحاصل هذه القصة أن الملكة سميراميس كما هو في كتب التواريخ القديمة منصوص كانت قد سمت زوجها الملك نينوس ملك بلاد الأسيرية باتحادها مع رجل من أهل بيت الملك يقال له الأمير أسوريوس طمعا في الاستبداد بالملك وطاعة لشهواتها ولقصد أن يتزوج بها الأمير المذكور ويشاركها في سرير الملك وكان للملك نينوس المغدور ولد منها يسمى نيناس فلما دنا أجله وتحقق أن الذي قتله هو زوجته بتواطئها مع ذلك الأمير أخفى ولده هذا وأشاع أنه انفقد من بعد أن أوصى إليه أن يأخذ بثأره من تلك الغصة متى أمكنته الفرصة وذلك أنه كتب له في رق من خبر موته بتوضح القصة وأودع ذلك الرق عند رئيس الكهنة المسمى باسم أوريه ليسلمه متى بلغ رشده إليه وأوصاه بمساعدته على الانتقام لأبيه ورد سرير الملك الذي هو حقه عليه وأكفله صديقا به يقال له فريدات فتبناه وأحسن تأديبه ومرباه وسماه باسم أرزاس حتى صار شابا من أجمل الناس وتقلد بقيادة العسكر واشتهر بالشجاعة وشدة البأس. ولما كانت مملكة العراق في ذلك العصر أعظم ممالك الدنيا بتمامها وكانت ملوكها متغلبين على جانب عظيم من ممالك الهند والعرب والحبشة وبلاد مصر تزاحم على التزوج بالملكة سميراميس المذكورة سائر الملوك المجاورين وتخاصم على حيازتها جميع أمراء الدول المعاصرين ليفوزوا بتخت الملك معها وكلهم أعرضوا حالهم على مسامعها فكان من جملة المتخاصمين عليها والمتزاحمين لديها ملك الهند المدعو باسم أيدرينوس والأمير المذكور آنفا باسم أسوريوس لكنها وقع انتخابها على الأمير أرزاس أمير جندها ولم تدر أنه إنما هو ولدها وفلذة كبدها وقدمته على سائر طالبيها وأعظمته بين جميع راغبيها وأرادت أن تقلده معها بتاج الملك حيث أرادت تكريمه لكنه كان هو مغرما بعشق شابة جميلة من العائلة الملوكية تسمى عظيمة كان يفضلها على سرير الملك ويخاطر بنفسه لقصد التزوج بها لغاية المجازفة بنفسه والوقوع في غائلة الهلك وامتنع من إجابة شغف سميراميس مع ما هي عليه من ذلك المنصب النفيس فلما تحقق منه ذلك الكاهن أورويه أخبره بالحقيقة وأطلعه على وصية أبيه وحرضه على الأخذ بثأره عملا بما بقى بعد وفاته من أخباره فعزم على ذلك في الحال وذهب لقتل أسوريوس من غير إمهال ولما تحققت سميراميس أنه إنما هو ولدها وأنه انكشف على حقيقة كيدها ألقت بنفسها بين يديه واعترفت بقتل أبيه إليه وطلبت منه أن يقتلها وينتقم له منها فامتنع من تلويث يده بدم أمه ووجه لقتل الأمير أسوريوس الذي هو السبب الأعظم في ذلك غاية همه ونهاية عزمه وحزمه وذهب لإنفاذ مقصوده فتبعته والدته وعندما أراد ضرب الأمير أسوريورس المذكور بالسيف لقصد قتله ألقت هي نفسها على نصله فاندك في قلبها وسقطت ميته على الأرض ونيناس يظن أنه إنما قتل غريمه لظلام المكان فلما صرخت من شدة الألم واستنار المحل علم من الذي قتل فاشتد أسفه وغضبت الرعية والكهنة غضبا شديدا على الأمير أسوريوس وأخذته للقتل أما سميراميس فإنها قبل أن تموت أقرت لابنها أنها ما وقعت إلا فيما استحقته بسبب ما كانت فعلته بزوجها بإغراء الأمير أسوريوس واستسمحت ولدها وأمرته بتعجيل الزواج بعظيمة التي هي محبوبته وسلمت إليه زمام مملكته ثم جادت بروحها وأتت ووقعت هي والأمير أسوريوس المذكور في شر أعمالهما وأصبحا عبرة شنيعة لأمثالهما وتخلل ذلك من الأقوال على لسان كل أحد بلسان من صوره من اللاعبين واللاعبات ما يظهر للعيان صور الشهوات كأنها مشاهدات ومعنى ذلك كله تقبيح القبائح وتنقيح النصائح من أن الغدر مآله ذميم والانقياد للهوى مرتعه وخيم وأن القاتل لا بد وأن يقتل والظالم وإن أمهل لا يهمل فتأمل. وأما ما أضيف إلى هذه اللعبة التياترية من الزيادة لتشويق المتفرجين وابتهاج المبتهجين فقطعة الرقص المسماة بقطعة حاوية الثعبان وهي عبارة عن أن جماعة من رقاص التياترو تزيوا بزي الحبشة (في قديم الزمان) وآخرون بزي الغوازي المصريات ورقصوا جميعا كرقص العوالم البلديات تماما بتمام حتى ظن الحاضرون أنهن رقاصات بلديات وجاءت راقصة أخرى وهي المسماة بحاوية الثعبان وبيدها ثعبان حقيقي وأبدت معه من أنواع الرقص وفنون الملاعيب ما يعد في الواقع ونفس الأمر من الصنع العجيب والبدع الغريب حتى عجب لذلك سائر المتفرجين وخرجوا مبهوجين. ويقال إن هذه اللعبة ستلعب عدة مرار على وجه التكرار والأمر الحبوب كلما عاد يغلو والحلو كلما تكرر يحلو. (حرره محمد أنسي)».
لم يبقَ أمامنا سوى أن نقول: إن صاحب مجلة «وادي النيل» - التي نقلنا منها هذه الاكتشافات - هو أبو السعود أفندي – أو عبد الله أبو السعود – وهو الذي عرّب أوبرا عايدة، وطبعها للمرة الأولى بالعربية والتركية عام 1872، وذلك بمناسبة عرضها لأول مرة في مصر!! أما كاتب المقال «محمد أنسي»، فهو ابن صاحب المجلة!! حيث إن اسمه مركب «محمد أنسي»، وكان يعيش مع أبيه في باب الشعرية، مقرّ مطبعة وادي النيل، التي تصدر أعداد مجلة «وادي النيل» مرتين في الأسبوع!! وأخيرا أتمنى أن أكون أضفت جديدا، كان مجهولا عن افتتاح الأوبرا بمناسبة ذكرى افتتاحها المائة والخمسين!!


سيد علي إسماعيل