موروث العادات والتقاليد في «صبايا مخدة الكحل».. حرمان - حبس - كبت - شهوة

موروث العادات والتقاليد في «صبايا مخدة الكحل».. حرمان - حبس - كبت - شهوة

العدد 654 صدر بتاريخ 9مارس2020

في قاعة مسرح الطليعة بالعتبة الخضراء - القاهرة
عرض مختبر طقسي، على النغم الشرقي والايقاعات والطبول ذات الاثر النفسي، يتكلم عن ازمة المراة - الصبية - الثابتة في موروث العادات والتقاليد الجنوبية- حرمان - حبس - كبت - شهوة
شعور دائم وفياض بالانوثة
يغتاله ناموس العادات والاعراف الاجتماعية الجنوبية من الصعيد المصري الى السودان لاستدعاء الطقوس القبلية الافريقية على الطبول والمؤثرات الايقاعية
العرض يعتمد على رواية الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز يتشكل بها عالم الفراغ المسرحي .. او لنقل عالم الفرجة في فراغ قاعة مسرح الطليعة الصغيرة حيث الموسيقيين وفريق الانشاد على الجانبين وقفص من الديكور في الخلفية يحتوى مربعات مجسمه تحتلها الصبايا .. في كل مربع صبية
تتنوع الاحوال بتعبير الجسد والرقص وتتعد صور الصبايا امام رجل واحد .. او فكر ذكوري واحد .. يشكل موروث العادات والتقاليد في قيم جمالية شديدة الاثر النفسي والطابع الطقسي .
هي حالة طقسية راقصة تتخللها تعليقات روائية وبعض الخواطر الماساوية ... تعبيرا عن معاناه المراة في الجنوب .. حتى تظهر المخدة وعليها المكحلة رمز الزينة كى تتكحل كل النساء والصبايا وكان هذا الكحل الاسود هو سجن المراة ..
هو راي قد نختلف معه او نتفق .. ولكنه في اتجاه التفسير السلبي لموروث العادات والتقاليد باعتباره سجان لحرية وانوثة وانسانية المراة ..
بينما تقوم الثقافة الشعبية على حماية المراة والسعي بكل الطرق لان تكون طاهرة مصدرا لفخر الاسرة والقبيلة ... ومن الواجبات الحتمية حمايتها وحفظها شريفة طاهرة ... سيدة بيتها ولا تخرج منه .. والرجل خادم لها وراعيها وحاميها ...
 وليس مانراه من طقوس معبرا عن حالة استثنائية او فردية ولكنه ترجمة جمالية لطابع اجتماعي عام وموروث ثقافي شعبي من وجهة نظر مصمم ومبدع العرض
في العرض قيم جمالية عالية المستوى لخدمة الفكر المناهض للموروث الشعبي .. رغم ان الفرجة المسرحية تفرض قوانينا تقوم على تشويق المتفرج لمتابعة فعل انساني ما يواجهة عقبات ويتصارع معها من اجل رغبة معينة او امل معين ؟؟ ولكن عرض صبايا مخدة الكحل يخلو من هذا المفهوم الدرامي .. بل يمتلئ بالاثر العام وهو حالة الاندهاش المتوتر على الدوام بالمؤثرات الصوتية الموسيقية والبشرية .. في ركام يعتمد في اساسه على الطبول والايقاعات المتنوعة والمتجددة والمستمرة على الدوام .. حيث يبدا العرض بالصوت المؤثر الرتيب الذي يستمر لزمن لتاكيد انفصال المتلقي عن الواقع من بعد رؤيته للفتاه السمراء المعروضة جالسة متربعة على الارض بجانب باب الدخول الى القاعة مع تعمد انتظار الجمهور لدقائق امام الباب حتى يراها ويتاملها لتثير التساؤلات الغامضة من قبل الجلوس في قاعة المشاهدة .. فيدخل الجمهور الى القاعة ليجد التشكيل البشري كاملا في قاعة العرض دون اظلام او نقطة بداية اضائية او حتى تقاليد الفرجة كالسلام الجمهوري مثلا ... لا .. جميع فناني العرض متخذين اماكنهم .. في الخلفية القفص الاسود دو المكعبات التى يملا كل منها صبية تجلس امامه الجدة وامامها ماكينة الخياطة البدائية اليدوية تديرها لتحيك بعض القطع الغامضة من القماش في ملابس مزركشة يملؤها السواد للجميع باستثناء الجدة التى ترتدي الزي الجنوبي الاحمر الذي يتردد في مخدتين على يمينها ويسارها وفي الايقونة الحمراء المزركشة على صدر الزى الاسواد للصبايا داخل قفص وجودهم في خلفية القاعة المسيطرة على صورة التكوين التشكيلي ..
 وعلى الجانب الايمن للمتلقي مجموعة المنشدين والايسر مجموعة العازفين ويحتل المتفرجين الضلع الرابع للقاعة في مساحة صغيرة وعدد مقاعد قليلة لاثارة الشعور بالغربة والاستثنائية داخل هذا الوجود الجنوبي المسيطر على المكان والحالة الصوتية الضوئية التشكيلية التى بلا شك تبتلع المتفرجين تشكيليا وبالتالى وجدانيا وروحيا ... وسط ايقاعات يقل خلالها النغم نسبيا ويتنوع بين الشرقي على الات القانون والناي والعود وسط سيطرة الطبول والبركشن والتاثيرات الايقاعية التى تعتمد عليها الحالة الطقسية بشكل عام وسط حركة تتسم بالثبات في اغلب الاحوال للجميع بعد ان تدخل الفتاه من جانب الباب الخارجي الى داخل القاعة التى تتقرفص فيها امراة مغطاه بالكامل ويجلس رجل عار تماما من نصفه الاعلى في ثبات ( حربي الطاير ) يستغله المخرج في المشاركة بعزف المؤثر النحاسي الايقاعي ... باستثناء راقصة الباليه وبعض الحركات التعبيرية الجسدية للشهوة والامل والطموح الانساني مع نموذج الرجل الوحيد العاري في وضع حركي عام يتخذ جلسة اليوجا التاملية الثابته في اغلب الاوقات.
يبدأ العرض بحكاية الجدة عن ازمة الصبايا في الاحتباس والقهر .. ويستمر عرض الحالة بالتنوع في الايقاعات وتراكم الاصوات البشرية والغناء الصوفي والنوبي والسوداني
عرض من اخراج الفنان / انتصار عبد الفتاح ... يحتاج الى الكثير من التأمل والمراجعة التراثية والفكرية والقومية ... وحالة جمالية لها طابعها الخاص والفريد.


جلال الهجرسي