«سومريون»..«أحضان الموج»..«فقدان».. المسرح وإسكات البنادق

«سومريون»..«أحضان الموج»..«فقدان»..   المسرح وإسكات البنادق

العدد 653 صدر بتاريخ 2مارس2020

في الدورة الثالثة لمهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما في الفترة من 8 الى 12 فبراير سنة 2020، يعود المسرحيون إلى مصر ويتم تقديم عروض مسرحية عن معاناة الإنسان بسبب الحروب والتي تحكم عليه بالهروب من وطنه ويعيش لاجئا في بلدان أخري، أو يحكم عليه بالموت ، ومن هذه العروض (سومريون – أحضان الموج - فقدان) وسوف نتحدث عنها .
أولا: سومريون
قدم السويد / العراق على قاعة صلاح جاهين العرض المسرحي سومريون وقام علي ريسان بكل ما يحتاجه العرض بداية من كتابة النص حتي شاهدناه على خشبة المسرح. قدم لنا حكاية تشبه الألم الذي نعيش فيه يوميا في منطقتنا العربية. العراق بلد الحضارات لم ينعم بالاستقرار منذ سنة 1980 حتي كتابة هذه السطور .التهمت الحرب ثروات العراق ومات المواطن العراقي أو ترك وطنه ورحل عنه أو شرد في البلاد وعاش عيشة بائسة.
هذا العرض يوثق جزء من حال العراق الآن. الآن في العراق مظاهرات ويتذكر بطل العرض صديقه الذي استشهد في هذه المظاهرات ويتذكر معلمه ويتذكر أهله. تحرك علي الريسان في الفراغ المسرحي مرتديا ملابس عصرية بسيطة عبارة عن بنطلون بلون الزيتون الاخضر وقميص اسود وكتب على القميص باللغة
السومارية وكذلك كتب على الجدران واستخدم الرمل ووضعه شمال مقدمة المسرح للدلالة علي المقابر ووضع تمثالا شمال المسرح ليعبر عن احد الألة السوماريون وعلى اليمين تمثال أكبر متشح بالسواد (عباية) لتدل على الأم أو المرأة العراقية ومعانتها ونجده في نهاية العرض يمسك بيده صورة مرسومة تدل على الأيقونة التي يرفعها العراقيون في المظاهرات.
كانت المؤثرات الصوتية المصاحبة للعرض تعبر عن كل موقف ففي بداية ونهاية العرض نسمع أصوات المتظاهرين واصوات طلقات الرصاص ونسمع أيضا صوت النوارس وصوت صهيل الخيول وصوت العربة التي يجريها الخيل.
ويغني غناء عراقيا بدويا، واستخدم الإضاءة الزرقاء بشكل مكثف لتدل علي المنحنى المظلم التي تمر به البلاد وفي آخر العرض يسلط الضوء الأحمر ودخان كثيف يدخل بداخلها دلالة علي دخوله وسط بركان الألم .
ثانيا: أحضان الموج
قدمت الكويت على مسرح الهناجر العرض المسرحي أحضان الموج عن نص من تأليف وإخراج وتمثيل ناصر الناصر ويبدأ العرض بوجود بحار يقف على ظهر سفينة يعاني من تلاطم الامواج وخداع البحر ويحاول التغلب على لحظة الغرق . يتذكر البحار شريط الذكريات ويحكي لنا حكايات عن البحر الذي يحبه ويسافر فيه ويستخرج منه الخيرات التي يأكلها او يلبسها او يبعها فهو يكتسب من خلاله الرزق الوفير، لكن البحر غدار ففي بعض الاحيان يثور البحر وتتلاطم الامواج وتنتهي حياة بعض البشر داخل أعماقه . ثم ينتقل بنا عن الحديث عن الحرب العالمية الثانية فقد كانت سببا في الخراب والدمار وموت الكثير من البشر وكانت أيضا سببا في كساد الحالة الاقتصادية، وأصبح الناس عاجزين عن العمل لجلب الأموال، وبالتالي فهم غير قادرين على شراء قوت يومهم.
 ففي ذلك الوقت كان الناس يخشون من الحرب فقل نزول البحارة البحر وهذا البحار أحدهم ، فالموت أصبح في كل مكان، مرضت ابنة هذا الرجل ولم يكن معه ثمن علاجها فسأل الناس، لكنهم لم يجيبوه فحالهم مثل حاله لا يمتلكون المال . يعود البحار مرة أخري للحاضر وحاله الصراع مع الامواج ويقول أتحداك يا بحر وينتهي العرض.
الديكور على شكل مسطح خشبي وضع علي مسافة قريبة من يسار منتصف المسرح له قاعدة موضوعة على مرتفعات غير منتظمة مغلفة بمشمع ابيض الشكل العام يعبر عن سفينة تتحرك في الماء حيث أنها تهتز كلما تحرك الممثل ومن المنظر العام نستطيع القول أنها تسير ناحية اليسار.
وقد كانت الإضاءة المستخدمة مناسبة للحدث فقد غلب عليها اللون الأزرق. والملابس كانت عبارة عن فانلة داخلية وبنطلون لا يصل الى القدم. أما عن الأداء التمثيلي فطغي عليه الأداء الانفعالي بشكل مستمر دون مراعاة التلوين في الأداء الصوتي والانتقال من حالة الى أخري لإظهار المشاعر والأحاسيس، وكان التعبير بالحركة ولغة الجسد مقيدة حيث أنها كانت في حيز صغير فوق سطح السفينة، وبشكل عام فكرة العرض جيدة كان ينقصها التنفيذ الجيد.
ثالثا: فقدان
 قدمت جنوب السودان على قاعة صلاح جاهين العرض المسرحي فقدان ، من إخراج هاريت سايمون. يقدم لنا العرض قضية انسانية لمأساة امرأة ( أميرة نيكولاس) مات طفلها بسبب النزاعات المسلحة فهي تعيش في أحدي القري مع طفلها الرضيع، وتقوم بطحن الحبوب وبيعها لتعيش هي وطفلها وتدخل الي المسرح وهي سعيدة وترقص ونسمع موسيقي راقصة تتميز بها المنطقة المحيطة بجنوب السودان ثم تضع طفلها على الأرض لتقوم بطحن الحبوب مستخدمة الهون لكنها تخشي أن يستيقظ الطفل فتحمله وتفكر ماذا تفعل لكنها تكتشف أنه مصاب بحمي فقد ارتفعت درجة حرارة جسده تحاول خفض درجة الحرارة بعمل كمادات حيث لا يوجد طبيب أو مستشفى لقد هاجر أهالي القرية فارين من الحرب. تسمع طلقات رصاص بكثافة فتحمل طفلها وتحاول الهرب ،فتدخل وتخرج من وإلى المسرح عدة مرات ونجد منزلها قد تهدم وأصبحت بلا مأوي ، وبعد انتهاء طلقات الرصاص تجلس في العراء وتحاول إرضاع طفلها لكن للأسف لا يوجد في صدرها ما تقدمه لطفلها من طعام لأنها أيضا لا تجد طعام لها ، تحتضن المرأة طفلها لكنه لا يصدر صوتا ولا يتحرك تحاول سماع ضربات قلبه بأذنيها كي تطمئن عليه لكنها تكتشف أنه مات . الديكور كان بسيطا عبارة عن كرتونة تغطي بها الثلاجة تعبر عن المكان الذي يأوي المرأة وطفلها وكانت الإضاءة (عبد العظيم) الزرقاء والحمراء مناسبة لكل حالة تعرض على المسرح وكذلك الموسيقي والمؤثرات الصوتية (إيمانويل مجاه) . لكن لدينا ملاحظة بسيطة على العرض وهو مرور بعض الوقت بعد اكتشاف الام وفاة طفلها ثم اصدار صرخة معلنة عن وفاته .

 


جمال الفيشاوي