العدد 562 صدر بتاريخ 4يونيو2018
خمسة وأربعون عاما مضت على ذكرى ملحمة النصر، أجيال أتت بعدها لم تعرف مشاعر الألم التي خاضها المصريون سنوات طوال ولم يبقَ منها سوى ذكرى تمر علينا لنحتفي بها كل عام وإذا سألنا أبناءنا الصغار ماذا تعرفون عن ذكرى انتصار أكتوبر المجيد؟ تلعثموا.
لذا أسعدني أن تقدم ملحمة العبور والانتصار التي يتم هذه الأيام إعادة عرضها على المسرح القومي للطفل بالعتبة خلال شهر رمضان - والتي ألهبت حماس الجماهير فبكوا وضحكوا واستعادوا مشاعرهم النبيلة نحو وطنهم - كي يشاهدها الصغار قبل الكبار فيعرفوا كيف عانى الشعب حتى تحقق النصر لهذا الوطن بعد عذابات ألم وفقد ومرارة استشهاد.
عبور وانتصار قام بتأليفه وإخراجه محمد الخولي ليقدم لنا الملحمة التاريخية في إطار غنائي استعراضي معتمدا على مفردات العمل التي اختارها كي تتناسب مع رؤيته فالديكور الذي صممه محيي فهمي للحارة المصرية بكل ما تحمل من معاني الأصالة على يمين المسرح مكتبة عم حسين وعلى يسار المسرح القهوجي وبائعة الخضار وفي منتصف العمق قهوة عم جابر والمنظر الثاني لمكتب العمليات للمخابرات المصرية على اليمين في المقابل على اليسار مكتب العمليات للمخابرات الإسرائيلية، فجاء معبرا عن مقتضى البساطة والأصالة، كذلك أضافت أشعار إبراهيم الرفاعي للنص روح الشجن والتمسك بالقيم وحب الوطن بأشعاره الدافئة والألحان الشجية التي أضفى بها وليد خلف جمالا على العرض، وكذلك الاستعراضات الرشيقة التي صممها أشرف فؤاد وأبدع في أدائها فريق الاستعراض المتميز.
بينما كان الأداء التمثيلي هو البطل الأول للملحمة لفناني العرض المحترفين الذين أثقلوا الليلة بالمباراة التمثيلية القوية فيما بينهم. الملحمة ترصد مشاعر الشعب بعد نكسة 67 ما بين من يشعر بالمرارة من شعور الهزيمة والحزن على من استشهدوا في النكسة وبين من يحلم بالحرب من أجل الثأر والانتصار والخلاص من الشعور بالهزيمة.
فالشاب الطيب الأصيل علي صبي المقهى الذي يتم استدعاؤه للجيش كل فترة يحلم بالحرب حتى يستطيع الفرح والزواج من حبيبته وردة التي أعلن خطبته عليها منذ ست سنوات وعم إبراهيم المحارب القديم الذي نجا من نكسة 67 ورأى كل رفاقه يتساقطون أمام عينيه واحدا تلو الآخر يشعر بالمرارة والاستسلام وفقدان الأمل والجد حسين المثقف الحكيم صاحب المكتبة الممتلئ بالأمل يتابع أخبار الجرائد كل يوم علها تنبئ عن طلوع النهار والطفل سمير حفيده الأمل القادم يعشق وطنه ويحلم بالحرب والثأر كما يعلمه جده والجدة صابحة بائعة الفطير تتابع حفيدها ياسين في ذهابه للجيش وعودته وتشحذ همته كي لا ينسى الثأر لوالده وجده أما ابنة الحارة القوية وردة تحلم بالعرس والفرحة بعد عودة حبيبها علي من الحرب، منتصرا في الوقت نفسه تعرض لنا الملحمة كواليس الخطط العسكرية التي كانت تحاك وقتها على صعيد الجبهتين المصرية والإسرائيلية والحيلة التي كانت تدار بها الآليات العسكرية المصرية وسياسة النفس الطويل على كل الأصعدة والتعاون المثمر الذي تم في كل المؤسسات حتى تم خداع الجبهة الإسرائيلية لم تكن المعلومات جديدة على من عاصروا الفترة نفسها لكنها أضافت إلى الأجيال الجديدة معلومات ونماذج إيجابية مشرفة أضافت الكثير لهذا الوطن وأثبتت أن حماية الوطن عبء ثقيل جدا وليس بهين على الإطلاق وما زالت صور الحرب تثير مشاعر المصريين كما حدث أثناء عرض المادة الفيلمية لمراحل العبور وأبطال الحرب.
في النهاية، فإن عبور وانتصار ملحمة وطنية استعراضية ألهبت حماس الجماهير، كنت أتمنى أن يتم عرضها على جميع مسارح الدولة وتجوب المحافظات، فأبناؤنا في حاجة ماسة إلى من يذكرهم بتاريخ لا بد أن يظل محفورا للنهاية في وجدانهم وتفاصيل أوقات عصيبة مرت بهذا الوطن لا يجب أن تنسى كي يعرفوا كيف يحافظون عليه فيما هو آتٍ. فشكرا للمسرح القومي للطفل الذي تبنى العرض، وشكرا لكل فريق العرض الذي ألهب وجدان الجماهير من جديد.