أزمات وتوصيات للحركة المسرحية المصرية بندوة «المسرح المصري من أين وإلى أين»

أزمات وتوصيات للحركة المسرحية المصرية بندوة «المسرح المصري من أين وإلى أين»

العدد 653 صدر بتاريخ 2مارس2020

أقامت شعبة الدراما باتحاد كتاب مصر مؤتمرها الأول “ بعنوان “ المسرح المصري من أين وإلى أين “ بشهر فبراير الماضي بمقر اتحاد الكتاب وأهدى المؤتمر دورته الأولى لاسم المخرج الراحل محسن حلمي ، وضمن فعاليات المؤتمر أقيمت ندوة فكرية حاضر فيها رئيس المؤتمر الأستاذ الدكتور / كمال الدين عيد ، والكاتب والناقد / عبد الناصر حنفي ، والناقد أحمد خميس محاضرًا ومديرًا للندوة ، وحضر بالندوة العديد من المسرحيين من بينهم المؤلف المسرحي والكاتب سليم كتشنر ، والفنان ناصر عبد التواب ،والمخرج ناصر عبد المنعم وغيرهم .
خطوات وقرارات
رحب الناقد أحمد خميس بالحضور وقدم قراءة سريعة عن بعض المكتسبات ، وإيجابيات المسرح المصري ، وقال : إن من خطوات مسرحنا المصري الإيجابية في هذا العام والتي تسعى بها بعض المؤسسات لتنمية وتطور المسرح أن أعلنت الإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة منذ أيام قليلة عن خطتها لإنتاج عروض مسرحية إضافية مع عروض الموسم الحالي والذي قدم به العديد من العروض بمختلف الأقاليم الثقافية ، ودعت إدارة المسرح جميع المخرجين بالثقافة الجماهيرية لإعداد خططهم لتقديم عروض أخرى بعد انتهائهم من عروضهم ، و هذه الخطوة أعدها مهمة نحو اجتذاب جمهور كبير لمشاهدة المسرح بقصور الثقافة حيث سيستمر تقديم العروض طوال العام ، وأضاف خميس: إننا نشهد تعدد تجارب فرق المسرح الحر والمستقل وسعيهم الكبير والمستمر بالسنوات الأخيرة نحو إنتاج الكثير من عروضهم بوعي وحب حقيقي للمسرح وبطموح نحو تنمية الثقافة ، وتقدم هذه الفرق مسرحها ذاتيًا بتكاليف إنتاجية زهيدة ولا تجنى غير ربح بسيط ، ومن هذه الفرق فرقة “ المسرح المؤقت” التي قدمت مؤخرًا مسرحية “ انت اللي قتلت الوحش “ للكاتب الكبير الراحل علي سالم بإنتاج زهيد بعرض يحمل رؤية مغايرة ومتميزة حظى بتوافد جمهور كبير لمشاهدته ، وتابع خميس : وشهدنا منذ أيام إعلان قرارًا جديدًا بإسناد مهام إدارة مهرجاني القومي والتجريبي لفريق جديد بقيادة الفنان يوسف إسماعيل رئيسًا للقومي و د. علاء عبد العزيز رئيسًا للتجريبي خلفًا للإدارة السابقة المتميزة والتي قادها للتجريبي د. سامح مهران الذي أعاد دورات المهرجان بعد غيابه لسنوات فأعاد الحياة للمهرجان وللمسرحيين وباتجاه فلسفة مغايرة بإلغاء جانب المنافسة والتسابق بينما سعى إلى تأكيد دور المهرجان نحو تبادل الخبرات والثقافات وتعريف المشاركين من مختلف دول العالم بحركة المسرح المصري واطلاعنا على العديد من التجارب العربية والدولية ، كما شهدنا تكريمًا مختلفًا لأحد فناني حركة المسرح المستقل بمصر المخرج الراحل محمد أبو السعود مدير ومؤسس فرقة “التشظي والاقتراب “ وكرم في ذكرى رحيله الأول بإعادة تقديم أحد عروضه المهمة “ميتا فيدرا” بليال متعددة على مسرح الهناجر للجمهور ،وصرح خميس :ونحن بصدد تنظيم وإقامة مهرجانات مسرحية جديدة تسعى بطموح كبير المشاركة في تنمية المسرح حيث نشهد الدورة الأولى لمهرجان “ إيزيس “ الدولي لمسرح المرأة بالشهر الحالي ، ونشهد هذا العام فعاليات دورات جديدة لمهرجانات ناشئة حيث الدورة الثالثة لملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي بأكتوبر القادم والخامسة لشرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بإبريل القادم ، وتسعى إدارة كل مهرجان لمواجهة صعوبات ومشكلات الدورات السابقة لتستكمل دوراتها بفعاليات أكثر وأفضل ،وأوضح خميس : يواجه المسرح المصري العديد من التحديات منها أننا نعاني من عدم الإعلان عن خطط واضحة وبرنامج زمني ثابت للعروض المقدمة من قبل إدارات مسارح الدولة ، و نعاني من التضييق ومظاهر خنق الإبداع المتمثل بالقرارات الصادرة للمسرح من قبل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ، فقد وصلت قرارات الرقابة الأخيرة إلى اقتطاع أجزاء كبيرة من بعض النصوص ومنع تقديم الكثير من النصوص الكلاسيكية فشكّل ذلك دورًا سلبيًا في حرية الإبداع للمسرح ، ونتمنى مراجعة قرارات جهاز الرقابة من قبل وزارة الثقافة نحو إجراء مقابلة بين فريق أعضاء النقابة ولجنة مشكلة من قيادات بمؤسسات الوزارة الخاصة بالمسرح ، ونتمنى إعطاء قدر كبير من الحريات نحو تقديم كافة الرؤى بالعروض المسرحية ، فحل هذه الأزمة سيؤدي إلى تطور الحركة المسرحية المصرية أو ازدهارها .
عبد الناصر حنفي : المسرح يعاني من عدم وجود برنامج أو خطة لرصد وقياس العروض المنتجة .
إنتاج مسرحي كبير جدًا
قدم الناقد عبد الناصر حنفي بكلمته قراءة سريعة كمحاولة لقياس عدد العروض المسرحية التي تنتج بالمسرح المصري من مختلف الهيئات والمؤسسات بالعام الواحد ، وأوضح :الفرق كبير عند الحديث عن صفة معاشة أو قضية ما بوجه عام ، والحديث عنها باعتبارها ظاهرة فتناول ظاهرة ما يجب تناول أسباب ظهورها وعلاقتها بالعالم وهذا ما نأمله عند تناول أي قضية تخص المسرح ، وتابع حنفي :المسرح قائم على الفعل المسرحي ، وهو فعل إنساني متطور بدءًا من الفعل القصدي ثم المباشر والغير مباشر ، والفعل الإبداعي ..إلخ ،وبالنهاية يأتي الفعل المسرحي كفعل إنساني بدرجة أعلى يتسم بالتطور والتعقيد والتركيب ، ويقسم العمل المسرحي داخل العرض أربعة تقسيمات منها تبعًا للدور والفعل والحدث ، وبالخطاب النظري بدأ استيعاب تقسيمات العمل بنهاية القرن الثامن عشر موضحة بالنظام اقتصادي واتضحت تقسيم العمل أكثر مع بداية القرن العشرين ، وأوضح حنفي :بدأ المسرح بمصر القديمة وهذا ظهر واضحًا بالبرديات للقدماء المصريين ، واستطرد حنفي عن مراحل تطور المسرح بعد ذلك ،وفي فترة العصور الوسطى ومظاهر تدهور المسرح حينذاك ، وقال : وهناك فرضية لابد من التفكير فيها عندما تم تناول المسرح باعتباره مشتق من نظرية الشعر كانت هذه نظرية جمالية ذات أصول شعرية وأدبية واشتق الفعل المسرحي عن فعل الممارسة الجمالية غير أنه لابد أن يشتق المسرح من الفعل الاجتماعي ، بينما المسرح يختلف بوصفه وسيلة ،وعندما تقرر مجموعة أن تقدم عرضًا مسرحيا وتقوم بمهام نحو إعادة توزيع الخبرات والسلطات واستعادة الخبرات من المحيط الاجتماعي ، وهكذا يكون الإنسان مرتبط بالفعل المسرحي ، وأكد حنفي : لا توجد أي إحصائية واحدة تقدم عدد العروض المنتجة التي تقدم كل عام بالدولة ، وكذلك لا يوجد أي أرقام واضحة محسومة بإنتاج دولة كاملة من المسرح بينما قد نجد أرقام دقيقة لإنتاج بعض المؤسسات فقط ، ونحن نشهد عدد كبير جدًا من العروض التي تنتج من الدولة المصرية بكافة المؤسسات الحكومية بوزارة الثقافة ،ومؤسسات الكنيسة ،فتشكل الجامعات والحكومية والخاصة نحو 850 مؤسسة تنتج تقريبًا بالعام الواحد ما يقرب من 1500 عرضًا ، وبالمدارس التي ذاد عددها عن 2500 مدرسة ينتج المسرح كأحد مجالات النشاط الفني بها عددًا ضخمًا من العروض المسرحية ، ويوجد نحو 5000 مركزًا للشباب تنتج مسرحًا بعدد كبير جدًا ، و بالمسرح الكنسي نحو 1300 مؤسسة تقدم نحو عدد 4000 عرضًا ، وبهذا نجد أنفسنا بصدد إنتاج نحو أكثر من 5000 عرض بالدولة المصرية كل عام ، والعروض المنتجة تتسم بتوافد جمهورها الحميم المرتبط بالعرض من الأهالي والأصدقاء و أسرة العرض وهذا ما يحدث بغالبية العروض المنتجة من المؤسسات مثال مسرح االجامعي ، وماشابه ذلك لنصل إلى نحو ما يقرب من 250000 مشاركين في الممارسة المسرحية كل عام ،ونلاحظ أن غالبيتهم من الطبقة الوسطى بالمجتمع المصري ، ونأمل دعوات نحو تقديم احصائيات واضحة لذلك ، وكانت هناك اتجاهات نحو ذلك من قبل المركز القومي للمسرح ومن لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة ، وأكد حنفي : إن التاريخ ،وكتب الرحالة يظهر في كل الحقب التاريخية أنه يوجد ممارسات مسرحية دومًا بمصر وأشار حنفي إلى أحد الدراسات التي أكدت وجود نحو 1000 مسرحًا في الفترة الهيلينية ، وأشاد بتجربة الخديوي اسماعيل نحو مشروعه للمسرح المصري ، وأكد حنفي : تبعًا لأحد الآراء من إدارة المهرجان التجريبي إن عدم مشاركة العروض المتميزة يرجع لعدم دفع مقابل مادي لفرق العروض وإلغاء مجال التسابق الذي نتج عن قرار البعض من إدارة المهرجان ، ولابد من مناقشة هذا الجانب من جديد وبوعي ، ومناقشة الأزمات الحقيقية التي عانى منها المهرجان التجريبي في دوراتة الأخيرة .
رواد الفن المسرحي
قال د. كمال الدين عيد : يعد هذا اللقاء فرصة جديدة ومهمة للحديث عن المسرح المصري وتاريخه الذي يشهد أننا من رواد الفن المسرحي بمنطقتنا العربية ، ففي بداية القرن العشرين أسسا “يوسف وهبي” ،وعزيز عيد وبعض رواد المسرح المصري فرقتهم المسرحية التي نهضت بالحركة المسرحية المصرية آنذاك، وفي 1930 كانت هناك محاولة لتأسيس المعهد العالي الفنون المسرحية من قبل زكي طليمات وقد افتتح رسميًا من جديد 1944 ، وفي عام 1935 كان قد صدر من وزير المعارف بإنشاء الفرقة القومية المصرية ، التي أسندت رئاستها للشاعر خليل مطران وتوالت عروض الفرقة بازدهار المسرح بمرور السنين مع رواد المسرح ومديري الفرقة من بينهم أحمد حمروش الذي وضع خطة مهمة للنهوض بالفرقة واهتم بشباب المؤلفين وغير اسم الفرقة آنذاك باسم فرقة المسرح القومى ، ومنذ عام 1956، بدأ تقديم أعمال كبار الكتاب الشباب، ومنهم ألفريد فرج ويوسف إدريس وسعد الدين وهبة وميخائيل رومان وانطلقت صحوة مسرحية شعرية، كان فارسها عبدالرحمن الشرقاوى وتبعه صلاح عبدالصبور ونجيب سرور، وعلى أثرهما جاءت أعمال فوزي فهمي، ويسرى الجندى ، وكنا نحظى بعدد كبير مميز من المؤلفين والمخرجين الذين أسسوا العقيدة العلمية للمسرح المصري ، وقد ارتكز المسرح المصري حينذاك بقوة على وعي شخصيات تدير مؤسسات المسرح من بينهم ، الراحل محمود الألفي ،وخليل مطران ، وكانوا هم من يضعون خطط المسرحيات التي ستنتج وتقدم ،بينما نشهد حاليا “ عشرات من الأفراد الذين يقررون مصير وهوية المسرحيات التي تقدم على مسارح الدولة ولا يمتلكوا أي وعي أو فكر مما يحتاجه المسرح المصري يهذه الحقبة الزمنية الأخيرة ، وأوضح عيد عندما كنت بدولة المجر لاحظت أنها كانت تزخر بعدد كبير من المسارح وبإدارات زكية تعي ما تقدمه لجمهورها ، وكنا بالسابق نحظى بالاهتمام الكبير ببرنامج البعثات العلمية والعملية وتنفيذها وإرسال الكثير من المسرحيين أساتذة ومؤلفين ومخرجين وممثلين للدراسة بمختلف الدول ببرنامج زمني طويل لأربع أو خمس سنوات للتعلم بمدارس ومؤسسات مسرحية عالمية لنقل الخبرات لمؤسسات المسرح المصري غير أنا نعاني حاليا من عدم إدراك أهمية البعثات وتقليص برامجها في الآونة الأخيرة .
أزمات وتوصيات
وأكد عيد : نحن أيضا نعاني أزمة عدم توافر قاعدة بيانات لكافة العروض المقدمة بالدولة وعدم الالتزام بتقديم المسرح بمواعيد واضحة وثابتة ومناسبة لكل فئات الجمهور كما يُقدم بالعالم الغربي بكل دولة تبعًا لظروف مواطنيها ،وأتمنى أن تقدم إدارات المسرح بيانًا بإيضاح الطرق والمواصلات التي تؤدي للمسارح لإعلان ذلك للجمهور والتيسير عليهم نحو ذهابهم للمسارح وإيابهم لمنازلهم ، وأن تقوم المراكز الإعلامية بالمسارح بدورها الحقيقي ،وتوفير ريبرتوار سابق عن العروض ومواعيد تقديمها بكل مسرح بإيضاح للجمهور وأوضح عيد : إن بعض مسارح المؤسسات الحكومية والخاصة بالعالم الغربي توفر مخازنًا للديكور بالقرب من دور العرض حتى يتم نقل الديكورات بيسر عند إعادة تقديم العروض ويتبادل التقديم المسرحيات للجمهور بين مسرحية وأخرى ونتمنى أن نحقق ذلك بمصر، وأكد عيد إن المهرجانات المسرحية بكل اتجاهاتها لا تصنع مسرحًا ولا تدفع به إلى الأمام والتقدم أبدا ، وآمل تشكيل لجنة لإيجاد خطط لتنمية ، وتطور المسرح المسرحي بمختلف مجالاته وإيجاد بعض الحلول العملية وخاصة عند التعامل مع مؤسسات وزارة الثقافة و محاولة تقديم عروض جديدة ذات الأفكار المبتكرة خارج الصندوق لأن هذا ما سيدفع إلى تطور مسرحنا المصري ،وبنهاية المؤتمر دار نقاش حر بين المحاضرين ،والسادة الحضور حول بعض المقترحات والتوصيات لمواجهة تحديات المسرح المصري للنهوض به للأفضل .
أقيم المؤتمر “ المسرح المصري من أين وإلى أين” تحت رعاية الأستاذ الدكتور علاء عبدالهادي رئيس النقابة العامة لاتحاد الكتاب ،والمخرج الشاعر سامح العلي ،رئيس شعبة الدراما ،والدكتور كمال الدين عيد رئيس المؤتمر .
 

 


همت مصطفى