أحمد الناغي الفنان العربي الوحيد الذي دفن بجوار شكسبير

أحمد الناغي الفنان العربي الوحيد الذي دفن بجوار شكسبير

العدد 652 صدر بتاريخ 24فبراير2020

ولد الفنان القدير أحمد الناغى فى 20 ديسمبر عام 1940، وهو فنان حقيقى ومثقف واع ومسرحي أصيل نال شرف عضوية فرقة “المسرح القومى” بمجرد تخرجه من أكاديمية الفنون، وبالتحديد بمجرد حصوله على درجة بكالوريوس “المعهد العالى للسينما” عام 1963. وتتضمن قائمة أعماله مشاركته فى بطولة العديد من الأعمال بمختلف القنوات الفنية (المسرح، الدراما الإذاعية والتليفزيونية). وهو فنان على درجة كبيرة من الحساسية وإنسان رقيق المشاعر، وقارئ جيد جدا وصاحب ثقافة موسوعية وعاشق للغات وخاصة اللغة الانجليزية، وقد تزوج من زميلته بفرقة “المسرح القومي” الفنانة القديرة فريده مرسى.
ومن أهم الشخصيات الدرامية التي برع في تجسيدها بالمسرح: شخصية صاحب خيال الظل بمسرحية “إبن البلد”، وشخصية عزيز باشا بمسرحية “روض الفرج”، وشخصية القاضى بمسرحية “رجل فى القلعة”، حامد فى “رحلة خارج السور”، وأمير البربر فى “النسر الأحمر”.
وتجدر الإشارة إلى مشاركته بأداء بعض الأدوار الدرامية المتنوعة بعدد كبير من المسلسلات والتمثيليات التليفزيونية المهمة، والتي من خلالها قام بأداء بعض الشخصيات الدرامية الرئيسة، وذلك في حين لم تستطع السينما الإستفادة من موهبته الكبيرة بسبب كبريائه الفني وعدم سعيه للشهرة.
وقد انتهت مسيرته الفنية برحيله عن عالمنا وهو في عمر الستين عاما، وبالتحديد في 8 أغسطس عام 2000، بمدينة “لندن” عاصمة المملكة المتحدة أثناء رحلة علاجه.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة المشاركات الفنية للفنان القدير أحمد الناغي طبقا لاختلاف القنوات الفنية مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
أولا - إسهاماته المسرحية:
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنان أحمد الناغي، فهو المجال الذي مارس من خلاله هوايته لفن التمثيل، كما تفجرت من خلاله أيضا موهبته التي أثبتها وأكدها من خلال أعماله الفنية المتتالية، ولذا كان من المنطقي أن يشارك في بطولة عدد كبير من المسرحيات المتميزة، خاصة بعدما حظى بعضوية فرقة “المسرح القومي”، والتي أتاحت له فرصة تقديم عدد من الشخصيات الدرامية المهمة والمحدد أبعادها بقلم كبار المؤلفين بكل دقة، وفيما يلي بيان تفصيلي بمشاركاته المسرحية:
- بفرقة “المسرح القومي”: رحلة خارج السور، الحلم، الخبر (1964)، سليمان الحلبي (1965)، الغريب، الدنس (1967)، المسامير، رجل بلا ظلال، دائرة الطباشير القوقازية (1968)، البلياتشو (1969)، النار والزيتون، 28 سبتمبر الساعة الخامسة، سر الحاكم بأمر الله (1970)، الأيدي الناعمة (1971)، مقالب عطيات، ثأر الله (1972)، حدث في أكتوبر (1973)، أقوى من الزمن (1974)، النسر الأحمر، باحلم يا مصر (1975)، بداية ونهاية (1976)، أنطونيو وكليوباترة (1977)، ليلة جواز سبرتو (1978)، الفارس والأسيرة (1979)، رجل في القلعة، ابن البلد (1987)،
- “وزارة الثقافة”: روض الفرج (1982).
وجدير بالذكر أنه ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شارك في بطولتها قد تعاون مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: يوسف وهبي، فتوح نشاطي، عبد الرحيم الزرقاني، نبيل الألفي، سعد أردش، كرم مطاوع، كمال عيد، أحمد زكي، سميحة أيوب، عبد الغفار عودة، فهمي الخولي، عوض محمد عوض، نبيل منيب، عادل هاشم، فتحي الحكيم. وذلك بالإضافة إلى تعاونه مع كل من المخرج الألماني كورت فيت (في عرض “دائرة الطباشير القوقازية”)، والمخرج الإنجليزي برنارد جوس (في عرض “أنطونيو وكليوباترة”). كذلك تعاون من خلال تلك المسرحيات مع كبار نجوم فرقة المسرح القومي وفي مقدمتهم الأساتذة: يوسف وهبي، حمدي غيث، عبد الله غيث، عبد المنعم إبراهيم، توفيق الدقن، شفيق نور الدين، رشدي المهدي، محمد السبع، محمود ياسين، نور الشريف، أمين الهنيدي، عبد الرحمن أبو زهرة، يوسف شعبان، نبيل الدسوقي، إبراهيم الشامي، صبري عبد العزيز، محمود الحديني، عبد السلام محمد، أشرف عبد الغفور، حسن عبد الحميد، محيي إسماعيل، محمد عناني، وحيد عزت، نبيل الحلفاوي، أحمد مرعي، محمد خيري، أحمد ماهر، نبيل بدر، سمير حسني، خالد الذهبي، خالد زكي، وكذلك مع مجموعة الفنانات: أمينة رزق، ناهد سمير، سميحة أيوب، عايدة عبد العزيز، رجاء حسين، سلوى محمود، محسنة توفيق، سهير المرشدي، سميرة عبد العزيز، فاتن أنور، نادية رشاد، فردوس عبد الحميد، عفاف شعيب، تهاني راشد، هالة فاخر.
وتجدر الإشارة إلى تعاونه مع المخرج القدير كرم مطاوع - الذي آمن بموهبته - في بطولة خمس مسرحيات، فكان أكبر تعاون مع مخرج مسرحي مقارنة بباقي مخرجي المسرح، وكانت المسرحيات الخمسة التي شارك بها هي: 28 سبتمبر الساعة الخامسة، ثأر الله، حدث في أكتوبر، النسر الأحمر، روض الفرج.
ثانيا - أعماله التلفزيونية:
أتاحت الدراما التليفزيونية للفنان القدير أحمد الناغي فرصة المشاركة بأداء بعض الأدوار الدرامية المتنوعة بعدد كبير من المسلسلات والتمثيليات التليفزيونية المهمة، فنجح من خلالها في تحقيق بعض الانتشار الفني وتأكيد قدراته ومهاراته الفنية، ولكن للأسف يصعب رصد وتسجيل جميع مشاركاته نظار لغياب التوثيق العلمي للأعمال التليفزيونية!!، هذا وتضم قائمة إسهاماته الإبداعية مشاركته بالمسلسلات الدرامية التالية: الرحمة المهداة العاصفة (1977)، الأيام (1979)، الكعبة المشرفة (1981)، عمرو بن العاص (1983)، محمد رسول الله (ج 4- 1984)، محمد رسول الله (ج 5- 1985)، والتي من خلالها قام بأداء بعض الشخصيات الدرامية الرئيسة ومن بينها على سبيل المثال: شخصية “الحجاج” بمسلسل “الكعبة المشرفة”، وشخصية “تيودور” بمسلسل “عمرو بن العاص”.
ثالثا - إسهاماته الإذاعية:
شارك الفنان أحمد الناغي بأداء بعض الشخصيات الدرامية المهمة بصوته المميز وقدراته الأدائية العالية في عدد كبير من المسلسلات الدرامية والتمثيليات والسهرات الإذاعية، ولكن للأسف يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذا الفنان القدير - والذي ساهم في إثراء الإذاعة المصرية بأعمال كثيرة على مدار مايزيد عن ثلاثين عاما - وذلك نظرا لأننا نفتقد وللأسف الشديد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وتضم قائمة أعماله الإذاعية مجموعة كبيرة من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية ومن بينها: إرادة الحياة، حكاية مصرية (حسن طوبار)، الطوفان، وذلك بالإضافة إلى عدد كبير من المسرحيات الإذاعية سواء من المسرح العربي ومن بينها على سبيل المثال: مسرحية “مأساة الحلاج” تأليف صلاح عبد الصبور، وإخراج بهاء طاهر، مسرحية “الحمار والمرآة” تأليف عبد الغفار مكاوي وإخراج هلال أبو عامر، أو من المسرح العالمي ومن بينها على سبيل المثال: “إناء الحساء” (من الأدب الإيرلندي) تأليف ويليام بتلر ييتس، وإخراج الشريف خاطر، أنفاق السين والواز تأليف مارجريت دوراس، وإخراج هلال أبو عامر، أنا لم أقتلها تأليف سيسل سميث فورستر، إخراج فاروق لطيف، “محاكمة حول ظل الحمار” تأليف فريدريش دورينمات، إخراج هلال أبو عامر، “الكرز المزهر” تأليف روبرت بولد، إخراج الشريف خاطر.
هذا ويجب التنويه عند محاولة توثيق مجموعة إسهاماته الإذاعية الإشارة إلى مشاركته بعدد كبير من الأعمال باللغة العربية الفصحى التي كان يجيد ويستمتع بالحديث والتمثيل بها.
- وراء الكواليس:
أسعدني الحظ بمتابعة عدد كبير من عروض فرقة “المسرح القومي” ومن بينها بعض المسرحيات التي شارك ببطولتها الفنان القدير أحمد الناغي وخاصة تلك التي قام بإخراجها أستاذي المبدع كرم مطاوع، وكان من الطبيعي أن يلفت نظري بموهبته المؤكدة ويشد انتباهي بمعايشته الكبيرة لأدواره وبمهارته وقدراته في تجسيد الشخصيات الدرامية المركبة والمتنوعة، وتمنيت أن تتاح لي فرصة الإقتراب من العالم الفني لهذا المبدع الأصيل. وتحققت الأمنية في منتصف ثمانينات القرن الماضي حينما شرفت بالتعامل معه من قرب وذلك أثناء عملي كمخرج منفذ لمسرحية “ابن البلد” بفرقة المسرح القومي عام 1987، وهي من المسرحيات المتميزة التي حققت نجاحا كبيرا على كل من المستويين النقدي والجماهيري، كما نالت شرف تمثيل “مصر” بمهرجان “بغداد المسرحي الدولي” عام 1988. والمسرحية من تأليف د.عبد العزيز حمودة (عميد كلية آداب القاهرة آنذاك)، وإخراج المخرج المتميز أحمد زكي، وبطولة النجوم أحمد مرعي، عفاف شعيب، أحمد ماهر، زين نصار. ولصعوبة النص - الذي يتناول فترة تاريخية هي حكم المماليك وبالتحديد فترة حكم “الظاهر بيبرس” - والذي تطلب طبقا للرؤية الإخراجية الاستعانة بمهندس الديكور الإنجليزي جريجوري سميث وبفرقة موسيقى شعبية ومطربين ومداحين شعبيين استغرقت البروفات فترة طويلة أكثر من ثلاثة أشهر، فكانت فرصة طيبة بالنسبة لي للإقتراب من عالم هذا الفنان المبدع الذي بهرني بثقافته الموسوعية وعشقه الكبير لجميع المسرحيات الرائعة للكاتب العالمي المبدع وليم شكسبير، وبالتزامه الشديد بجميع التقاليد المسرحية. كانت ثقته في نفسه كبيرة جدا، وبالتالي فقد انعكست تلك الثقة في أسلوب تعاملاته بتواضعه الشديد وعدم اهتمامه بتلك الشكليات والمظاهر الخادعة، لم يختلف يوما حول طريقة كتابة اسمه بالأفيشات أو ترتيبه بتحية الجمهور في نهاية العرض، أو حتى حول كيفية توزيع غرف الممثلين والملابس والمكياج بالكواليس، فقد كان على يقين بأن الحلبة الأساسية هي خشبة المسرح، وأن على من يريد تحديد مكانته الفنية بصدق عليه أن يكسب ثقة وإعجاب الجمهور الذي لا يمكن خداعه. وشهادة حق أنه لم يتغيب أو حتى يتأخر عن موعد بداية أي بروفة أو عرض طوال فترة البروفات وتقديم العرض، فكان يحضر مبكرا دائما كنوع من الطقوس التي تعود عليها، خاصة وأنه ظل يشعر - وكأغلبية أعضاء أسرة المسرح القومي - أن المسرح جزء أساسي من حياته وأنه المكان الطبيعي الذي يستمتع بالتجمع فيه مع باقي زملائه. وتضمن الذاكرة مفاجآت كثيرة بالنسبة لي وفي مقدمتها حرصه الكبير على توظيف جميع أوقات فراغه بغرفته في تجويد معرفته باللغة الإنجليزية، لدرجة أنه كان يخصص بضع ساعات كل يوم لحفظ بعض أجزاء القاموس على التوالي (جميع الكلمات التي تبدأ بحرف من حروف اللغة الإنجليزية!!)، وكل ذلك بهدف الاستمتاع باللغة الشاعرية وبحوارات كاتبه المفضل وليم شكسبير بلغتها الأساسية.
تتضمن ذكرياتي أيضا عدة مواقف مشرفة له خارج “مصر”، وذلك أثناء مشاركتنا معا في تمثيل “مصر” بمسرحية “ابن البلد” بمهرجان “بغداد المسرحي الدولي” عام 1988، فبمجرد وصولنا إلى “مطار بغداد الدولي” ونجوم العرض الثلاث يحظون بعدة مزايا استثنائية، بدأت بذلك الإستقبال الحافل الذي يليق بنجوميتهم، خاصة وأن الفنانة عفاف شعيب كانت في قمة تألقها آنذاك بعد مسلسلها الرائع “الشهد والدموع”، والفنان أحمد مرعي أيضا كان في قمة تألقه السينمائي والتليفزيوني، في حين كان التليفزيون العراقي يعرض للفنان أحمد ماهر آنذاك مسلسلي: أولاد أدم وملحمة كبريت، منذ اللحظات الأولى تضمنت مراسم الإستقبال تخصيص سيارة خاصة لكل نجم منهم، ثم تخصيص أجنحة فاخرة خاصة لهم بفندق “شيراتون عشتار”، مع تنظيم عدة لقاءات تليفزيونية، وقد أثارت تلك الحفاوة والإسثناءات ضغينة بعض أبطال العرض الآخرين، حتى أن أحدهم وفي محاولة لفت الأنظار إليه وإلى مكانته فخرج عن أصول اللياقة واعترض بطريقة فجة وألفاظ خارجة عن ذلك التمييز، وهنا بادر الفنان أحمد الناغي بمساندتي في تهدئة الأوضاع وكبح جماح ذلك الزميل، وأتذكر جملته المقنعة جدا يومها حينما قال له: (كل ما تفعله لن يجدي ولن تجد له صدى سوى الاستنكار ولن يحقق لك أي مكاسب .. الوسيلة الوحيدة لكي تحقق هدفك  وتسترد مكانتك وتحظى بالتقدير هو التألق في العرض .. ساعتها فقط ستحصل على كل المزايا)، وهو ما تحقق بالفعل لباقي نجوم العرض، حيث نالوا الشهرة والمكانة المتميزة جدا بالصحافة وبين نجوم العراق وجمهوره بتميزهم وتألقهم بالعرض.
حقا أنها مسيرة فنية ثرية نجح خلالها الفنان القدير أحمد الناغي في حفر مكانة خاصة له بذاكرة “المسرح القومي”، بموهبته المؤكدة وتلقائيته المحببة وإبداعاته المتنوعة والتزامه الشديد بالقيم السامية والأخلاقيات الرفيعة، وحرصه الدائم بالمحافظة على تقاليد المهنة والتمثيل المشرف للفنان المصري والعربي. وأخيرا تجدر الإشارة إلى مقفارقة كبرى قد لا يعرفها الكثيرون وهي أنه الفنان العربي الوحيد الذي دفن بمدينة “ستراتفورد” الإنجليزية، وبالتحديد “بالبريكان” بجوار كاتبه المفضل وليم شكسبير وذلك بناء على وصيته، والتي تحققت حينما ذهب إلى إنجلترا للعلاج أثناء مرضه الأخير ولزيارة ابنه الطبيب الذي كان يقيم هناك للحصول على درجة “الدكتوراه”، والذي حرص على تحقيق وصية والده وأنهى جميع الإجراءات بمعاونة والدته وبالتنسيق بين وزارة الثقافة المصرية (وإدارة المسرح القومي) وإدارة مدينة “ستراتفورد” (المجلس المحلي). رحم الله هذا الفنان القدير جزاء عشقه الصادق للفن وحبه العميق للمسرح ووفائه له، وإخلاصه وتفانيه بصفة عامة في جميع أعماله.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏