المخرج انتصار عبد الفتاح:«صبايا مخدة الكحل» تواكب تغيرات مجتمع 2020 ويمكن اعتبارها جزءا جديدا

المخرج انتصار عبد الفتاح:«صبايا مخدة الكحل» تواكب تغيرات مجتمع 2020 ويمكن اعتبارها جزءا جديدا

العدد 652 صدر بتاريخ 24فبراير2020

الفنان و المخرج القدير انتصار عبد الفتاح يمتلك سجلا حافلا من الأعمال المسرحية والجوائز و تاريخا فنيا امتد لأكثر من أربعين عاما، قدم  خلاله مجموعة كبيرة من الأعمال الهامة منها العرض المسرحي (ترمبية) الذى شارك به في الافتتاح التجريبي لمسرح الصوت والضوء، وعرض (الدربوكة) الذى عرض في افتتاح الدورة الأولى للمهرجان التجريبي، والذي لم يكن مجرد عرض افتتاح إنما  تجاوز ذلك إلى كونه الأساس في تنظيم المهرجان ، ليكون بذلك هو صاحب فكرة العمل التجريبي في مصر. ثم قدم أيضا علي الطليعة العمل المسرحي (ترنيمة 1 و2) .ثم في عام 1998 أنتج عرض (مخدة الكحل ) وقدمه  أيضا في المهرجان التجريبي في دورته العاشرة، وتم اختياره كأفضل عرض في المهرجان، وبذلك حصلت مصر لأول مرة على جائزة  أحسن عرض من بين الدول المشاركة. ومن الأسباب التي تجعل من المخرج انتصار عبد الفتاح متفردا ومتميزا في الأعمال التي يقدمها كونه موسيقيا بارعا أيضا ، كما انه يوجه رسالته للإنسان في كل مكان، وباختلاف الثقافات. بعد أكثر من عشر سنوات يعود عبد الفتاح ليقدم مسرحيته (مخدة الكحل ) من جديد ، فما أسباب إعادته لهذا العرض، وما الإضافات التي يقدمها خلالها  .. للإجابة على هذه الأسئلة ..كان لنا معه هذا الحوار :
_في البداية ما أسباب إعادة مخدة الكحل ؟
هذه المسرحية حازت علي جائزة أفضل عرض في المهرجان التجريبي في دورته العاشرة ، كما حازت علي جائزة أفضل عرض عام 2000 في مهرجان قرطاج الدولي ، والعرض الجديد اعتبره جزءا جديدا،  لأنه يحمل إضافات ومشاهد جديدة .. وهو يتناول عالم المرأة الشرقي الداخلي. قدمت الجزء الأول عام 1998 و اليوم هو « صبايا مخدة الكحل»  ما هي أحلامهم عام  2020، ما تطلعاتهم وإحباطاتهم و العالم الخاص بهم .هناك تغيرات سياسية واجتماعية جدت،  حتي العادات والتقاليد تغيرت،  وبالتالي فلابد ان يواكب العرض هذه التغيرات، لذلك  أضفت مشهدا مهما جدا لمخدة الكحل 2020 وهو مشهد محاكمة الجدة.الجزء الأول لم يكن هناك حوار لبنات السرير. بينما في هذه المسرحية هناك محاكمة من هؤلاء البنات للجدة والمحاكمة ليست بالمعني المعروف بل لوم علي بعض العادات المتوارثة والجمود الذي كانت تعيش فيه الفتيات .
_ هل من الممكن ان تعطينا نبذه عن هذا العرض؟
العرض يتناول عالم المرأة الشرقي الداخلي في لحظاته الخاصة جدا، هو عالم ملئ بالإثارة و بالغموض والسرية .ونحن نحاول من خلال المنهج الذي أقدمه وهو المنهج البوليفوني ان أقدم هذا العالم متعدد الأعماق الذي لا يمكن ان أقدمه بشكل أحادي الجانب،  فلابد من وجود شكل يعبر عن هذه الأعماق بداخل المرأة، ، فالمتفرج عند مشاهدة العرض يشعر بان هناك أكثر من لحظة وأكثر من فكرة تقدم في لحظة واحدة .
_اشرح لنا أكثر خصائص هذا المنهج وعلاقته برسالة العرض؟   
البوليفونية معناها تعدد الأصوات و تعدد المستويات.. و البوليفونية نجدها في الموسيقى والفن التشكيلي. و أنا أحاول تقديمها من خلال المسرح، فهناك في الفضاء المسرحي حتى الجمهور يجلس بشكل معين، وأيضا هناك جزء إيقاع وجزء أصوات وجزء غناء وجزء تمثيل، و جزء للرقص كلغة جسد.. رقص تعبيري يعبر عن لغة الجسد الذي يعبر عن هذا العالم (عالم المرأة الشرقي الداخلي ) كل هذه الأشكال سواءً كانت الأصوات او الإيقاعات أو لغة الجسد أو التمثيل تقدم جميعا في لحظة واحدة، و بصورة متوازية، بمعني ان هناك صورة علي اليمين في نفس اللحظة رقصة علي اليسار و تعبير حركي في العمق ومشهد تمثيلي في السرير في الخلف، الذى يجمع عشر صبايا أو عرائس في  2020 .. كل واحدة منهن تعبر عن عالمها الخاص سواء في استقدامها للأدوات الخاصة بالمرأة مثل المكحلة وبعض الأشياء التي تستخدمها في غرفتها السرية .كل فتاة تجلس في غرفتها تعبر عن طموحاتها وأحلامها .
_العرض يندرج تحت مسمى الدراما النسوية فما هو المضمون المختلف عما يقدم ؟
هذا المنهج البوليفوني لا يعتمد على نص مسرحي بالمعنى المعروف ولكن المسرحية تعتمد على سيناريو،  هذا السيناريو يعتمد على فكرة ان الجدة تجلس و أمامها ماكينة خياطة، تنسج الاحلام التي تكون بداخل كل فتاة من خلال الماكينة .ثم يأتي الحوار الذي كتبته  الشاعرة كوثر مصطفي، وهي شاعرة كبيرة ، شاهدت العرض وبدأت الكتابة لتنسج الحوار مع المشاهد الدرامية. هذا المنهج مختلف عن أي شكل آخر.
- فهل يخاطب هذا الشكل جمهور ذو ثقافة معينة ؟
لا،  انا اختلف مع فكرة تقديم عرض يخاطب فئة معينة، بدليل ان يوم الافتتاح كان كل الجمهور او معظمه من الشباب . في الجزء الأول استمر العرض حوالي أربعة اشهر في مسرح الطليعة و تم عرضه في اكثر من مكان علي مستوي العالم ، في  دول عربية و أجنبة مثل فرنسا وايطاليا وسراييفو وأيضا سوريا ولبنان وألمانيا و لقي إقبال ونجاح جماهيري من كل الفئات.. لأن العرض لا يخاطب فئة واحدة ، ويوم الافتتاح كان الجمهور محتشدا وكان هناك الكثير لم يجدوا أماكن .  مخدة الكحل ليست المسرحية الأولى التي أقدمها وفقا للمنهج البوليفوني، وسبق ان قدمت ترنيمة 1 وترنيمة 2 وقبلهما قدمت عرض الدربوكة في أول دورة من مهرجان المسرح التجريبي، وجميعها لاقت إقبالا  ونجاحا جماهيريا كبيرا .
- إذن فلمن توجه عرضك  بما يحمله من رسالة ؟
انا لا أقدم عرضا لجمهور المرأة .انا لا افرق بين  رجل وامرأة وأطفال وشيوخ ،  أوجه العرض للإنسان ، فالموضوع في النهاية هو (كلنا ). العرض نسوي نعم ،  ولكن كل إنسان له خصوصيته واهتماماته وحياته الخاصة، وهذا العرض ينتقل من كونه يتناول عالم المرأة الشرقي الداخلي الى كونه عرضا انسانيا .أي إنسان علي مستوي كل الثقافات يستطيع ان يتفهمه.انا أحب التواصل الإنساني لأننا لسنا وحدنا  
_ ما هي وجهة نظرك في مقولة (الجمهور عاوز كدا )؟
من خلال المسرح الذي أقدمه او حتي من خلال فرقة سماع، قمنا بالنزول إلى الشوارع فقدمنا عروضا في وسط البلد وممر بهلر في ملتقي إبداع..الشعب المصري ذواق وهو من أجمل  الشعوب، وبالتالي لا يمكن الاستخفاف بعقليته  وعندما تقدمي له الرقي فسيكون معك وليس العكس .فالمسرح مهم جدا في تربية الذوق العام بدليل عرض «رسالة سلام» علي سبيل المثال في مهرجان سماع، وهو لم يقدم بشكل تقليدي .لقد  حاولت ان أقدم ما يسمي (بمسرحة المهرجانات) وهو مصطلح جديد حاولت ان أقدم  البهجة في مهرجان الطبول.فنحن نحتاج لهذه البهجة في الشوارع .وقدمنا اكبر ديفيليه في شارع المعز وسمي بمليونيه شارع المعز، و كان الإقبال بالآلاف...وكانت صورة مشرفة تصدر إلي الخارج،  فهذه هي مصر وهذه هي ثقافة مصر وهذا هو الشعب المصري وهذا هو الفن.
_عرفنا على  الإيقاعات والآلات  المستخدمة في صياغة العرض ؟
انا قدمت دراسة لمجلة المسرح عن استقدام الأدوات البيئية في التعبير عن الشخصية المصرية .بمعني استخدام مخرطة الملوخية والطشت والهون النحاسي وغيره . كل هذه الأدوات أقوم  بتجميعها واخرج منها بمنظور صوتي ومنظور مرئي جديد .وبالمناسبة كانت تجربتي الأولى في عرض» دربوكة « في اول مهرجان للمسرح التجريبي واستخدمت أدوات المنجد والمنشار والشاكوش .وكانت من أهم التجارب التي قدمتها في حياتي.وهذا جزء من المنهج البوليفوني والصوتي. فمثلا القبقاب نجده في آسيا وفي أوروبا وايضا هنا في مصر، فهناك مفردات مشتركة بين مجوعة من الثقافات باختلاف البلدان .وأيضا قدمت تجربة هامة جدا اسمها (الخروج الي النهار) مستوحى من كتاب الموتى، في جزء أول .والجزء الثاني ( أطياف المولوية ) وهناك الجزء الثالث الذي نعد له هو (وجوه الفيوم) .. فالقبقاب مرتبط بالمرأة منذ المعابد الفرعونية.. المرأة الفرعونية أهم امرأة علي مر العصور ولها احترامها .و من المراجع التي قمت بالاستناد إليها كتاب (المرأة الفرعونية ) بالإضافة إلي مجموعة كتب عن الحضارة المصرية القديمة .
_ هل هناك خطة لتقديم العرض في أماكن أخرى أو المشاركة في مهرجانات بالخارج ؟
نحن بصدد التجهيز لعرض (وجوه الفيوم)وهو الجزء الثالث من ثلاثية (الخروج الي النهار). اما عن عرض مخدة الكحل فهو يعرض الآن في الطليعة وسوف يشارك في مهرجانات بالخارج، ولكن إلي الان لا توجد اي إجراءات ,ولكنه مطلوب .فنحن بصدد عرضه في أماكن متعددة داخليا وخارجيا.
_ ما رأيك في الحركة المسرحية الحالية؟
انا سعيد جدا بالفنان شادي سرور وما يفعله في المسرح وأيضا بالفنان إسماعيل مختار.وهما زميلاي، وانا سعيد بمساهمتهما في الحركة المسرحية و أتصور ان المرحلة القادمة سوف تشهد تطورا ونقلة كبيرة، ونحن نحتاج إلي هذا كي تعود الريادة المسرحية مرة أخرى . أنا متفائل . ولكن لابد ان تكون  الى جانب هذه التجارب الجديدة والنقلة المسرحية حركة نقدية موازية ومواكبة لما يقدم . انا من المحظوظين اذين  كتبت عنهم الدكتورة نهاد صليحة،  كتبت عن منهجي والمسرح البوليفوني ومخدة الكحل .و ايضا الدكتور صبري حافظ  من أهم الكتاب  الذين  كتبوا  عن مخدة الكحل .و علي المستوي العربي كتب الدكتور عبد الرحمن بن زيدان عن أعمالي وهناك دكتوراه دولة عن «مخدة الكحل « وكان هناك كتاب عظام أيضا مثل الدكتورة هدى وصفي والأستاذة منحة البطراوي .وغيرهم . كانت هناك حركة نقدية واضحة والمطلوب حركة نقدية جديدة توازى هذه التجارب .فالمسرح لن تعود له زيادته الا بتلك المنظومة: العروض والنقد بالتوازي .فالمسرح بدأ ونريد أيضا للنقد ان يبدأ.  ما يقدم حاليا اسميه بالنقد التجاري.  نحن نريد الرجوع إلى الريادة.


منار سعد