بمناسبة صدور مسرحيته أرض الدخان عماد مطاوع: أعشق الكتابة للمسرح والإذاعة

بمناسبة صدور مسرحيته أرض الدخان عماد مطاوع: أعشق الكتابة للمسرح والإذاعة

العدد 621 صدر بتاريخ 22يوليو2019

الكاتب المسرحي والإذاعي عماد مطاوع صدر له مؤخرا كتاب (أرض الدخان ومسرحيات أخرى) عن سلسة نصوص مسرحية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، الذي يضم ثلاث مسرحيات قصيرة ذات طابع نفسي وفلسفي. عماد مطاوع صدر له من قبل مسرحية «المؤرقون» التي فاز عنها بجائزة ساويرس للنص المسرحي عام 2011، كما صدرت له مسرحية «الزائر» عن هيئة الكتاب عام 2018 وله عدة أعمال غير مطبوعة. يعمل مديرا للتحرير بهيئة قصور الثقافة ومشرفا فنيا لمشروع مسرح الجرن، كما أنه محاضر للدراما الإذاعية بقسم الدراما والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس.. كتب الكثير من المسلسلات الإذاعية وفاز بجائزة أفضل مسلسل إذاعي عربي بمهرجان الإذاعة والتلفزيون عام 2009 عن مسلسل «شرق النخيل».. نحتفي معه هنا بمجموعته المسرحية الجديدة (أرض الدخان).

 - بأي الصنوف الأدبية بدأت وأيها أقرب إلى قلبك؟
بدأت قاصا أنشر القصص القصيرة في المجلات والصحف لكنني لم أنشر مجموعة قصصية كاملة من قبل، لأن الكتابة للمسرح والدراما الإذاعية استهوتني وجذبتني تماما من القصة القصيرة، لكن ملامح القصة القصيرة تبدو جلية في كتابات المسرح من حيث التكثيف والاختزال واللغة وغيرهم، والحقيقة إن أقرب الأجناس الأدبية إلى قلبي هو المسرح وينازعه فقط الدراما الإذاعية، فقد بدأت أكتبهما معا تقريبا في الوقت نفسه، فأول عمل إذاعي درامي حقيقي لي أكون راضيا عنه كان في عام 2003 وهو مسلسل «الجواد الجامح» وقد أذيع عبر موجات البرنامج الثقافي من إخراج المخرج الراحل عصام العراقي، ولكنني أكتب البرامج الإذاعية منذ عام 1998، وفي العام نفسه 2003 كتبت مسرحية «المؤرقون».
 - ليتنا نتعرف على متن كتاب (أرض الدخان).
الكتاب يحوي ثلاثة نصوص، وهي مونودراما (أرض الدخان)، ومسرحية (رحلة صيد)، و(مسرحية حلم). نص (أرض الدخان) بطله شاب نشأ حيث يوجد نبوءة أو لعنة متوارثة في عائلته تقول إن أكبر الشباب في العائلة كل عشرين عاما عندما يتم الأربعين من عمره يموت، وهو في انتظار النهاية المتوقعة، ولكن المسرحية تنتهي دون أن يموت ولكنه يظل طوال الوقت في حالة انتظار للحظة النهاية مع استدعاء للماضي ومحاكمة تصرفاته من خلال التفاصيل التي تسمح بها المونودراما والاستدعاء الداخلي وغيره، وينتقل من حالة إلى حالة إلى حالة بمصاحبة تيار الوعي وما إلى ذلك، وهي قد تكون لحظة توقف مع النفس يتفكر فيها ويحاكم الواقع والتاريخ، ورغم أنه مؤمن أنه لن يكون حاضرا في العالم بعد قليل فإنه يأبى أن يترك العالم إلا وهو مشارك فيه من خلال محاولات كتابة رسائل إلى أصدقائه، مع سرد حكايات لن تنتهي ولا نعرف نحن كيف ستنتهي ولكنه فتح بابها وتركها هكذا دونما غلق.
 - تبدو لديك ملامح التلاقي في الفكرة بين القصة القصيرة والمسرح والتأثير المزدوج بينهما.
لا أرى أي غضاضة في أن يتأثر جنس أدبي بجنس آخر بل بالعكس أؤمن أن الفنون كلها تتكامل وأنه يوجد عامل مشترك بينها مثلما المسرح أبو الفنون وخرجت من عباءته كل الفنون الدرامية. أيضا يمكن أن يستفيد المسرح من أي فنون أخرى. توجد مقولة معروفة إنه إذا بدأ الكاتب بكتابة القصة القصيرة وامتلك أدواتها يمكنه بعد ذلك أن يكتب الدراما بشكل جيد وقد يظهر ذلك في التكثيف واختزال اللغة والتركيز على لحظات بعينها وهي كلها من سمات القصة القصيرة.
 - هل اعتمدت بقية نصوص المجموعة على المونودراما أيضا؟
بالمجموعة مسرحية (رحلة صيد) وهو نص مسرحي قصير أبطاله أربع شخصيات ومكان الحدث متخيل، على ظهر يخت بحري، ويتحدث النص عن فكرة العلاقات الملتبسة وثالوث الزوج والزوجة والعشيق أو العشيقة، وهو محاولة لسبر أغوار النفس البشرية وفضح كثير من الأشياء التي تخفيها. ربما النص يهدف إلى القول في النهاية إننا جميعا بشر ولنا أخطاؤنا وهناتنا، وفكرة إننا دائما نتخيل أننا نصنع أشياء في الخفاء هي فكرة واهية، ويبدو في النهاية أن الجميع متواطئ وأن الجميع يعرف ذلك.
النص الثالث (حلم) ديودراما عبثية ترصد علاقة بين اثنين، قد تكون فانتازيا أو قد تكون واقعية، الأحداث التي تحدث قد يصدقها المتلقي أو لا يصدقها وقد يتفاعل معها أو لا.
 - أين أعمالك المكتوبة من خشبة المسرح؟
توجد فرق مستقلة عرضت مسرحية (المؤرقون) وكان هناك مشروع على مستوى الاحتراف مع المخرج ناصر عبد المنعم وتم تأجيله لظروف إنتاجية. ولدي مشكلة أن نصوصي عبثية وتجريبية، وليس في تخطيطي ماذا يقدم ومتى يقدم، لكن الهدف الأساسي الآن هو أن أكتب فقط أما ما بعد ذلك فهو دور المخرجين.
- لماذا يبحث المخرجون عن النصوص الأجنبية والروايات رغم توفر النصوص المصرية؟
أقرأ دائما عن من يتحدثون عن أزمة المسرح وأنا أؤمن أنه لا توجد أزمة في المسرح. والأزمة حقيقة تكمن فيمن يديرون العملية المسرحية وفي القائمين عليها، يوجد حالة كسل وحالة استسهال باللجوء للنصوص الأجنبية والإعدادات، وأنا لست معترضا بل بالعكس أنا أؤمن أنه لا بد من الاطلاع ومشاهدة النصوص والعروض الأجنبية والعالمية من بيئات أخرى، لأن الفن إنساني غير مرتبط بمكان أو زمان معين، ولذا فإن نصوصي معظمها غير محددة الزمان والمكان ولا أطلق أسماء على شخصيات نصوصي لأني مؤمن أن من يكتب إنما يكتب حالة إنسانية تصلح لكل زمان ومكان. أما فيما يخص المسرح فأعتقد أنه توجد أسباب كثيرة تداخلت وتفاعلت للوصول لما نحن فيه الآن، لكن توجد بعض الجهود المتناثرة هنا وهناك، وهي محاولات لرأب الصدع أتمنى أن تنجح، فمثلا يوجد مشروع أعتقد أنه جيد اسمه «ابدأ حلمك» شاهدت إنتاجه بمسرح الشباب وهو عرض بيت الأشباح، وهي تجربة جيدة لممثلين شباب جدد، معهم محمود جمال الحديني كاتب متميز وهو مخرج العمل. وأيضا الفرق المستقلة تكافح بشكل أو بآخر كي تثبت وجودها، رغم كل الإحباطات الموجودة أشعر أن المسرح قد يزدهر في الفترة القادمة.
 - كيف ترى أنه لا أزمة في التأليف المسرحي رغم تكرار حجب جوائز التأليف وكان آخرها في التشجيعية؟
أنا أؤمن أنه لا توجد أزمة تأليف أو أزمة نصوص، لأنني من خلال عملي في إدارة النشر بهيئة قصور الثقافة أعرف جيدا أنه توجد نصوص كثيرة تقدم لسلسلة نصوص مسرحية لدينا. وقرأت بعضها، لا توجد أزمة بالمرة أما مسألة حجب الجوائز فهذا يخص لجنة التحكيم وبخصوص هذا العام وحجب جائزة الدولة التشجيعية في التأليف المسرحي، قد يكون هناك نصوص جيدة لكنها لمؤلفين قد تجاوزوا سن الأربعين ومن شروط الجائزة عدم تخطي المرشح لهذه السن. وهذا النص في اللائحة أعترض عليه وهو نص غير ملائم للواقع، أعرف كتابا كثيرين لم ينتشروا ولم نعرف إنتاجهم إلا بعد أن تجاوزوا الأربعين وتلك ظروف مجتمعنا ويجب أن نعترف بذلك لأسباب تأخر النشر والحالة الاجتماعية عموما.
 - هل الفن مؤثر في المجتمع أم أن هذا وهم يسكن في الدائرة المغلقة للفنانين؟
بلا شك إن الفن يؤثر بشكل كبير، وإنه ساهم في تغيير كثير من الأفكار وكثير من أنماط السلوك لدى أفراد المجتمع، لكن المشكلة أنه في السنوات الأخيرة تم التركيز على أنواع بعينها من الفنون سطحية ليس فيها عمق، والغرض منها إذكاء الوقت والترفيه وتم للأسف التراجع عن تقديم الأعمال التي تحوي أفكارا إنسانية تساعد على التغيير والإجابة على أسئلة كثيرة حول حتمية الوجود ودور الإنسان في الحياة والمجتمع، وهذا سؤال كبير يطرح نفسه: من الذي يوجه بوصلة الإنتاج الفني الآن في مصر، وأعتقد أن الأعمال الدرامية التي قدمت في رمضان الماضي خير شاهد على ما أقول.
 - كيف تؤثر السياسة وتتأثر بالإبداع؟
إن مجرد القيام بالفعل الإبداعي وطرحه للجماهير والمتلقين هو عمل سياسي، والعمل الفني الذي لا يحدث تغييرا لدى المتلقي والمجتمع هو عمل عادي وليس جيدا، بمعنى أن السياسة ليست فقط ما يقال داخل جدران الأحزاب والبرلمانات. السياسة هي كل ما يحدث من وقائع وتصرفات يومية يقوم بها الإنسان داخل مجتمعه، تعامل الإنسان مع الأخبار اليومية، طريقة تعامله مع غيره من الناس، الطريقة التي يتعاملون بها مع الممتلكات العامة أو الخاصة، نظرتهم لفكرة الانتماء والمستقبل والوضع الحالي وتعاطفهم مع القضايا القومية إلى آخره، كل ذلك سياسة.
 - لما لا يقرأ الناس الآن؟
هذا سؤال أطرحه على نفسي دائما لأنني أصاب بصدمات كثيرة من ظاهرة تراجع القراءة والسعي للتثقيف عموما. لك أن تتخيل أن أقسام الفنون في الكليات والمعاهد في مصر لا يلتحق بها الطلاب إلا بعد اختبار قدرات، وبالتالي يجب أن تكون هناك محصلة معرفية وقراءة وثقافة، إلى آخره، لك أن تتخيل أن من بين هؤلاء من يصل إلى السنوات النهائية ولا يكون قد قرأ روايات لنجيب محفوظ أو مسرح لمحمود دياب أو شعر لصلاح عبد الصبور وهي من أوليات التكوين الثقافي للطلبة في الثانوية العامة، قبل وصولهم لتلك المرحلة، قد يكون السبب هو التراجع العام الذي نشهده منذ سنوات، قد يكون ذلك مع أسباب انتشار الإنترنت وثورة المعلومات التي أورثت الجيل الحالي نوعا من الاستسهال وأصبحت متابعة الأخبار السريعة والعناوين هي شغله الشاغل وتراجع فكرة القراءة والقراءة الممنهجة إلى آخره. وقد تكون الصدمات السياسية التي مرت بمجتمعنا منذ ثورة يناير 2011 وما تبعها من إخفاقات ونجاحات واختطاف للثورة وصراع بين تيارات اليمين المتطرف وبين القوى المدنية وبين الشعب المصري عموما، ربما كان السبب في ذلك، وربما خرجنا منتصرين من هذه المعركة لوجه مصر الحضاري ضد تيارات ظلامية كانت تريد أن تسجننا في أوهامها، لكن كنت منتظرا أن يتبع ذلك ويتوازى معه حالة ثراء في القراءة ونهم ورغبة في المعرفة على الأقل لكشف زيف من يستخدمون التراث والتاريخ استخداما كاذبا، وهو سؤال مهم وأضم صوتي لصوتك في هذا السؤال قد تكون هناك إجابة يجيبها أحد المتخصصين في علم الاجتماع أو غير ذلك.
أين نحن كمبدعين من الجذور؟
هذا موضوع شائك جدا. لكن عموما لا يمكن أن تنقطع صلتنا بالتراث لأنه مكون أساسي من مكونات شخصيتنا، بدون أن نقصد نحن في حالة تواصل دائم مع التراث، يظهر ذلك في إنتاجنا وسلوكنا اليومي، فالتراث في الإبداع والفن لن تنتهي علاقتنا به لأننا نستمد منه دائما أفكارا تجعلنا في حالة اشتباك دائمة معه ربما بغرض تحليله وقراءته أو إعادة قراءته مرة أخرى، أعتقد أن الإنسان سيظل طوال الوقت مهموما بإعادة قراءة التاريخ أو الماضي وتحليله وتأويله أو النظر فيه، وفي الوقت نفسه النظر في إمكانية أن يأتي المستقبل مبنيا على ما يحدث الآن.
هل هذا سبب الهوة التي سقطنا فيها الآن؟
لست من المؤمنين بفكرة أن التراث منجانا لأنه لن يصلح حاضرنا إلا ما صلح بماضينا، الهوة التي نحن فيها أعتقد وجودية، فالإنسان المصري والعربي في حالة بحث الآن حول سؤال ما الذي يحدث ولماذا يحدث ذلك الآن؟ الذي يمكن أن يحدث غدا، أما ما حدث في الماضي فنعرفه. وأنا لست من المؤمنين بأننا يجب أن نظل أسرى للتراث. بل يجب أن نعامل مع التراث بذكاء شديد ونأخذ منه ما يعيننا على تكوين وجهة نظر لمستقبلنا. كما يجب ألا نتعامل مع التراث بسطحية أو استخفاف بل بالعكس يجب أن نتعامل معه بمنتهى الجدة والدقة وأن ندرسه بشكل جيد ونتمسك به حتى يمكننا أن ننقده وأن نشتبك مع قضاياه فلا يمكن أن نتعالى على التراث وفي الوقت نفسه ليس من المقبول أن نظل أسرى للتراث.
بماذا تحب أن تخاطب المسئولين؟
أؤكد على رسالة لكل مسئول عن الإنتاج المسرحي والفني عموما في مصر: الفن هو أهم أداة للتنوير والتثوير ومواجهة التخلف والتطرف والرجعية، وأمة لا تهتم بفنونها أمة تحكم على نفسها بالفناء، الفن عموما هو سلاح ثقيل أثبت فاعليته في مواجهة الأخطار التي تواجه الإنسان، الفن يصنع الأجيال والمستقبل وإذا نحن تمادينا في التعامل مع الفن على أنه مجرد إكسسوار وأنه كرنفال واحتفال فأعتقد أن العاقبة ستكون وخيمة خصوصا أن مصر غنية بالفعل بكوادرها في كل المجالات الفنية وهي كوادر مؤمنة بضرورة أن يكون هناك تنوير حقيقي وأن يكون هناك مستقبل يليق بمصر والمصريين.

 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏