أوسكار والسيدة الوردية.. عرض عيد الميلاد بالمركز الثقافي القبطي

أوسكار والسيدة الوردية.. عرض عيد الميلاد بالمركز الثقافي القبطي

العدد 647 صدر بتاريخ 20يناير2020

على مسرح المركز الثقافي القبطي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية قدم فريق الأنبا أنطونيوس لخدمة المسرح (عين شمس – القاهرة) مسرحية أوسكار والسيدة الوردية. المسرحية عن رواية تحمل ذات الاسم للكاتب الفرنسي إيريك إيمانويل شميت. أعدها للمسرح وأخرجها بيشوي برسوم ,والرواية وإن كانت قصيرة إلا أنها تحمل الكثير من المعاني الإنسانية والقيم الروحية والصوفية والأفكار العميقة والفلسفية حول الحياة والموت وفكرة المرض والألم والتصالح مع النفس والآخر ومع الله. إنها بالإجمال سيفونية الإنسان الخالدة المفعمة بالتعاسة والشقاء والأمل والرجاء.
المسرحية تحكي قصة العشرة أيام الأخيرة من حياة الطفل أوسكار صاحب السنوات العشر الذي احتجز في المستشفى ليعالج من مرض السرطان لكن لا آمل بعد كل العلاج والعمليات وزرع النخاع، ويخبر الطبيب الوالدين أن أيام الطفل معدودة. أوسكار يسمع حديث الطبيب مع والديه ويدرك حقيقة حالته ويشكو للدادة الحنونة عليه الذي يسميها ماما الوردية التي تنصحه بأن يكتب رسالة يومية إلى الله ويتمنى فيها أمنية واحدة منه كل يوم. تحكي الدادة لأوسكار عن أسطورة قديمة تجعل من الاثني عشر يوما الأخيرة من ديسمبر يصير فيها كل يوم بمثابة عشر سنوات من عمره. يقتنع أوسكار بتلك الحيلة الأسطورية ليعيش كل يوم من أيامه العشرة الباقية كل يوم منها بعشر سنوات ونعيش نحن معه حكاياته وآلامه ومعاناته اليومية من خلال الخطاب اليومي الذي يرسله إلى الله. هذه الرسائل هي التقنية التي اعتمد عليها المؤلف ليسرد علينا قصته. في اليوم التاسع لكتابة أوسكار لخطاباته حيث يصبح عمره طبقًا للأسطورة تسعين عاما يكتب خطابا بالغ البساطة إلى الله: «عزيزي ربنا.. أنا متشكر أنك زرتني.. أنت اخترت اللحظة المناسبة.. اللحظة اللي كانت فيها كل حاجة في حياتي ماشية غلط.. لما صحيت افتكرت إن أنا عندي تسعين سنة ولقيت دماغي ناحية الشباك أبص على الثلج والصبح طلع.. شوفتك وانت بتحاول تعمل الشروق. ساعتها فهمت الفرق بينك وبينا أنت واحد عمره ما بيزهق. عمره ما بيتعب. دايما قاعد بتشتغل. خدو عندكم أدي صبح أدي ليل. دلوقت هايبقى ربيع ودلوقت شتا أدي أوسكار وماما الوردية: أنت فتحت لي سرك.. بص دايما على العالم وكأنك بتشوفه لأول مرة.. لما سمعت نصيحتك حسيت إن أنا عايش واترعشت من الفرحة الحقيقية. اترعشت من سعادة الوجود. شكرا لك يا ربنا. أوسكار».
روعة هذا العرض المسرحي والقصة التي يقدمها هو أننا نشاهد عرضا مسرحيا من عيني طفل ومن بساطته وعفوتيه في تعامله مع الله وفي طرح أفكاره وأسئلته الطفولية بالغة العمق والبراءة أنه طفل يكتب إلى الله بعفوية مطلقة دون محاذير الكبار.
استطاع المخرج بامتياز أن يحقق قاعدة الإخراج الأولى وهي تحويل النص المكتوب إلى صورة مرئية نابضة بالحياة مليئة بالأحداث والإثارة والتشويق والحركة وجماليات الإبهار المسرحي واستطاع بإتقان المعد ورؤية المخرج تحويل الكثير من خطابات أوسكار السردية إلى أحداث درامية تتصاعد وتتصارع لتصل من ذروة إلى ذروة يلهث خلفها المتفرج في متعة فنية وجمالية وموسيقية وتشكيلية.
يحسب للمخرج توظيفه للموسيقى لتكون جزءا من بنية العرض المسرحي نفسه دون افتعال أو مبالغة. استخدم بذكاء لحن “كسارة البندق” لتشايكوفسكي ليكون التيمة الرئيسية لموسيقى العرض، فهو لحن يجمع مشاهد الحب الرومانسي بين أوسكار وحبيبته كما يرتبط بأجواء هدايا وعيد الميلاد. كما وفق في استخدامه لأغاني فيروز التي أعطت إحساسا حقيقيا لليلة العيد والاحتفال به. وكانت أغنية “الثلج وعم تشتي الدنيا” تجسيدا لحالة الحب ودورته التي بدأت وانتهت بين شتاء وشتاء.
كذلك كونت الإضاءة والديكور والملابس وحدة واحدة مكنت الممثلين من التحليق في سماوات من السحر المسرحي وكأنهم يمثلون في عالم أسطوري. الإضاءة الوردية على الأشجار في حديقة المشتسفى ثم تحولها إلى اللون الأخضر والرمادي الذي يعكس صورة الثلج والشتاء والصقيع وكأنها من عالم آخر. الإضاءة على أشجار الكريسماس التي على جانبي المسرح التي كانت تتوهج في لحظات إنسانية خالصة. كانت الإضاءة موظفة فهي تشتعل لتوحي بالدفء والسلام، وكانت تشحب لتصور الحياة بدرجة اليأس والتعاسة. هكذا أمسك المخرج ومهندس الإضاءة بخيوط أدواتهما لتنعكس على قطع الديكور فنرى حديقة المستشفى في حالات مختلفة تعكس الحالة النفسية والجو النفسي لأبطال وأحداث العرض. نجح مصمم السينوغرفيا في تصميم وحدات الديكور ليكون لها أكثر من استخدام وأن يضيف إليها موتيفات أخرى بسيطة ليقدم مشاهد جديدة فالسرير مع إضافات بسيطة يتحول إلى مكتب الطبيب أو يتحول في المقابل الآخر إلى المكان الذي يتجمع فيه المرضى يلعبون ويتسامرون أو إلى أماكن يختبئ فيها الطفل أوسكار مثل مخزن أدوات التنظيف. كذلك تميزت الملابس ببساطتها دون أن تؤثر على وظيفتها الدرامية. حتى التشكيلات البصرية والحركية التي قدمها الخرج بأجساد الممثلين كان التشكيل بملابسهم العادية التي تعكس أدوارهم ورغم اختلافهم استطاع المخرج في بداية العرض أن يقدم تشكيلا مبهرا يتجمع فيه جميع الممثلين معلنين وفاة أوسكار ثم تدور أحداث المسرحية وتنتهي بذات التشكيل وكأن هذا الإطار الدائري الذي يبدأ وينتهي بذات المنظر يقدم لنا دورة الحياة البداية والنهاية والنهاية والبداية. واستطاع المخرج من خلال هذا التشكيل أن يقدم شكلا هرميا يضع أوسكار فيه في منتصف الحدث ليبدأ عرضه وينهيه بنفس هذه الصورة القوية المبهرة.
قدم الممثلون عرضا متميزا وبخاصة فادي خليل الذي قام بدور أوسكار ببساطة وتلقائية واقتدار وكان مقنعا بتقديمه شخصية طفل في سن العاشرة. كذلك كانت ماما الوردية التي قدمتها مارينا ظريف موفقة في شخصية كبيرة السن حنونة الملامح. كما أجاد فريق الشباب الذين قاموا بأدوار المرضى وأضفوا على العرض مزيجا من المرح والبهجة يتنفس خلالها المتلقي خلال الأحداث الصعبة.
في الختام نحن أمام عرض متميز في جميع عناصره المسرحية الذي يحسب بالطبع لمعد ومخرج العرض المسرحي ومصمم السينوغرافيا بيشوي برسوم ولفريق العمل من الممثلين الذي نجح ببراعة في نقل رسائل وأفكار المؤلف والمخرج للجمهور، كما لا بد أن نذكر بالشكر تصميم وتنفيذ الموسيقى د. ماريا مجدي وهيلانة بباوي، كذلك مصممو الديكور والملابس والإضاءة العبقرية ريدج وأبانوب سامي وديفيد وفادي نبيل. ولفريق الإدارة المسرحية الذي تحمل عبئا كبيرا في تغيير المناظر المتلاحقة.


منتصر ثابت