مخرج «ظل الحكايات»: عادل بركات: الفن قضية وهمي الأول هو الإنسان

مخرج «ظل الحكايات»: عادل بركات: الفن قضية وهمي الأول هو الإنسان

العدد 642 صدر بتاريخ 16ديسمبر2019

المخرج عادل بركات قدم الكثير من المسرحيات من خلال البيت الفني للمسرح والثقافة الجماهيرية.. وله الكثير من التجارب في مسرح الطفل، منها «حكاية قلم رصاص» و«جزيرة الحياة» كما قدم مسرحيات متميزة للمسرح الجامعي مثل: أهل الكهف، كاليجولا، بيرجنت، مرة، المهرج، الواد غراب والقمر.. وغير ذلك من الأعمال التي لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا، وحصدت الكثير من الجوائز.. يعني دائما بالموضوعات التي تهتم بتشريح الإنسان داخليا، وتظهر معاناته، فكان له تجارب داخل سجن النساء بالقناطر وملاجئ للأطفال ودور أيتام.. الفن بالنسبة له هم وقضية بالإضافة إلى المتعة والرسالة.
قدم بركات مؤخرا على مسرح الغد تجربة جديدة هي «ظل الحكايات» للكاتب إبراهيم الحسيني، بطولة رامي الطمباري، خالد محايري، أسامة جميل، عبير الطوخي.. ديكور وأزياء.. محمد فتحي.. موسيقى د. صلاح مصطفي. حول هذه التجربة كان لنا معه هذا الحوار.
_ ما أسباب اختيار نص «ظل الحكايات» بالتحديد؟
في البداية أود أن أوضح الخط الذي دائما ما أعمل به وإن كنت أحيانا أنوع فيه.. الفن بالنسبة لي هم وقضية، وبما أنني مهموم، فلا بد أن يكون همي الأول والأساسي هو الإنسان، أيا كان القالب الذي أقدم فيه العرض. وبالنسبة لنص «ظل الحكايات» تأليف وأشعار إبراهيم الحسيني. فقد كنت أبحث عن تجربة جديدة تناسب قاعة مسرح الغد، فوجدت هذا النص، وتحدثت مع المؤلف وكان النص في طور التجهيز، ولكنه لم يكن يفكر في تقديمه، فأخبرته أنه استفزني فنيا وتناقشنا حوله، وجرت بيننا مجموعة من اللقاءات حتى وصلنا لسيناريو عرض أعتقد أنه كان راضيا عنه، وفي النهاية أخبرته بالتكنيك والشكل الذي سوف يقدم به العرض فوافق، على اعتبار أنني مؤلف العرض وهو مؤلف النص. وهذا هو الدور الحقيقي للمخرج، كيف يحافظ علي الفكرة الرئيسية للنص أيا كانت الأطر أو المناهج والأساليب التي يعمل بها لتوصيل فكرته. ونص «ظل الحكايات» به من العمق ما يجعل أي مخرج يتناوله برؤى كثيرة، لذا لا أدعي أنني أقدم الرؤية الوحيدة للنص.

 - العرض يستخدم تكنيكا مختلفا في استخدام العرائس والماسكات، ويدمج بينها والشخصية الحقيقية (الهيد ماسك) فمن أين أتت الفكرة؟ وهل تمت مناقشتها مع مؤلف النص ومصمم العرائس أم ماذا؟
من هذا التكنيك كان مدخل الرؤية الإخراجية، لأنني أردت أن أرى هذا العالم المشوه والضبابي والكابوسي.. أردت أن أعرف كيف يراه منصور.. لأن الممثل لدي هو أهم العناصر فوق خشبة المسرح، فتم اللعب على أكثر من مستوى من مستويات العرائس. أما العرائس المحمولة فهي التي تشكل جزءا من عالمه الكابوسي.. أو الهيد ماسك الذي يعمل على إظهار وجه الممثل وعدم إلغائه بل يتماهى معه، وكيف استطاع الممثل أن يألف ويحب هذا الوجه الآخر، لأننا في لحظة نقول إن الماسك هو البطل ووجه الممثل بطل أيضا، هذه كانت مرحلة مهمة تم العمل عليها.
أيضا كيف كانت العروسة المتحركة أو المحمولة مع الممثل مثل مشهد الأقزام، وبالتالي فقد تم الاستعانة بشباب لديهم الطاقة، ليس فقط في التمثيل بل في تحريك العرائس أيضا مثل الفنان محمود خلفاوي وأسامة.. ومن خلال الصورة الكلية تم عمل مناقشات دائمة مع صاحب الرؤية التشكيلية للديكور والأزياء الفنان محمد فتحي، وتم تكوين ما يشبه ورشة عمل مع الموسيقي د. صلاح مصطفى، ومع طارق شرف في الرؤية السينمائية.. كل منا أضاف إبداعه ولكن خلال إطار محدد الرؤية والطرح لتظهر حالة التوافق والتماس التي نستطيع من خلالها توصيل الفكرة والهدف الرئيسي للعرض.

 - ما المعوقات التي واجهت هذا العمل وكيف تم تجاوزها؟
بالنسبة للتأليف وفريق العمل لم يكن هناك صعوبات سوى الوقت خصوصا وإننا توقفنا لفترات. أما آلية الإنتاج فقد بذل الفنان إسماعيل مختار كل ما في وسعه لإنجاز العمل. وفي مسرح الغد الجميع متعاونون بقيادة فنان مبدع وداعم هو سامح مجاهد.. الصعوبات كانت تكمن في صناع العمل وكيف يستطيعون من خلال مشاعرنا وأفكارنا توصيل كل ما نريده للمتلقي، وأرجو أن نكون قد استطعنا توصيل الرسالة التي أردناها.

 - العرض يتطلب جمهورا متخصصا إلى حد كبير.. ماذا كان انطباع الجمهور عن العرض؟ وكيف استقبله؟
البعض رأى أنها مغامرة، ونحن كنا سعداء بهذه المغامرة، سواء على مستوى الحدث أو الشخصيات وشكل تقديمها، لأننا نراهن على أن المتلقي ذكي وواع ومهموم، وأنه عندما يشاهد نفسه داخل العرض فسوف يتفاعل ويتبنى قضية البطل التي هي في الأساس قضيته هو. وكانت سعادتي باستقبال الجمهور للعرض كبيرة، وهو المفترض أنه غير متخصص، ولكنه رأى نفسه ضمن شخصيات العمل، وكنت أعرف أنه سيخرج بطاقة إيجابية، وإن واجهته صعوبات في التلقي فلن يقف، ولكن سوف يسلك طريقه بشكل إيجابي للأمام.. كل هذا وجدناه من المتلقي، بالإضافة إلى الرؤية النقدية التي تستطيع أن تقدم لنا أيضا قراءة للعرض بشكل جيد.

 - إلى أي مدى استطاع العمل تحقيق أحلام رؤية الفنان عادل بركات في مشواره ومحطاته الفنية؟
لا يوجد فنان راضٍ كل الرضا عن ما قدمه، لأنه دائما ما يطمح للأفضل، وأنا بشكل شخصي ورغم حفاوة الجمهور بالعرض كنت أتمنى تحقيق ما هو أفضل في هذه التجربة، وأتمنى أن أقدم الأفضل في الأعمال القادمة أو في هذا العرض نفسه إن امتد فترة أخرى.

_ ما المدارس الإخراجية التي استخدمتها في العرض.. وهل تتماشى مع تكنيك الكتابة التعبيري؟
العرض به الكثير من المدارس كما ذكرتِ، فبه تعبيرية وواقعية سحرية تصل أحيانا إلى السريالية. وهذا يتسق مع حالة الكابوس الذي يكاد يشبه الواقع الكابوسي، وفكرة الفوتو مونتاج والراكور، وفكرة الارتكاز على نقطة، وأيضا المرايا المتعددة سواء في الشخصيات أو في المرايا أو في شاشة السينما التي تمثل عقل منصور الباطن، هذا الأسلوب يتماشى مع الحكاية، وأعتقد أن هذا الجزء يفيد المتخصصين لإعادة قراءة العرض.. لقد قدمت هذا التكنيك في الحكاية البسيطة وأيضا على مستوى الحركة التي تتواكب مع هذا الأسلوب، وأنا سعيد جدا بتلقي الجمهور للعرض.

 - كفنان يبحث عن نص يتماشى مع اللحظة.. إلى أي مدى يواكب العرض الفترة الزمنية الآنية؟
الناس جميعا تعيش لحظات تأزم كبيرة، لكن أحيانا عندما يدخل الفرد في نطاق الدائرة الضيقة تصبح أفكاره مشوشة. نحن هنا نجذبه ونقول له إن هذه الشخصية لدينا، ولدينا بطل يشبهك، انظر كيف خرج من هذا الكابوس ومن الحلقة الضيقة ووصل لصفاء الروح، وفكر بعيدا عن زحمة الأفكار وعن الارتباك والقرارات المتسرعة أو الصدفة التي لن تقودك إلا إلى الفشل.. انظر إلى الفعل الإيجابي والتحرك للأمام.. والعرض بالطبع لا يقدم كل الحلول ولا كل الأشياء التي يرجوها المتلقي، ولكن على الأقل يقدم جانبا منها، وهكذا. لأن الفنانين عموما يلتقون في نفس الهموم.

 - هل ترى أن هذا النوع من المسرح الجاد له جمهور؟ أم أن الجمهور ذهب إلى الكوميديا هربا من عناء المشكلات الاجتماعية؟ وكيف ترى مستقبل المسرح؟
الجمهور متعطش للقيمة ولكن عندما لا يرى إلا الغث سيذهب إليه فلا نلومه.. ولكن عندما يجد القيمة سيشعر أننا نحترمه ونقدم له شيئا محترما يعبر عنه.. وقد شعرت بسعادة بالغة عندما شاهدت من الجمهور من جاءوا للمرة الثانية، بأسرهم وأصدقائهم لأنهم رأوا أن هناك شيئا مختلفا يقدم. الجمهور محتاج لأن يكون هناك كم وكيف معا، وهذا ما تبحث عنه الدولة الآن وتحث عليه من الحين إلى الآخر، نشر الثقافة ليس في القاهرة بل أيضا في ربوع مصر، من خلال مؤسساتها الثقافية الكثيرة سواء مراكز إبداعية أو ثقافة جماهيرية، أو جامعات أو مراكز شباب، أو مراكز فنون ومدارس، لا يجب أن نلتفت إلى الجانب المظلم، لأنه بالتأكيد هناك من يفسد النجاحات، ولا يريد من يفكر، مثلما يوجد من يهتم ومن هو مهموم ومن يناضل من أجل كلمة محترمة وشريفة.


منار سعد