ترحيب كبير بالمبادرة واقتراحات بالجملة المسرحيون: 150 سنة مسرح مصري

ترحيب كبير بالمبادرة واقتراحات بالجملة المسرحيون: 150 سنة مسرح مصري

العدد 642 صدر بتاريخ 16ديسمبر2019


أعلن المخرج والباحث والمؤرخ د. عمرو دوارة خلال الفترة الماضية عن مبادرة للاحتفال بمرور مائة وخمسين عاما على بداية المسرح المصري، مستهدفا من ذلك حسم الجدل الذي أثير حول بدايات المسرح المصري مؤخرا وتحديا خلال الدورة الحادية عشرة من مهرجان المسرح العربي التي أقيمت في القاهرة. تفاعل المسرحيون مع المبادرة، فمنهم من أبدى إعجابه ومنهم من أبدى رغبته في المساهمة بالاحتفالية، وعن المبادرة كانت تلك آراء ومقترحات بعض المسرحيين الكبار التي التقت بهم «مسرحنا».
قال المؤلف محمد أبو العلا السلاموني: إن المبادرة طيبة ومهمة جدا لأننا سبق واحتفلنا بمائة عام على بدايات السينما، والمسرح هو أبو الفنون لا شك يستحق احتفالية أكبر، ولا بد أن تكون شاملة، وعلى مدار العام كله وتقام في كل أقاليم مصر، وبالتالي يظل 2020 هو عام المسرح المصري.. وتكون احتفالية ضخمة تشمل كل الجهات التي يمكن أن تقدم مسرحا، إلى جانب الندوات والمحاضرات وملتقى نجمع فيه الفنانين المصريين والعرب، ولا مانع من الأجانب، وأرشح أن تُقام الاحتفالية في مكان أثري كالأهرامات أو الأقصر بحيث تسلط عليها الأضواء، ثم يعقب ذلك الندوات والمحاضرات المعدة من خلال لجنة علمية.
وأضاف «السلاموني»: وتقدم العروض التي لها علاقة بنشأة المسرح المصري منها المسرح الشعبي لأنه أساس المسرح المصري، وأيضا التجارب الخاصة التي تمثل هوية المسرح المصري خلال المائة وخمسين عاما، دون الاستعانة بنماذج أجنبية أو ممصرة، وهناك الكثير يمكن إعادة إنتاجه، هذا بشكل عام وبشكل خاص تقديم عمل مسرحي يتناول نشأة المسرح المصري على يد يعقوب صنوع «أبو نضارة»، يكون لائقا بالاحتفال، يقدمه فنانون كبار وبميزانية كبيرة، والنص مؤلف منذ الثمانينات ولكنه لم يقدم سوى في الأقاليم.

أقدم نشاط فني
لم يختلف على أهمية المبادرة المخرج الكبير سمير العصفوري الذي قال: أتصور أن المبادرة نتاج أبحاث موثقة تتناول تطورات المسرح من خلال نشأته الأولى حتى اليوم، وأرى أنها باب مهم لتتعرف من خلاله الأجيال المختلفة على تاريخ المسرح، ومن ثم العربي، وهو أقدم نشاط فني يجمع ما بين العارض والمشاهد. أضاف العصفوري: حين عرفنا المسرح لم يكن مقسما لبيوت وإدارات ومؤسسات وأقسام مبعثرة في أماكن مختلفة، لذا كانت نشأته هي نشأة الفنان أيضا. لذا يجب أن يحتشد الجميع حول الاحتفالية بدون انقسامات، كفرد واحد على مدار خمسة عشر يوما هي مدة الاحتفالية، وأقترح أن تضم الليلة الأولى للاحتفال عرضا فنيا كبيرا يعالج تاريخ المسرح بشكل فني، بعيدا عن الأسلوب الوثائقي أو المحاضرات، من بداية فنون التسلية والارتجال حتى فنون الكتابة الدرامية المنقولة من الغرب، ثم بداية الكتابة الفعلية للنص المسرحي، والخلاف حول علاقة النص بالإخراج وإعادة التفسير، ثم المسرحية التقليدية الكلاسيكية، والمسرح المضاد للكلاسيكية، ثم التجريبي وما وصلنا إليه الآن، حتى يعرف الجمهور حكاية المائة وخمسين عاما من المسرح.
تابع: يواكب هذا أنشطة واسعة تجوالية من خلال قصور الثقافة تأخذ نفس الألوان وتبعثرها في كل مكان، فيحدث انتشار مسرحي ممتع وليكن ذلك في أي مكان يصلح للعرض المسرحي: حديقة أو شارع أو حارة، مع تقديم دراسات مهمة ومفيدة للباحثين، شريطة حشد الشباب لمتابعة هذا الإنتاج والوصول لعدد كبير من الوثائق والصور التاريخية المفيدة للجميع.
وأكد العصفوري على ضرورة التحدث عن المسرح المصري وميراثنا منه وليس مقارنة نشاطنا المسرحي بالنشاط الدائر في العالم، فلن نخترع مسرحا ينافس برودواي، ولنتحدث بصدق عن أسباب نجاح أو فشل الحركة المسرحية في بلدنا لنستمتع بتاريخنا.
وناشد العصفوري وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم الاهتمام بالمشروع باعتباره مشروعا قوميا له قيمة كبرى في الدفاع عن الحركة المسرحية، وتخليد ذكرى المنسيين من صناع الحركة المسرحية.
فيما قال د. مصطفى سليم: إن الاحتفال بمرور مائة وخمسين عاما على بدايات المسرح في مصر مبادرة طيبة، وإن كنت أرى أنه أقدم من ذلك، لأن المسرح في مصر له جذور أعمق، ولكن إن كان المعيار هو المسرح بشكله الذي ابتدعه اليونان، فسنقول نعم 150 سنة من المسرح، ولكن يجب أن نعلم أن للمسرح في العالم مفاهيم أخرى تجاوزت الشكل اليوناني، وبالتالي هناك مسارح أقدم بكثير من المسارح التقليدية في الوطن العربي والشرق الأوسط بشكل عام، فمن يعتبرون أن خيال الظل مسرحا فهم بكل تأكيد سيقولون إن المسرح في مصر والوطن العربي يعود للقرن الثاني عشر، وبالتالي فهو أقدم بكثير من مائة وخمسين عاما.
وأضاف «سليم»: أؤيد المبادرة لأنها ستفرز طاقة إيجابية تعمل على إيقاظ الوعي العام بتاريخ المسرح المصري وأهم كتابه، وبالتالي فالاحتفال لن يكون فقط بالمسرح ولكن أيضا بالرواد والرموز والمراحل المهمة، ومن أبرزها مرحلة يعقوب صنوع ومرحلة المسرح الموسيقي من القباني لزكريا أحمد مرورا بسيد درويش، وهي مرحلة الازدهار الشعبي التجاري الوطني، ثم مرحلة الازدهار في الستينات والسبعينات، ثم المسرح التجاري في الثمانينات والتسعينات، ثم المسرح التجريبي وما نعيشه من حاضر المسرح، وأقدم نفسي للمساهمة فيما يرتئيه القائمون على هذه المبادرة.
وأكد سليم على أنه يجب الاحتفاء بالرموز المؤثرين بالدرجة الأولى في تحولات تاريخ المسرح المصري، وتصحيح بعض المفاهيم حول تاريخ المسرح المصري، ومن بينها: هل يعقوب صنوع حقيقة أم خيال؟ ولماذا لم تستثمر نهضة المسرح الموسيقي في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي؟ وحقيقة نهضة مسرح الستينات..؟ ولماذا تراجع المسرح التجاري في مصر واندثر رغم أنه كان مسرحا سياحيا يدر عائدا قوميا ضخما؟ أيضا مناقشة ما يعانية المسرح من أزمات في الوقت الحاضر، وما نأمل في تحقيقه في المستقبل المصري. أضاف: هذه هي القضايا التي يجب أن تُثار حتى لا تكون الاحتفالية مجرد تجمع وينفض.
تابع سليم: أنا مع إعادة إنتاج أهم العروض المسرحية التي قدمت خلال المائة وخمسين عاما الماضية، واختيارها بواسطة لجنة من المؤرخين والنقاد والمتخصصين، والاستعانة بقسم النقد والدراما المتخصص في التأريخ لتاريخ المسرح المصري والعربي.
وفيما يخص فكرة التجول خلال العام في المحافظات، قال: هو المقترح الأعظم، أن نصل لأبناء الشعب في كل القرى والنجوع والمدن الحدودية، وأنا أحد المشاركين في مبادرة المواجهة مع المخرج محمد الشرقاوي بنص أولاد البلد، وهبت النص للتجوال في القرى، ولم أنتظر أي مقابل مادي.

البذرة
فيما أشار الفنان الكبير محمود الحديني إلى أن يعقوب صنوع هو من بذر بذرة المسرح المصري، فإذا كنا نتحدث عن تأريخ المسرح المصري فلنستعن بمسرحياته ويقدمها أحد الشباب بنفس الملابس والديكور، بحيث نرى بداية المسرح المصري عمليا وكيف كان؟ وتكون هذه هي فاكهة الاحتفال. لأن في اعتقادي هذا الجيل لا يعرف من هو يعقوب صنوع. ومن الضروري أن يقيم المركز القومي للمسرح متحفا يعرف من خلاله بكل من أثروا المسرح المصري مثل توفيق الحكيم وألفريد فرج، وكل من ترك بصماته من المخرجين والكتاب والفنانين، ويطبع كتيب عن كل رائد منهم.
وتمنى الحديني أن يكون الاحتفال بداية لانتشار فكرة أن تكون كل محافظة هي المحافظة الثقافية لمصر كل شهر، وتكون البداية من محافظات الصعيد، بحيث تقدم فيها حركة ثقافية من مسرح وأوبرا وفنون شعبية وسينما ومعرض للكتاب بدون مقابل للجمهور. وأعتقد أن ذلك سيترك أثرا كبيرا لدى جمهور المحافظات. من ضمن المقترحات أيضا أن يقدم كولاج من مشاهد من أهم العروض التي أثرت في وجدان الشعب المصري، ولا بد أن تشكل لجنة من كبار المسرحيين والمؤرخين في حالة تبني الوزارة للمبادرة.

الاحتفالية ضرورة
د. وفاء كمالو أبدت إعجابها الشديد بالمبادرة قائلة: تجاوزت ردود فعل المبادرة حدود التصورات الممكنة، لم تقتصر على مصر، لكنها امتدت إلى الوطن العربي كله، وقد أجمع المسرحيون والأكاديميون على أهمية الاحتفال وضرورة المشاركة في تنظيمه بما يليق به، وجاء رد الفعل العربي كاشفا عن الوعي والفكر الرحب، حيث طالب الكثير من رواد وأعلام ورموز المسرح العربي، بضرورة تحويل الاحتفال المصري إلى كرنفال عربي ضخم.
وأوضحت «كمالو»: تابع المهتمون بالمسرح اقتراحات تنفيذ الاحتفالية عبر المؤتمر الإلكتروني الذي عقده دكتور دوارة، وقد لمسنا حرارة تفاعل الكبار مثل عبد الرحمن بن زيدان المغرب، د. وطفاء حمدي لبنان، المخرجة مجد القصص الأردن، والفنان غنام غنام فلسطين، وبراك معز تونس، الإعلامي طالب البلوشي سلطنة عمان، وكذلك من سوريا والجزائر وليبيا وتونس والسودان والعراق، وقد اتفقت رؤاهم على أن مصر هي أم العرب. وأكدت كمالو على أن المبادرة تمثل ضرورة، وأن وزارة الثقافة يجب أن تكون هي القوة الفاعلة والأكثر حضورا في قلب المشهد بكل مؤسساتها وهيئاتها، وأنه يجب أن يتم التنسيق مع الوزارات الأخرى التي تهتم بالثقافة والفنون مثل وزارة التربية والتعليم، التعليم العالي، الشباب والرياضة، المجلس الأعلى للإعلام.

وضع استراتيجية
فيما قال المخرج أحمد إسماعيل: المبادرة عظية تعيد إلينا الثقة بأنفسنا، وبكوننا نمتلك تاريخا مسرحيا حقيقيا، ولسنا محدثي نعمة مثل بعض البلدان الأخرى، مما يجعلنا لا نتهافت على تظاهرات كاذبة، وعظمة تلك المناسبة تجعلنا نسعى لوضع استراتيجية للمسرح المصري تجعله جزءا فعالا في المجتمع، من خلال مؤتمر يقام ضمن فعاليات الاحتفالية ويلتزم بهذه الاستراتيجية الفنانون والمؤسسات حتى لا يظل المسرح على هامش المجتمع.
وأضاف «إسماعيل»: المسرح على هامش الحياة الاجتماعية في مصر، فالقاهرة الكبرى تضم ست أو سبع فرق مسرحية محترفة وعددا قليلا من فرق الهواة، وتلك الأعداد لا تمثل شيئا قياسا بتعداد سكان القاهرة، كذلك المسارح في المحافظات والمدن الإقليمية لا تلبي احتاجات أكثر من 5% من سكان مصر، بالتالي فنحن في حاجة شديدة لتلك الاستراتيجية.

زخم مسرحي
المخرج حسن سعد قال: حتى نحمي المسرح المصري من المؤامرات لا نقول «مائة وخمسون عاما من المسرح»، بل نقول سبعة آلاف عاما من المسرح، المسرح ولد في مصر ثم انتقل إلى الإغريق، لكن التأريخ بـ150 سنة يعني صورته المعاصرة فقط، وينبغي أن تحتفل مصر بالكامل بالمسرح المصري مع التأكيد على عودة مصطلح المسرح المصري، لأن مصر يوجد بها زخم مسرحي لكن ليس مسرحا مصريا من حيث الهوية والشخصية المصرية، ولذلك ينبغي أن يكون ذلك هو المحور الأساسي الذي يحافظ على هوية وشخصية مصر، أما دون ذلك فهو إهمال وعبث.
أضاف «سعد»: أرى أن تُقام احتفالية مرة واحدة كل عام، من خلال محاور فكرية فقط، ولا تأخذ شكل المهرجانات في تقديم العروض، بل احتفالية بحثية على مدار ثلاثة أيام كل عام، لأن اللجوء للشكل المهرجاني سيعيدنا لنفس أشكال الاحتفالات المهرجانية، التي تقام في مصر والتي تعد نموذجا صارخا لإهدار المال العام. أضاف: المسرح يحتاج لأن يتم نسف الإدارة الحالية نسفا كاملا، وعلى الوزارة حين تلجأ لإدارة جديدة أن تبحث في شيئين: الأول السيرة الذاتية للمدير وتاريخه وعطائه المسرحي. والآخر سمعة الفنان نفسه. لكن معظم القيادات الحالية بلا تاريخ.
أما المؤلف أيمن الحكيم فقال إن الاحتفاء بمائة وخمسين عاما من المسرح حدث مهم جدا، على الدولة أن تعمل عليه حتى نقول إن مصر عاصمة الثقافة والفنون في الوطن العربي، ولا أعتقد أن وزارة الثقافة ستمرر هذا الحدث العظيم بدون الاهتمام اللائق به. أضاف: د. عمرو قدم الكثير من المقترحات لكن لدي اقتراحا جديدا ومفيدا اسمه «قطار المسرح» أسوة بقطار الخير الذي كان يشارك فيه عدد من فنانينا، سواء كدعاية للثورة أو جمع التبرعات للمجهود الحربي، والفكرة أن يضم قطار المسرح مجموعة من نجوم المسرح الكبار عادل إمام ومحمد صبحي ويحيى الفخراني والفنانة الكبيرة سميحة أيوب وغيرهم، في رحلة لتكن من القاهرة للإسكندرية، وأن يقيموا احتفالا بمسرح سيد درويش، الذي هو واحد من أهم رواد المسرح، وأن يتم إعادة طباعة الإصدارات القديمة ليتعرف عليها الجيل الجديد، وكذا إعادة القديم من العروض مثل العشرة الطيبة، وأعمال الريحاني والكسار ومنيرة المهدية.. وتكون فرصة للتذكير بهؤلاء الرواد، وفكرة أن يستمر الاحتفال طوال العام وأن يكون هناك تجوال فكرة جيدة لأن المحافظات هي الأكثر حرمانا من المسرح، وستكون فرصة لإنارة مسارح قصور الثقافة، حيث لا يعمل كثير منها إلا أيام قلائل.
وأضاف «الحكيم»: لا بد أن تخصص القنوات التلفزيونية وقتا لإعادة كنوز المسرح المصري، لأنه أصبح مغضوبا عليه في القنوات الفضائية ولا تعرض المسرحيات إلا نادرا، وأن تقدم جميع المسارح تذاكر مخفضة أو مجانية للطلبة، ومن المهم أيضا إقامة الندوات التي تتناول الكثير من المحاور التي تهم المسرح المصري منها، كما اقترح د. دوارة، ندوات حول تفعيل الأنشطة المسرحية في المدارس والجامعات وكل المؤسسات التي تقدم نشاطا مسرحيا، كما أرى ضرورة أن تُقام الاحتفالية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه وكذلك رئيس الوزراء.
فيما قال الفنان أشرف طلبة: إن الاحتفال بمرور مائة وخمسين عاما من المسرح أمر ضروري، وللأمانة تواصل معي المؤلف الكبير محمد أبو العلا السلاموني منذ شهر باقتراح للاحتفال بمائة وخمسين عاما على المسرح في مصر، وعرض تقديم أحد نصوصه «أبو نضارة» ضمن برنامج الاحتفال، والنص ما زال في مرحلة القراءة، ولكنه في خطتنا بجانب رغبتنا في تعميم الفكرة لتضم أكثر من شكل احتفالي، ولكن الشكل النهائي لم يكتمل بعد سواء قدم العرض على المسرح القومي أو على مسرح السلام.


روفيدة خليفة