جلسة «مداخل لدراسة المسرح الإفريقي» محمد أمين عبد الصمد: لكل ثقافة مسرحها الخاص

جلسة «مداخل لدراسة المسرح الإفريقي» محمد أمين عبد الصمد: لكل ثقافة مسرحها الخاص

العدد 630 صدر بتاريخ 23سبتمبر2019

في افتتاح جلسة “ مداخل لدراسة المسرح الإفريقي” والتي تقام ضمن المحور الفكري لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبي والمعاصر في دورته الـ 26، ويدير الجلسة محمد أمين عبد الصمد، ويتحدث خلالها كلا من “آوي مانا أسيدو” وهو محاضر في قسم الفنون المسرحية بجامعة غانا، و “لوت زينب” أستاذة جامعية في المدرسة العليا للأساتذة مستغانم الجزائر، ناقدة وباحثة أدبية، و”جاستين جون بيلي” مخرج وممثل ومصمم رقص، وأستاذ مساعد بجامعة جوبا، جنوب السودان، و”آسيموي ديبورا كاوي” وهي مؤلفة ومخرجة مسرحية، وعضو مؤسس لمهرجان كامبالا الدولي للمسرح، “أوغندا”.
 وقال د. محمد أمين عبد الصمد خلال تقديمه للجلسة أن لكل ثقافة مسرحها الخاص الذي ينبع من ثقافتها، مشيراً إلى أنه كان سعيد الحظ بالإطلاع على الأبحاث الخاصة بالملتقى الفكري منذ فترة، لاسيما وأنه مهتم بشكل شخصي بالثقافة الإفريقية.
مشيراً إلى أنه هناك عض الكتابات تصف الثقافات الإفريقية بأنها ثقافات شفاهية على اعتبار أن الثقافة الشفاهية في مرتبة أدنى من  الثقافات الأخري، وكذا الكثيرين منهم أن التدوين ليس كتاب فقط ولكنه أيضاً من الكتابات التي تبحث عن شكل سياسي .
وتابع عبد الصمت قائلاً :” أنا لست حسن النية فيما يُكتب عن أفريقيا، حتى من بعض الأفارقة، لأننا بنعتمد على الترجمات المرحلة الثانية، وأن معظم تلك الترجمات والتي ربما تحمل وجهات نظر مغايرة،لاسيما في فترة ما  هو ظلم شديد للثقافات الإفريقية ، ويركز بعض الدارسين ـ متأثرين بالباحثين الأوروبيين ـ على القبيلة كوحدة أساسية ووحيدة في المجتمعات الأفريقية مغفلين حضور فكرة الدولة ذات القبائل والأجناس المتعددة واستمرارها داخل أفريقيا مئات السنين مثل ممالك مالي وصنغي والهاوسا والبورنو والكانم وغيرها من الكيانات السياسية التي تشكلت متجاوزة القبيلة،
مستكملاً:” وقد تكون محاولات ترسيخ القبيلة والمفاهيم المرتبطة بها هو ترسيخ لفكرة بدائية المجتمع أو المجتمع ما قبل التحضر وخلق الكيانات السياسية المستقرة والمستمرة”
فيما تحدثت الكاتبة الأوغندية أوب مانا اسيدو خلال مداخلتها بالجلسة الثانية بالمحور الفكرى ضمن مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبي والمعاصر في الدورة ال 26 والتي تحمل عنوان “ تكوين اللغة والسياسات في المسرح الإفريقي ما بعد الاستعمار” انه ثمة الكثير من المسرحيات المنتجة في جميع أنحاء القارة في العقود الستة المنقضية منذ استقلال الدول الإفريقية عن حكامها الاستعماريين.
وتابعت اوي: قالت الدكتورة آوي مانا أسيدو، عضو اللجنة التنفيذية بالهيئة الدولية للبحوث المسرحية، لقد جاء بحثي الذي أشارك به في المهرجان تحت عنوان الشاعرية واللغة للمسرح الأفريقي ما بعد الاستعمار.
وأضافت: كان دافعي لتقديم هذا البحث هو التركيز على الجانب المكتوب من المسرح الافريقي وبحثي هنا عن الشعرية وأعني كيفية صناعة المسرحيات في افريقيا، وهذه هي الشعرية من وجهة نظري لأن الكتاب الافارقة يبتعدون عن الشكل المسرحي  الاوروبي في التأليف ويعتمدون كلية على مفهوم الشعرية وليس التأليف المتعارف عليه.
وتابعت: لدي سؤال حاولت الاجابة عنه، وهو: ما هي المسرحية الافريقية؟ فهناك فروق شاسعة بين دول القارة بسبب الاستعمار، فالمسرح في غانا مختلف تماما عن المسرح في مصر أو الجزائر او اثيوبيا، كما حاولت الاجابة عن سؤال آخر وهو ما هو المسرح الافريقي وما هو الذي أعنيه بكلمة افريقي؟ ووجدته سؤالا صعبا أيضا بسبب التنوع الشديد في القارة.
وواصلت: في غانا وجدت المسرحية الافريقية تعتمد على أشكال وعناصر كثيرة منها فن المايم والتاريخ والأسطورة وغيرها من العوامل التي ساهمت في تشكيل اللوحة والمشهد المسرحي، حيث
وتلعب الأسطورة الافريقية دورًا كبيرًا في تقديم المسرحيات، والكاتب يستخدمها لخدمة مجتمع ويؤكد أن الطبقة الارستقراطية هي السبب في كثير من المتاعب للمجتمع، بينما يساعد الطقس على إعادة إحياء كل ما انتهى من المجتمع.
و واصل الممثلون المسرحيون الإفريقيون تقديم أعمال تعكس جميع التغييرات، مصوّرين تطلعات بلدانهم المختلفة وآمالها. سأركز في هذا البحث على الطرق التي تعاملت بها هذه العقول المبدعة مع مهنتهم والقضايا التي شغلتهم.
مشيرا إن استخدامهم للغة، وهو موضوع مهم ومحير، بشكل عام في مناقشة مسرح ما بعد الاستعمار، سيكون أيضًا نقطة محورية رئيسة في طرحي للموضوع. ما قيمة الترجمة، وما المفقود أو المكتسب من خلالها؟.
كما قدمت شرحا أعمال النيجيري فيمي أوشوفيسان من خلال كيفية استخدامه للاسطورة في اعماله المسرحية وكيف اعتمد علي الاسطورة لخدمة هدفه وهو نقد المدمتع واظهار الطبقية.
كما تعرضت للكاتب محمد بن عبد الله، وكيف استخدم الطقس في المسرح حيث نجد انه يستعمل الطقس لاعادة احياء المجمتع، مشيرا إلى أن عملية استخدام الطقس على المسرح وهو إعادة استعمال الشكل التقليدي لحكي القصة.
واختتمت أسيدو بحديث عن الكاتب  كونت مهلانغا من زيمبابوي وديف فيراساومي من موريشيوس وكيف استخدموا في المسرح الافريقي واشارت الى ان كتاب المسرح في فترة ما بعد الاستعمار كانو يحاولون الكتابة بلغات آخرى
قالت الكاتبة الجزائرية لوت زينب خلال مداخلتها والتي حملت عنوان “مسرحة المكان نحو التراث ومركزيه المنهج” أن العديد من الكتابات المسرحية الأفريقية اتجهت لاستعادة الماضي لتفسير التاريخ وإحياء التراث الثقافي،.
وتابعت زينب أنه لدينا  علي سبيل المثال “وول شوينكا”  في مسرحيته الأسد والجوهرة وأيضا نجد المسرح الطقوسي حاضر بقوه بخاصه في لعبة المكان والظاهرة المكانية وفهمها الواعي.
حيث قامت بعرض وصف بعض العروض المسرحية الافريقية ومنها الأسد والجوهرة للكاتب النيجري وول شوينكا 1975، وحاجز الزمن للكاتب إبراهيم حسين من تنزانيا 1969، ومحاكمة ديدان للكاتب الكيني نجوجي وثيونجو 1976.
وأوضحت إن الممارسة المسرحية الأفريقية ترفض كل أوجه الاستعمار والتبادل الثقافي الذي كان يهدف إلي تجريد الأفارقه من خصوصياتهم، ومن هذا المنطلق كانت  رؤية الذات إلى يقظة حاسة المبدع في تشكيل خواص جمالية.
وأوضحت “زينب” أن مسرح أفريقيا السوداء مع فنانيها الحرفيين هما القوة الموجهة نحو التراث الشفهي، حيث يشتركان في بنية سيكولوجية وثقافية ونسق من الأفكار والصور تمثل مركبا جماعياً لمجتمع لم يتوقف في البحث عن ذاته ولذاته وللعالم، جوهر التراث هذا يجمع بين الانعكاس والتأمل ، او الاستبطان الداخلي لإثارة حوار عن واقع الحياة والظروف الأفريقية، وباستخدام المسرح طرق الاستعارة وهو ما يؤكد ثانية على قدرة هذا التراث في التوأمة في مجال المسرح .
وعن الكاتب لويس نيكوس أوضحت أنه يعبر عن أمكانية نمو عري الصداقة والحب على المستوى الشخصي بين شخصين ينتميان لجنسين مختلفين على الرغم من العداوة الشديدة بين جنسيهما، ويعبر الكاتب عن أمله في الشباب المتعلم المثقف الذي سيرسي قواعد مجتمع صالح لا يعير أي اهتمام لفروق في اللون او العرق ، وتعتبر هذه المسرحية أفضل الأعمال الدرامية التي ناقشها الكتاب الأفريقيون في هذا الموضوع وهي تستحق الاهتمام بالفعل” .
واختتمت بتقديم استخلاص للورقة البحثية وهي على النحو التالي :أمكنة المسرح الإفريقي بين التراث والمنهج، المسرح الافريقي الجماعة / الجمهور / التعبير الحركي، التراث نمط تعايش حضاري، الجسد انتماء للمكان “الطقوس والحركات” انعكاس المستعمر ما بعد الاستعمار، الحداثة ترسبات الآخر في صراع هوية الذات وذات الهوية “.
وأعلن الكاتب محمد أمين عبد الصمد عن اعتذار الأوغندية  “آسيموي ديبورا كاوي” عن عدم تمكنها من حضور الجلسة الثانية بالمحور الفكري وذلك لظروف مرضية وحملت الورقة البحثية عنوان “تقنيات الحكي والعرض ما بعد الاستعمار”(أساليب وموضوعات رئيسة)
فيما قدم جاستين جون بيلي من جنوب السودان والتي حملت عنوان “الجسد الطقسي وديناميكية الأسطورة في المسرح الأفريقي” “عرض قربان النهر نموذجاً” حيث قال :”أن البحث كاملاً سيكون بين أيدي القارئ، وأنني سأحاول أن أركز على النقطة النظرية في الورقة البحثية”
العرض المسرحي في بنية النص اعتمد على الأسطورة في جنوب السودان، والتي تقول “أن أي طفل يولد مشوهاً يتم تقديمه قرباناً للآلة”، وأن العرض المسرحي يعتمد في بناءه على هذه الأسطورة  التي حاكمت الموت من العلاقة ما بين الفيزيك والميتافيزيك، وحاول المخرج عبر جسد الممثل الخروج إلى ما هو مرئ والدخول في عالم الميتافيزيقا، وهنا سنجد إلى أي مدى نجح المخرج في تجسيد الميتافيزيقا داخل العرض  المسرحي، مستخدماً ذاكرة الممثل الذاتية والذاكرة الأدائية لدي الممثل”.
حيث أوضح أن الدراسة تنقسم في بنيتها الهيكلية إلي أربعة محاور أساسية وهما المحور الأول تناول المسرح الأفريقي أبعاده الطقوسية وبنياته المتعددة؛ المحور الثاني تناول الجسد الطقسي والأداء الثقافي في أفريقيا؛ أما المحور الثالث تناول حضور الأسطورة في النص المسرحى الأفريقي، المحور الرابع تفكيك عرض قربان النهر نموذج الدراسة لاستكشتاف حضور غير المرئي عبر المرئي في طقوسية الأداء، من ثم الخلاصة النتائج والتوصيات وملحق الصور ممثلا المحور الأخير من الدراسة.
عصام أبو القاسم: تجربة المسرح في جنوب السودان يعاني إشكالية اللغة
فيما أشار الكاتب السودانى عصام أبو القاسم خلال مداخلته بجلسة “مداخل إلى المسرح الإفريقي” والتي تقام ضمن المحور الفكري لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر، رداً على مداخلة “جاستين جون بيلي”، إلى أن جنوب السودان قد انفصل عن شمال السودان في عام 2011، وأن تجربة المسرح في جنوب السودان هي امتداد وليس انفصال لتجربة المسرح في السودان بشكل عام”.
وتابع لكن انه من الملاحظ أن جنوب السودان يتميز بكونه متعدد قبلياً، ومتعدد في أيضاً في لغاته، والسؤال الذي يواجه التجربة المسرحية في جنوب السودان، هو يتعلق بكونه يفتقد للغة، وكما هو معروف في السياسات التعليمية والاستعمارية في جنوب السودان تتعلق  باشكاليتين، المشكلة الأولى هي أن المستعمر الإنجليزي رسخ للغة الإنجليزية والجانب الثاني أن مثقفي شمال جنوب السودان يتحدثون اللغة العربية واللغة الإنجليزية، حتى أن عمليات التجارة وطريقة التواصل بين السودانيين في الشمال والجنوب اوجدت لغة تدعى “عرب جوبا” وهي مزيج عربي جوبا، وهذه اللغة هي مزيج من العامية الشمالية وبعض اللغات الخاصة ببعض القبائل في جنوب السودان، والتي سارت معروفة بالنسبة لسكان المدن في جنوب السودان الآن، حتى أن التواصل ما بين الجنوبيين  لا يمكن ان يتحقق إلا إذا كنت تتقن لغة “عرب جوبا” حتى أن مسرح جنوب السودان ق شارك بعرض مسرحية في مهرجان شكسبير والذي قدم بلغة “عرب جوبا” وذلك لأنهم كانوا يريدون التعبير عن هويتهم فقد قدموا عروضاً مسرحية يغلب عليها الرقص ، وحاولوا أن تكون تلك العروض خالية من أي حوار، وأن الأستاذ جاستين يعمل في الاكاديمية ويقوم بجهود مهمة في هذا الإطار والتساؤل هنا ماذا سيقدم المسرح الجنوبي في هذا الإطار؟.

جبار خماط: أتمنى من الباحثة أن تجمع الأساطير الإفريقية في كتاب
قال المسرحي العراقي د. جبار خماط خلال تعقيبه على جلسة “مداخل لدراسة المسرح الإفريقي” ان جميع البحوث التي قدمت اليوم هي بحوث عميقة وتدعوا إلى الجدال والنقاش، ان البحث التي ألقته الزملية آوي مانا أسيدو من غانا وهو البحث عميق جدًا، وهو فعلاً  أن الأسطورة وجدت بداخل النص بوصفة حاضنة لغوية، وكيفية تحويل الشفاهي إلى مسرح لغوي، وبالتالي تبادر في ذهني هذا التبادل مع عقل الباحثة، وأقول أن هذه الانتباهة الذكية لدي الباحثة ذكرتنى ببروك، عندما جميع النص، عن طريق جمع الحكايات الشعبية الأوروبية من خلال الشخصيات ، وكان من أهم الكتب التي أثرت لاحقا الكثير من الكتاب  في كتابة نصوص درامية تعبر عن العقل الاوروبي” .
وتابع خماط :” فأنا لدي مقترح هل بإمكان الباحث أن تعمل جمع مثلما قال بيتر بروك لكثير من الأساطير الإفريقية وجمعها في كتاب، ولو جمع هذا الكتاب الذي يجمع الحكايات الإفريقية وترجم إلى لغات اخرى، سيكون ثري جدًا لكثير من الكتاب، ليس فقط في إفريقيا إنما في كل العالم يمكن أن يستقبل تلك الاساطير ويحولها إلى نص فيه طاقة عالمية يمكن أن يستفيد منها الآخر في كل مكان” .
أما ما قدمته الزميلة “لوت زينب” فكانت في حالة حوار مع العقل الأفريقي العربي، فهي محاولة في الانفتاح على الأخر، وكنت أتمني أن تجدير المقاومة الداخلية ما بين النص اللغوي وما بين الوجود على خشبة المسرح، بمعني أن يتحول من نسق ساكن يحركه القارء بالقراءة إلى نسق متحرك على الخشبة يستقبله المتلقي، وأعتقد بهذا الفرضية يمكنك إعطاء ثراءً أكثر للبحث.
 

 


سمية أحمد