العروض المسرحية الغنائية إلى أين؟

العروض المسرحية الغنائية إلى أين؟

العدد 549 صدر بتاريخ 5مارس2018

تندر العروض المسرحية الغنائية وسط العروض المسرحية المتنوعة التي تعرض على خشبة المسرح المصري حاليا، في حين أن المسرح الغنائي له أهمية كبرى؛ حيث يتخلله عدد من الأغاني والأناشيد التي من شأنها أن تدعم فكرة العرض أو تكون الفكرة بشكل عام، وتؤدي إلى تحقيق الغرض والهدف من هذا العرض، والمسرح الغنائي جنس فني مركب نشأ في الغرب، له خصائصه ومقوماته ويتوسل بلغة فنية مركبة - تتألف من الشعر والموسيقى والرقص والتمثيل - في التعبير عن أحداثه؛ أي أن المسرح الغنائي هو مسرح شامل بمعنى آخر.
رصدت «مسرحنا» خلال هذا التقرير ما يقدم من عروض غنائية خلال الفترة الأخيرة، ومدى عدم إقبال صناع المسرح الغنائي عليه ودور وزارة الثقافة في تطوير ودعم هذا اللون الهام من ألوان المسرح المصري والعربي، وتعرفت على أهم ما قدم خلال الفترة الماضية، حيث لاقى عرض «قواعد العشق الأربعون» اهتماما كبيرا وشهد إقبالا كبيرا، بالإضافة إلى عرض «ألف ليلة وليلة»، الذي استطاع في عرضة مؤخرا أن يجذب الجمهور بأداء المطربين محمد محسن وهبة مجدي. وهو أوبريت نادر لبيرم التونسي تم تقديمه أربع مرات من قبل، في الأوبرا القديمة عام 1931، وفي عام 1958 قدم على خشبة المسرح القومي، وقدم عام 1872 على مسرح محمد فريد، كما قدمه الفنان يحيى الفخراني على خشبة مسرح الجمهورية عام 1994 من إنتاج دار الأوبرا المصرية، وكان قد شاركه البطولة وقتها المطربة أنغام والمطرب علي الحجار.
قدم البيت الفني للمسرح من خلال الفترة الماضية مجموعة من العروض الغنائية، ولكنها لم تلقَ إقبالا كبيرا من الجمهور، بالإضافة إلى تقديم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، حيث كان للمركز فرقة غنائية دائمة ولكنها لم تقدم عروضا من فترة كبيرة، كما قدمت عروض غنائية خاصة مثل ما أقام مسرح أوبرا جامعة مصر العرض المسرحي الغنائي «ليلة» لفرقة المسرح الغنائي المصري، من تأليف وألحان إبراهيم موريس وإخراج هاني عفيفي.
في البداية قال الدكتور سيد علي إسماعيل، كلية الآداب جامعة حلوان، إن المسرح الغنائي هو أساس المسرح في مصر منذ ظهور الشيخ سلامة حجازي – بوصفه مطربا ونجما مسرحيا - في فرقة سليمان القرداحي بالإسكندرية عام 1879، واستمر المسرح غنائيا من خلال فرق مسرحية كثيرة، مثل: فرقة الشيخ سيد درويش، وفرقة منيرة المهدية، وفرقة أولاد عكاشة.
وأشار الدكتور إسماعيل، إلى أنه في عام 1923 تراجع المسرح الغنائي بقوة عندما ظهرت فرقة رمسيس ليوسف وهبي، التي فتحت المجال للمسرح التراجيدي أو المأسوي الخالي من الغناء والاستعراض، موضحا أن المسرح الغنائي يحتاج إلى إمكانيات كبيرة من موسيقيين وملحنين وألحان جديدة ومطربين ومطربات واستعراضات وديكورات فخمة، وملابس مناسبة، ومجموعات بشرية، وغيرها، وهذه أمور مكلفة ماديا، وتحتاج إلى إمكانيات ضخمة، للأسف لم تصبح متوفرة في وقتنا الراهن إلا في عروض مسارح الدولة وعلى استحياء، بل ومن الممكن أن نقول إن العروض المسرحية الغنائية في مصر في الآونة الأخيرة، يتم إنتاجها بمال قليل من الدولة، وبتكلفة ذاتية من قبل فريق العمل.
وضرب الدكتور إسماعيل مثالا على ما قدم من عروض غنائية، قائلا: الأول عرض «قواعد العشق الأربعون»، الذي نال نجاحا كبيرا – وما زال – بسبب اعتماده على الغناء الديني والاستعراضات الصوفية، وهذا العرض تحديدا أثبت للجميع أن المسرح الغنائي له جمهوره، ويستطيع أن يجذب الجماهير في كل وقت في مصر، وعلى المستوى الشخصي رأيت هذا العرض مع أكثر من مائتين من طلابي بجامعة حلوان، وكتب الطلاب عنه تعليقات لم أكن أتصورها.
كما ضرب إسماعيل مثالا آخر يتمثل في جهود حسن سعد في مجال تأليف وإخراج العروض المسرحية الغنائية والاستعراضية؛ حيث إن حسن سعد يُعدّ الآن من أهم المسرحيين في مصر ممن يهتمون بهذه النوعية من المسرحيات، والدليل على ذلك أنه يُعدّ من أكثر المؤلفين والمخرجين المصريين إنتاجا للمسرح الغنائي في السنوات العشر الأخيرة، مثل: خضرة الشريفة، ويا ليل يا عين، والله زمان، ومنين أجيب ناس.
واستشهد رئيس المركز القومي للمسرح الأسبق، قائلا: أخيرا عرض «حارة السنان» التي عرضت في مسرح المتروبول، وكانت عرضا غنائيا استعراضيا جاذبا لجمهور الكبار والصغار، والآن يتم عمل ببروفات أكبر عرض مسرحي غنائي استعراضي في مصر بعنوان «ودنك منين يا جحا»، من إنتاج البيت الفني للفنون الشعبية.
كما تسأل الدكتور كمال الدين حسين، عن مدى أهمية المسرح الغنائي بالنسبة للفنان أو للجمهور أو صناع المسرح ومدى الاحتياج إليه، وخصوصا أن المسرح الغنائي عامل جذب من خلال الغناء لأن المسرح في البداية هو رسالة توجه للجمهور يقدم من خلالها رسالة وقضية ما يراد توصيلها للجمهور من خلال رؤية المؤلف والممثل والمخرج.
وأشار الدكتور كمال الدين إلى أن الغناء استخدم كعنصر مكمل للعرض المسرحي لكي يحقق نوعا من الكسب، وخصوصا أن المسرح بدأ غنائيا مع بداية المسرح اليوناني، وبعد ذلك تطور الأمر إلى تقديم النص الغنائي داخل النص من خلال الغناء داخل الرواية أو تعليق على بعض الأحداث التي تثير المشاعر والانفعالات من مواقف عاطفية وانفعالية، وهو ما أعطى فرصة لكثير من مؤلفي الموسيقى الدرامية، لأن الموسيقى الدرامية التي توظف في المسرح الغنائي سواء في الأوبريت أو الأوبرا فهي تحتاج إلى مؤلف معين وليس أي أحد يقوم بكتابتها بشكل موسيقي على كلام موسيقي يلحن.
وكشف الدكتور حسين أنه بدأ الاتجاه في العالم العربي بما فيه مصر إلى دغدغة المشاعر والغرائز من خلال الغناء، فبعدنا عن البعد الدرامي، وبدأ التلحين من خلال الكومبيوتر والأغاني والتركيبات الموسيقية الجاهزة، فبالتالي ضاع الفنان الموسيقي الدرامي، بالإضافة إلى أنه لم يعد لدينا فكرة المطرب الممثل، أو المطرب الذي لديه صوت قوي يستطيع أن يسمع آخر متفرج في الصالة.
وشدد على أن ذلك يؤدي إلى عدم وجود المطرب صاحب الرسالة، وبالتالي أصبح أي مطرب الآن يريد أن يدخل حفلة لتحصيل المقابل المادي فقط، ولكن المسرح يريد أن يكون هناك حضور من الفنان كل يوم، وعمل متواصل، بالإضافة إلى أضعاف قيمة الممثل لدى الجمهور في حال تسجيل الأغاني وإلقائها حركيا.
كما شدد على أنه لكي يكون هناك مسرح غنائي حقيقي، فإن ذلك يحتاج إلى تكلفة مالية وإمكانيات كبيرة جدا، لأنه يعتمد على الإبهار والتقنيات العالية، مشيرا إلى أن دور الغناء في المسرح مهم للغاية، ولكن الآن الفنان يريد عملا ضخما بأقل مجهود، وهذا غير مقبول، لأنه مهم أن يكون هناك جهد لكي ينجح العمل المسرحي بتكلفة بسيطة دون أن ترهق المنتج.
ووضع الدكتور حسين روشتة علاج لمسألة ندرة المسرح الغنائي، قائلا إنه لا بد أن تكون هناك مصداقية وأن يكون المبدع صاحب رسالة، وألا يكون مبدعا لمجرد التربح فقط، فهذا لن يقدم شيئا، وبالتالي يجب أن يخطط جيدا للعروض الغنائية ومن يقدمها والتدقيق إلى من تقدم العروض، ومدى تفهم الجمهور لما يقدم وبالتالي لو أدير الأمر بهذا الفكر فسوف نحل مشكلات الفكر والثقافة والفنون في مصر.
 

 


محمد خضير