العدد 528 صدر بتاريخ 9أكتوبر2017
في المسرح لا مكان لجملة لا تنتج معنى، وفي المسرح لا مكان لاستخدام أداة من أدوات المخرج لا تضيف إشارة أو دلالة تثري من قيمة العمل الفني، وفي المسرح أيضا لا مكان لبناء درامي لا يستطيع توصيل رسالة العمل الفني سليمة للمتلقي دون تشوية.. وكل ما يحدث عكس هذا ينقص من قيمة العمل المسرحي ويقلل من متعته.. وعلى هذا فالمؤلف المسرحي عندما يشرع في كتابة نصه يكون حرا في اختيار الموضوع، وكذا اختيار المنهج الملائم ليصبح إطارا يقدم من خلاله رسالته للمتلقي، ولكن حين يحسم قراره بالاختيار يجب أن يعي كيف يوظف أدواته حتى لا ينحرف عن المسار الذي رسمه منذ البداية. وبالتالي، تنفلت سيطرته على نصه.. تلك هي الإشكالية الأهم في النص المسرحي (+7 أشباح كامل نجفة) للمؤلف د. أحمد يوسف عزت الذي حاول تقديم نص في إطار العبث محاولا طرح أفكاره عن واقع آني تختلط فيه الأوراق وتتداخل فيه الأزمات وترتسم فيه الوجوه بابتسامة بها من المرارة الكثير وتنسحق الذوات الضعيفة الخالية من المخالب فيه أمام الذوات المتوحشة ليصبح القهر والتبعية الذليلة عنوانا رئيسيا واللعنة على السادة واجبة، حسب طرحه وكلماته التي جاءت في النص.. ولكن على الرغم من لغته التي احتوت تركيباتها على الشكل العبثي من تداخل الأزمنه وغموض المعنى وقصر الجمل وسخريتها في بعض الأحيان، فإن البناء الدرامي للنص جاء بحبكة بوليسية تطرح لغز مقتل مديرة المسرح وتشير أصابع الاتهام إلى أحد أعضاء الفرقة المهمشين الذي يعمل كومبارس، والذي اختفى بعد سبع سنين من زواجه في غفلة من الزمن بإحدى بطلات الفرقة رغم الفوارق الشاسعة بينهم لتتداخل الأحداث التي يسردها النص في رحلة البحث عن القاتل بين الواقع وكثير من مشاهد نصوص شهيرة عالمية ومصرية منها كاليجولا وعطيل وغيرها مكرسا لحالة القهر والخديعة والخيانة، لنكتشف في النهاية أنه كان أداة في يد امرأته الطامعة في البطولة المطلقة للفرقة التي كانت حكرا على تلك المديرة القتيلة ليحل اللغز في آخر العمل ويعيد تكرار رسالته على المتلقي (اللعنة على السادة والقهر للضعفاء) في شكل خطابي أبعده عن الإطار العبثي الذي حاول صنعه منذ البداية، وأصبح شكلا بلا مضمون ليصبح عبئا على النص ويحدث تشويشا لدى المتلقي.. لينتج نصا ذا بناء درامي هش وجمل مبتورة غير منتجة للمعنى في كثير من الأحيان ذي رسالة اضطر لتقديمها في نهاية العرض بشكل مباشر ليقوض كل بنائه الدرامي وينقض اتفاقه المبدئي مع المتلقي.
أما المخرج هاني نصر الدين فقد انجرف دون وعي بإشكاليات النص وقدم رؤيته اعتمادا على الإطار العبثي الخادع في النص.. فعلى مستوى الديكور، الذي قام هو بتصميمه، نلاحظ عدم الوعي بالنسب داخل الفراغ المسرحي ليزدحم المسرح بقطع الديكور والمستويات والإكسسوارات ليصبح المنظر المسرحي يمثل ثقلا على عين المتلقي وتقل المتعة البصرية، بالإضافة إلى أن كثيرا من المفردات غير قادرة على إنتاج لغة بصرية تضيف إلى النص سوى تلك البراميل الشفافة التي تحتوي على طائر حبيس داخلها الذي استخدمها في لحظة بداية العمل وتلك الرؤية التشكيلية تتنافى مع ما يفترض أنه عبث داخل العمل.. فقد كان اختياره لوضع حبل في أعلى يسار المسرح الخاص بالمتفرج علق عليه ملابس التشخيص وتغير الملابس للشخصيات أمام المتلقي ينتمي للمنهج البريختي لتصبح الرؤية البصرية خليطا غير متجانس ولا مبرر من قبل المخرج.. هذا الخلط حدث أيضا في قيام فريق العمل المكون من أربعة ممثلين (شادي حامد/ سليمان رضوان/ سارة هاني/ ليلى محمد) بتبادل الشخصيات والتشخيص دون مبرر منطقي أو إضافة لمعنى ليضيف عبئا جديدا على المتلقي في محاولة فك شفرات العمل وإيجاد علاقات منطقية بين مفردات العمل وبعضها البعض.
الملابس جاءت هي الأخرى في نفس هذا السياق العشوائي وغير الخاضع لخطة عمل تتناغم مفرداتها لصنع نسيج متجانس ينتج معنى ويحدث المتعة للمتلقي.. الحركة التي رسمها المخرج لشخوصه جاءت في إطار استخدام كل مناطق المسرح، ولكن لم تخرج هي الأخرى عن إشكالية العناصر الأخرى، فجاءت تقليدية إلا في لحظات قليلة منها المشهد الذي يسترجع فيه كامل نجفة حديثه مع والده المتوفى واحتضانه لجلبابه الذي خلعه الأب ليرحل ويترك أثره ليحتضنه الابن في هيئة هذا الجلباب.
أما عن الأداء التمثيلي، فقد اجتهد الممثلون في تقديم ما لديهم من مهارات، وهو ما يعكس خبراتهم، إلا أن إشكاليات العرض فرضت نفسها على طبيعة الأداء، فجاء هو الآخر خليطا من الأداء التقليدي والأسلوب البريختي بالأداء الخارجي للشخصية والمبالغة المقصودة.
ورغم الجهد المبذول إخراجا وتأليفا وأداء تمثيليا فإن الإشكالية التي انتقصت كثيرا من المتعة الفنية والقيمة في هذا العرض هي عدم قدرة المؤلف على صياغة بناء درامي متماسك ذي مفردات محددة ورسالة واضحة مع وجود مخرج حاول تقديم كل ما في جعبته من مفردات إخراجية، إلا أنه لم يؤطر لتلك المفردات، فجاءت شذرات متناثرة في الفضاء المسرحي مفتقدة للتناغم القائم على هدف محدد ورسالة محددة مهتم بأن يرسلها لجمهور العمل، فلم يفلح في إنتاج المعنى أو إضافة قيمة فنية لعمله أو متعة حقيقية لمتلقي العمل.