الخمارة.. استهانة بعقول الجمهور

الخمارة.. استهانة بعقول الجمهور

العدد 560 صدر بتاريخ 21مايو2018

يبدو أن مفهوم عروض الكوميديا أصبح في حالة لا يرثى لها خاصة بعد تجربة مسرح مصر التي انتشرت في السنوات الأخيرة؛ حيث الأفيهات المبتذلة وأغاني المهرجانات الصاخبة التي تسيطر على أحداث العرض دون أن تجد مبررات درامية لما يحدث على خشبة المسرح، فتجد نفسك أمام شخصيات خاوية دون أبعاد نفسية أو اجتماعية تبرر أفعالها، وأحداث مفتعلة، وينتهى العرض برسالة موجهة بشكل خطابي مُفادها المغزى من العرض، فهذه العروض تهدف فقط إلى إثارة ضحكات الجمهور وسماع تصفيقهم الحاد. وفي حقيقة الأمر، أن ترى عرضا مسرحيا هدفه الأساسي رسم الابتسامة على وجه جمهوره ليس خطأ أو جريمة، فمن منا لا يحب أن يشاهد عرضا مسرحيا كوميديا يغير مزاجة إلى الأفضل بفضل حالة البهجة والمتعة التي تخلقها عروض الكوميديا، ولكن هذا لا يعني الاستخفاف والاستهانة بعقول المشاهدين، تلك هي الجريمة الحقيقية التي يجب أن يُعاقب عليها صناع تلك العروض السطحية، فعروض مسرح مصر ليست قدوة لتسير على نهجها عروض الكوميديا.
وقد ظهر تأثير هذا النوع من العروض على فرقة التحفجية التي قدمت أمس على خشبة مسرح رومانس عرض “الخمارة” الذي تدور أحداثه بإحدى خمارات إسكندرية فكرة أحمد الأباصيري إعداد وإخراج وائل عاطف، حيث يبدأ العرض بمقتل الراقصة ابنة صاحبة الخمارة ولأن الجاني مجهول يذهب المحقق ومعاونه عدة مرات إلى الخمارة متنكرين بشخصيات مختلفة لاكتشاف القاتل عن طريق استدراك الشخصيات المترددة على الخمارة لسرد ما حدث ذلك اليوم وباستخدام تقنية الفلاش باك نرى الحادث والقاتل في كل مرة بوجهة نظر مختلفة، وبعد مرور ما يقرب إلى ساعة ونصف من الفلاش باك وقبل أن يسدل الستار ينتهى العرض وعلى وجوه جمهور العرض الكثير من علامات التعجب والاستفهام؛ حيث تأتي الراقصة “المقتولة” وتسرد بجمل خطابية بشكل نمطي بحت في زمن لا يتعدى الخمس دقائق، الدافع وراء قتلها لنفسها وكيف شارك كل الشخصيات الموجودة بالخمارة في قتلها.
دارت أحداث العرض في إطار كوميدي ساذج أحداثه مفتعلة شخصياته سطحية، وكان تكرار الحوار الدرامي ذاته في بداية كل فلاش باك وتكرار نفس الأحداث تقريبًا؛ حيث يأتي المحقق كل مرة ويستمع إلى القصة من أحد المترددين على الخمارة، ثم يقوم بالقبض على أحدهما بتهمة القتل وبدون مبرر درامي يخرج المتهم ويعود للخمارة، ويأتي المحقق مرة أخرى للبحث عن القاتل، وهكذا دون جدوى مما كان سببًا في أن يسقط إيقاع العرض، ومن ثم يمكننا القول إن العرض كان بحاجة للكثير من التكثيف، فحتى لو كان هناك بعض الإسقاطات السياسية والاجتماعية التي حاول أن يبلورها المخرج وائل عاطف من خلال الأحداث، فقد أضاعها هو ذاته وسط فوضى العرض، بالإضافة إلى الخروج عن النص بإلقاء بعض الإفيهات المقحمة على الأحداث دون سبب منطقي سوى إثارة ضحكات الجمهور.
يكاد يكون ديكور العرض الذي اشترك بتصميمه كل من رنا كرم ومحمد عبد الرازق وخليل حامد، هو أفضل عناصر العرض المسرحي وأكثرهم انضباطا؛ حيث استطاع هذا الفريق تحويل خشبة المسرح إلى ما يقرب من شكل خمارات بحري القديمة من خلال البار الصغير الذي وضع بوسط عمق المسرح وزجاجات البيرة وغيرها التي تناثرت في كل أرجاء الخمارة والستائر الحمراء المعلقة على باب الخمارة، وبوجود بائع الجاندوفلي والفتوة ونادل الخمارة الإنجليزي الذي استطاع بأدائة التمثيلي البارع أن يُتقن اللهجة والحركة الجسدية للنادل في هذا الوقت على خشبة المسرح ومشاركة الملابس، التي صممها إسلام رفعت وأحمد مصطفى، تكتمل صورة الخمارة الموجودة قديما بشوارع الإسكندرية، ولكن يؤخذ على مصممي الملابس ومخرج العرض عدم التدقيق بملابس الممثلين، فهل يُعقل أن نرى راقصة مُحجبة بخمارة؟!
أما عن الأغاني الشعبية والمهرجانات الصاخبة، فحدث ولا حرج، فقد جاءت كواحدة من العناصر المقحمة على أحداث العرض المسرحي “الخمارة”، دون مبرر لوجودها بهذا الكم ضمن الأحداث، وبالتالي تصبح أحد الأسباب الرئيسية بفوضى العرض، خاصة أنها لا تناسب زمن العرض الذي يدور أحداثه قديما، فكيف نستمع إلى هذا النوع من الأغاني بخمارة قديمة؟ وبسبب تلك الإسقاطات التي لم يلتفت إليها صناع العرض المسرحي “الخمارة” أدت إلى طمس زمن الأحداث، فقد انتهى العرض ولدينا الكثير من الأسئلة بلا إجابة، وهذا إن دل على شيء فيدل على أنه استهانة واستخفاف بعقول الجمهور فحسب.


رنا أبو العلا