بعد انتهاء فعالياته .. المسرحيون المصريون مختلفون حول قيمة وجودة المهرجان التجريبي

بعد انتهاء فعالياته .. المسرحيون المصريون مختلفون حول قيمة وجودة المهرجان التجريبي

العدد 528 صدر بتاريخ 9أكتوبر2017

بعد اثنين وعشرين دورة، وتوقف دام ست سنوات، يستأنف مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي دورته الثانية بعد عودته العام الماضي، وتستمر معه الآراء المتباينة والانقسامات حول المستوى التنظيمي والفني للمهرجان. عن المهرجان فنيًا وتنظيميًا وكيف يراه المسرحيون المصريون وما يأملونه منه، كانت لنا هذه اللقاءات..

يؤكد د. محمد سمير الخطيب على دور مصر الريادي في الاتصال بالآخر الغربي وتبادل الثقافات، وأنها كانت دائما البوابة الرئيسية لهذا الاتصال، ويقول: تنظيم مهرجان دولي باسم مصر، يهدف للاتصال بالآخر وتبادل الثقافات وطرح وجهات النظر، وهو الأمر الأهم، وانتظام المهرجان سنويا بشكل طبيعي بعد عودته، هي الخطوة الأكثر أهمية لديّ، ومن الطبيعي أن تكون هناك بعض العقبات التي لا بد أن نعمل سويا على تقويمها، لا أن نستسهل أو نتطرف في المطالبة بإلغاء المهرجان، هذا مع ضرورة وأهمية الاعتراف والتركيز على ما هو إيجابي لتوسيع مساحته، فحين نستقدم مدربا في التمثيل في مثل أهمية جولز، وغيره من مدربي الورش، فهو أمر لا بد من الإشادة به، كما أن هناك عروضا جيدة ومتميزة فنيا.
أما ندرة العروض التي تراها شديدة التميز وفارقة فنيا، فحسب تصوري، يرجع لعدة عوامل، أهمها هي الصورة الذهنية لدى الآخر عن الوضع الأمني المصري بأنه غير مستقر، وقد عبر لي صديق ألماني عن اندهاشه لقدرته على التجول في أمان في الثانية صباحا، فمن الواضح أنّ كثيرا من الفرق لديها قلق كبير إزاء هذه الصورة المغلوطة، العامل الآخر هو أنّ لجنة المشاهدة الدولية - وكلها أسماء مسرحية كبيرة مشهود لها بالخبرة العالية والقدرة على اختيار الأكثر جودة ومنهم حازم شبل وهو اسم عالمي في السينوغرافيا – اختارت من فرق وعروض تقدمت للاشتراك في المهرجان، وبالطبع لن نتصور أنها هي التجارب الأكثر أهمية وتميزا في بلدانها ولكن إذا ما نظرنا للحلول لهذا الحصر والمساحات المحدودة في الاختيار، فعلينا أولا، أن تبدأ إدارة المهرجان منذ اللحظة التي تختتم دورته الحالية، أن تبدأ في التجهيز للدورة المقبلة، وتضع عينها على كل مثالب هذه الدورة، وتصورات لحلها، ثانيا، على وزارة الثقافة أن تخصص ميزانيات كافية للعمل على إنتاج مهرجان يليق باسم الدولة، فهذا مهرجان مصر، وتنظيمه بشكل يليق بمصر هو الهدف الأهم، وتخصيص هذه الميزانية سيسمح بالوصول للعروض التي لها الريادة والتميز في بلدانها، فمن الضروري إرسال وفود ومجموعات على نفقة الدولة لمهرجانات دولية كبيرة لتحقيق التواصل والاحتكاك مع التجارب المتميزة والفائقة ومن ثَمَّ القدرة على استقدامها، ولتغيير هذه الصورة المغلوطة عن الوضع الأمني، ولكن في ظل ضعف الميزانيات، لن يتحقق ذلك، فإذا كنت تريد الأكثر تميزا، فلا بد من اختراق الآخر والوقوف على أهم ما لديه، ولكنّ المهرجان التجريبي كان دائما ولا بد أن يظل كذلك، إحدى وسائل التعبير عن ريادة مصر التي لا بد أن ندرك قيمتها.
 توصيات وليست اعتراضات
أمّا السينوغراف حازم شبل، فيقول: كنت عضوا في لجنة اختيار العروض الأجنبية والعربية، وكتبت رأيي على حسابي في مواقع التواصل وناقشت فيه زملائي وأساتذتي في إدارة المهرجان، وهو أنني قبل كل شيء، أحتفظ بكامل التقدير والاحترام لشخص كل من شارك في ظهور هذا المهرجان للنور، وأؤكد دعمي وتضامني الكامل مع أهمية وجود مهرجان مسرحي دولي في مصر، وأتفهم جيدا الظروف التي تجعل كثيرا من الفرق تعتذر أو لا تستطيع الحضور.
شاركت مع أساتذة وزملاء أفاضل في لجنة اختيار العروض الأجنبية والعربية، «ومسئول معهم عن اختيار العروض»، وفي آخر جلسة بعد إقرار نتيجة الاختيار، أوصيتُ بما يتفق مع معتقداتي، وهو كلام ناديت به كثيرا من قبل، بغض النظر عن عضويتي للجنة، ومقياسي هنا، خبرتي الشخصية واطلاعي وحدود ما شاهدته من عروض رائعة في الدورات الأولى للمهرجان، وتصوري الشخصي عما أعتقد أن الجمهور من المتخصصين والمهتمين يودون متابعته من عروض تنتمي للتجريب والمعاصرة عام 2017 - وبعد مشاهدة العروض (وبغض النظر عن ما وافقت عليه مع زملائي)، شعرت أن أحسنها هو بالنسبة لي “جيد” فقط ما عدا عرض واحد! لفت انتباهي بشدة، وللأسف لم يحضر إلى المهرجان ولا يهم الآن اسمه أو بلده.
اعترض بعض الزملاء على قسوتي في الحكم على العروض، ولاموني على أنني ربما أحكم على الجانب السينوجرافي الشكلي فقط، وهو ما نفيته تماما، بل وقالوا إن مستوى العروض التي تقدمت لدورة 2017 أفضل مما تقدمت لدورة 2016!
اعترضت أن يكون سبل اختيار عروض المهرجان متمثلة في الاختيار مما يقدم لنا فقط، وكلنا يعلم أن أغلب من يتقدمون للمشاركة من فرق الشوارع وغير المحترفين نهائيا ومن محترفي صيد المهرجانات الكريمة على الإنترنت، واقترحت أن يكون ضمن آليات التحضير للمهرجان إرسال عدد ممن نثق في ذائقتهم المسرحية من مختلف الاتجاهات للسفر وحضور مهرجانات مسرحية دولية (مهرجان أفنيون بفرنسا مثلا) والتعرف على فرق جادة، ولو كانت فرق هواة، ومشاهدة عروضهم والتعرف عليهم مباشرة وتعريفهم بمهرجاننا والحصول على ملف عرضهم الصحفي وبيانات التواصل معهم، ولك أن تتصور أن فردا واحدا نشطا قد يعود معه قوائم اتصال بعدد يزيد على ثلاثمائة فرقة محترمة، نستطيع أن نعمل عليها خلال خمس سنوات قادمة، ومن خلالهم تتولد كثير من الدعاية الجادة لمهرجاننا.
ثانيا، حسب تصوري، لماذا ونحن بلد يدعي الفقر، ينبغي أن نتكفل بتكاليف دعوة بعض العروض التي نقدم مثلها أو أفضل منها أصلا؟ أو ممن هو أفضل المتاح مما هو ليس جيدا أصلا!
ثالثا، المهرجانات التي تقدم عروضا بتجهيزات تقنية بسيطة، تقدم أكتر من عرض مسرحي لأكثر من فرقة على نفس المسرح في اليوم الواحد، وشاهدت ذلك شخصيا في مهرجانات أفنيون وأدنبره، مسارح بها خمسة عروض متنوعة لفرق مختلفة في اليوم الواحد، فلا بد أن يكون لنا هذا التوجه والأمر لا يحتاج سوى المزيد من المعرفة التقنية البسيطة. تابع شبل: وأخيرا، فكلامي هذا موجه لسياسات واستراتيجيات وآليات فكر وعمل وليس لأشخاص وأنا شاهد على جهد وتعب ومشقة أغلب من عمل في إدارة هذا المهرجان.
الجمهور ليس كتلة واحدة متجانسة
الناقدة ياسمين فراج تقول: على المستوى التنظيمي، وقد حضرت كثيرا من المهرجانات الدولية، وفي الموسيقى أيضا بجانب المسرح، فمصر ما زالت لها الريادة تنظيميا والإمارات، وإن كانت الإمارات تستعين بمنظمين من جنسيات أخرى، ولكن التحدي الأكبر للتجريبي هو في ميزانيته، فإدارة المهرجان تعمل بالمحبة وتعمل تقريبا بدون أجر، حيث تعمل طوال عام كامل ولا تصرف مستحقاتها سوى بعد انقضاء دورة المهرجان، وهنا أيضا لا بد من الإشارة والإشادة بدور الشباب المتطوعين الذين تطوعوا لتنظيم المهرجان هذا العام.
على مستوى العروض، فهناك تنوع واضح وثراء لاشتراك دول أوروبية وأفريقية وعربية، وليس هناك مهرجان يكون مستوى عروضه 100% فالتفاوت في مستوى العروض سمة رئيسية للمهرجانات، أما ما يُوجه من انتقادات لمستوى العروض فهو ناتج عن اختلاف مستويات التلقي وأنّ الجمهور ليس كتلة واحدة متجانسة، فالعرض الروسي مثلا، حسب تصوري، لا يتفاعل معه شخص لم يدرس الموسيق ويتمتع بحس موسيقي عالٍ، كما لا بد من إدراك أن بعض الفرق المهمة طلبت مقابلا ماديا للاشتراك وميزانية المهرجان حالت دون ذلك، وهو أمر أعلن عنه رئيس المهرجان.
هناك إشارات لا بد من الوقوف أمامها في دورة هذا العام، وهو ازدياد عدد الورش على مستوى الكمّ والجودة، والإقبال الكبير للمراهقين مقابل انخفاض عدد المسرحيين. وأخيرا أتمنى من وزارة الثقافة أن تدعم المهرجان بميزانية أكبر تمكّن من استقدام فرق تطلب مقابلا ماديا لاشتراكها، كما آمل أن يكون هناك تغطية إعلامية كافية للمهرجان في دوراته القادمة.
  تراجع كمّي ونوعي في مستوى العروض
الكاتبة المسرحية ياسمين إمام عبرت عن اندهاشها لافتقادها أي إضافة جديدة خلال هذا العام يمكن اعتبارها إشارة نرصد من خلالها محاولات لتصحيح المسار على مستوى التنظيم ومستوى العروض المقدّمة فنيا وتفادي ما حدث من تدني مستوى تنظيم الدورة الماضية الذي كان مقبولا جدا في ظل عودة المهرجان بعد انقطاع - حسب تعبيرها. وتقول: كان من المقبول جدا، التغاضي عن مستوى المهرجان في دورته الماضية، ولكن ما الجديد بعد عام كامل؟ ما هي الآليات والوسائل التي طُبقت لاستقدام التجارب الأهم دوليا والتي تستطيع أن تروي عطش المسرحيين المصريين للاحتكاك وتكون عروضا مميزة تؤثر في وجدانهم وفكرهم وثقافتهم المسرحية، كما كان يحدث قبل توقف المهرجان، ولكن على العكس من جو التفاؤل الذي كان يشي بتطور وتقدم للمستوى، من بروتوكولات وشراكات تمت في العام الماضي، ما حدث هذا العام للأسف هو التراجع كميا ونوعيا في مستوى العروض حيث غابت بعض الدول المهمة التي كانت تشارك، وكانت هناك بعض التجارب المشاركة، المتراجعة فنيا أمام بعض التجارب المحلية!
تابعت: تحديد احتياجاتنا وما ينقصنا كوسط مسرحي مصري بداية، ثمّ محاولة سد هذا الاحتياج عبر استقدام تجارب هامة نتواصل معها عبر مشاهدات لها عن طريق الإنترنت أو قراءة مقالات نقدية عنها ومراجعات حولها أو لقاءات مع فريق عملها، هي الآلية السليمة لإقامة مهرجان له ثمرة حقيقية، أما فتح باب التقدّم للمهرجان وانتظار العروض التي تتقدم للمشاركة فقط، فهذا لا يصنع فرقا بين المهرجان كمهرجان دولي فلسفته الاحتكاك بالمتميز دوليا، وبين أي مهرجان محلي آخر.
إيجابيات المهرجان لدي في أنه على الرغم من اعتبار غالبية عروض المهرجان في المستوى العادي والمقبول فنيا، وهذا ما لا يتوافق بالطبع مع مهرجان دولي، فإن تجربة العرض الأرميني تحديدا كانت شديدة التميز، بالإضافة إلى أن الورش التي بدأت منذ العام الماضي هي شيء هام ومفيد جدا للمشاركين به، وإن كنت أوصي بضرورة مد وقتها بشكل كافٍ والإعلان عنها مبكرا وبشكل واسع يمكّن الجميع من التقدم لأن البعض يشعر أنه لم يحصل على فرصته للتقدم بسبب قصور الدعاية وتأخرها.
تنظيميا فإن أسوأ ما في التنظيم هو موعد الندوات الفكرية والورش التي أراها لا تناسب أحدا بسبب موعدها الصباحي، في ظل ارتباطنا بمواعيد عملنا الرسمية، كما أن هناك أزمة في تنظيم توزيع العروض على أماكن العرض المتباعدة مع مراعاة توقيت العروض ومداها الزمني، بشكل لا يمكننا من مشاهدة كل العروض التي نحن في أمس الحاجة لمتابعة جميعها.
اقترح مثلما يحدث في كل المهرجانات الكبيرة إنشاء موقع إلكتروني عليه كافة تفاصيل المهرجان وإدارته ولجان مشاهدته وتحديد جدول زمني واضح للتقدم والمشاهدة ومعايير وآلية الاختيار، والأهم تحديد ولو محور واحد سنويا يتم تحديده حسب دراسة وسطنا المسرحي واحتياجاته، ثم تبنيه عمليا والعمل عليه كإطار لدورة المهرجان. مثلا، يتم تبني تجارب الأداء الحركي ومسرح الجسد هذا العام، ومن ثمّ البحث والتواصل مع أهم التجارب الدولية في هذا المحور واستقدامها ثم في الدورة التالية يتم تبني الصورة المسرحية واستقدام المتميزين بها وهكذا.
 ثقة كاملة
الناقدة رنا عبد القوي تقول: استمرار المهرجان هذا العام بعد عودته العام الماضي الذي يعقب توقفه ست سنوات، هو أمر في غاية الأهمية، أما عن مستوى العروض، فلدي ثقة كاملة في لجنة المشاهدات للعروض الدولية والمصرية، التي تتكون من قامات مسرحية كبيرة، أنها اختارت أفضل العروض التي تقدمت لها، ولا نعرف بالطبع ما لم يتقدم، ولكن التنوع في التناول والتقنيات والمستوى الفني المتباين والمتدرج قوة وضعفا هو سمة طبيعية في المهرجانات، فهناك عروض متميزة للغاية مثل عرض المغرب وهناك عروض متوسطة وهناك عروض قد تكون فقيرة فنيا، والمعيار الذي يمكن أن نتحسسه من نوعية العروض المختارة، فمعايير اللجنة هي التي تضعها بالطبع، ولكن يمكننا تلمّس التركيز على معاناة المرأة بشكل خاص مثلما حدث في عرض “مصر نساء بلا غد” وعرض تونس والعرض الكيني، والتركيز على الإنسان بشكل عام مثلما حدث في العرض الأمريكي على مسرح الهناجر الذي يطرح فكرة أن أمريكا ليست هي الحلم وليست طوق النجاة، على الرغم من أنه عرض أميريكي بالأساس.
الفنان يوسف إسماعيل – مدير فرقة المسرح القومي – يقول: على الرغم من أني لم أشاهد كافة عروض المهرجان بسبب انشغالي في القومي، فإني شخصيا، أتمنى أن نعود لاستقدام الفرق الكبيرة التي كنا نستضيفها سابقا، والأسماء المسرحية الهامة التي كنا نستقدمها لتقدم تجارب مميزة وثرية تساعد المسرحيين المصريين على التواصل الحقيقي مع الرؤى الأكثر أهمية دوليا وعالميا.
 بلا هوية
أمّا الفنان د. علاء قوقة، الذي شارك ضمن عرض «يوم أن قتلوا الغناء»، فيقول: أرى أنّ المهرجان أصبح بلا هوية، وأؤيد اقتراح أحد الزملاء المسرحيين الذي اقترح تسمية المهرجان بـ”المهرجان الدولي للمسرح” فقط دون التقيد بالمعاصرة والتجريبية، كي تشترك به العروض الدولية المسرحية ذات الجودة الفنية فقط، حيث إننا نلمس تراجعا في عدد الدول المشاركة مقارنة بما كان عليه، بالإضافة إلى أن غالبية العروض، حسب تصوري، ضعيفة، ثم أنّ المهرجان افتقد الحمية والجدية بعد إلغاء التسابق، فأطالب بضرورة إعادة النظر في مسألة إعادة التسابق وآلية اختيار العروض التي شابتها العشوائية.
  الجونة والتجريبي
المخرج إسلام إمام يرى ضرورة المصارحة والاعتراف بأن ما يُقدّم من عروض لا يمثل أبدا الدول التي يشارك باسمها، ويقول: لستُ مستاء من إدارة المهرجان حقيقة، ولكن من النقاد، دعنا نكن صريحين، ونقول إن دورة التجريبي هذا العام ضعيفة مثلما كانت الدورة الماضية ضعيفة، والتجريبي بدأ في التراجع قبل توقفه بسنوات، وعلى النقاد ولجان المشاهدة أن يعترفوا بذلك، أما أن يخرج الناقد ويقول لقد شاهدت العرض الأمريكي أو الإيطالي أو الفرنسي، وكذا وكذا، فلا هذا العرض يمثل المسرح الأمريكي ولا ذاك يمثل العرض الإيطالي، وشخصيا قضيت فترة طويلة في إيطاليا ولم أجد فرقة مسرحية لها اسم في إيطاليا قد شاركت بالمهرجان وكلنا نتابع العروض الأمريكية ونلمس مدى التطور في الصورة المسرحية وغيرها، فهل نستطيع قبول عروض درجتها تساوي درجة عروض تقدمها مراكز الشباب ببلدانها، إن جاز التعبير. ونقول إنها تعبر عن مسرح هذه الدول؟ لدينا طريقتان للعمل، إما أن تتواصل مع التجارب المتميزة فعليا وما تمثل أقصى ما وصلت إليه المسارح الدولية ولا تنتظر سيديهات العروض من فرق غير معلومة الهوية تتقدم للاشتراك، أو أن تفتح مجال المشاركة كليا ونستقبل أية عروض تشارك مثلما يتم في أفينيون الذي يقدم 900 عرض مسرحي.
أضاف إمام: يمكنك أن تقارن الصدى الذي أحدثه مهرجان الجونة السينمائي والذي أقيم في نفس توقيت التجريبي، بما أحدثه التجريبي من صدى، هذا في تصوري الفارق بين عقلية إدارة الخاص والعام، وإن كنتُ أعلم بالرؤى الفنية والجديرة بالاحترام لإدارة التجريبي، ولكنها تخضع في النهاية للقانون واللوائح الحكومية وتقيد الميزانيات، وأنا أنصح كل زملائي المخرجين حقيقة بالتوجه للقطاع الخاص وعدم الالتزام بالبيت الفني، وأتمنى أن نرى مهرجانات مسرحية دولية خاصة قريبا.
 الأساس هو التواصل مع الجمهور
المخرج أحمد السيد – مدير مسرح أوبرا ملك – يقول: من السهل جدا أن تكون مع أو تكون ضد، وذلك في ظل الانقسام الواضح في الوسط المسرحي الذي يغيب فيه الاتفاق على رؤية واحدة والنظر بمنظور واحد، ولكن الأهم والمؤسف حقيقة غياب التعاون، نحن نحارب أنفسنا عبر المهرجانات. لن تستطيع أن تحكم على التجريبي لأنك ستحكم من منظور مجموعة معينة تقدم طرحا معينا، وهناك بالمقابل مجموعة أخرى تشكك وتقول بأنها لو كانت في الصدارة لقدمت أفضل مما تم تقديمه، فليس هناك تعاون أو اتفاق في سبيل عودة تواصل المسرح من جديد مع الجمهور، ولكن الأمل منعقد على الشباب الذي قدّم وما زال يفاجئنا بالتقدم في هذا الشأن.
أما المهرجان، فلا بد أن ندرك قيمة الانفتاح والاحتكاك بل والاستفادة من المطروح حتى لو اختلفنا بشأن مستواه فليس هناك معيار ثابت تحاكم به ما يُقدّم، هل تحاكم مستوى التجريبي الآن بما قُدّم خلال 22 دورة؟ هل تحكم على مستوى العروض، بأنه قد يكون لديك عروض تقدّم أكثر جودة مما يتم تقديمه في المهرجان؟ لا تستطيع ذلك في ظل تغير اللائحة وإلغاء التسابق وإدماج المعاصرة مع التجريبي، ولكن يمكننا طرح أسئلة، مثل: هل مستوى ما يُقدّم هو مستوى مسرح دولي وهام؟ هل ما قُدم من تجارب هي تجارب مهمة؟ ستكون إجاباتنا بالطبع نعم، والتماس مع أي ثقافة مختلفة هو أمر حتمي ومفيد ويفيد على مستوى الأساس في المسرح. والأساس هو التواصل من جديد مع الجمهور ولا بد أن نتعاون جميعا في هذا الصدد من خلال التآزر بقوة الفن وروعته، وقد يكون هذا التعاون في شكل النقد الموضوعي والمبني على الاتفاق على هذا المسار، مسار عودة المسرح لاتصاله بالبشر، فالبشر هم الأهم وهم الغاية في هذه الحياة.
 ارتباك واضح
المخرج عمر توفيق قال: شخصيا، أرى أن هناك ارتباكا واضحا منذ عودة المهرجان التجريبي بما يعني أن العروض الدولية واختيارها يختلف عما كان قبل التوقف، فأنا ألمس وكأن هناك عروضا تشارك من باب المجاملة، وهذا ليس اتهاما لأحد ولكن اندهاشا من مستوى بعض العروض، فمثلا عرض بلجيكا أو عرض لبنان - فرنسا، لا تمت بصلة لبلجيكا أو فرنسا، كما أن الضجة التي صاحبت المخرج الصيني خوان مينج، لا تتناسب مع ما قدمه من عرض مونودراما لمدة ساعتين، ولكن على الجانب الآخر، كانت هناك عروض شديدة التميز يستفيد منها المسرحيون المصريون جدا على مستوى لغة الجسد مثل العرض المكسيكي، ومثل قضية العمق والبساطة الدرامية مع تقديم رؤية بصرية متميزة مثل العرض الأرميني، والتميز على مستوى الطرح الدرامي في العرض التونسي، والعرض مفاجأة المهرجان حسب تصوري هو العرض الأمريكي “Go Furth” على عكس عرض “وفاة بائع متجول” الذي يمكن تقديمه لشباب المخرجين كنموذج حتى لا يقدموا مثله.
ولكن على كل الأوجه، نتمنى أن يعود التجريبي أقوى وتكون كل دورة تصحيح مسار لما قبلها، وألا نقتصر على دول بعينها، ونعيد التواصل واستقدام فرق عربية وأوروبية غابت كانت تشارك من قبل، ولكن يبقى أنه من العظيم وجود مهرجان دولي يسمح بهذا الاحتكاك المسرحي الذي أدرك شخصيا مدى الفائدة العظيمة التي تعود على الكثيرين منه.
 شباب المتطوعين وأصحابهم التحقوا بالورش دون تقدّم
المخرجة منار زين تقول: رغم تفاؤلي قبل المهرجان، فإنني تفاجأت بمستوى العروض وقد تابعت ما يزيد على 80% منها، وهي تبدو أقل بكثير مما شاهدناه في سنوات ماضية للمهرجان أو نراه من عروض دولية على الإنترنت، لم أُعجب شخصيا سوى بعروض المغرب وأرمينيا، مما جعلني أجزم بأن لدينا شبابا ومسرحيين يقدمون ما هو أفضل، وهذا يؤكد أننا بحاجة إلى لجان مشاهدة تتكون من مسرحيين سافروا وشاهدوا الأفضل، وعلى الرغم من أن الورش هي من أفضل ما تم تقديمه في المهرجان، فإنني شخصيا وبحكم تجربتي واشتراكي في الورش هذا العام، أستطيع أن أقول إنها تنظيميا تحتاج لمراجعات كثيرة لتلافي أخطاء بالجملة من المتطوعين تحديدا، فالورش لم يتم الإعلان عنها بشكل كافٍ ولم تُتح لكثير من مستحقيها المتقدمين، وقد فوجئنا باشتراك المتطوعين أو دخولهم للورش مع أصحابهم دون وجه حق، مما سبب استياء بعض المدربين وأعطى تصورا عن عدم قدرتنا على التنظيم، وشخصيا حين لاحظت هذه التجاوزات حرصت على حضور كل الورش مع أنني تقدمت لورشة واحدة فقط، بالإضافة لملحوظة ضيق وقت بعض الورش وضرورة امتدادها لأسبوع على الأقل كحد أدنى للاستفادة، وهذه التجاوزات التي حدثت في المهرجان لا تحدث في مهرجانات خاصة وأصغر من التجريبي.
المخرج عمر الشحات يرى أن هناك تباينا في مستوى العروض، ويقول: آخر مهرجان تجريبي، قدّم عروضا ترضينا فنيا كان قبل توقف المهرجان في 2010، أفاجأ شخصيا بالمستوى المتدني لبعض العروض المقدّمة ولا أفهم معايير اختيارها، فمثلا كانت العروض المصرية والعربية هذا العام، تتفوق بشكل واضح على العروض الأجنبية والأوروبية، لدينا عرض المغرب وعرض قواعد العشق المصري، عرضان متميزان ويتفوقان على الكثير من العروض الأجنبية، ولكن يتبقى في النهاية أن الاحتكاك وتلاقي المسرحيين هو أمر هام وضروري.
ميزانية المهرجان
وأخيرا، يقول المخرج عصام السيد معقبا على الكثير مما أثير من ملاحظات بشأن المهرجان: كان لدينا أمل عند محاولاتنا عودة المهرجان بعد توقفه، أن يكون المهرجان انتقائيا وتشارك به الفرق المتميزة دوليا وننفتح أكثر على تجارب مسرحية مهمة أكثر مما تتيحه المساحة التجريبية، ولذلك أضيفت التجارب المعاصرة، لكننا فوجئنا بمشكلتين، أنّ معظم الفرق الكبيرة والمتميزة التي نريد استقدامها، تتقاضى مقابلا ماديا، وهذا لا تسمح به ميزانية المهرجان المتدنية جدا، المشكلة الثانية كانت في أن جدول هذه الفرق يخطط بالسنوات، وهذا الأجل الزمني لا يناسب المنظومة المسرحية في مصر، التي قد تصحو صباحا فتُفاجأ بإلغاء المهرجان أو تأجيله لأسباب أمنية أو حداد أو أي أسباب أخرى، وعليه أصبحنا أمام اضطرار اختيار الأكثر جودة مما يتقدم للمهرجان عبر فتح باب المشاركة للجميع، وليس اختيار الأجود فقط، إنما تعمدنا عمل بانوراما متعددة ومتنوعة، لكن الناس ما زالت تعتقد بأن المهرجان تجريبي فقط. أيضا، هناك فرق يتم اختيارها ثم تعتذر لأسباب إما سياسية تتعلق بتصورهم عن الوضع الأمني المصري، أو اقتصادية تتعلق بتكلفة انتقالهم، فنضطر أيضا لتصعيد عروض أقل جودة عوضا عن الاعتذارات، والنقطة الأهم في تصوري هي اختلاف الذوق الفني في التلقي، ففي الوقت الذي يذم البعض عرضا ما، تجد البعض يمتدح نفس العرض.
أما ميزانية المهرجان، فأقول إن الميزانية هي أمر مضحك ولك أن تتخيل أنها لم تصل إلى 30% من ميزانية المهرجان سابقا، رغم اختلاف الأسعار، أما من يقول إن المهرجان سبوبة، فعليه أن يأتي فورًا ليعمل بدلا منا ويتسلم المهرجان ويتحمل أن ينفق من جيبه لمدة عام كامل دون أن يحصل على مليم واحد.


أحمد منير أحمد