اتفقوا أن الإنتاج لمسرح القطاع الخاص مغامرة واختلفوا حول الأسباب

اتفقوا أن الإنتاج لمسرح القطاع الخاص مغامرة  واختلفوا حول الأسباب

العدد 820 صدر بتاريخ 15مايو2023

يقع مسرح القطاع الخاص الآن بين مطرقة متطلبات الجمهور وتقديم الوجبات الكوميدية  الخفيفة وبين سندان النقد والقيمة الفنية المطلوبة لحفظ هيبة وقدسية المسرح، وقد ظل  مسرح القطاع الخاص لسنوات طويلة يقدم أعمالاً ناجحة ارتبط بها عشاق المسرح وشهدت الحركة المسرحية منذ مطلع القرن الماضي حالة من الرواج عبر أجيال متعاقبة كان من رموزها نجيب الريحاني وعلى الكسار وإسماعيل يس وعبد المنعم مدبولى وفؤاد المهندس وشويكار وسهير البابلى وعادل إمام وسعيد صالح ومحمد صبحى، ومؤخراً قدم مسرح القطاع الخاص بعض العروض التي حققت نجاحاً ولاقت استحسانا من الجمهور، فكان علينا أن نتابع ذلك ونفتح باب التساؤلات في عدة محاور خصصنا لها تلك المساحة منها: هل اختلفت آليات إنتاج مسرح القطاع الخاص عن الماضي؟ وهل اختلف الجمهور؟ ما هي العروض التي المفضلة؟ وهل أصبح إنتاج مسرح القطاع الخاص الآن مغامرة؟ ..
المخرج القدير سمير العصفوري قال: كلمة مسرح القطاع الخاص تعني أن هناك سوقا فنيا جماهيريا لإنتاج فن شعبي لجمهور لديه رغبة في مشاهدة عروض بحالة فنية معينة، ومسرح القطاع الخاص في الأيام الذهبية كان متسعاً لطبقة أعتبرها الطبقة الوسطي من المجتمع، فهي طبقة لديها نوع من أنواع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بما في ذلك العطلة « الأجازة « أو فترات وأوقات الفراغ، وهي الفترة المهيأة لمشاهدة أشياء ممتعة سواء كانت عروضا سينمائية أو مسرحية، هذا الجمهور لم يكن معتاداً على الانفتاح على مشاهدة الشاشات كما يحدث الآن، ولكنه يرغب في الخروج من البيت لمشاهدة السينما أو المسرح، هذا هو العامل الأول «الجمهور»
ثم العامل الثاني وهو «المنتج» المقدم الذي يتميز بالتنوع، فهناك عروض مسرحية لكبار النجوم أمثال عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس وشريهان وهناك أجيال جديدة سيخرجون من مسرح ضيق الهم إلى مسرحيات تثير القضايا مثل فرقة تحية كاريوكا وفايز حلاوة ومسرح مضحك لينين الرملي، ومسرح استعراضي مثل مسرح حسين كمال؛ إذن لدينا المتطلبات التي تتمثل في جمهور لديه مواصفات مدهشة جاذبة، ولدية حالة من حالات الاطمئنان، لأنه سيشاهد مسرحيات لكبار النجوم مثل شويكار وفؤاد المهندس وحسن مصطفي وحسن حسني
وأضاف: استمرت هذه الأجواء لفترة طويلة ثم أصبح للسياحة دور،  فأصبح هناك إقبال سياحي مخصص لمشاهدة مسرحيات النجم عادل إمام وسمير غانم ومن ثم وبدأت تظهر سمات أخري تخرج من إطار المسرح البسيط الواقعي إلى مسرحيات غنائية موسيقية ومباشرة، وفي هذه الفترة كانت السياحة أحد وسائل الجذب لمواسم مسرحية مختلفة، وحينما اتسعت رقعة السياحة خارج الإسكندرية والقاهرة، وانطلقت إلى أماكن واسعة ضاق الطلب عن حركة مسرحية مدعومة من السياحة أو من الطبقة الوسطى، وأصبح هناك معاناة من الفنانين والمنتجين في أن يقدموا أعمالاً فنية فأصبحت الأعمال قليلة ونادرة ؛ مسرح القطاع الخاص سوق تجاري، عرض وطلب ، والطلب أصبح محدوداً جداً .
وأكمل: بدأت مرحلة ثانية أكثر خفة في الحركة، وهي فترة الفنان أشرف عبد الباقي ومسرح مصر الذي قدم مسرحيات خفيفة الوزن وإسكتشات لطيفة وممتعة ،ولكنها لم تحقق جماهيرية واسعة لفكرة الذهاب للمسرح بانتظام؛ لأن الشاشات كانت أكثر جاذبية لمتابعة هذا النوع من العروض الكوميدية الخفيفة ،وهنا تبرز تجارب بطيئة لمحاولات من المنتجين والفنانين لأن يقدموا عروضاً لفترات قصيرة ،ولكن السوق لم يعد يعلن عن قدرته على جذب الجمهور كما كان في السابق ،ومن هنا تظهر بعض العروض التي تقدم نوعاً من الجاذبية وتتبادل الصحافة الحديث عنها ، لكنها كما ظهرت تختفي، فليس هناك مسرح وليست هناك منظومة تسمي «وقت الفراغ « فكيف يقاس الموسم الفني، وهي طريقة قياس عدد المسرحيات والإقبال عليها وعدد الأفلام وقياس دقيق لوقت فراغ المشاهد ، ودراسة دقيقة على الجمهور ،وكذلك قياس المنتج المطلوب لتغطية وقت الفراغ ، ولكني لا استطيع أن أتصور أن ندرس وقت الفراغ للمواطن في مدينة القاهرة، فالزمن اختلف، وكذلك الحالة الاقتصادية ، والرغبة في مشاهدة العروض المسرحية وإشباع وقت الفراغ تقلص كثيراً  فأصبحت الشاشة الزجاجية «التلفزيون « لها جاذبية بنسبة 95 في المئة وأصبح هناك ما يعرف «بثقافة الكسل «
تابع العصفوري: عندما تستقر الأحوال الاقتصادية ،ويكون هناك تخطيط للأنشطة المسرحية والثقافية والسينمائية بشكل عام، وليس بشكل به انفصام بين مسرح القطاع الخاص والعام سنتعرف على فئات المواطنين الذين لديهم درجة احتياج لهذه المتعة، ومحاولات الإعلان عن مسرح الدولة وفرق الجامعة وفرق الأقاليم دون انفصام منتج مسرح الدولة عن مسرح الخاص، فيجب أن نعي أن لدينا هدفاً واحداً وهو تغطية الساحة لجذب المشاهدين الكسولين لحضور المسرح ؛ لأن المسرح له أهداف ثقافية وفكرية ووظيفته أكثر من كونه للمتعة والتسلية وهذا التخطيط أتمني أن نمارسه .
فيما قال المخرج عصام السيد: في البداية يجب أن نعرف معني مسرح القطاع الخاص هل هو المسرح الذي يقدم بعيداً عن إنتاج الدولة؟ فإذا كنا سنعتمد هذا التعريف ؛ فسيندرج تحته كل محاولات الفرق المختلفة ،ومنهم الفرق التي تقدم عروضاً بمسرح الهوسابير والساقية، إما إذا كنا سنعتمد تعريف مسرح القطاع الخاص لمسرح الخاصة فقد اختفي هذا المسرح الذي يعتمد بشكل أساسي على المتفرج العربي؛ وذلك لعدة أسباب منها أن هذا المسرح يستجلب كبار النجوم وهم يحصلون على أجور عالية، وكذلك هذا المسرح يحسب عليه كمية كبيرة من الضرائب غير ظاهرة ، ومنها ضرائب الإعلانات والدخل وجهة الإنتاج وكذلك إيجار المسرح الذي سيقدم عليه العرض ، وهو مرتفع بشكل كبير ؛ وهو ما أدي إلى ضعف الإقبال على هذه التجارب .
وتابع: هناك بعض عروض القطاع الخاص التي تستند على القنوات التلفزيونية ومنها قناة الحياة، ام بي سي ، التي تقدم مسرحية كل أسبوع وهو ليس مسرح القطاع الخاص المتعارف عليه وقد تغير شكله نتيجة للظروف المالية، وجميع المحاولات الأخرى لا تشكل حركة مسرحية وتظل مجرد محاولات واجتهادات شخصية، فإنتاج مسرح قطاع خاص مغامرة شديدة الخطورة .

عبد الغني زكي: أجور القطاع الخاص لا ترضي النجوم
ورأى المخرج الكبير عبد الغني ذكي أن مسرح قطاع الخاص فيما مضي كان يقوم عليه مجموعة من كبار الكتاب الذين يكتبون روايات عالية الفكر والرؤية الفنية والمضمون الذي يحترم عقلية الجمهور، ويقدم  موضوعات كوميدية هادفة وراقية تستهدف فئات وشرائح مختلفة من المجتمع، فكان المؤلف يعرف جيداً كيف يضحك المتفرج ، وكذلك كان يقدمها كبار النجوم  ؛ ولذلك كان يقبل المتفرج على المسرح في عائلات كاملة
وأضاف قائلاً : اختلف مسرح القطاع الخاص كثيراً ؛ وذلك لاختفاء المواهب الكوميدية وكذلك لأن أجور مسرح القطاع الخاص أصبحت لا ترضي «الكوميديان» فالمسرح كما نعرف مرهق بدنياً وعصبياً والنجم الآن حتى يقدم مسرح قطاع خاص يجب أن يكون لديه حب وشغف كبير للمسرح، وكذلك ارتفعت أجور النجوم بشكل مبالغ فيه ، وكذلك  أسعار تذاكر مسرح القطاع الخاص،  وأصبح الجمهور يفضل متابعة الأفلام نظراً لانخفاض تذاكر السينما فهي عشر تذكرة المسرح،  ومن هنا انصرف النجوم عن المسرح وأصبح الأمر ليس مستساغا بالنسبة لهم في مسرح القطاع الخاص الذي يعد مغامرة ليست مشجعة .

مقارنة
المخرج القدير حسام صلاح الدين تحدث عن بدايات مسرح القطاع الخاص فقال : كانت بداية المسرح على يد مجموعة من الأسر والفنانين الذين قاموا بترجمة أعمال عالمية وقدموها كعروض مسرح قطاع خاص ، ويقال إن البداية كنت عند «مارون النقاش» عندما أتى مصر، وقدمت فرقته مجموعة من العروض المسرحية، ثم قام بعد ذلك مجموعة من الفنانين بتقديم عروض موسيقية أمثال الموسيقار سيد درويش والشيخ سلامة حجازي وغيرهما،  ثم بدأت خلطة مسرح القطاع الخاص ، وربط التمثيل بالموسيقى، وتقديم فقرات موسيقية بين الفصلين ، ولاقي المسرح في هذه الفترة رواجاً كبيرا ، وأحبه المصريون حتى أخد أشكالا مختلفة في القطاع الخاص، مسرح الريحاني على غرار المسارح الأوربية والايطالية ، وكان هناك مسرح للشعب مثل مسرح علي الكسار وحقق هذا المسرح نجاحاً كبيراً ، ثم انتبهت الدولة لدور وأهمية المسرح الذي من خلاله تستطيع تطوير المجتمع وثقافته فبدأت في تأسيس مجموعة من الفرق ، ومنها فرقة المسرح القومي ودار الأوبرا المصرية والفرقة القومية ثم قامت ببناء مجموعة من المسارح التي تضم مجموعة من الفرق وعينت مجموعة من الفنانين ، وبدأ مسرح القطاع الخاص السير في طريق، ومسرح الدولة في طريق آخر ، وكأنهما يتنافسان وبالطبع إمكانيات مسرح الدولة أكبر وذلك على مستوى الميزانيات، والقائمين على مسرح القطاع الخاص كان يشغلهم أن يحققوا مكاسب، فكانوا حريصين على تقديم الوجبة الفنية التي تنال إعجاب المشاهدين، فكان القطاع الخاص دائما سباقا إلى تقديم العروض المتميزة ، وبمتابعة التاريخ المسرحي فترة الستينيات والسبعينات نجد أن أعظم ما قدم من مسرحيات كان بالقطاع الخاص ومنها «سيدتي الجميلة « ، « ومدرسة المشاغبين « وغيرهما من العروض المسرحية التي لاقت قبولاً واستحسانا كبيراً لدى المشاهدين .
وتابع: تغير شكل إنتاج المسرح الآن، وتأثر بكل العناصر ومنها التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي،  فأصبح ليس من الضروري وجود النجم ولكن أصبح الموضوع الذي يطرحه العرض أكثر أهمية، فلم يعد النجم هو الحافز الأساسي لذهاب الجمهور الذي أصبحت كل رغبته مشاهدة الجديد والمختلف، علي سبيل المثال تجربة «مسرح مصر» التي قدمت مجموعة من الاسكتشات و»الضحك من أجل الضحك» كذلك إذا كانت هناك مسرحية تعتمد على تقنية «الهيلوجرام « فسنجد الجماهير تتوافد على هذه المسرحية ؛ لتتعرف على هذا الآلية ،وكذلك العروض التي تقدم أفكاراً وتكنيكاً خارج الصندوق ولكن شريطة أن تجد صدى عند الجمهور الذي يمكنه تعويض هذه التكلفة، فسنجد أسعار التذاكر اليوم وصلت قيمتها إلى ألف جنيه أو أكثر، وهناك شريحة من الجمهور تستطيع دفع هذا المبلغ وشريحة أخرى لا تتمكن من دفع ثمن التذكرة فتتجه لمتابعة عروض مسرح الدولة،  كذلك ارتفعت أسعار تأجير المسارح وهو يختلف عن مسارح الدولة وهنا اختلف الإنتاج وكذلك اختلف الجمهور.
وأضاف قائلاً : فكرة إنتاج مسرح القطاع الخاص من المفترض أنها محسوبة ولكنها أصبحت مغامرة في ظل ارتفاع ضريبة الملاهي والقيمة  المضافة على التذاكر، والأمر كان مختلفاً في مسرح القطاع الخاص في فترة الثمانينات والتسعينات، كانت الضريبة تقدر بخمسة في المئة على التذاكر وكان العرض يستمر لسنوات أما الآن فأصبحت عروض مسرح القطاع الخاص تقدم لفترات قصيرة للغاية، وأصبح هدف المنتجين الحصول على تكلفة الإنتاج ، وفي الفترات الذهبية لمسرح القطاع الخاص كان ينتج ما يقرب من عشرين عرضاً في الموسم الواحد وتكون الحصيلة إنتاج ما يقرب من أربعين عرضاً في السنة ، واليوم ضعف الإنتاج كثيراً ليصل إلي 12 مسرحية خلال العشر سنوات الأخيرة ؛ إذن أصبح الإنتاج مغامرة وأعتقد أن العروض التي تحقق ربحاً هي العروض التي تقدم بموسم الرياض، والتي من الصعب أن تعرض في مصر نظراً لارتفاع أسعار تذاكرها .

أحمد البوهي: الجمهور لم يتغير ولكنا لا نقدم له ما يرغب في رؤيته.
المخرج أحمد البوهي مخرج عرض «شارلي» الذي حقق نجاحاً كبيراً ولاقى استحسانا من قبل الجمهور قال: « سأتحدث عن تجربتي في عرض «شارلي» كنا في هذه التجربة نسعى لتقديم منتج جديد، فلم تختلف الآلية،  فمنذ نشأت مسرح القطاع الخاص وهو يقدم عروضا جيدة ولكن يسعي صناعه لتحقيق المكاسب، ولكن اختلف السوق فأصبحت هناك مصادر دخل دولية ، وأعتقد أن الحراك الذي حدث في المملكة العربية السعودية كان له تأثيره الايجابي بشكل كبير على مسرح القطاع الخاص في مصر؛ وذلك لأنه شجع المسرحيين المصريين وشركات القطاع الخاص على تقديم عروض ومحاولة عرضها في المملكة والقاهرة ، خاصة أن السعودية لديها ما يعرف «بالشبكة الآمنة» التي من خلالها يستطيع المنتج تغطية تكاليف العرض المسرحي ثم عرضه في مصر.
وتابع: لدي رأى في مسألة الجمهور فالجمهور لم يختلف،
 جمهورنا لديه مجموعة من مستويات التلقي،  ولكننا نرى مستوى واحدا فقط له،  فالجمهور دائما يبحث عن المنتج المتميز والأمر كله يتعلق بمنح الجمهور المنتج الذي يرغب به بجودة عالية، علي سبيل المثال إذا كنا نقدم عرضاً مسرحياً من نوعية الفارس التي تشبه الاستاند أب كوميدي هذا النوع من العروض له جمهوره وله فئة عمرية وثقافية معينة وفي حالة تقديمه بشكل جيد ومبهر يجذب هذه الفئة العمرية،  وفي هذه الحالة يكون العرض ناجحاً، أما في حالة تقديم عرض مثل «شارلي» فنحن نستهدف فئة عمرية معينة، والمتميز في هذا العرض أنه مناسب لجميع الأعمار ولجميع الشرائح، فكلما كان المنتج جيد ؛ كلما خاطب فئات كبيرة من الجمهور ومستويات تلقي كبيرة ؛ إذن لم يتغير الجمهور ولكننا لا نقدم ما يرغب الجمهور في رؤيته.
وأضاف: « من وجهة النظر الإنتاجية يحاول البعض أن يقدم خلطة فنية مضمونه قدمت سابقاً، فيسعى لتقديمها مرة أخرى، لأن المخاطرة بتقديم أعمال مختلفة في غاية الصعوبة وقلائل من يقدمون عليها.
ورأى المنتج أحمد الإبياري أن كل معطيات المسرح اختلفت موضحاً أنه من الصعب مقارنة آليات إنتاج مسرح القطاع الخاص بمسرح الدولة ، خاصة أن تكاليف إنتاجه باهظة الثمن، تبدأ بإيجار المسرح، كما أنه مسرح يستقطب نجوماً ،وهو يختلف كثيراً عن مسرح الدولة، فمسرح القطاع الخاص هو القاعدة التي انطلق منها العديد من النجوم إلى الساحة الفنية كما قدمت مسرحيات عظيمة من خلال هذا المسرح، والفضائيات خير دليل على ذلك ، التي لا تزال تعرض كنوز المسرحيات التابعة للقطاع الخاص، علاوة على أن إنتاج مسرح القطاع الخاص ضخم، يتضمن تكلفة عالية من الدعاية وتأجير المسارح وأجور النجوم والقائمين على العمل. واصفاً مسرح القطاع الخاص بأنه المسرح الحقيقي الذي تبناه منتجون عباقرة
وأضاف قائلاً :» كان هناك وعي مسرحي في  فترة ازدهار مسرح القطاع الخاص، كان جزء من ميزانية الأسرة ارتياد المسرح، ولكن اختلف الأمر كثيراً ؛ نظراً لانشغال النجوم في تقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية، لم يعد لديهم المقدرة على المجيء للبروفات بشكل مستمر ولمدة طويلة، فعلى سبيل المثال أصبح من الصعب أن اجمع خمسة من النجوم في بروفة واحدةـ كما أنه لم يعد لديهم اهتمام بالمسرح يوازي اهتمامهم بالمسلسلات التي يتقاضون عليها أجوراً كبيرة مقارنه بالمسرح، فأصبح من الصعب تقديم عرض مسرحي للقطاع الخاص نظراً لطول فترة البروفات التي يجب أن تكون كافية لخروج عرض جيد ومنضبط، كذلك أصبحت الدعاية لمسرح القطاع الخاص مكلفة وقديما كنا نجد في التلفزيون
فقرة بعنوان «أين تذهب هذا المساء» التي  تستعرض ما يقدم على خشبات المسارح، وكان التلفزيون يقدم تسهيلات ومنها خصومات بنسبة 60 % للإعلانات الخاصة بالعروض المسرحية، أما الآن فأصبحت تكلفة الإعلان تصل إلي ما يقرب من 90 ألف جنيه ، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار التذاكر بشكل كبير.
وتابع: في الدول الأوربية ومنها إنجلترا تقوم الدولة بمساعدة المسارح وذلك بتقديم تذاكر مدعمة للطلاب في الجامعات والمدارس، وقد تغير أيضا الجمهور فالجمهور الذي تربى على عروض القطاع الخاص كبر وأصبح من الصعب أن يتوجه إليها نظراً للحالة الاقتصادية، فأصبحت الفئة التي تتابع المسرح هي فئة الشباب الذين يشاهدون مسرحيات «التيك واى»

  تكلفة باهظة
فيما ذكر السيناريست والمخرج نادر صلاح الدين أن آلية إنتاج مسرح القطاع الخاص لم تتغير فهي قائمة على مشاركة النجوم الذين يحصلون على نسبة من الربح تصل إلى 25 في المئة  ، وهو النظام القديم نفسه الخاص بمسرح القطاع الخاص ، ولكن المشكلة الأكبر التي تواجه المنتجين هي ارتفاع أسعار تأجير المسارح ؛ ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار التذاكر التي تصل في بعض الأحيان إلى ألفي جنيها ، وللأسف الشديد يوافق صناع العمل على هذه التكلفة، كما أن تأجير المسارح، نظراً للظرف الاقتصادي الحالي، يصل في بعض الأحيان إلى ستين و سبعين ألف جنيه في الليلة الواحدة ، والأمر يختلف بالنسبة لتجربة مسرح مصر حيث كان تمويله قائماً على القنوات الفضائية؛ وبالتالي تكون أسعار تذاكره هينة على المتفرج
وتابع: « إنتاج مسرح قطاع خاص أصبح مغامرة غير محسوبة فمن النادر أن نجد منتجا على استعداد لإنتاجه، فمتوسط إنتاج المسرحية يصل الحد الأدنى له في بعض الأحيان إلى ثلاثة ملايين جنيها.
وعن اختلاف الجمهور قال: «لم يختلف الجمهور بالمعني المفهوم ولكننا فقدنا مجموعة المشاهدين العرب، خاصة أن لموسم الرياض دوراً بارزا في نقل مسرحيات النجوم لهم؛ وبالتالي أصبح اعتمادنا على المواطن المصري ، وكما نعلم ليس كل المواطنين المصريين قادرين على دفع أسعار التذاكر بالقطاع الخاص، كذلك تغير فكر المواطن المصري مقارنه بفترة التسعينيات والثمانينيات، كان يشاهد في هذه الفترة ما يقدم له؛ ولذلك كانت المسرحيات نمطية تعتمد على «المطرب والراقصة والكوميديان»، ولكن اختلف جيل اليوم فأصبح يشاهد عروضا سينمائية ومسرحية متنوعة بتقنيات حديثة  ومن الصعب أن يقدم له النموذج النمطي للمسرح في التسعينيات؛ إذن أصبح إنتاج مسرح القطاع الخاص مغامرة غير محسوبة.

من الشباب
وقال الناقد أحمد هاشم: المسرح من الأشياء التي تتغير وتتحول آليات إنتاجها وكل ما يحيط بها، وذلك حسب الظروف التي ينتج خلالها، ومسرح القطاع الخاص اختلفت آليات إنتاجه عن الماضي، كنا نرى أصحاب الفرق يقوم بإنتاج العرض المسرحي مهما كانت تكلفته، سواء كان المنتج شركة أو فردا وكان ويتولى مسئولية الإنفاق عليه من البداية حتى يتم تقديم العرض، وفي الماضي كانت هذه الفرق تحقق أرباحا في غالبيتها أما الآن فقد اختلفت آلية الإنتاج،  فعلي سبيل المثال هناك فرق معينة تستضيف هذه العروض على مسرحها لتحصيل نسبة، وتقوم بعرض هذه العروض بأحد المسارح بوسط البلد؛ إذن فقد اختلفت آلية الإنتاج نظراً لطبيعة الجمهور الذي اختلف. أيضا في الماضي كنا نرى نسبة كبيرة من جمهور القطاع الخاص تأتي من دول الخليج أما الآن فمعظم مرتادي مسرح القطاع الخاص من الشباب، ونظراً لأنه في الماضي كان معظم جمهور مسرح القطاع الخاص من الخليج فكانت تقدم عروض معينة حسب ذوقه ورغبته، أما الآن فقد تغير مسرح القطاع الخاص وأصبح أكثر احتراما من ، وأكثر جرأة في طرح بعض الموضوعات وأكثر تشابكاً مع الواقع وهذا لم يحدث في الماضي . والآن نجد بين الحين والأخر فرسانا حقيقيين يقومون بإنتاج مثل هذه العروض في وسط الظروف الصعبة ، وفي النهاية نتمنى عودة مسرح القطاع الخاص؛ لأنه رافداً مهماً من ورافد المشهد المسرحي المصري؛ ولكنه يحتاج إلى منتج جريء ومغامر بكل المقاييس.

تسهيلات
المخرج محمد جبر رأى أن هناك تراجعا في مسرح القطاع الخاص موضحاً أن بعض التجارب التي قدمت مؤخراً تعد اجتهادات شخصية من قبل صناعها، وأن بعضها كان يقدم ليعرض بموسم الرياض، مشيراً إلى أن مسرح القطاع الخاص يتطلب إنتاجه تكلفة كبيرة ، وحتى يحدث رواجاً لهذا المسرح يجب أن تكون هناك بعض التسهيلات من الدولة في الضرائب وإيجار المسارح وغيرها. وذكر قائلاً : كان لي تجربة في مسرح القطاع الخاص  بعنوان « أنا مش مسئول» وكانت مغامرة كبيرة من قبل المنتج أن يقبل على تقديم عرض لمسرح القطاع الخاص وأعتقد أن هذا المسرح مغامرة تحتاج لإعادة النظر .

مصادر تحقق الربح
فيما رأى المخرج هاني عفيفي أن مسرح القطاع الخاص لم يختلف بشكل كلي ولكن المنتج حتى يقبل على إنتاجه أصبح يبحث عن مصادر تستطيع أن تحقق له الربح، موضحاً أنه في السابق كانت أجور النجوم غير مبالغ فيها وكانت أسعار التذاكر أقل وتكاليف إنتاج العرض قليلة، فكان العرض يتم بيعه لقنوات التلفزيون ، وكان يصور على شرائط ، أما الآن ونظراً لأن التذاكر لا تكفي لتغطية التكاليف أصبح هناك مصادر أخرى لتعويض تكلفة إنتاج العرض، ومنها بيع العروض على المنصات ، وكذلك أصبح المنتج يتكلف مبالغ كبيرة حتى يقدم الإبهار ويضمن جودة للعرض و التقنيات التكنولوجية، ما يجعل أسعار التذاكر باهظة الثمن.
وتابع: فيما مضي كانت هناك جميع الأشكال والأنواع الخاصة بالمسرح فكانت العروض متنوعة ما بين الاستعراضي والكوميدي وغيرها من أشكال مسرحية ، وذلك لأن الجمهور كان كبيراً ، وكان يضم جميع الأعمار وكان السوق يستوعب أشكالا مختلفة من المسرح،  أما الآن فالغالبية العظمي من جمهور مسرح القطاع الخاص الشباب وليس العائلات، ومن الضروري أن يكون العرض به موضوعات هامة ومختلفة قد لا تلقى رواجاً إذا قدمت في الماضي.
وتابع قائلاً : مهما بلغ حجم إنتاج مسرح القطاع الخاص الآن فيصعب مقارنته فيما كان يقدم في الماضي، ومن الضروري أن تراعي العروض القليلة المنتجة أن تقدم  على مستوى عال من التقنيات الحديثة، خاصة أن الشباب في الوقت الحالي مطلع على كل ما هو حديث في الفنون المختلفة.


رنا رأفت