مخرجون وتجارب في المسرح المغربي المعاصر

مخرجون وتجارب في المسرح المغربي المعاصر

العدد 626 صدر بتاريخ 26أغسطس2019

يسلط كتاب «مخرجون وتجارب في المسرح المغربي»، الضوء على أعمال وتجارب مجموعة من المخرجين المغاربة الذين حققوا من خلال أعمالهم المسرحية نوعا من التراكم الفني الذي لا يمكن الوقوف أمامه أو عنده بنوع من اللامبالاة، لا سيما أن ما حققه هؤلاء المخرجون الذين يتطرق لهم هذا الكتاب بالبحث والدراسة طوال مسيرتهم الفنية، يشكل امتدادا نوعيا لما سبقه من تجارب المعلمين المغاربة الأوائل، أمثال «الطيب الصديقي، عبد الصمد دينيه، وفريد بنمبارك، وعبد اللطيف الدشراوي”؛ امتدادا بلا شك مختلفا في حمولاته الجمالية والمعرفية التي لم تصغِ أو تطيع بالضرورة النص وإملاءاته الصارمة، وذلك من خلال تفكيك النص وتقديم عروض تعتمد في كليتها على فنون الأداء بكل أشكالها التعبيرية، ووسائطها البصرية والتشكيلية والكيروغرافية، التي اتخذت من اللعب مادة أساسية في مخاطبة المتفرج ودعوته للاشتراك بالعرض ليس كمتلقٍ ساكن وإنما فعال من دونه لا تكتمل العملية المسرحية.
بلا شك، إن الكتاب لم يتناول جميع تجارب المخرجين المغاربة، واقتصر على مجموعة من المبدعين الذين شهدت لهم الحركة المسرحية المغربية حضورا بارزا ومتنوعا على جميع الأصعدة الفنية، من تأليف وإخراج وسينوغرافيا، وكتابة ركحية. ويقر معد الكتاب عبد الجبار خمران بأن هناك أسماء وتجارب تتوفر فيها المعايير المذكورة أو بعض منها، إلا أن حيز الكتاب لا يسمح بإدراج كل الأسماء وكل التجارب طي كتاب واحد، لهذا لجأ المعد، إلى تقديم نماذج معينة، على أمل أن يكون هناك جزء ثانٍ وثالث يستطيعان أن يشملا الأسماء والتجارب الفنية الأخرى.
قدم الكتاب المسرحي المغربي الدكتور حسن المنيعي، ومؤسس الدرس المسرحي برحاب الجامعة المغربي، بأسلوب علمي شيق وموجز بتسليطه الضوء على تاريخ فن الإخراج المسرحي بالمغرب، الذي لم ينفصل من حيث الشكل والمضمون عن تأثره بتاريخ الإخراج المسرحي الأوروبي وسياقاته التاريخية، وذلك في نطاق «ما حققه المسرح المغربي، منذ نشأته، من إنجازات تعكس علاقة الفرجة بمرجعياتها الثقافية والسياسية. ورصد عملية تأثر المسرح المغربي بالمسرح في الوطن العربي، الذي لم يبلغ هو نفسه مرحلة النضج الفني آنذاك، (خصوصا على مستوى «الوعي الجمالي»، الذي يساعد المخرج على تأويل النص فوق الخشبة)، من خلال حديثه عن تجارب معظم الفرق المسرحية إبان الحماية، التي كانت تمارس مسرحا نضاليا «هاويا»، الهدف منه تحسيس الجمهور بوطأة الاحتلال الأجنبي، وبترسيخها للقيم الوطنية الأصلية لمقاومته. لهذا اعتمد المسرح في هذه المرحلة كما يقول الدكتور حسن المنيعي، (على تقديم عروض تعطي الأولوية للملفوظ السياسي اللغوي. وهذا ما أدى إلى طرح مشكلة اللغة التي يجب التعامل بها مع المتلقي «عربية فصيحة أم لغة عامية؟»). وعلى ضوء ذلك، ظل الإخراج المسرحي في الكثير من التجارب المسرحية المغربية الاحترافية منها والهاوية، يعتمد على النص كمتن أدبي، وكركيزة أساسية للقراءة الركحية، مشيدا ببعض الاختراقات التي قام بها كل من المرحوم «محمد تيمد»، في توظيفاته لكل ما هو سمعي/ بصري وكيروغرافي، خالفت في شكلها ومضمونها ما هو سائد آنذاك: (الشيء الذي دفع النقاد إلى اعتباره رائدا للتجريب في مسرح الهواة)، والطيب الصديقي وتعامله مع التراث العربي. وقد قاده هذا التعامل، مثلما يقول المنيعي، إلى إعداد فرجات تستمد صيغتها من مفهوم «الفن الشامل» الذي نقف على أصوله في تنظيرات «ريشار فاغنر»، (...) الذي يفرض توحد عدة فنون لإنتاج الحدث المسرحي». وهذا بحد ذاته مما أثر وغذى تجارب خريجي «المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي»، في تسعينات القرن الماضي، على مستوى التجريب وجعلهم يطرقون أساليب وأشكال متنوعة اتسمت بكليتها تقريبا بجماليات خصوصا انعكست في فن السينوغرافيا، والصورة ولغة الجسد، وانشغلت بالدرجة الأساس بفن الأداء، وعلاقته بالمتفرج الذي يعتبر سيد الحفل وملكه الأوحد في النهاية.
لقد اشتمل الكتاب على مقالات ودراسات نقدية لجأ كتابها إلى مناهج نقدية ومعرفية متنوعة في تناولهم للمنتج الإبداعي الفني المغربي، حيث كرس كل كاتب من الكتاب دراسته على واحد من المخرجين الذين اختلفت رؤاهم ومقارباتهم لفن الإخراج، وتنوعت طريقة تعاملهم مع فن المسرحة وانعكاسها على المتفرج وسياقاته الثقافية.
ومن بين الأسماء التي اختارها معد الكتاب في المرحلة الأولى لمشروعه:
تجربة بوسرحان الزيتوني التي استقرأها د: محمد لعزيز، وتجربة إبراهيم الهنائي، بقلم د. محمد زهير، ومغامرة نعيمة زيطان ومسرح الأكواريوم، بقلم د. رشيد أمحجور، عبد المجيد الهواس من خلال عرض «شجر مر» من تنسيب السرد إلى كونية العرض، بقلم د. محمد أبو العلا، حسن هموش.. ثنائية الفرجة ومسار فرقة تانسيفت، بقلم عبد اللطيف فردوس، بوسلهام الضعيف.. مسرح المفارقة الجمالية والصدمة الحسية: د. محمد أمنصور، المسرح الشعبي في تجربة مسعود بوحسين: د. رشيد منتصر، جواد السنني، محطات في مسار إبداعي وثقافي: يوسف العرقوبي، نلعب للفنون.. مسار فرقة وتجارب مخرجين: د. طارق الربح، وأمين ناسور ومسرح الوسط أو مسرح «البين بين»: عبد الإله بن هدار.
نلاحظ أن الغاية من هذا الكتاب بالدرجة الأولى، هي تعريف المتتبع والمهتم بالشأن المسرحي المغربي والعربي، بمجموعة من التجارب المسرحية المغربية، التي حملت مشعل التجديد والمواصلة في آن واحد، من خلال مقارباتهم الإبداعية المتنوعة والثرية التي توزعت بين ثلاثة أجيال تداخلت منجزاتها الفنية زمنيا وتقاطعت جماليا في تشكيل المشهد المسرحي المغربي. حيث قام معد الكتاب الفنان عبد الجبار خمران، باستكتاب مجموعة من النقاد والباحثين المسرحيين حول تجارب بعض المخرجين الذين قام باختيارهم، كمرحلة أولى لمشروعة الذي يفترض أن يتواصل في كتب أخرى، إيمانا منه بضرورة تدوين مذكرات الإخراج المسرحي، وتحليلها واستقرائها بالطريقة التي تليق بعمل المخرجين وانشغالاتهم، انطلاقا من اختيار النص أو المادة الدرامية وتمرريها إلى الخشبة أمام الجمهور، بعد عملية اختيار الممثلين، والرؤية الإخراجية وحلولها ومقترحات الجمالية، وكيفية تعاملها مع السينوغرافيا والإنارة ومصممي الأزياء وإلى أخره. ويستمد هذا الكتاب أهميته بالدرجة الأولى، من فقر وخلو المكتبة العربية لهذا النوع من القراءات المستفيضة التي لا تشبه بالضرورة المقالات الصحفية السريعة، والحوارات المقتضبة مع فريق العمل أو المشرفين عليه، حيث نلاحظ من خلال قراءتنا له، أن هناك رحلة بحث وتقصي للمسارات الفنية، التي لم تركز فقط على العرض ومفرداته الفرجوية، وإنما أيضا على ثقافة البروفة، والعمل الجماعي، ومعطياته الجدلية، وعلى الكتابة الدراماتورجية التي ترافق المراحل الأولى للعمل المسرحي ونهاية التحضيرات له، وتؤسس لعلاقته بالمتفرج.


محمد سيف