العدد 525 صدر بتاريخ 18سبتمبر2017
نتحدث اليوم عن تجربة مسرحية متميزة تشهدها الولايات المتحدة منذ 54 عاما .ومع ذلك لا يكاد كثيرون يشعرون بها فى الولايات المتحدة نفسها ومن عشاق المسرح هناك . وربما كان السبب فى ذلك أنها لا تدور فى برودواى أو أحد مراكز الحياة الثقافية والمسرحية فى الولايات المتحدة.إنها تجرى فى مدينة منيابوليس كبرى مدن ولاية منيسوتا .
التجربة هى مسرح “جوثرى” الذى تأسس عام 1963 كمؤسسة مسرحية شاملة تهتم بالتاليف والإنتاج والأداء المسرحى والتدريب. وهذه المؤسسة انشأها بالتعاون مع بعض عشاق المسرح المخرج البريطانى تيرون جوثرى الذى كان يرى ان برودواى تشكل نوعا من الاحتكار فى المسرح الامريكى ولابد من انشاء مراكز مسرحية اخرى فى الولايات المتحدة لتشتعل المنافسة وتكون لصالح جمهور المسرح.واحتاج الأمر من جوثرى جهدا شاقا مع عدد من اصدقائه من هواة فن المسرح لمدة 4 سنوات اعتبارا من عام 1959 حتى تم انشاء المسرح وافتتاحه فى بتكلفة قدرها مليونا دولار عام 1963.واختار منيابوليس بالذات لإنها كانت اكثر مدينة تستجيب للفكرة وتقدم حكومتها تسهيلات لإنشاء المسرح. المسرح وقتها مليونى دولار وكانت مسرحية هاملت اول مسرحية تعرض عليه . وظل جوثرى يدير المسرح ويخرج له بعض المسرحيات حتى وفاته عام 1971 عن 71 عاما . وكان للمسرح وقتها صالة كبرى تسع 1441 مشاهدا .هذا فضلا عن بعض القاعات التجريبية الصغيرة . ولم تعد القاعة الكبرى مناسبة فتم بناء غيرها على ضفاف المسيسيبى بتكلفة بلغت 125 مليون دولار وتم افتتاحها عام 2006 .وتصل سعتها الى 700 مشاهد فقط لكن المسئولين عن الفرقة يرون ذلك افضل .
تقاليد
ولهذا المسرح عدة تقاليد مسرحية يلتزم بها أولها ألا يغالى فى سعر التذكرة . وبدلا من ذلك يعتمد على التبرعات وعوائد تسويق الاعمال المسرحية على أقراص مدمجة أو تحميلها من موقع المسرح على الإنترنت . وهناك ايضا الاعتماد على الإشتراكات حيث يوجد 32 ألف مشترك حاليا .
كما يهتم المسرح الذى سبق له الفوز عدة مرات بجائزة المسرح الإقليمى الأمريكى بعرض المسرحيات التى تكون جيدة ويمكن فى الوقت نفسه ألا تجد إقبالا من الجماهير . وهنا يعتمد المسرح على انخفاض ثمن التذكرة وعلى سمعته الطيبة التى تجذب المشاهدين إلى أى عرض يقدمه باعتبار أن الجودة وليس الربح هدفه الأول .
ومثال ذلك مسرحية “البحث عن محمد” التى تدور حول سيدة من اللاجئين فقدت ابنها أثناء الهروب من موطنها الأصلى وتبدا فى البحث عنه . وهذه المسرحية من مسرحيات الشخص الواحد وتقوم ببطولتها أفراح منصور وهى لاجئة صومالية تعيش فى منيسوتا التى تعيش بها جالية صومالية كبيرة من اللاجئين .وهى فى الوقت نفسه المؤلف ومهندس الديكور والمخرج .ونأمل أن نوافى قارءنا العزيز بتحليل عن هذه الفنانة المسرحية الصومالية قريبا. ويقول النقاد الذين شاهدوا العروض التجريبية أن أفراح عبرت بصدق عن مشاعر أم تبحث عن ابنها المفقود .
الحوار
لكن أهم ما تلتزم به الفرقة هو حوار يجرى حول العمل المسرحى لمدة ساعتين بعد انتهاء العرض بين الممثلين والمخرج والجمهور . وهذه النقطة بالذات كانت مثار خلافات عديدة حيث لا يرحب بها معظم كتاب المسرح . وعلى ذلك لابد من توقيع مؤلف المسرحية على تعهد بعدم الاعتراض كشرط لعرض مسرحيته . تجددت المشكلة فى الايام الاخيرة بعد ان اعلن الكاتب المسرحى الامريكى مارك ميمات رفضه لاجراء حوار حول مسرحيته “الثور الامريكى “ بعد انتهاء العرض .ورفضت ادارة الفرقة ذلك رغم تهديداته برفع دعوى قضائية لوقف عرض المسرحية بعد ما تكلفه انتاجها وطلب تعويض . ويقول الرئيس الحالى للفرقة إنه اذا لم يكن ماميت واثقا من نفسه ،كان ينبغى عليه الا يتعاقد اصلا مع الفرقة لعرض مسرحيته .اما الفرقة فترى هذا الحوار اساسا لنشر الوعى المسرحى بين الجمهور وهو احد اهدافها الرئيسية . وهناك من الجمهور من يحضر خصيصا لحضور المناقشات ويتقدمون بافكار جيدة تساعد على تطوير العروض . ويؤكد ان هذه المناقشات تكون فى حقيقة الامر نوعا من القيمة المضافة للعمل وربما اوحت بافكار لاعمال جديدة على غرار”أكثر العيون زرقة” .وتعتمد المسرحية التى تجرى كتابتها حاليا على فكرة طريفة وهى فتاة سوداء لها عيون زرقاء ..فكيف يتعامل معها الاخرون؟ .
وحققت الفرقة نجاحا كبيراحتى انها عرضت عددا من مسرحياتها –وكانت كلها من عيون المسرح العالمى -فى اكثر من ولاية أمريكية وهو أمر غير شائع بالنسبة للمسرح الإقليمى فى الولايات المتحدة .
شبرد ...متعدد المواهب
كان الكاتب المسرحى الامريكى صامويل شبرد روجرز الثالث (وهذا هو اسمه ) والمعروف باسم سام شبرد الذى رحل إلى العالم الاخر قبل أيام عن عمر يناهز 73 عاما متعدد المواهب . كان شبرد الذى رحل فى هدوء ولم ينشر خبر رحيله فى هدوء فى بيته بولاية كنتاكى الا بعد اربعة ايام، كاتبا مسرحيا وممثلا وكاتبا للقصة القصيرة وكاتب سيناريو فى السنيما والتليفزيون ومخرجا . ومارس هذه المواهب على مدى خمسين عاما .وحصل على ست جوائز عن كتابته للسيناريو.
لكن الاقلام التى تنافست فى رثائه ركزت عليه كاتبا مسرحيا بسبب غزارة انتاجه المسرحى الذى وصل الى 44 مسرحية .كما انه فاز بجائزة بوليتزر ارفع الجوائز الادبية الامريكية عن مسرحيته “الطفل المدفون “ عام 1979 .وسبق ترشيحها لخمس من جوائز تونى .وسبق له الفوز بجائزة مؤسسة المسرح الدولية الامريكية وهى جائزة مرموقة اخرى .ووصفته مجلة نيويورك بأنه أعظم كاتب مسرحى فى جيله .
كرس شيبرد مسرحه لمعالجة مشاكل الاسرة الامريكية .وتميزت مسرحياته بشكل رئيسى بعناصرها الكئيبة وبحوارها الذى يقترب من الاسلوب الشعرى وبالسيريالية وبالمرح الاسود اى المواقف الحزينة التى يمكن استخلاص الضحكات منها او العكس .كما اهتم فى مسرحياته بشكل خاص بالشخصيات التى تعيش على هامش المجتمع الامريكى .
ولم يتبع شبرد فى حياته المسرحية اسلوبا واحدا .فقد اتبع اسلوب مسرح العبث فى البداية ثم انتهى به الامر الى اتباع اسلوب الواقعية مثل مسرحية الطفل المدفون ومسرحية “لعنة الطبقة الجائعة “.
الزراعة والادب
وكان شبرد ينوى احتراف العمل فى الزراعة ،لكنه غير رايه واتجه الى الفن والادب خاصة المسرح بعد ان قرأ اعمال صامويل بيكيت .والف اولى مسرحياته وهو فى التاسعة عشرة من عمره .
وكانت اول مسرحية تعرض له هى مسرحية اليد الخفية وهى من مسرحيات الخيال العلمى حيث عرضت عام 1971 .
وفى عام 1975 تعاقدت معه فرقة ماجيك المسرحية على احتكار اعماله فكانت فترة من اخصب فترات الابداع فى حياته حيث كتب خلالها مجموعة من ابرز مسرحياته مثل الغرب الحقيقى وخداع من اجل الحب التى رشحت لجائزة بوليتزر لكنها لم تفز . وكان مما يلفت الانظار ان عمله فى السنيما كممثل وكاتب للسينارية لم يؤثر على غزارة انتاجه المسرحى .
وتحولت بعض مسرحياته إلى اعمال تليفزيونية وسنيمائية .ومن هذه الاعمال خداع من اجل الحب التى تحولت الى فيلم سنيمائى قام شبرد نفسه بدور البطولة فيه .وتالق فى هذا الدور حتى ظهرت صورته على غلاف النيوزويك .
وكان ينظم ورش تدريبية عن المسرح لينقل خبراته الى الجميع .وكانت تلقى اقبالا كبيرا من المهتمين بالمسرح .
وكانت احيانا تعرض له مسرحيتان فى وقت واحد مثل مسرحية عصور القمر وأكاذيب فى العقل فى عام 2010 . وكان ادب شبرد المسرحى موضوعا لدراسات اكاديمية عديدة وعدد من الكتب .
ولم تتوقف مواهبه عند المسرح بل ساعده طول قامته وجسمه القوى الشبيه بأجسام رعاة البقر على اقتحام مجال التمثيل السنيمائى رغم انه قليلا ما كان يمثل فى مسرحياته على المسرح .وظهر فى عدد من الافلام كممثل منذ كان فى الثلاثينيات من عمره وكان يشارك فى كتابة بعضها فى الوقت نفسه . من هذه الافلام “ايام فى السماء “ والذى مثل فيه امام ريتشارد جير .كما ظهر فى فيلم المجموعة الصحيحة فى دور طيار .ورشح عنه لجائزة اوسكاراحسن ممثل مساعد عن دوره فى هذا الفيلم ،لكنه لم يفز . وشارك بعد ذلك فى عدة افلام ساهم فى كتابة سيناريوهاتها فى الوقت نفسه منها “باريس –تكساس “ و”جرائم القلب “ و”الماجنوليا الحديدية “ و”سقوط الصقر الاسود “. وكان اخر افلامه “مقاطعة اوساج فى اغسطس” الذى عرض عام 2013 . وهو مأخوذ عن نص مسرحى للكاتب الايرلندى مارتن ماكدون . وكان يؤكد فى كل مناسبة انه استفاد كثيرا من خبرته المسرحية فى مجال السنيما .
باب النجار
بقى ان نعرف ان المثل العامى الشهير باب النجار مخلع ينطبق على شبرد .فرغم دعوته عبر اعماله الى تماسك الاسرة والمجتمع فانه لم يتزوج . اقام علاقة دون زواج مع الممثلة الشهيرة جيسيكا لانج على مدى 27 عاما بين عامى 1982 و2009 اسفرت عن طفلين . وسبق لها ان انجبت قبل تلك العلاقة ابنا بدون زواج ايضا .
وكان شبرد من الد خصوم الحزب الجمهورى وسياساته التى هاجمها فى بعض مسرحياته وإن لم يكن من انصار الحزب الديمقراطى .