جولة في مسارح العالم

جولة في مسارح العالم

العدد 621 صدر بتاريخ 22يوليو2019

في 21 ديسمبر من عام 2020 – وليس في 21 ديسمبر القادم - سوف تمر 40 عاما على وفاة الكاتب المسرحي البرازيلي «نيلسون رودريجز» الذي توفي في مثل ذلك اليوم عن عمر يناهز 68 عاما.
ومع ذلك تجرى من الآن على قدم وساق الاستعدادات لإحياء تلك الذكرى تحت شعار «إيقاظ عملاق المسرح البرازيلي». وإذا عرف السبب. فهذا الكاتب المسرحي الراحل صاحب إنتاج مسرحي لم يزد على 17 مسرحية كتبها عبر حياة من الكتابة للمسرح امتدت عبر 40 عاما أو بمعدل مسرحية واحدة كل عامين وأربعة أشهر. وقد يكون هذا رقما بسيطا لكن المهم هنا هو الكيف وليس الكم. فقد كانت مسرحياته تثير قدرا كبيرا من الجدل بسبب القيم والأفكار التي تعبر عنها. ووصل به الأمر إلى درجة أن الرقابة في البرازيل ظلت ترفض عرض إحدى مسرحياته وهي «البوم عائلي» لمدة 21 عاما. وفي العرض الافتتاحي لمسرحية أخرى من مسرحياته – وكان رودريجز يحضره – فوجئ الحاضرون بأحد المشاهدين يستل مسدسا ويندفع إليه لقتله لولا إيقافه في الوقت المناسب.
هجوم ودفاع
وكان البعض يتهمه بالدعوة إلى الفساد والفجور بسبب أسلوب حياته الذي اتسم بالإباحية. فقد كان متزوجا وله ابن، لكنه في الوقت نفسه كان يقيم علاقات أخرى خارج مؤسسة الزواج. ويحتمل أن تكون تلك العلاقات أثمرت أطفالا رفع بعضهم بسببها دعاوى قضائية في حياته وبعد موته. لكن أيا منهم لم يستطع أن يثبت بنوته للكاتب الراحل.
وتعرض لاتهامات بالهجوم على الكنيسة الكاثوليكية المسيطرة على البرازيل الدولة التي تضم أكبر تجمع كاثوليكي في العالم.
وكان البعض يتهمه بمحاولة إفساد أخلاق الشعب البرازيلي. ودافع آخرون عنه بأنه يعبر عن المجتمع البرازيلي بكل أطيافه بسلبياته وإيجابياته من أجل حياة أفضل لهذا الشعب المتعدد الأعراق الذي يقل مستوى معيشته كثيرا عما تتمتع به بلاده الشاسعة من خيرات وما يتمتع به الشعب البرازيلي نفسه من قدرات ومواهب.
ويبالغ البعض في الإشادة به حتى إن البعض يعتبره سيء الحظ لأنه لم يكتب بالإنجليزية وإلا كان منافسا لآرثر ميلر أو بالفرنسية وإلا تفوق على بلزاك أو بالروسية لكان أعظم من تشيكوف، لأنه لا يقل عظمة عن أي منهم أو عن عمالقة المسرح الآخرين في العالم مثل تنيسي ويليامز ويوجين أونيل.
ويصفه برونو باريتو المخرج السنيمائي البرازيلي العالمي بالبطل الثقافي. ويقول إنه يعتز بأنه حول عددا من مسرحيات رودريجز – الذي كان صديقا له في حياته – إلى أفلام سنيمائية حققت نجاحا كبيرا مثلما حققت المسرحيات المأخوذة عنها. ويقول إن أهم ما تميز به الكاتب المسرحي الراحل أنه كان يستفز العقل كي يفكر.
ملهاة ومأساة
كما امتازت مسرحياته بالمرونة حيث كانت تعرض أحيانا مأساوية حزينة وأحيانا أخرى ملهاوية. ولم يكن يمانع في ذلك. ويرى النقاد أن العالم عرف البرازيل وأدبها المسرحي عن طريقه. وكان قارئا اطلع على الأدب المسرحي العالمي وتأثر بأعلامه. ويقول عنه الكتاب إنه استشرف المستقبل على نحو لم يتحقق مع نظرائه الأمريكيين والأوروبيين. وكانت شخصياته أوسع من الحياة على حد تعبير أحد النقاد.
وتتمثل إجراءات الاحتفال المبكر بالذكرى الأربعين لرحيل المبدع المسرحي عقد ندوات لمناقشة مسرحياته والأفلام المأخوذة عنها.
وسوف تهتم الاحتفالات بأول مسرحية كتبها رودريجز في حياته عندما كان في الثامنة والعشرين من عمره. وسوف تعرض المسرحية فرقة واحدة في كل ولايات البرازيل (27 ولاية بالإضافة إلى العاصمة برازيليا). وكان يعمل وقتها محررا بإحدى الصحف وهي “امرأة بلا خطيئة”. وتدور المسرحية حول رجل أعمال يتزوج فتاة تصغره بأكثر من أربعين عاما لتتولى رعايته بعد أن أصيب بالشلل وأصبح يلازم مقعدا متحركا. ويشك في خيانة زوجته ويسعى إلى التحقق من شكوكه بعدة اختبارات تنجح فيها الزوجة حتى يكتشف في النهاية أنها تخونه بالفعل مع سائقه الأسود. وتوالت عليه الاتهامات بالعنصرية بسبب هذه المسرحية لكنه دافع عن نفسه بالعبارة الشهيرة “سأكافح حتى تصاب البرازيل بعمى الألوان”. وحاول التأكيد على هذه الفكرة في مسرحيته الثانية “ثوب الزفاف” عام 1943 التي يعتبرها البعض من عيون إبداعاته المسرحية.
وتوالت بعد ذلك مسرحياته التي أكد فيها على نفس الفكرة مثل «سامحني لأنك خنتني» و«ذكي لكن متشرد» وغيرها من المسرحيات التي عالجت عيوب المجتمع البرازيلي بحثا عن مجتمع أفضل وليس كراهية لهذا المجتمع رغم ما عاناه في شبابه ونشأته في أسرة فقيرة.
صحفي يهاجم الصحافة
ويرى النقاد أن من أجرأ مسرحياته التي مست عيوب المجتمع البرازيلي مسرحية «قبلة على الإسفلت» التي تحولت أيضا إلى فيلم بنفس الاسم حقق نجاحا كبيرا. هاجمت هذه المسرحية الصحافة واتهمتها بالمبالغة في تصوير الأحداث سعيا وراء نجاح زائف.
تدور أحداث المسرحية حول شخص تصدمه حافلة فيسقط مصابا. ويحاول أحد المارة إسعافه بعمل تنفس صناعي له عن طريق الفم. ويرصد أحد الصحفيين الحادث ويلتقط صورة ويصور أن الاثنين كانا يمارسان الشذوذ في الطريق.
ويموت المصاب بينما تستحيل حياة الشخص الآخر وهو مسيحي كاثوليكي متدين جحيما بعد الكشف عن شخصيته. وتشك زوجته في رجولته.. وتتوالى الأحداث. وقد عرضت المسرحية لأول مرة عام 1961 وتحولت إلى فيلم في عام وفاته بعد معاناته من مشكلات صحية حزنا على ابنه الذي اعتقلته الحكومات العسكرية وقتها. كما عانى من بنية جسدية ضعيفة بسبب أمراض أصيب بها في طفولته من جراء سوء التغذية.
وكان يقول عن نفسه دائما إنه يتبنى تيارا أطلق عليه اسم “مسرح المرفوض” الذي يعرض الأفكار المثيرة للجدل وهو الاتجاه الذي التزم به طيلة حياته الأدبية. وكان يقول دائما إنه يتبنى مذهبا أطلق عليه «القيمة العدوانية».
وكان له إنتاج غزير لا بأس من القصص القصيرة والمتوسطة لزيادة دخله نشر بعد وفاته في 12 مجلدا. وكان كاتب عمود في بعض الصحف.
ويرى ناشر القصص أنه كان كاتب قصة أعظم كثيرا منه كاتب مسرحية لكن هذا الجانب لم ينل ما يستحق من تقدير.
وسوف يشمل الاحتفال تقديم بعض مسرحياته في الولايات المتحدة مترجمة إلى الإنجليزية والإسبانية. وسوف تكون البداية مع مسرحية “دوريتيا” التي كتبها عام 1947. وستقدم أيضا مسرحية «كل العراة سيعاقبون».
وسوف تعرض له أعمال أخرى مترجمة في فرنسا وبولندا. وفي كل الأحوال سوف تخضع ترجمة أعماله لمراجعة دقيقة لأنه كان معروفا بالتلاعب بالألفاظ واستخدام تعبيرات عامية بأكثر من لغة مستخدمة في البرازيل فجاءت ترجمات بعض أعماله عن البرتغالية التي لم يعرف سواها هي والإسبانية غير دقيقة.
سلطان و3 جوار
لا حدود بين المسرح والسنيما والتلفزيون... فكلها أدوات فنية في خدمة الإنسان والتعبير عن مشكلاته وحياته. والمهم اختيار الأداة المناسبة في التعبير. كان هذا هو الرأي الذي اعتنقه المخرج الإيطالى السنيمائي في المقام الأول فرانكو زيفيريللي الذي رحل إلى العالم الآخر قبل أيام عن 96 عاما.
يشتهر زيفريللي على مستوى العالم بأفلامه الرومانسية أو التي كان يضفي عليها رؤية رومانسية. وكان يهتم أيضا بفخامة الإنتاج. وأشهر أفلامه هي «روميو وجولييت» (1968) الذي تكلف 1,5 مليون دولار فقط وبلغت ايراداته 52 مليونا. وقدم أيضا «يسوع الناصري». الذي لم تتجاوز تكلفته مليوني دولار وحقق إيرادات فاقت 300 مليون دولار.
وكانت السنيما مجال شهرته الرئيسي وقد يكاد يكون الوحيد رغم اأن مساهماته في مجال المسرح لا تقل عنها. فقد أخرج عددا من المسرحيات العادية والموسيقية والأوبرالية في إيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة.
أدوات مختلفة
وكان يتلقى السؤال التقليدي حول تعدد مجال إبداعاته وما إذا كان الأفضل التركيز في مجال واحد. وكان يرد عليهم بأنه يسعى إلى أن تكون الثقافة متاحة للجميع ولا تهم الوسيلة بعد ذلك. فكل الفنون واحدة مع اختلاف بسيط في التفاصيل. وكان يشبه نفسه بأنه سلطان شرقي تعمل تحت إمرته ثلاث جوار هي السنيما والمسرح والأوبرا. وهو يستعين بكل جارية حسب الحاجة وكلها طوع بنانه. وقدم رواية شكبير “ترويض النمرة” على المسرح. وكانت الأوبرا عشقه قبل السنيما.
وبعبارة أخرى قال: أنا لست مخرجا سنيمائيا.. أنا مخرج يستخدم أدوات مختلفة للتعبير عن أحلام الجماهير وأفكارها وحياتها وكي أجعل الجماهير تحلم. وقد عمل مع عدد كبير من نجوم المسرح والسنيما والتلفزيون في العالم. ويصفه رئيس الوزراء الإيطالي بأنه كان سفير إيطاليا للسنيما والفن والجمال، وكان فريدا مثل اسمه الذي لا يحمله في العالم سواه. وقد مارس التمثيل لبعض الوقت لكنه لم يشعر بالرضا عن أدائه فتوقف. وكان يشارك في وضع الديكورات والملابس لمسرحياته. وفي السنوات العشرين الأخيرة كان يعاني مشكلات في التوازن بسبب عدوى أصابته أثناء جراحة أجراها لكنه لم يتوقف عن العمل إلا قبل شهور قليلة من رحيله.


ترجمة هشام عبد الرءوف