نادية السبع صاحبة الإحساس الصادق

نادية السبع صاحبة الإحساس الصادق

العدد 614 صدر بتاريخ 3يونيو2019

الفنانة القديرة نادية مصطفى السبع (والشهيرة باسم نادية السبع) من مواليد محافظة الدقهلية في 16 مارس عام 1929، وقد بدأت حياتها المهنية بالتحاقها بمجال الصحافة وبالتحديد بمجلة «الإذاعة»، ثم قررت صقل موهبتها الفنية فالتحقت للدراسة بالمعهد «العالي للفنون المسرحية»، وتخرجت فيه بالحصول على درجة البكالوريوس عام 1953. والحقيقة أن جميع المراجع - وحتى كتيب دليل نقابة المهن التمثيلية - قد ذكر حصولها على درجة البكالوريوس في المعهد عام 1953
ولكن بالرجوع إلى قوائم خريجي قسم التمثيل والإخراج بالمعهد «العالي للفنون المسرحية» لم أستطع توثيق هذه المعلومة نظرا لعدم وجود اسمها ضمن أسماء جميع الخريجين خلال الفترة من 1950 وحتى عام 1955، ونظرا لأن «نادية السبع» هو اسمها الحقيقي وليس مجرد اسم فني، وكذلك لتأكيد بعض زميلاتها لمعلومة التحاقها ودراستها بالمعهد وفي مقدمتهن الفنانة القديرة عايدة كامل (دفعة 1954، التي ذكرت أن الفضل في توجيهها للدراسة بالمعهد يعود للفنانة نادية السبع التي كانت تشاركها العمل في الإذاعة)، فإنني أرى أن هناك احتمالين، وهما إما أنها لم تكمل دراستها حتى حصولها على درجة البكالوريوس، أو أنها قد التحقت منذ البداية بقسم «الدراما والنقد» وهذا هو الرأي الذي أميل إليه.
وبصفة عامة - وبعيدا عن تاريخ التخرج في المعهد أو التخصص - تعد الفنانة القديرة نادية السبع إحدى سيدات الجيل الثاني من نجمات المسرح المصري، وهو الجيل الأكاديمي لسيدات المسرح (الذي ضم خريجات الدفعات الأولى من عام 1947 وحتى عام 1960)، وهو الجيل الذي ضم الفنانات: نعيمة وصفي، ناهد سمير، ملك الجمل، زهرة العلا، كريمة مختار، روحية خالد، سميحة أيوب، سناء جميل، إحسان القلعاوي، برلنتي عبد الحميد، عايدة كامل، عايدة عبد الجواد، عصمت محمود، بثينة حسن، سلوى محمود، رجاء حسين، عايدة عبد العزيز، محسنة توفيق، وجميعهن انضممن إلى عضوية فرقة «المسرح القومي» وذلك باستثناء الفنانات الخمس: كريمة مختار، إحسان القلعاوي، عايدة كامل، عصمت محمود، بثينة حسن.
ويجب التنويه في هذا الصدد بأن الفنانة نادية السبع كانت تعمل بصورة مكثفة وشبه دائمة بالإذاعة المصرية خلال فترة دراستها بالمعهد، وأنها بمجرد تخرجها تعددت مشاركاتها الفنية بجميع القنوات الفنية (المسرح، السينما، الإذاعة، التلفزيون)، وإن كان المسرح هو المجال الذي حقق طموحها الفني وذلك بانضمامها لفرقة «المسرح القومي» (المصرية الحديثة) عام 1954، وبمشاركاتها في بطولة عدد كبير من المسرحيات من أهمها: بداية ونهاية، ملك القطن،، بيت برنارد ألبا، عيلة الدوغري، ثلاث ليالي - الليلة البيضاء، بيت الأصول، سوء تفاهم. هذا وتعد فترة خمسينات وستينات القرن العشرين هي فترة تألقها المسرحي حيث شاركت خلال فترة الخمسينات بخلاف عروض فرقة «المسرح القومي» ببعض عروض فرق: «المسرح الحر»، «إسماعيل يس»، «أوبرا ملك»، كما شاركت أيضا خلال فترة الستينات ببطولة بعض المسرحيات الأخرى بفرقتي: «الجيب»، «العالمي».
وبخلاف تألقها المسرحي نجحت أيضا في المشاركة بأداء بعض الأدوار الرئيسية فيما يقرب من خمسة وعشرين فيلما من أهمها: درب المهابيل، المصري أفندي، الفنان العظيم، لحن الخلود، حادثة شرف، خدعني أبي، وإن ظل فيلم «درب المهابيل» للمخرج القدير توفيق صالح (وبطولتها مع النجوم شكري سرحان، برلنتي عبد الحميد، توفيق الدقن، حسن البارودي، عبد الغني قمر) يعد درة أفلامها السينمائية، وهو الفيلم الذي تم اختياره ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية طبقا لاستفتاء النقاد عام 1996.
وتتضمن المشاركات الفنية الثرية للفنانة القديرة نادية السبع أيضا مساهمتها بأداء بعض الأدوار الرئيسية المتميزة في عدد كبير من المسلسلات والسهرات التلفزيونية ومن أهمها: سنوات العمر، رجال فوق الصخور، أبو زيد والناعسة، وحش البراري، جراح عميقة، طيور بلا أجنحة، الشوارع الخلفية، القاهرة والناس، عيلة الدوغري، في قافلة الزمان، فرسان الله. وكان مسلسل «الوقف» عام 1990 هو آخر أعمالها بالدراما التلفزيونية.
ويضاف إلى الرصيد الفني لهذه الفنانة القديرة نجاحها في توظيف دراستها وعلمها وثقافتها وخبراتها لتمثيل «المسرح المصري» بصورة مشرفة، حيث شاركت في نشر مناهج الفن المسرحي ببعض الدول العربية، كما ساهمت في صقل كثير من المواهب الشابة ببعض الدول العربية الشقيقة، وذلك حينما عملت بالجمهورية الليبية خلال الفترة 1971 - 1973 ضمن فريق الفنانين المصريين الذين أوفدتهم وزارة الثقافة المصرية لتأسيس فرق مسرحية وتدريب الفنانين في ليبيا، كما قضت عدة سنوات بعد ذلك بالجمهورية العراقية (خلال نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات بالقرن الماضي).
ويذكر بالنسبة لحياتها الشخصية - رغم ندرة الأخبار والتفاصيل عنها - أنها قد ارتبطت بالزواج مرتين الأولى من المخرج السينمائي القدير توفيق صالح الذي أخرج لها درة أفلامها «درب المهابيل»، وقد رحلت عن عالمنا - وهي على ارتباط بالزوج الثاني - وذلك في 24 يوليو عام 1990.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لاختلاف القنوات المختلفة (سينما، مسرح، إذاعة، تلفزيون) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:

أولا: مشاركاتها المسرحية
ظل المسرح منذ بدايات الفنانة نادية السبع هو المجال المحبب لها، فهو مجال دراستها وإبداعها الأساسي، وهو الذي قضت في العمل به كممثلة محترفة أكثر من ثلاثين عاما، شاركت خلالها ببطولة عدد كبير من العروض ببعض الفرق المسرحية المهمة (ومن بينها: المسرح القومي، المسرح الحر، المسرح المتجول)، حيث شاركت في بطولة ما يزيد عن خمسة وثلاثين مسرحية من المسرحيات المهمة، وتألقت في تجسيد عدد من الشخصيات الدرامية الخالدة ومن بينها شخصيات: جمانة بمسرحية «شهرزاد»، فاطمة بمسرحية «الناس إللي فوق»، ماريا بمسرحية «الوارثة»، سهاد بمسرحية «سينما أونطة»، شرميون بمسرحية «مصرع كليوباترا»، مباركة بمسرحية «صنف الحريم»، الفلاحة مبروكة بمسرحية «كفر البطيخ»، كريمة المرأة الأمية اليتيمة التي يهجرها زوجها بمسرحية «عيلة الدوغري»، الأم بمسرحية «بيت الأصول»، المربية بمسرحية «أنتيجون»، الأم الصعيدية بمسرحية «حكاية شعبية».
هذا ويمكن تصنيف مشاركاتها المسرحية طبقا لتنوع واختلاف الفرق المسرحية مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
 - «المسرح القومي»: أيام زمان (1953)، الأيدي الناعمة، مضحك الخليفة، شارع البهلوان (1954)، ست البنات (1952)، المأخوذة (1953)، تحت الرماد، ملك القطن (1956)، دموع إبليس، الوارثة (1957)، الناس إللي فوق، سينما أونطة، سلطان الظلام (1958)، مصرع كليوباترة، صنف الحريم، بداية ونهاية (1959)، الموت يأخذ أجازة، دموع الأرملة (1960)، بيت برنارد ألبا، كفر البطيخ، دكتور كنوك (1962)، عيلة الدوغري (1963)، الحلم (1964)، ثلاث ليالي - الليلة البيضاء، شهرزاد (1966)، صلاح الدين الأيوبي (1973)، زمردة (1974)، سوء تفاهم (1980)، بيت الأصول (1983).
 - «المسرح الحر»: الأرض الثائرة، حسبة برما (1953).
 - «إسماعيل يس»: ركن المرأة (1956).
 - «أوبرا ملك»: فتاة من بورسعيد (1957)، نور العيون (1959).
 - «مسرح الجيب»: بستان الكرز (1964).
 - «المسرح العالمي»: «أنتيجونا (1965).
 - «رمسيس»: الأخرس (1973)، وذلك في إطار المشاركة في الاحتفال باليوبيل الذهبي للفرقة.
 - «المسرح المتجول«: حكاية شعبية (1985).
هذا وقد تعاونت من خلال هذه المسرحيات مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل من بينهم الأساتذة: زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، عبد الرحيم الزرقاني، حمدي غيث، نبيل الألفي، سعيد أبو بكر، كمال يس، نور الدمرداش، عبد المنعم مدبولي، سعد أردش، كمال حسين، كرم مطاوع، نجيب سرور، حسن إسماعيل، فاروق الدمرداش، الشريف خاطر، بديوي عبد الظاهر.

ثانيا: أهم مشاركاتها السينمائية
رغم عدد الأفلام القليل نسبيا الذي لا يتجاوز خمسة وعشرين فيلما، والذي لا يتناسب إطلاقا مع حجم موهبتها، فإنها استطاعت أن تثبت وتؤكد مقولة «الكيف أهم من الكم»، وكانت أولى مشاركاتها السينمائية في فترة مبكرة جدا وبالتحديد في فيلم «طاقية الإخفاء» عام 1944 من إخراج نيازي مصطفى وبطولة تحية كاريوكا، محمد الكحلاوي، بشارة واكيم، في حين كانت آخر مشاركتها فيلم «رجل في عيون امرأة» عام 1987 ومن إخراج جمال عمار، وبطولة صلاح ذو الفقار، إلهام شاهين، حسن حسني، حاتم ذو الفقار.
هذا وتضم قائمة أعمالها الأفلام التالية: طاقية الإخفاء (1944)، الفنان العظيم (1945)، المصري أفندي، ذو الوجهين، أرواح هائمة (1949)، الأفوكاتو مديحة، طريق الشوك (1950)، ليلة غرام، عاصفة في الربيع، خدعني أبي، آدم وحواء (1951)، المهرج الكبير، أنا بنت مين؟، لحن الخلود (1952)، كيلو 99، درب المهابيل، خالي شغل (1955)، أنا العدالة (1961)، حادثة شرف (1971)، الجمالية (1980)، الأيام تصنع النهاية (1982)، لمن يبتسم القمر (1986)، الأونطجية، البيت الملعون، رجل في عيون امرأة (1987).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: يوسف وهبي، أحمد بدرخان، نيازي مصطفى، إبراهيم لاما، هنري بركات، حسين صدقي، ولي الدين سامح، عباس كامل، محمود ذو الفقار، توفيق صالح، حسن الإمام، كمال بركات، حسن عامر، شفيق شامية، جمال عمار، عبد المنعم شكري، سيد طنطاوي، أحمد الخطيب، جمال عمار.

ثالثا: أهم الأعمال الإذاعية
تميزت الفنانة القديرة نادية السبع بصوتها الحساس المتميز وبمخارج ألفاظها السليمة، وبإجادتها وبراعتها في فن الإلقاء، وبمهاراتها البديعة في التلوين الصوتي وقدرتها على التعبير عن مختلف المشاعر والمواقف الإنسانية، وبأدائها البديع وخصوصا في التمثيل باللغة العربية أو إلقاء الشعر، ولذا فقد أسند إليها المخرجون أحيانا مهمة التعليق على الأحداث أو شخصية الرواية في بعض أعمال الدرامية، كما نجح مخرجو الإذاعة في توظيف موهبتها ومهاراتها في عدد كبير من التمثيليات والمسلسلات الإذاعية والمسرحيات العالمية المترجمة (بالبرنامج الثاني الثقافي حاليا)، ولكن للأسف الشديد يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة القديرة، والتي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من الأعمال الدرامية على مدار مايزيد عن أربعين عاما، وذلك لأننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية. هذا وتضم قائمة أعمالها الإذاعية مجموعة كبيرة من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية ومن بينها على سبيل المثال فقط وليس الحصر: العزوة، القصر العالي، نور الدين والقصر المسحور، قانون ساكسونيا، العقرب، الليلة الأخيرة، حلاوة الحب، الكلمة الطيبة، عبث الأقدار، حلاوة الروح، قمر على بوابة المتولي، وتبقى الحقيقة، ثم عاد الربيع، إبن مين؟، المنتقم، من أجل ولدي، هجرة النور، شخصيات تبحث عن مؤلف.

رابعا: أهم الأعمال التلفزيونية
نجحت الدراما التلفزيونية في الاستفادة من موهبة وخبرات هذه الفنانة القديرة فمنحتها فرصة المشاركة بالبطولة أو تجسيد بعض الشخصيات الرئيسية في عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية قد يزيد عددها على أربعين مسلسلا وسهرة درامية، ومن بينها المسلسلات التالية: سنوات العمر، وتبقى الأرض دائما، أمومة، الشك، الضياع، رجال فوق الصخور، أبو زيد والناعسة، أدركني يا دكتور، وحش البراري، جراح عميقة، القاهرة والناس، طيور بلا أجنحة، الشوارع الخلفية، الباحثة، لعبة القدر، عيلة الدوغري، مسافرون، الليل والقمر، هذا الرجل، الوقف، إبن عمار، في قافلة الزمان، فرسان الله، حدود الله، أبواب المدينة (ج1، 2)، بعثة الشهداء، الفتوحات الإسلامية. وذلك بخلاف بعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومن بينها: العجوز والدنيا أنا، أم مثالية، زائر الليل.
هذا ويمكن للناقد المسرحي أو الباحث الفني المتخصص والمتتبع لأعمال الفنانة القديرة نادية السبع وأيضا للكتابات النقدية التي تناولت أعمالها المختلفة بالنقد والتحليل، أن يرصد تميزها الفني في أداء الشخصيات المركبة بصفة عامة، وتمتعها بتلك القدرة الرائعة على المعايشة الفنية الصادقة لجميع الشخصيات الدرامية التي تقوم بتجسيدها، فهي تتعايش وتنصهر مع الأحداث الدرامية وتتماهي وتتوحد مع الأبعاد الدرامية لكل شخصية وخصوصا أبعادها النفسية، ولذا فقد برعت في تجسيد شخصية المرأة المصرية المطحونة التي قد يجبرها القدر على تحمل أعباء أسرتها والتضحية بسعادتها من أجل سعادة الآخرين بكل الحب والتضحية وروح الإيثار. ويمكن في جملة موجزة أن نقرر أن الفنانة القديرة نادية السبع قد وفقت في تحديد ووضع بصمتها الفنية المتميزة بحيث يصعب مقارنة أدائها لأي شخصية مع فنانة أخرى، ولعل دور «نفيسة» برائعة الأديب الكبير نجيب محفوظ «بداية ونهاية» خير دليل على ذلك، حيث صمدت الفنانة نادية السبع بأدائها للدور في المقارنة مع أداء ثلاث قمم في الأداء التمثيلي، وهن الفنانات: عايدة عبد الجواد (التي جسدت الدور بالتبادل في العرض الأول)، سناء جميل (التي جسدته بالسينما عام 1960)، رجاء حسين (التي قدمته بالمسرح القومي أيضا عام 1976)، وذلك مع ضرورة التنويه بأن الفنانة نادية السبع قد حظت بالفرصة الأولى حيث كانت أول ممثلة منهن تم اختيارها لتقديم هذا الدور الصعب، وذلك حينما قام المخرج الكبير عبد الرحيم الزرقاني باختيارها لتجسيده، وقد شاركها في البطولة نخبة من عمالقة التمثيل، وفي مقدمتهم الفنانون: أمينة رزق، توفيق الدقن، كمال حسين، عمر الحريري، عبد الرحمن أبو زهرة، حسن البارودي، سعيد أبو بكر، أحمد الجزيري.
رحم الله الفنانة القديرة المتميزة والمتمكنة من جميع مفرداتها الفنية نادية السبع صاحبة الإحساس الصادق، وغفر لها وأسكنها فسيح جناته جزاء ما أخلصت في عملها واجتهدت طوال حياتها لإسعادنا بحرصها على الاختيار الجيد لأدوارها والمشاركة في الأعمال الراقية القيمة، ومحاولاتها الجادة للمشاركة في صياعة حياة أفضل عن طريق تجسيد كثير من الشخصيات الدرامية التي تمثل مختلف فئات الشعب - وخصوصا لفتيات وسيدات الطبقات المتوسطة والشعبية - والتعبير عن مختلف مشاعرهم وقضاياهم.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏