رصد خان بلا ضابط أو رابط

رصد خان بلا ضابط أو رابط

العدد 612 صدر بتاريخ 20مايو2019

يعتمد الكثيرون من كتاب الدراما الجدد _ وبخاصة في المسرح _ على المصدر الأجنبي الذي توافر بكثرة من خلال الفضائيات ومواقع الإنترنت، ولكن البعض منهم يملك المقدرة على مزج بعض الثيمات الأساسية للأصل المستورد بعضها مع البعض؛ بحيث لا يكون الاعتماد على مصدر واحد، فيتم الكشف عنه بسهولة.
وعندما يفشلون في محاولة مزج ما تم في عملية القص واللزق هذه في البيئة المصرية والعربية، فالمتمرسون منهم يجعلونه في نطاق الخيال أو الواقع الأجنبي.
وأعتقد أن نص عرض (رصد خان) الذي قدمته فرقة بني سويف من خلال فعاليات المهرجان الختامي لفرق الأقاليم هذا العام، لمؤلفه محمد علي إبراهيم، قد يكون قد اعتمد كثيرا على قصص (أنديانا جونز) الشهيرة في عالم التلفزيون والسينما، وأيضا بعض حكايات (أجاثا كريستي)، مع ما تواتر في ذهنه من أعمال مصرية وعربية، بصرف النظر عن كونها أصيلة أو أنها مستوحاة أساسا من نص أجنبي. ولكن ما رأيناه لم يتعدَ مرحلة الخليط ولم يصل لحالة المزج التام من خلال عدم وجود منطقية الحدث الفنية ولا حتميته.
فما رأيناه هو هذا الرجل الذي يحاول أن يصل لكنز (قارون)، وعندما يصل لبداية الخيط من خلال مكان ما، يأمر بأن يتركونه وحيدا، ويدخل في صراعات مع عوالم وأشخاص خفية. وتمر الأيام لنصل للمرحلة الأولى من القرن العشرين تقريبا، حيث يجتمع بعض الأشخاص المنتمين لعائلة الرجل السابق، بناء على إعلان في المكان نفسه، أخلاط شتى وثقافات متعددة.. إلخ. وعندما يصلون يُغلق عليهم المكان وتظهر كتابات فرعونية، يفسرها أحدهم بأنها الأرصاد والتمائم التي يجب أن تكون ليظهر كنز قارون. الأرصاد تستوجب الدم. وبمقتل كل شخص يصعد الكنز من أرض للتي تليها، وبالطبع تكون هناك الأطماع، ومحاولة القيام بتحالفات.. إلخ. وفي النهاية يموت الجميع، لندرك أن الرجل الأول فيما مضى بعدما تعب ويئس من الحصول على الكنز، قد قبل بصفقة مع صاحب العالم الآخر بأن يكون هو (رصد الكنز)! وفي النهاية، الكل ينتهي ويبقى الرصد وصاحب العالم السفلي.
أولا قصة كنز قارون هذه تناولتها الكتب الإبراهيمية، وكيف أن الله هو من قام بطمس الكنز وخسف الأرض به. فهل يعتقد مؤلفنا أن من قام بالخسف يحتاج لمساعدة من رصد أو سحرة؟ أو هناك إشارة بإمكانية للوصل إليه؟! بالطبع الجواب لا. ولكن في حكايات أنديانا جونز حيث الآلهة الوثنية، خاصة في حضارات الشرق الأدنى والهند والصين، يكون الأمر مقبولا، حيث نلمح الأرصاد والتمائم والحراس.. إلخ.
ثانيا حكاية (الرصد) هذه تكون في مواجهة من يطمعون في الحصول، والمجموعة أساسا لم تكن تعرف بالوجود له ولكنهم استدرجوا! ووظيفة الرصد الأساسية تكون أولا في الإخفاء، وثانيا في الحماية ممن يحاول الوصول، مع الوضع في الاعتبار أن الباحث الأول كان فردا، ولم يذكر أي شيء عن أبناء له أو عائلة.. إلخ.
ثم اعتماد النص على حالة (الاحتجاز) الشائعة، وهي حالة تكون لكي ينتقم شخص ما من مجموعة ظلمته أو يعتقد هذا، وهو يتناسب مع الحالة المدبرة من خلال الإعلان في النص، ولكن في النص أيضا لم يقم أحد من المدعوين سابقا بالإساءة لصاحب الدعوة، بل لم يعرفه أساسا فالفارق الزمني بينهم كبير أساسا.
أما الحالة الثانية للاحتجاز فهي الحالة التي تكون غير مخطط لها، مثالا (سكة السلامة)، وفيها يكون الدافع الأساسي هو التعرية والبوح والاعتراف، ومن ثم النظر في ما سيكون بعد ذلك، حيث تطرأ تغيرات على البعض، والآخر يعود لما كان عليه.
وللأسف، فقد اعتمد النص قليلا على شيء من الاعتراف والبوح، في حالة احتجاز مدبرة! ثم وضع بعض الحروف الهيروغليفية، وتفسير بعض أمور القتل نتيجة الطمع الذي لا بد أن يكون، وهو الطمع الذي يعمي. فهو جاء لإمكانية الحصول على الشيء، دون أن تكون هناك فرصة كبيرة في الخروج أساسا. ولو كان هذا الأمر قد عولج بشيء من الحرفية لكنا أمام عمل جيد.
وزمن النص الذي يعود لبدايات القرن العشرين ربما جاء صدفة أيضا، فلم يكن هناك أي دراسة لحالة المجتمع أو الشخصيات في أواخر القرن التاسع عشر؛ بدايات القرن العشرين.. مثالا تصوير شخصية الجندي الذي حارب فيما وراء البحار بناء على أوامر الخديوي وقتها، وكيف يكون حديثه أولا، ومن ثم زيه وبنيته؟
وهنا يكون الحديث عن المخرج حمدي طلبة، وهو من هو في مسرح الثقافة الجماهيرية، بل أعتقد أنه أصبح جزءا من تاريخها. ولكن هذا التاريخ كان من خلال أعمال مسرحية لا تعتمد على العلبة الإيطالية من ناحية. ومن الناحية الأولى الاعتماد على نصوص مكتوبة خصيصا لمكان ما، وتتناول حدثا أو تاريخا للمكان أو الناس التي كانت أو ما زالت تعيش به.
فهل التبس عليه الأمر وظن أنه بتقديم نص يتحدث عن كنز قارون امتدادا لما يقوم به؟ مع العلم بأن النص لو كان تناول كنز أحد الفراعين أو كنزا تخيليا قد يكون الأمر اتساقا مع المرجعيات الثابتة. أم أنه يقصد تشكيكا في هذه المرجعيات؟ لو كان قصد تشكيكا لوضع إمكانية ولو بعيدة للوصول.
أم قد اكتفى بتقديمه لنص جديد ومؤلف جديد كما يقول؟ لو كانت هذه هي النية لربما كان قد تدخل بالأمر ووضع هناك دافعا. لربما من خلال خبرته كان قد طلب من المؤلف أن يكون هناك أوراق موروثة للشخصيات أو حكايت متداولة بما يشير لجدهم وللكنز؛ ومن ثم حالة من الطلب والطمع وأصبح الأمر منطقيا.
أم أنه قرر تغيير الجلد والبرهنة على جودته في العمل مع المسرح بالشكل التقليدي؟ ولو كان هذا لربما كانت هناك دقة في اختيار نص العرض أكثر من هذا. وربما التعامل مع خشبة المسرح بشكل أكثر حرفية. فليس من المعقول أو المضمون وضع القتيل الأول على المنضدة في المنتصف مرتكزا ببطنه عليها ووجهه للأسفل، لأكثر من عشر دقائق، وهو في حالة الموت، ونحن نلمح صعود صدره وهبوطه، مع عدم التحكم فيما يمكن أن يحدث من تحركات لا إرادية. ولو كان قد وضعه على الأرض خلف المنضدة لربما كان أجدى، ليريح الممثل من جهة، وتجنبا لما يمكن أن يحدث من جهة أخرى.
ولست أدري لماذا انساق حمدي طلبة وراء أحمد أبو طالب مهندس الديكور، في جعل القبو المحتوي على الجثث والخمر خارجا عن نطاق الخشبة في الجهة المواجهة للجمهور، أي أنه كان فعلا أسفل خشبة المسرح يسارا. من الناحية التشكيلية هو أمر غير مقبول وكان ربما أجدى لو كان غير مرئي في الجهة الأخرى من المسرح، أي فيما وراء المشهد وليس أمامه. أما دلاليا فهو حر في أن يرى ما يراه، ونحن أحرار في أن نرفض رؤيته أيضا، ولكن حتى في هذه الحالة كان يجب أن تمتد الرؤية التشكيلية لهذا المكان ما دام قد اعتبره جزءا من منطقة تمثيله، أو تفعيل الحدث أو التهيؤ له.
ربما سيقول البعض إن هناك كما كبيرا من الجمهور قد ظل لنهاية العرض. نعم، هو هذا، ولكن امتدادا لحالة المشاهدات التي تترقب ما يمكن أن يحدق ولكن في هذه الحالة من أمور غير مترابطة، وفي هذه الحالة ستكون الدهشة أكبر، بما يستدعي انتظار تفسير، ولكنه لا يأتي. والنتيجة هي الخروج بدون أي أثر كان، أي أننا بما كنا أمام عرض كانت ميزته الأولى هي قتل الوقت. ولو كانت رؤية المؤلف والمخرج هي الجدل مع الموروث أو المتواتر فهي لم تصل، ولو كانت الإحالة أننا كمجتمع ننتظر الحصول على كنز قارون، وفي سبيله نقتل أنفسنا انسياقا متعسفا مع بعض دلالته، فهي لم تصل أيضا؟
والكلمة الأخير لحمدي طلبة هي أن الاستمرار فيما يجيده المرء ليس عيبا، وإنما العيب فيما غير ذلك، أو عدم الحصول على قدر كبير من الجودة في العمل في منحى جديد.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏