الآنسة موليير

الآنسة موليير

العدد 608 صدر بتاريخ 22أبريل2019

في الوقت الذي يحضر فيه موليير بمسرحيته «طبيب رغم أنفه» على المسارح الباريسية من إخراج شارلوت ماتزنيف – وهو حاضر بشكل دائم كشخصية محورية في الحياة المسرحية الفرنسية - وجد المخرج أرنود دينيس أن يقدم عرضا يدوم ساعة وربع الساعة، لا عن واحدة من كتابات الرجل، ولكن عن حياته هو نفسه، أو إن شئنا عن جزء من حياته. ومن هنا بدأت حكاية المسرحية التي بدأ عرضها من نهاية يناير 2019 وستظل حاضرة حتى نهاية مايو من إنتاج Théâtre Rive Gauche (مسرح الضفة الأخرى).
المسرحية من تأليف جيرار سافوازيان الكاتب والممثل والمخرج، وتمثيل آن بوفير وكريستوف دو مارويل. يتحدث العرض عن العلاقة التي جمعت بين «جان بابتيست بوكيلين» الذي أصبح يسمى فيما بعد بموليير (1622 - 1673) و”مادلين بيجار” (1618 - 1672) وكيف اجتمع العبقري بالموهبة إلى الأبد في ذاكرة المسرح بعدما توحّدا بشغفهما المشترك: المسرح.
العلاقة بين الاثنين لم تكن علاقة زواج حتى لا يفهم أحد الأمر خطأ، كانت مادلين بيجار ممثلة ولدت وعاشت وماتت في باريس، واشتهرت بجمالها وقوة شخصيتها وقامت بتأسيس فرقة theatre Illustre أو المسرح اللامع كما يترجمها البعض مع موليير الشاب بحيث كانت صديقة له كان رفيقها قبل أن تصبح حماته وكان حضورها واضحا في حياته المسرحية إذ كانت مشرفة على الكثير من العروض التي يقدمها كما كانت تقدم الكثير من الأدوار النسائية الموجودة في كوميدياته، تدير الحسابات وتقدم المشورة له. في عام 1661 وفي أوج نجاحاته، يتحول جان بابتيست بوكيلين إلى موليير ويتدحرج الاسم الأصلي إلى العتمة لينطلق الاسم الجديد إلى كل العالم. موليير الشاب تعلمه مادلين كل شيء، ترشده، تدعمه، لكنه يتركها في لحظة ما ليتزوج ابنتها بعدما يتسمى بالاسم الجديد بعام واحد.
العرض لم يكن تسجيليا بالمعنى الدارج، غير أنه عاد بالفعل إلى التاريخ الفني لموليير ومحيطه الذي أثّر في تكوينه وساهم في نجاحاته وبه نتعلم التأثير الهائل الذي كانت تتمتع الفتاة على جان بابتيست بوكيلين بحيث دفعته إلى الكتابة واللعب وتجاوز نفسه وهو يجعلنا أمام معرفة المزيد عن حياة أعظم كاتب مسرحي فرنسي، وغير أنه أيضا لعب على خطوط درامية في غاية الأهمية وتظهر فيها البصمة الواضحة للكاتب، الفكاهة الجميلة التي تمتع بها العرض، العلاقات الإنسانية التي يظهر فيها فرد وسط مجتمعه وأمام الشمس.
النص موفّق إلى حد بعيد، الغضب واليأس والفوضى التي تعاني منها مادلين رغم تعرضها لنكسات عاطفية مثل خيانتها من طرف حبيبها، هي التي أعطت كل شيء ومنحت لموليير كل شيء يحتاجه شاب موهوب للنجاح. كانت مادلين السكة الصحيحة وربما القائد في بعض الأحيان، التي جعلت موليير يكون موليير، وقد يكون صحيحا أن نقول إنه عرض عن المرأة وهواجسها وقوتها ولحظات ضعفها، عن مسراتها ودموعها، دفاعا عنها وعن حضورها الذي يمكن أن يكون طاغيا، بحيث إن صناع العمل لجأوا إلى تاريخ موليير ليس لموليير الذي قد يكون وجوده في منزلة ثانية بعد المرأة البطلة.
يعود للثنائي “آن بوفيري” و”كريستوف دو مارويل” التجسيد الجميل لها النص الجميل، إنهما يتواطآن حقا في تقديم عمل جيد للمشاهدين. بوفيري مدهشة وساحرة وهي للتذكير مرشحة بهذا العرض لنيل جائزة أحسن ممثلة في جوائز موليير التي تقدم سنويا في منتصف مايو. وقد سبق لها عام 2016 أن نالت جائزة أحسن ممثل دور ثانوي عن مسرحية الملك لير. بدأت التمثيل في المسرح من 1997 ومنذ ذلك الوقت شاركت في الكثير من الأعمال، كما مثلت للسينما أيضا وللتلفزيون، وأخرجت أكثر من عشرة أعمال مسرحية.
دخل كريستوف دو مارويل المسرح قبل زميلته بنحو خمس سنوات، واشتغل ابتداء من 1992 ضمن عشرات الأدوار في المسرح والسينما والتلفزيون كما أخرج أفلاما قصيرة وله تجربة خاصة في المسرح مع نصوص كبار الكتاب مثل ماريفو وموليير إضافة إلى الكتاب المعاصرين كهارولد بينتر والتشيكي «فاكلاف هافل» (الذي تقلد منصب رئيس الجمهورية في بلاده).
كانت السينوغرافيا التي أنجزها إيروان كريف بسيطة وغير متكلفة، تتماشى مع أزياء القرن السابع عشر، قاعة مضاءة بشموع، كرسي مناسب لجلوس ممثل، كلها جزئيات جميلة وبسيطة تضمن سيرورة العرض في مكان ملائم للشخصيات والأحداث والزمان، وربما كان هذا اختيارا جميلا للمخرج أرنود دينيس الذي ربما قد وجد الاشتغال على النص والشخصيات أهم من الجزئيات الأخرى التي لم تكن مبهرة بأي حال وما كنا نحتاج أن تكون مبهرة. لا ننسى أنّ المخرج الثلاثي نفسه له علاقة واضحة مع موليير، فقد سبق وأن أخرج إحدى أشهر مسرحياته وهي «النساء العالمات» ونال عنها «جائزة بريغاديي» وهي جائزة مهمة في فرنسا. كما رشح في إحدى أعماله الأخرى لإحدى جوائز موليير السنوية التي يمثل الترشيح لها في حد ذاته قيمة فنية مهمة تتحدث عنها الصحافة والنقاد باهتمام.
«الآنسة موليير» عرض جميل لصخب الحياة والحب والرغبة، للنجاح والفشل والسخط والرضا. عرض جميل لكاتب جميل وممثلين يعرفان كيف يجذبان جمهورهما.


ياسين سليمانى