مخرج عرض «شباك مكسور» شادي الدالي: يرمز لكل ما هو محطم في حياتنا ويدعو لإصلاحه

مخرج عرض «شباك مكسور» شادي الدالي: يرمز  لكل ما هو محطم في حياتنا ويدعو لإصلاحه

العدد 605 صدر بتاريخ 1أبريل2019

تخرج بشعبة الرسوم المتحركة كلية الفنون الجميلة ،إلتحق بفرقة أتيلية المسرحية بالكلية لحبه الشديد في التمثيل والإخراج، وحصل من خلال الفرقة على مركز أول لأربع سنوات متتالية ،أتيحت له فرص الالتحاق بالعديد من الورش المسرحية وتدرب على أيدي مجموعة من الخبراء الأجانب ،حصل على دبلوم الدراسات العليا في النقد الفني من أكاديمية الفنون، كما درس بمدرسة المسرح بجامعة أمستردام بهولندا، تعددت مواهبه بين التمثيل والكتابة والإخراج والرسم، شارك كممثل في عدد من المسلسلات التليفزيونية منها حديث الصباح والمساء ودوران شبرا وغيرهما بالإضافة لبعض الأفلام الروائية القصيرة «يوم آخر والصرخة وظل نور، وفي عروض مسرح الدولة ومنها رجل القلعة وتحب تشوف مأساة وولد وبنت وحاجات، وله العديد من العروض التي حققت نجاحا كمخرج منها ملاحظات ليلية الذي عرض بأمستردام بمشاركة البليجيكي كريستوف بيرسين وضحك السنين وصنع في الصين وحلم بلاستيك والخلطة السحرية للسعادة وأخيرا يقدم المخرج الشاب شادي الدالي عرضه شباك مكسور للمؤلفة رشا عبد المنعم .. كان لنا معه هذا الحوار حول العمل وبعض القضايا الأخرى.
-كلمنا في البداية عن عرض شباك مكسور؟
العرض يدور حول أسرة مصرية بسيطة من الطبقة المتوسطة ، تحاصرها ظروف اجتماعية سيئة جدا ، يقطنوا شقة دور أرضي نافذتها محطمة ولا يملكوا من المال ما يمكنهم من إصلاحها ، ويزداد الأمر سوءا أن هذه النافذة تطل على «خرابه» ، الفكرة هي أنه حين يكن لدينا شئ محطم في علاقاتنا ونتركه تضغط عليه الظروف أكثر ما يؤدي لتفاقم الأمور.
- كيف عملت على النص؟
تعلمت أن اختياري للنص في حد ذاته معناه تبني الرؤية الأصلية ورؤيتي من نفس رؤية المؤلف في النص لأنني ح ين أختار النص يكون لدي إيمان كامل بفكرته ورؤيته الرئيسية التي كتب بها، رؤيتي الإخراجية يصعب الحديث عنها لكنني حاولت الاعتماد كالمعتاد -لأنني أؤمن بالممثل-على فريق عمل قوي فالديكور لوائل عبد الله وإضاءة أبو بكر الشريف وموسيقى يحيى نديم وأبطال العمل أحمد مختار ونادية شكري ومروان عزب ومجدي عبيد ومروي كشك.
- المؤلفة استخدمت نظرية النوافذ المحطمة المعروفة في علم النفس فكيف وظفت أدواتك كمخرج لخدمتها مع السينوغرافيا؟
تركيزنا الرئيسي في كل خط حركة مرسوم وفي كل إضاءة على هذه النافذة المحطمة والتي يأتي منها كل ما هو سئ بالرمزية التي تحملها، فالفكرة الرئيسية أن خلف كل نافذة محطمة كابوس، وبالتالي فهيا نصلح حياتنا وكل ماعملت عليه في العرض كان من أجل الوصول لهذا الخط ، والنص أقرب للتوصيف بأنه كوميديا سوداء.
- أترى كما يرى البعض أن المخرج مؤلف ثاني للعرض؟
ليس دائما إلا في حالات معينة ، فلنفترض أنني سأقدم نصا لشكسبير والنص كتب منذ ثلاثمائة عام أو أكثر ، فبالتالي حين أعمل قد يكون لدي رؤية مغايرة له ، فمثلا لن أقدم مسرحية مدتها أربع ساعات، ولن أقدم كل الشخصيات وقد أحذف بعض المشاهد ، وبالتأكيد يحتاج ذلك لمخرج بارع جدا حتى يخلق رؤية مختلفة وفي هذه الحالة يكون هو كاتب ثاني للعرض المسرحي،بينما كما ذكرت في حالة إيمانك الكامل بالنص المسرحي فهنا سوف تعمل كمخرج فقط وهذا ليس بقليل لأنك تعمل على إيصال ما يريده المؤلف وإلا كان المؤلف قد أخرج لنفسه والمخرج كتب لنفسه، نعم أنا كتبت معظم أعمالي ولكنها حالة مختلفة عن تبني رؤية مؤلف أخر وإضافة رؤيتي عليها بما يتفق مع رؤية النص،  بحيث لا تعارضها أو تغايرها ، وهذا ما فعلته في شباك مكسور خاصة وأن المؤلفة صديقة معاصرة والنص كتب منذ سنوات قريبة ، وبطبيعتي لا أحبذ فكرة تدخل المخرج واللعب كثيرا في النص الأصلي فأنا أؤمن بالمبدعين الآخرين ونادرا ما تدخلت في عمل المبدعين العاملين معي في عروضي .
- هل لجأت للكتابة لأنك تجد غربة بينك كمخرج وبين نص أي مؤلف أخر؟
كما تعلمين درست بجامعة أمستردام في هولندا ، وتعلمت شئ هام جدا وهو كيف تبدأ من فكرة صناعة عمل مسرحي كامل مرورا بالكتابة ، وبالتالي كنت اعمل على الفكرة وأبدأ البروفات مع الممثلين قبل الانتهاء من كتابة النص، فقد يكون كل ما أملكه وقتها جزء من النص او مجموعة أفكار ومشاهد متناثرة، وأثناء إخراجي للعرض أكتبه، ويحدث ذلك كثيرا في عملي.. أومن خلال ورشة كتابة مع الممثلين وتتم صياغة الفكرة النهائية ولكن كل من يقف على خشبة المسرح هو شريك في عمل النص المسرحي، والسبب الرئيسي في كتابتي لأعمالي هو إيماني الشديد بفكرة معينة وشعوري أنني الوحيد القادر على ترجمتها وكتابة خيالي، فلا يمكنني إلزام أحد زملائي من المؤلفين على تبني أفكاري في حين أنه يمكنني تبني أفكار مؤلفين آخرين.
- هل يملك المخرج قدرة على تقديم نفس العمل أكثر من مرة برؤى مختلفة؟
رغم إنني لم أفعل ذلك من قبل لكن نعم ما الذي يمنع تقديم نفس العمل برؤى مختلفة حين يريد المخرج التجديد والتنوع ، فمثلا قدمت نص لبريخت «مؤتمر غسيل الأدمغة» عام 2013 وحصلت به على الجائزة الأولى في مهرجان الجامعة، فإذا أعدت تقديمه الآن سأقدمه بشكل مختلف لأن ثقافتي اختلفت وأنا شخصيا والمجتمع حولي وظروفه اختلفنا، بالإضافة لكون النص ملائما لذلك أم لا لأنني أقدم عرضا يلامس واقع المتفرج ومشاعره لا ليشعره بالغربة.
- إذا فهل ترى المسرح الآن في غربة عن الجمهور؟
الحقيقة لم أتابع جميع الأعمال التي قدمت وبالتالي لا يمكنني الحكم بشكل صحيح، لكن هناك أعمال عظيمة جدا وأخرى رديئة جدا ، وأرى في النهاية أن المسرح فن جماعي يقوم على فعل جماعي وإبداعي ووقت طويل من البروفات وبقدر إرهاقه يكون عطاءه ، من خلال رد فعل الجمهور الإيجابي وما يكتب عن العرض، فهناك موضة إنجاز العرض بسرعة والانتهاء من عرض كل أسبوع لا ينتمي للمسرح بل ينتمي أكثر للبرامج التليفزيونية وهذا ليس تجني عليه لأن للمسرح أركان لا تتوافر بهذا النوع، ولا أتحدث هنا عن الشكل الكلاسيكي أو غيره ولكن عن أركان العرض المسرحي عموما والأصل فيه هو الجمهور.
- كيف استفدت من الورش في عملك كمخرج؟
استفدت منها كثيرا خاصة وأني في الأصل ممثل،عملت مع عدد من المخرجين الكبار أمثال خالد جلال وناصر عبد المنعم والراحل حسن عبده،  ومحمد عبد الخالق وكل منهم حتى وإن لم أقصد التعلم منه أضاف لي، بجانب الورش التي كان معظمها لمدربين أجانب حيث كان هناك رواج منذ عشر سنوات للورش التي تحضر من الخارج ومن أوربا تحديدا، فالتحقت بورشة في الكتابة الدرامية مع الألمان، وورشة في التمثيل وصناعة المسرح مع مدربين هولنديين، بالإضافة لورشة صناعة المسرح الغنائي وعدد من ورش التمثيل والرقص، أردت وقتها التعلم قدر المستطاع وبالفعل تعلمت الكثير وهو ما يظهر في أعمالي التي أقدمها، لكن أعيب الآن أن هذه الورش ليست متاحة في مصر بينما هناك رواج للورش المقدمة من مدربين مصريين ومنهم مميزين وأساتذة كبار جدا ومنهم من يجرب حظه،ولست ضد أي محاولات وخاصة أننا لا نملك سوى معهد للفنون المسرحية ولا يمكنه استيعاب كل المواهب في بلد بحجم مصر.
- هل هناك منهج يجب ان يتبع في هذه الورش و الاعتماد على أساسيات معينة يتم تدريسها؟
بالتأكيد هناك منهج وأيضا أساسيات لابد أن يذهب إليها كل مدرب مثل تعزيز الثقة بالنفس لدى الممثل المبتدأ خاصة مع ارتباكه وخوفه وتساؤله عما إذا كان يؤدي بشكل صحيح أم لا ، وفي الأساس من يلتحق بالورشة يجب أن يملك الموهبة ويحب التمثيل لأنها تجعل الأمر سهلا على المتدرب، سنوجهه بشكل منهجي أكاديمي كيف يستغل أدواته التي يملكها، التمثيل مهنة صعبة والقراءة النظرية والثقافة ضرورية لكل فنان بشكل عام، وايضا التدريب العملي على الأدوات هام لأن الأدوات غير ملموسة فهي داخل الممثل الروح والانفعال والنفس وتلك مرهقة جدا .
- كمدرب هل لديك منهجك الخاص؟
لدي منهجي الذي كتبته وأخذ مني سنوات من الدراسة والعمل العملي كممثل ومخرج، بالإضافة لعملي مع ممثلين من مختلف الأعمال والبلدان والثقافات مما جعلني أصل إلى المنهج الأمثل الذي يجعلني قادرا على توجيه الممثل خلاله لتعريفه على أدواته ثم توجيهه لاستخدامها بالشكل الأنسب والأمثل مع الاحتفاظ بإحساسه الشخصي لأن كل ممثل لديه بصمة تعبير تختلف عن الآخر ، وأقول دائما للمتدرب أن يبحث عن الباطن الخاص بك لأنه مصدر قوتك وسبب وجودك وحب الناس لك ، ولا اقصد أن منهجي هو الأفضل لأن الفن ليس به الأفضل والأسوأ، لكن يوجد مدرب «شاطر» وأخر غير متمكن من أدواته.
- ذكرت أن الالتحاق بالورش مرتبط بوجود موهبة ألا يمكن اكتساب المهارات بالتعلم بدون موهبة؟
ليس هناك مهارات بلا موهبة، فلا يوجد فن بدون موهبة،على سبيل المثال كيف ستتعلم الرسم إن لم يكن لديك موهبة الرسم، وكذلك شتى الفنون من موسيقى وتمثيل، فحتى الشعر يمكنك تعلم الشعر والعروض ولكنك لن تصبح شاعرا لفقدانك موهبة التعبير الشعري، ستحفظ السلم الموسيقي لكن لا تملك الحدس أو الرغبة للعب على الآله، كذلك الحال بالنسبة للتمثيل ستتعلم كل ما هو نظري ولكن ليس لديك القدرات فالموهبة منحة من الله.
- أتيحت لك العديد من الفرص التي لم تتح لغيرك فكيف طبقتها بعد عودتك وهل واجهتك معوقات أثناء ذلك؟
بالطبع كانت هناك معوقات ومازالت حتى في أداء عملي كمخرج، فأنا شخص لا يمكث كثيرا على تجهيز العرض وأرى أنه ببعض من النظام يمكن تحديد عدد بروفات العرض مع جدول محترم وإنتاج «شاطر»يمكن أن تخرج المسرحية في وقت قياسي بما لا يقل عن شهرين أو ثلاثة أشهر في حين أنني وزملائي فعليا قد نستغرق سنة كاملة لخروج العرض مع ما يواجهنا ، الدراسة بالخارج بالتأكيد ميزة لكن المعوقات تواجهنا جميعا.
- كيف ترى مسرح الجامعي الآن؟
شخصيا أصبح غير محايد حين أتحدث عن هذا المسرح، فهو المصدر الأول والرئيسي للممثلين المهمين في مصر ويليه أكاديمية الفنون لأنها المتخصصة الوحيدة، لكن بالطبع العدد أكبر في الجامعة بالإضافة إلى أن العمل بعيدا عن الضغط يجعل الفنان أكثر إبداعا،لأن الدراسة تجعل الفنان يعمل تحت ضغط واجبه الدراسي،في حين ان في الجامعات يعمل الشباب من أجل موهبتهم فيصبحوا أكثر تحررا،وبالنظر للساحة الفنية فإن نجوم الصف الأول معظمهم من خريجي مسرح الجامعة ويكفي ذكر اسم عادل إمام وغيره كثيرين، نعم يعاني مسرح الجامعة من نفس المشاكل المكررة ولكنني أراه مازال بخير ومازال الشباب يعمل في أي ظروف، وأذكر حين كنت طالبا بكلية الفنون أن أحد عمداء الكلية ممن توالوا عليها أغلق المسرح و اضطررنا لعمل البروفات في غرفة تحت السلم لسنوات ثم انتقلنا للعمل على سطح مبنى الكلية ولم نتخلف طيلة أربع سنوات عن الحصول على المركز الأول برغم العمل في ظروف شديدة الصعوبة تحت الشمس والامطار والبرد والهواء وكأننا نعمل في الشارع، فما يميز عمل الجامعة هو الحب وليس العمل من اجل الشهرة والمال أو تحت ضغط دراسي ، ولكن لنقل أن مسرح الجامعة والاكاديمية بكل معاهدها مكملين لبعضهم البعض.
- هل الوعي المسرحي يتفق مع الفعل المسرحي الحالي؟
الحركة المسرحية حاليا متعثرة جدا بسبب الإنتاج وليس لأي سبب أخر، يختلف الوعي في كل عصر من شخص لأخر وجميعنا يعمل، والمتفرج هو من يحكم، لكن يفترض أن تتواجد حركة نقدية قوية وقريبة من الجمهور،فقد تعلمت من أستاذتي د.نهاد صليحة كما قالت لنا أن الناقد هو جسر بين العمل الفني أو المبدع والجمهور، وبالتالي إذا كان الجسر صعب ومعقد الطرق فلن تصل، ويصيبك بالملل ،حين يستخدم الناقد لغة فيها تعالي شديد وتعقيد وتقعر في استخدام الألفاظ والمصطلحات لن يقرأه المتفرج ولن يُقبل على الأعمال الفنية،لابد من لغة تأخذ المتفرج للعمل الفني وتجذبه للقراءات النقدية من الأساس، فكم عدد من يقرأ نقدا، الوعي متأثر سلبا في المجتمع ككل والوسط الفني مرآة تعكس هذا المجتمع، وفي النهاية الجميع يعمل ويبدع والجمهور هو المحكم النهائي ومن يُقبل على العمل حتى وإن اختلفنا نحن على هذا العمل لن ننكر أن الجمهور هو صانع النجوم.
بمناسبة النقد حصلت على دبلوم في النقد الفني لماذا لم تتجه للنقد؟
لن يكون من الجيد بعد أن عرفني زملائي كممثل ومخرج أن أنقد عملا لهم فلن أكن محايدا، بجانب أنني أفضل التواجد مكان المبدع وليس الناقد على الرغم من أنني الأول على دفعتي ودرست على أيدي أساتذة منهم على سبيل المثال لا الحصر د.نهاد صليحة، فدراستي للنقد كانت للدراسة والثقافة والتعمق في الفنون المختلفة وليس لكتابة النقد.
حدثني عن تجربتك ملاحظات ليلية مع صديقك البلجيكي؟
كانت تجربة شديدة التجريبية قدمتها في 2007 وتحمل قدر لا بأس به من الجنون والمجازفة،فقد تخرجنا من نفس المدرسة بهولندا وقررنا عمل عرض نكتبه ونمثله ونخرجه سويا دون مشاركة من أحد،التجربة شديدة التجريب بلغات مختلفة وعرضت في عدد من المدن والدول وكانت البداية بالنسبة لي.
ما السر في نجاح حلم بلاستيك؟
عرض في ثلاثة مسارح مختلفة ببرلين وبمهرجان المسرح العربي في الشارقة،بجانب الموسم المسرحي بالطليعة،وسر نجاحه أن العرض تجريبي بامتياز وحين جهزته كنت اعلم أنه سيعرض بألمانيا لذلك كنت أريد السفر بحقيبة ديكور واحده فعملت على أن لا أجعل هناك قطعة ديكور على المسرح،لأنه إنتاجي وفرقتي مسرح الممثل، فاستعضت عن أي بناء سينوغرافي بقطعة قماش كبيرة تملأ المسرح فكان جديدا على المتفرج المصري أن يشاهد عرضا بخشبة خالية، فقط قطعة القماش وأحيانا بدونها لمدة ساعة أو أكثر هي مدة العرض، باستخدام الإضاءة على الممثل، فكان تركيزي الأكبر على الممثل لأنه العنصر الأهم على الإطلاق في العمل المسرحي.


روفيدة خليفة