مهرجان المسرح الطلابي بجامعة المنوفية مكاسب كثيرة تحتاج إلى مزيد من الدعم

مهرجان المسرح الطلابي بجامعة المنوفية مكاسب كثيرة تحتاج إلى مزيد من الدعم

العدد 593 صدر بتاريخ 7يناير2019

المسرح الجامعي يظل هو البوابة السحرية لضخ دماء جديدة للحياة المسرحية المصرية، وكذا محاولة استشراف ما يدور في أذهان جيل جديد من المسرحيين من قضايا وأحلام وآمال، وأيضا اكتشاف رؤيتهم للواقع المجتمعي بكل أبعاده.. ولذا فرصد فعاليات هذا المسرح تشكل أهمية كبيرة للمسرح المصري.. لذا لم أتردد لحظة في قبول عضوية لجنة التحكيم للعروض المسرحية بالمهرجان الطلابي لكليات جامعة المنوفية في دورته الرابعة الذي عقدت فعالياته في الفترة من 2 ديسمبر وحتى 12 ديسمبر 2018 م.. وعلى مدار الإحدى عشرة ليلة من ليالي هذا المهرجان، قدمت إحدى عشرة مسرحية كل مبديعها من الطلاب في كافة مفردات العرض المسرحي (تأليف – إخراج – تمثيل – ديكور وملابس ومكياج – إضاءة – ألحان – أشعار – أداء حركي وغيرها من المفردات) تلك العروض على مختلف توجهاتها ومستوايتها الفنية كانت قادرة على البوح بطاقات مبدعيها ورؤيتهم للعالم.. ولذا كان من المهم إلقاء الضوء على هذه العروض وأفكارها وأدوات مبدعيها للتعبير عن ذواتهم.
وعلى الترتيب، كان عرض كلية التربية الرياضية (سلفي) وهو كولاج من نصوص سلفي، وكاسك يا وطن، واضحك انت عربي، وهو من إخراج أحمد أبو النجا ودراما العمل مبنية على مشاهد منفصلة يتناول كل مشهد إحدى المشكلات المجتمعية والإنسانية في مجتمعاتنا العربية من وجهة نظر فريق العمل بأشكال درامية متنوعة بين الكوميدي والتراجيدي، إلا أن هذا الأسلوب قوض البناء الدرامي وجعله هشا، فالتعرض للكثير من القضايا أحدث حالة من الطرح المباشر للأفكار متخذا ثوب الملقن للمتلقي، الأمر الذي أدى إلى تسطيح الأفكار وعدم الغوص في إحداها ليصبح التناول ظاهريا تلقينيا، وبالتالي تأثرت الرؤية التشكيلية للعمل التي جاءت على شكل خلفية تعبر عن نفس المشكلات التي يطرحها النص بتلك الكلمات والأشكال المتناثرة عليها دون نظام أو رابط بينها، انسحب ذلك أيضا على الأداء الحركي الذي اجتهد المخرج في محاولة صنع ثراء بصري بتنوع تشكيلاته وأنماطه الأدائية، إلا أن هذا لم ينتج غير دلالات متناثرة شوشت المتلقي الذي صعب عليه استيعاب كمية الأطروحات واختلاف توجهاتها.
عرض آخر قدمته كلية الزراعة هو (فوتوشوب) تأليف محمد خليفة وإخراج محمد سعد، تناول العمل إشكالية القهر الإنساني بداية من العلاقة الأبوية وتأثيرها في تكوين شخصية الفرد إلى انسحاب ذلك على رؤية المجتمع من حوله، وتلك العلاقة الإشكالية التي تطرح نفسها بين هذا المجتمع وهذا الفرد، إلا أن البناء الدرامي افتقد الترابط وإنشاء علاقات تحكمها مبررات منطقية لنقل الحدث وتناميه، كما أن اللغة المستخدمة في العرض ضعيفة وغير منتجة للدلاله.. إلا أن الرؤية التشكيلية كان لها حضور دلالي بتلك الأطر الفارغة في الخلفية وما أمامها من مستوى تم تأطيره بإطار فارغ كبير لاستخدامه في عرض الأحداث الرئيسية في العمل، وعلى الرغم من هذا اتسمت الحركة بالعشوائية وظهر ضعف سيطرة المخرج على فريق العمل وقلة تدريب الممثلين.
كما قدمت كلية الاقتصاد المنزلي العرض المسرحي (الرحمة) من تأليف إبراهيم الحسيني وإخراج إسلام سعيد لكن الإشكالية الأهم في هذا العمل هي الإعداد الذي فرغ النص من رسائله وجعل حالة التطهر من القتل فكرة مسطحة أيضا وعلى مستوى الدراما لم يستطع إيجاد المبررات التي دفعت بطل العمل للتطهر من شهوة القتل التي كانت تتملكه، فانسحب هذا الفكر في الإعداد على عناصر العمل التشكيلية مع نقص خبرة وتدريب مجموعة الممثلين.
أما عرض (الهوامش) الذي قدمته كلية الحاسبات والمعلومات وهو من تأليف شريف صلاح الدين وإعداد وإخراج مصطفى محمد توفيق، فإن الإعداد هنا أيضا كان الإشكالية التي قوضت البناء الدرامي للعمل ورغم أهمية الطرح الذي يحاول إلقاء الضوء على أهمية الوعي الجمعي لأفراد المجتمع ومحاولة البعض تغييب أفراد المجتمع واللعب على أحلامهم وطموحاتهم للمستقبل لتحقيق منافع خاصة إلا أن محاولة الاستغراق في استخدام الرمز جعلت الشخوص داخل مجتمع العرض لا تربطها علاقات درامية قوية، وكذا لغة النص كلها تنطق بلسان المؤلف فجاءت أفكارا عامة وشعارات لا تطور الصراع الدرامي المفترض وجوده لدفع الأحداث. أما على المستوى التشكيلي، فجاء المنظر الرئيسي على شكل غزل بيت عنكبوت في عمق المسرح في إشارة واضحة لرسالة العمل، فأصبحت المباشرة في الطرح هي السمة في كل عناصر العمل؛ مما قلل من القيمة الفنية للعمل.
كلية الحقوق قدمت العمل المسرحي (اخلعوا الأقنعة) وهو من تأليف لينين الرملي وإخراج كيرلس رشدي، وهو عمل يطرح إشكالية الصراع الآيديولوجي بين فكر الدولة ككيان جامع لكل أفراد المجتمع على اختلاف عقائدهم وبين الفكر السياسي الديني الذي يرسخ لتهميش الآخر وتحييده، وما يدور من صراع سياسي على السلطة بين كلا الجانبين. والإشكالية الدرامية هنا أن العمل فرض أحكاما مسبقة وصدر رسائله للمتلقي منذ بدايته لينتفي الصراع والطرح وأصبحت كل الصراعات مباشرة، وانعكس ذلك على لغة النص التي جاءت مباشرة تنطق بلسان المؤلف. الرؤية التشكيلية رغم أهمية الفكرة جاءت وظيفية ولم تستطع أداء دورها الدلالي، وعلى مستوى التشكيل الحركي كانت التشكيلات بسيطة وغير قادرة على إضافة معادل حركي للكلمة المنطوقة. وعلى مستوى الممثلين تميز محمد أمين رعو في دور عثمان.
أما عن عرض كلية آداب (ثورة الموتى) وهو من تأليف أروين شو وإخراج مي مراد الذي يحاول طرح الصراع الخفي للسيطرة وفرض النفوذ بين المجتمع كأفراد والسلطة السياسية والسلطة الدينية من خلال فانتازيا رفض مجموعة من الجنود المقتولين في الحرب أن يدفنوا قبل أن يحقق كل منهم آماله المجهضة.. الرؤية التشكيلية لهذا العمل جاءت مباشرة رغم محاولتها توليد الدلالات من خلال تلك المعالم الشهيرة والرموز الدينية في العالم مثل برج إيفل، الكنيسة، المسجد، الهرم، وكلها مقلوبة تنزف شلالا من الدماء، إلا أن هذا التكوين أحدث خلطا بين عمومية الفكرة المطروحة وأيضا لوضع رموز تحد من تلك العمومية وتجعلها تتجه إلى التخصيص مثل الهرم وبرج إيفل لكونها معالم لأماكن محددة.. من العناصر المميزة في العرض التي ساهمت بشكل فاعل في إعطاء المصداقية لحالة الجنود المقتولين، هو المكياج المتقن لسارة بركات، كما استطاعت المخرجة توزيع مناطق الحركة بشكل واعٍ خاصة في مشاهد السلطة الحاكمة والجنود، وإن جانبها الصواب في المبالغة في صنع تشكيلات حركية استعراضية للجنود لا تتناسب مع الموقف الدرامي.. الأداء التمثيلي يتميز بالوعي بمقتضيات كل شخصية وأبعادها الدرامية، وتميز علي عبد الناصر ونسمة الزناتي ومحمد مطاوع وأحمد الصاوي، والعرض بشكل عام تميز بالانضباط.
كما قدمت كلية التجارة العرض المسرحي (أجنحة بلا طيور) من تأليف الطالب محمود السبروت وإعداد وإخراج باسم العبد، أهم ما يميز هذا العمل هو التأليف حيث استطاع إلى حد كبير الطالب محمود السبروت أن يقدم نصا يحتوي على بناء درامي متماسك، وأن يرسم ملامح شخوصه بما يلائم البناء الدرامي وتطوره، وكذا زمان ومكان الحدث الذي اختاره ليكون غير محدد، ليؤكد على عمومية الفكرة والرسالة التي يريد توصيلها للمتلقي، والتي تتلخص في قيمة الحرية وامتلاك أي مجتمع مقدراته وقدرته على تعديل مسار السلطة الحاكمة إذا جارت على حقوقه. الرؤية التشكيلية سواء على مستوى الملابس أو الديكور اعتمدت على النهج التعبيري ومع بساطة مفرداتها إلا أنها كانت قادرة على التعبير، وكذا تحيد الزمان والمكان، كما استطاع المخرج تقديم رؤية حركية بسيطة غير متكلفة بها تشكيلات قادرة على توليد الدلالات ونجح أيضا في التعامل مع الموتيفات الخاصة بالديكور بشكل واعٍ يدل على قدرته ووعيه بكيفية استخدام عناصر العمل في توصيل رسائلها. العرض بشكل عام جاء منضبط الإيقاع ساعد في ذلك الأداء التمثيلي المتوازن لكل فريق العمل وإن تميز منهم عبد الحكيم الغنام ومحمد بدر وطه فهمي مصطفى الميهي، الألحان لزياد هجرس جاءت واعية بالإطار الدرامي للعمل ومكملة له وكذا الاشعار لأحمد عمر.
أما فريق كلية تربية نوعية فقدم (الدرس) تأليف يوجين يونيسكو وإخراج أحمد مبارك الذي حاول أن يصنع بالإعداد إطارا دراميا موازيا لرسالة النص الأصلي للتأكيد على التناقض الكامن سواء في العلاقات البشرية أو على المستوى السياسي من أوضاع لا يقبلها العقل ولكن يفرضها الواقع، إلا أن هذا الإطار أخل بالفكر والمضمون، وجاءت الرؤية التشكيلية بمفرداتها من نافذة في الخلفية رسم عليها من الأعلى سكينا تقطر دما بالإضافة لهذا المكتب الكبير في وسط المسرح الذي وضع على جانبيه من الأسفل كتب كبيرة الحجم، هذا التكوين أعطى رسائل مباشرة أضعفت القيمة الفنية. أما الإخراج فلم يستطع أن يخرج من الدائرة المغلقة التي كونها الديكور بالإضافة لعدم قدرته على ضبط إيقاع العمل، وبالتالي تسرب الملل للمتلقي.
وقدمت كلية العلوم (أسوار الدم) عن نص “أرض لا تنبت الزهور” لمحمود دياب للدراماتورج محمد صلاح وإخراج لبنى رسلان، وقد نجح محمد صلاح في تقديم بناء درامي متماسك لرؤية مغايرة للنص الأصلي في إشارة واضحة إلى موهبته وتمكنه من أدواته التي تميزت أيضا على مستوى اللغة في المشاهد التي صاغها بما لا يحدث تباينا بينها ولغة النص الأصلي، وقد حاول في رؤيته طرح إشكالية الصدام الذي قد يحدث بين الحاكم ورعيته في أثناء سعي هذا الحاكم في تحقيق أطماعه ونزواته الخاصة، وقد استطاع أن ينمي شخصية زبيبة أخت الزباء واستخدام حملها أساسا للصراع الجديد الذي نجح في تنميته حتى وصل إلى الذروة التي أرادها. الرؤية التشكيلية بسيطة ونجحت في تحقيق وظائفها الأساسية. أما الإخراج فلم تستطع المخرجة السيطرة على التكوينات الحركية في بعض المشاهد، فجاءت تلك التكوينات مفتقدة للمبادئ الأساسية لزوايا الرؤية، ولكن بشكل عام جاء إيقاع العمل منضبطا. أما عن الأداء التمثيلي، فيفتقد البعض للتدريب ولكن على الجانب الآخر كانت هدير الجوهري واعية بأبعاد شخصية زبيبة فجاء أداؤها عاكسا لهذا الوعي بالإضافة إلى إمكانيتها الصوتية التي ساعدتها في تقديم أداء متوازن دون مبالغة.
قدمت كلية الهندسة عرض (إيكاروس) تأليف أحمد نبيه وإخراج عمر شاهين، ودراما العمل قدمت في إطار أسطوري تاريخي في حقبة الرومانيين مرتكزا على بعض الروايات للأحلام وللمحاولات الأولى للإنسان في الطيران، والعمل يحاول مناقشة إشكالية البطل الفرد وطموحاته وأخطائه التراجيدية وتأثير هذا على مجتمعه، الرؤية التشكيلية جاءت في إطار تعبيري بسيط استطاع الإيحاء بالزمان والمكان دون تكلف مع التأكيد على رسائل العمل. أما المخرج فاستطاع السيطرة على إيقاع العمل وحركة ممثليه وصاغ مجموعة من التشكيلات الحركية البسيطة والموحية، وساعده في ذلك الطاقات الموجودة في مجموعة ممثليه.
أما العرض الأخير فكان لكلية الطب البشري وهو (ساحرات سالم) عن نص البوتقة للكاتب الأمريكي آرثر ميلر وإخراج يوسف سعد، والنص يطرح فكرة الهوس العقائدي والآيديولوجي وانتهاك حريات الآخر في التعبير لصالح جماعة وحيدة داخل المجتمع من خلال فكرة تجريم السحر الذي استخدمها الكاتب كمعادل لتيار المكارثية الذي اجتاح أمريكا في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، الرؤية التشكيلية حاولت التعبير عن رسائل العمل من خلال هذا الصليب الكبير في العمق الذي اكتسى بوشاح أحمر، وكذا الخلفية التي تناثرت عليها البقع الحمراء. أما عن الإخراج فقد بنى المخرج رؤيته على صنع معادل حركي لأفكار العمل من خلال مجموعة الشياطين وتشكيلاتهم الحركية داخل المشاهد، إلا أن هذا انعكس بالسلب على الفكرة الرئيسية للعمل التي تعالج قضية اجتماعية وآيديولوجية وأعطاها بعدا ميتافيزيقيا أثر على المتلقي وشوش على رسالة العمل. ومن العناصر المميزة في هذا العمل المكياج الخاص بمجموعة الشياطين في إعطاء المصداقية على الرغم من كونه ضد رسالة العمل.
وبالقراءة السريعة لتلك العروض نستطيع أن نخلص إلى عدة ملاحظات أهمها أنه ما زال المسرح الجامعي يمتلك ثروات ومواهب في كل عناصر العمل المسرحي وفي هذا المهرجان هناك مواهب في الكتابة المسرحية تستحق الرعاية والدعم لكون النص المسرحي هو الركيزة الأهم في بناء أي عرض مسرحي ناجح ومؤثر وهم محمد صلاح وأحمد نبيه ومحمود السبروت.
العنصر النسائي في الإخراج كان حاضرا وبقوة ولكن لا بد من الرعاية والتثقيف المسرحي حتى نكسب جيلا جديدا من المخرجات وأيضا بقية زملائهن من المخرجين الواعدين.
أما الملاحظة الأهم فهي كيفية اختيار النص وملاءمته للتعبير عن الأفكار حيث انحسرت الأفكار في كل عروض المهرجان في رسائل محدودة التوجه ولم تحاول أن تنطلق لعوالم أكثر رحابة وتطلعا إلى المستقبل.
وبشكل عام، فإن المهرجان الطلابي بجامعة المنوفية يعكس اهتماما رسميا من قيادت الجامعة وإدراكا بأهمية هذا النشاط الطلابي وفاعليته في تثقيف جيل جديد ووعي وإقبال طلابي يبشر بخطوات أكثر إيجابية في الفترة المقبلة.
 

 


طارق مرسى