العدد 589 صدر بتاريخ 10ديسمبر2018
الكاتب المسرحي القدير رأفت الدويري - الذي رحل عن عالمنا يوم الثلاثاء الموافق 27 نوفمبر - هو أحد الرموز الإبداعية المهمة في مسرحنا المعاصر ومسيرتنا الفنية، وهو ينتمي إلى كتاب جيل سبعينيات القرن الماضي، ذلك الجيل الذي يضم نخبة من المبدعين أطال الله أعمارهم (ومن بينهم الأساتذة: يسري الجندي، أبو العلا السلاموني، عبد الغني داود، بهيج إسماعيل، د.محمد عناني، السيد حافظ، لينين الرملي، د.فوزي فهمي)، ويحسب لهذا الجيل حرصه وسعيه واجتهاده بصفة عامة في سبيل تأصيل الفن المسرحي بالتربة المصرية، والبحث عن كيفية استلهام وتوظيف كافة أشكال الفنون الشعبية المتوارثة والأساطير والملاحم والطقوس في تقديم عروض مسرحية جماهيرية، ومن بين أعمال هؤلاء المبدعين تبرز أعمال المسرحي المتميز رأفت الدويري، الذي يعد رحيله خسارة حقيقية وفادحة للمسرح المصري بصفة خاصة والفن العربي بصفة عامة.
وبداية يجب الإشارة إلى أن المبدع رأفت الدويري هو رجل مسرح بمعني الكلمة، حيث مارس كل من التمثيل والإخراج والتأليف وأيضا الترجمة والنقد والتنظير، فهو متعدد المواهب وقد نجح في جميع تلك المجالات وأن تألق ووضع بصمته المميزة في كل من مجالي التأليف الإخراج.
واسمه بالكامل رأفت أخنوخ سليمان الدويري، وهو من مواليد قرية “الدوير” في أسيوط في 8 أبريل عام 1937، وينتمي إلى أسرة من الطبقة المتوسطة، فوالده فلاح بسيط ولكنه يؤمن بأهمية العلم لذا حرص على تعليم ابنه. وجدير بالذكر أن بلدته عرفت أولا باسم “الدوير” (تصغير للدير)، وبالتالي يتضح مدى تأثرها بالحضارة المسيحية ثم أضيف إلى اسمها اسم “عايد” وذلك عندما استقرت بها قبيلة “عايد” التي تنتمي إلى قبائل الهوارة العربية، فتأثرت أيضا بالحضارة العربية، فجمعت بين ملامح كل من الحضارتين القبطية والعربية الإسلامية معا في صيغة متآلفة، فكان ذلك النسيج المتآلف من أهم العوامل المؤثرة في ثقافة الفنان رأفت الدويري.
بدأت مسيرة “رأفت” التعليمية بإلتحاقه بالمدرسة “الأمريكاني” بمحافظة “أسيوط”، ثم انتقاله بعد ذلك إلى محافظة “القاهرة” لاستكمال دراسته الجامعية، حيث تخرج في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب “جامعة عين شمس” عام 1959، وكانت دراسته للمسرح الإنجليزي العنصر المؤثر الثالث والمهم بجنب تأثره السابق بنشأته وديانته.
ويذكر أنه قد بدأ شغفه بالقراءة مبكرا كما عشق الفنون المسرحية، فانكب على الكتب الأدبية والمسرحية، وكان قد عين بمجرد تخرجه من الجامعة مدرسا للغة الإنجليزية بمحافظة “الفيوم”، ولكن عشقه للمسرح دفعه في أول فرصة إلى تقديم استقالته، والتعيين كمساعد مخرج بفرقة “مسرح الجيب” عام 1962. وسرعان مادفعه عشقه وطموحه إلى ضرورة البحث عن صيغ وأساليب خاصة بالمسرح المصري، فقرر المشاركة في خلق مسرح مصري له صبغة شعبية، وقد نجح في تحقيق خطوات مؤثرة وعلامات في ذلك الإتجاه من خلال مجموعة أعماله المتميزة التي قدمها خلال سبعينيات وثمانينات القرن الماضي.
وفي هذا الصدد يجب التأكيد على أن المبدع رأفت الدويري قد سعى في توظيفه للتراث بمسرحه أن ينطلق من مبدأين أساسيين أولهما: الوعي الجيد بأبعاد التراث، والآخر: الوعي بأبعاد الواقع المعاصر بمشاكله الحياتية. فقد غاص في التراث ونهل من شعبه المختلفة وقدمه في صورة غير تقليدية - أي صورة تجريبية - على كافة المستويات، فأنتج صيغة مسرحية تبدأ من التراث باعتباره موضوع البحث عن الهوية وتنتهي بالحاضر بتقنياته الحديثة، وأفكاره المتقدمة التي تحمل هدفا تنويريا ذات توجه نقدي سياسي واجتماعي.
حقا لقد وفق “الدويري” في أن يخلق لنفسه رؤية فنية خاصة به قدم من خلالها شخصيات درامية مجسدة من صنعه لتعيش أحداث وأزمات يقتصها من الواقع مصيغا إياها داخل البناء الدرامي الخاص به، والذي يتسم باستلهامه للطقوس والفنون الشعبية الموروثة، وبالتالي فقد أصبح أحد أهم كتاب فترة الثمانينيات في المسرح المصري بفضل ثقافته الموسوعية المتنوعة وإطلاعه على كثير من التجارب المسرحية العربية والعالمية، وحرص في كل كتاباته على المحافظة على النهج التراثي، فتميز إنتاجه المسرحي بتنوعه وأيضا بارتباطه واتسامه بعدة ملامح مسرحية أساسية. ويمكن من خلال رصد ودراسة مجموعة أعماله تحديد بعض السمات المشتركة بينها كما يلي:
- تأثره بالتراث الشعبي بجذوره الفرعونية والقبطية والعربية، ودراسته العميقة للتراث الشعبي بحكاياته وشخوصه الراسخة في وجداننا، وللتراث الأسطوري بشعائره ورموزه الخصبة.
- نجاحه في توظيف عدد كبير من الأساطير والملاحم الشعبية وبعض مظاهر الفولكلور الشعبي بنصوصه، وتوظيفه المتقن للطقوس الإحتفالية المتوارثة وخاصة في مناسبات: الزفاف، الميلاد، السبوع، الطهور، الجنازات، والإحتفالات الشعبية كالموالد، والزار، كما يتضح مدى انجذابه لأجواء التنجيم والسحر.
- توظيفه لبعض الأساطير كأسطورة إيزيس وأوزوريس في كل من نص: قطة بسبع ترواح، ولادة متعسرة في الأرحام، وأيضا استلهامه لشخصية “سندباد البحري” من ألف ليلة وليلة وتوظيفه في: سندباد قضائي، حالة غثيان، متعلق من عرقوبه.
- إعجابه وتأثره ببعض روائع المسرح العالمي وخاصة بعض المسرحيات الإغريقية والشكسبيرية، كما يتضح من خلال أعماله مدى إعجابه وعشقه للفلسفة وعلم النفس.
- اهتمامه الكبير الواعي بأبعاد الواقع المعاصر بمشاكله الحياتية اليومية، وحرصه على تقديم أفكار تقدمية تحمل أهدافا تنويريا ذات توجه نقدي سياسي واجتماعي
- حرصه على التنظير لأعماله بكتابة بعض المقدمات لمعظم إبداعاته لمسرحية، خاصة وأنه يمتلك قلما نقديا متميزا قادرا على التحليل والتنظير. ويجب الإشارة في هذا الصدد إلى دراسته المهمة التي قدمها بعنوان: “وشهد شاهد من أهلها”، والتي تناول من خلالها بعض الأحداث السياسية الهامة التي عاصرها، مع توضيح إسهاماته المسرحية المرتبطة بتلك الأحداث.
هذا ويمكن تصنيف تجربته الإبداعية في مجال الفنون المسرحية طبقا لطبيعة الإبداع كما يلي:
1 - بمجال التأليف:
أولا - نصوص قدمت بمسارح الأقاليم:
- كفر التنهدات: فرقة بنها (1971)، الحجر الداير: فرقة الفيوم (1972)، كفر التنهدات: فرقة سوهاج (1975)، اللغز: فرقة المحلة (1978)، قطة بسبع ترواح: فرقة الفيوم (1980)، قطة بسبع ترواح: فرقة أسيوط (1982)، نادي النفوس الضائعة: فرقة بور فؤاد (1983)، الحجر الداير: فرقة كفر الشيخ (1984)، الفهلوان: فرقة الريحاني (1985)، الواغش: فرقة بور سعيد (1985)، الكل في واحد : فرقة زفتى (1986)، الكل في واحد: فرقة زفتى (1986)، أحكم يا جناب القاضي: فرقة المنيا (1989)، قطة بسبع ترواح: فرقة أسيوط (1993)، قطة بسبع ترواح: فرقة الإسماعيلية (1993)، قطة بسبع ترواح: فرقة كفر شكر (1996)، الواغش: فرقة مغاغة (1997)، قطة بسبع ترواح: فرقة الطور (1997)، كفر التنهدات: فرقة أبنوب (1998)، قطة بسبع ترواح: فرقة حسن فتحي (1998)، قطة بسبع ترواح: فرقة الأقصر (1998)، كفر التنهدات: فرقة بيت سيدي سالم (1998)، قطة بسبع ترواح: فرقة بيت الشيخ زويد (1998)، كفر التنهدات: فرقة بيت قوص (1999)، خيول النيل: فرقة بور سعيد (1999)، التحقيق: فرقة أبو حماد (2000)،
الواغش: فرقة فاقوس (2001)، المحقق الذي فقد عقله: فرقة البحيرة (2001)، الواغش: فرقة القنطرة شرق (2001)، المحقق الذي فقد عقله: فرقة أبو تيج (2001)، قطة بسبع ترواح: فرقة دندرة (2002)، خيول النيل: فرقة الأقصر (2002)، كفر التنهدات: فرقة ملوي (2003)، كفر التنهدات: فرقة أخميم (2003)، كفر التنهدات: فرقة سرس الليان (2004).
وقد شارك في إخراج تلك المسرحيات نخبة من أفضل مخرجي مسارح الأقاليم ومن بينهم الأساتذة: رؤوف الأسيوطي، رأفت الدويري، حمدي الوزير، حسني بشارة، إميل شوقي، إبراهيم الدالي، رشدي إبراهيم، سيد فجل، سلامة حسن، عبد القادر مرسي، علي عبد الرحيم، مهدي الحسيني، محمد المصري، أبو الوفا القاضي، حمدي طلبة، عادل بركات، محمد بحيري، يسري السيد، أسامة عبد الرؤوف، الشاذلي فرح، علاء مطر، أشرف النوبي، علاء مطر، علاء وهدان، جمال مهران، محمد علي عبد اللطيف، مصطفى المغربي، رأفت ميخائيل، فاروق حمودة، خالد نجيب، هشام إبراهيم.
ثانيا - نصوص قدمت بمسارح الدولة:
- شكسبير في العتبة (شكسبير ملكا): إخراج فهمي الخولي، مسرح الطليعة (1976).
- ولادة متعسرة في الأرحام: إخراج رأفت الدويري، مسرح الطليعة (1982).
- ليه ليه ؟ (الواغش): إخراج عادل هاشم، مسرح الطليعة (1983).
- الثلاث ورقات (لاعب الثلاث ورقات): إخراج رأفت الدويري، مسرح الطليعة (1986).
- متعلق من عرقوبه: إخراج رأفت الدويري، مسرح الطليعة (1990).
- الفهلوان (بدائع الفهلوان في وقائع الأزمان): إخراج زوسر مرزوق، مسرح الغد (1996).
- الزفة الكدابة: إخراج محمد عمر، مسرح الغد (2000).
- سلقط في ملقط: إخراج إميل شوقي، مسرح الطليعة (2012).
ثالثا - نصوص لم تقدم على المسرح بعد:
- أحلام سلطانية: (رؤية مقام مسرحية) مجلة القاهرة العدد 95 (مايو 1989).
- خيول الخيال: (ثنائية مسرحية) الهيئة المصرية العامة للكتاب (2002).
- حالة غثيان: (مسرحية تجريبية بلا كلمات) الأعمال الكاملة ج3 (1999).
- سندباد فضائي: (مسرحية تجريبية) الأعمال الكاملة ج3 (1999).
- أوراق العمر تحترق: (المسر- يناريو الأول) التوحيدي غريب في وطنه، المجلس الأعلى للثقافة (2002).
- إحتفالية عاشوراء: (تضم نصين: إحتفالية عاشوراء محفل إخوان الصفا وحلان الوفا) الهيئة المصرية العامة للكتاب (2005).
- بين نارين: (سلسلة نصوص مسرحية) الهيئة العامة لقصور الثقافة (2006).
- حدث بالفعل: (أربع مسرحيات قصيرة) مجلة ضاد، إتحاد كتاب مصر (2006).
رابعا - إصدارات أخرى:
- مختارت من حكايات الشعوب: الهيئة المصرية العامة للكتاب (2002).
- مجموعة مقالات في الفنون الشعبية: مجلة “الفنون الشعبية”، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- مجموعة مقالات تنظيرية ونقد تطبيقي بمجلات: “الثقافة”، “القاهرة”، “المجلة”، المسرح”.
خامسا - المترجمات:
- الإخراج المسرحي: تأليف كونراد كارتر، سلسلة الف كتاب (1962)، ط2 الأعمال الكاملة - المجلد الثالث - الهيئة المصرية العامة للكتاب (1999).
- حرفية المسرح: تأليف “ا.ج.براد بيري” و”ر.ب.هوارد، مركز كتب الشرق الإوسط (1962)، ط2 الأعمال الكاملة - المجلد الثالث - الهيئة المصرية العامة للكتاب (1999).
- الصندوق الفضي: (مسرحية) تأليف جون جالزورثي (1963)، ط2 الأعمال الكاملة - المجلد الثالث - الهيئة المصرية العامة للكتاب (1999).
2 - بمجال الإخراج:
تتضمن قائمة المسرحيات التي قام بإخراجها المسرحيات التالية:
أولا- بمسارح الأقاليم:
- شرخ في جدار الخوف، في انتظار جودو (1969)، كفر التنهدات (1971)، حسان وكلمة الموال (1973)، طلع النهار (1974)، آه يا ليل يا قمر، جواب، الدورة، زوج طيب القلب (1975)، ربابة بلا أوتار (1976)، قطة بسبع ترواح، بدائع الفهلوان (1980)، يس وبهية (1982).
ثانيا - بمسارح الدولة:
- الغائب: تأليف جمال عبد المقصود، مسرح الجيب (1968).
- هنري الرابع: تأليف لويجي بيراندللو، مسرح الطليعة (1978).
- ولادة متعسرة: إخراج رأفت الدويري، مسرح الطليعة (1982).
- الثلاث ورقات: إخراج رأفت الدويري، مسرح الطليعة (1986).
- متعلق من عرقوبه: إخراج رأفت الدويري، مسرح الطليعة (1990).
- الطلسم: تأليف أمير سلامة، مركز الهناجر (1993).
- الناي السحري (أماديوس): تأليف بيتر شافر، مسرح الطليعة (1995).
- جويا والفاتنة: تأليف بايرو باييخو، مسرح الطليعة (1996).
التكريم والجوائز:
كان من المنطقي أن تتوج تلك المسيرة الفنية الثرية ببعض مظاهر التكريم ومن أهمها:
- حصوله على جائزة العرض الأول بمهرجان فرق الأقاليم عام 1973 (بمسرحية: حسان وكلمة الموال)، وكذلك جائزة العرض الأول بمهرجان فرق الأقاليم عام 1975 (بمسرحية: آه يا ليل يا قمر).
- فوزه بجائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1983 (عن مسرحية قطة بسبع ترواح).
- تكريمه بالمهرجان “الأول للمسرح الشعبي” الذي نظمته “الجمعية المصرية لهواة المسرح” في عام 1997.
- تكريمه بالدورة السادسة للمهرجان “القومي للمسرح المصري” عام 2012.
رحم الله رجل المسرح المبدع رأفت الدويري - الذي وإن كان قد رحل بجسده - سيبقى دائما في ذاكرتنا بمؤلفاته المسرحية المتميزة، والتي مازال يعاد تقديم عدد كبير منها عشرات المرات كل عام من خلال فرق الهواة المختلفة بالمدارس والجامعات والأقاليم وفرق الهواة المختلفة، فقد ترك لنا بالفعل مجموعة كبيرة من الإبداعات وأيضا من الدراسات والمترجمات، وقبل هذا وذاك ابنا موهوبا ومخرجا مسرحيا متميزا هو الفنان الصديق طارق الدويري، وشقيقته مهندسة الديكور المتميزة وخريجة المعهد العالي للفنون المسرحية نغم الدويري، ولا يسعني في النهاية إلا أن أتقدم لهما ولكل أفراد الأسرة بخالص العزاء وأن أشاطرهما الأحزان مع جميع زملائي بالجريدة.