على مسرح الشباب عادل رأفت: قصدت أن يشعر المتفرج بالملل أولا ونجحت في ذلك

 على مسرح الشباب عادل رأفت: قصدت أن يشعر المتفرج بالملل أولا ونجحت في ذلك

العدد 588 صدر بتاريخ 1ديسمبر2018

ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية، أقام المركز القومي للمسرح الأسبوع الماضي على مسرح ملك التابع لفرقة مسرح الشباب، ندوة نقدية للعرض المسرحي “مترو” تحت إشراف فارس عبد المنعم مدير عام المركز القومي للمسرح، تحدث فيها الناقدان أحمد خميس وهند سلامة بحضور المخرج عادل رأفت والناقدة صفاء البيلي والمخرجة منى أبو سديرة وأبطال العرض. وأدارها الباحث علي داود الذي قال: “مترو” إنتاج فرقة الشباب برئاسة المخرج عادل حسان افتتح أوائل نوفمبر، ويضم مجموعة من الشباب المتميزين، ويناقش قضية اجتماعية يتعرض لها الكثير من الشباب، يحاول المخرج عادل رأفت طرحها والإشارة إلى بعض الحلول التي تسكن داخل كل شخص ولكننا لا نراها بسبب ضغوط وزحمة الحياة.
أشاد الناقد أحمد خميس بالدور الذي يقوم به المركز القومي للمسرح وطالبهم بالاستمرار في هذا العمل والنظر أيضا إلى عروض الفرق المستقلة وعروض الجامعات والهواة، كما أشاد بمشروع «ابدأ حلمك» للمخرج عادل حسان مدير مسرح الشباب الذي يمنح الموهوبين الفرص الحقيقية لتحقيق أحلامهم من خلال ورش تدريب مجانية على يد مجموعة كبيرة من المتخصصين وتقديم نتاج هذه الورش على خشبة مسرح الدولة.
وعن العرض المسرحي قال: إننا بصدد عرض غير تقليدي يراوح بين الحلم والحقيقة بداية من المشهد الأول الذي يظهر فيه صوت المذيع الداخلي بمحطة المترو ليطالب الركاب بغلق المحمول، وهذا أمر لا يحدث في الحقيقة، مع استمرار هذا الصوت الذي ينوه دائما إلى قدوم القطار، ويطالب مَن على الرصيف بالابتعاد عن الحافة، ولا يوجد في واقع الأمر قطار من الأساس، مضيفا أن هذا الصوت الذي يقفز دائما بين المشهد والآخر إشارة إلى المتلقي بأنها مجرد حدوتة وغير مقصود بها شيء آخر.
أثنى خميس على بطلي العرض أحمد خالد وشريهان قطب، مؤكدا أنهما من الفنانين الذين ينتظرهم مستقبل فني كبير، مشيرا إلى أدائهما الذي وصفه بالرائع وكيفية استلامهما وتسليمهما لبعض المشاهد التي تحمل مشاعر وأخرى تعبر عن فقدان الثقة بالآخر.
تابع: أن المخرج استطاع بكل وعي ربط المتلقي بالأحداث من خلال بعض الإشارات وتسليم المشاهد بعضها البعض، مشيرا إلى الفنانين خالد الشرشابي وأحمد عمار اللذين استمرا جالسين دون حركة يقرآن الجرائد ما يقارب نصف العرض، يرتديان ملابس غريبة تشبه ملابس (المهرج) ثم يبدأ ظهورهما عقب الخلاف الذي نشب بين البطل والبطلة بسبب تذكرة مترو، وهي إشارة مهمة لتأكد للمتلقي فكرة أنه يشاهد عرضا غير تقليدي، رابطا ذلك بجملة بطل العرض أن هذا المكان «متاهة».
أضاف خميس أن المخرج استطاع أن يستخدم الكوميديا السوداء في هذين الشخصين بما يجعل المتلقي يضحك على المشهد الذي يحمل في مضمونه قضايا تمس المجتمع، مشيرا إلى بعض الكلمات المستخدمة مثل «أوعى تتكلم في السياسة». وغيرها من الكلمات التي جعلت بطل العرض في حيرة من هؤلاء الأشخاص الذين يحملون في جعبتهم حكما وإشارات استطاعت تغيير الأحداث وتطورها، مؤكدا أن هؤلاء الفنانين لديهم طاقة كوميدية هائلة.
وعن الصوت المتميز للمطربة سلمى، قال إنها تمتلك صوتًا من أجمل الأصوات الصاعدة التي سوف تحظى بمستقبل مبهر، معقبًا على نقطتين، الأولى: تداخل أحد المشاهد مع الأغاني بنفس مستوى الصوت، موضحا أنه كان يتمنى أن يتابع المشهد على حدة لأنه من المشاهد المهمة وأن يستمع إلى هذا الصوت الرائع دون وجود مشهد به حوار في ذات الوقت. والنقطة الثانية هي محدودية إمكانيات التقنيات المستخدمة في الصوت والإضاءة، مؤكدا أنه على الرغم من ذلك فقد كان مهندس الإضاءة أبو بكر الشريف قادرًا على الاستغلال الأمثل لهذه التقنيات، وإخراج صورة مبهرة للجميع خدمت العرض بشكل كبير، واصفا إياه بأنه من أهم مصممي الإضاءة في المسرح المصري خلال السنوات الأخيرة. تابع: إن الاستعراضات صممت بشكل احترافي ورائع من مصمم الاستعراضات حمد إبراهيم ونفذت بأداء متميز من الفنانين.
توقف أحمد خميس عند محطة مهمة من محطات “مترو”، وهي “الفنال”، موجها كلامه لمخرج العرض قائلا: لا بد أن يكون المخرج واثقا أنه قدم رسالة العرض وأنه أنهى العرض عند نقطة معينة، وما كان ينبغي أن تعيد المشهد الأول مرة أخرى بعد الوصول بالعرض لمحطته الأخيرة لأنه لا يضيف شيئا للمتلقي. لا بد أن تثق بأنك وصلت إلى هدف العرض، مشيرا إلى كاتب النص محمد فضل بأنه شخص يمتلك الكثير من الوعي والثقافة والذكاء، وقد قدم على الورق قضية بظاهرها وباطنها من خلال القضايا المطروحة، بينما استطاع مهندس الديكور أحمد مورو خلق حالة من الترابط بين المشاهدين والأحداث من خلال القضبان الموجودة في صالة العرض.
واتفقت الناقدة هند سلامة مع الناقد أحمد خميس وأضافت أن الديكور هو أكثر العناصر اللافتة للنظر بالنسبة لها وكان من العوامل الأساسية لنجاح العرض، ليس فقط لأنه كان قادرا على ربط المتلقي بالأحداث، بل لأنه كان قادرا أيضا على خلق حالة من الحنين للمشاعر الجميلة والحب والتوتر والخوف من خلال جدرانه القديمة التي تشير إلى الماضي. أضافت أنها شعرت بأنها في محطة قطار للسفر قادر على تغيير حياتنا من حياة إلى حياة أخرى وليس مجرد محطة مترو.
وفي السياق ذاته، أشادت بكل أبطال العرض وصناعه سواء ديكور أو إضاءة أو أداء تمثيلي ساهم في نجاح وتماسك العرض بعيدا عن القضية التقليدية التي قد تكون طرحت في عروض كثيرة من قبل. وعن أغنية “الفنال” قالت إنها من الأشياء الجذابة بالعرض التي تصل سريعا إلى المشاعر والأحاسيس.
توقفت سلامة أيضا عند مشهد الختام الذي أثار دهشتها موجهة سؤالها للمخرج عادل رأفت عن إعادة المشهد الأول مرة أخرى بعد أن شعر الجميع بالوصول لنقطة النهاية؟
مخرج العرض عادل رأفت قال إن الفكرة بدأت بكتاب “الإنسان ومشكلاته المعاصرة” للدكتور حسن يوسف عندما قرأه وهو طالب في قسم دراما ونقد، وكانت تدور فكرته حول مفهوم العزلة الداخلية والخارجية، مضيفا أن فكرة العبث قائمة دائما على العزلة وعدم التواصل. تابع: حاولت توصيل هذه الفكرة بشكل بسيط لتصل بسهولة للجمهور المصري ليستوعبها ويتفاعل معها وكان هذا هو الرهان الحقيقي.
أما عن النقاط التي تخص إصابة البعض بالملل في بداية العرض، أكد أنه بدأ العرض برباعية واضحة وهي “أن الملل مخلوق يحب الانتظار” فكان مقصودا أن يرى المتلقي أن الانتظار لا بد أن يتبعه ملل ومن خلال هذا الملل قدرت أكشف هذا الإنسان من داخله. وعن أداء الفنانين المتميز قال إنه قام بعمل ورشة كاملة شبه يومية على مدار ثلاث سنوات للتمثيل والتدريب على الرقص والغناء.
وأكد رأفت أن المخرج إذا كان هو صاحب الفكرة فإن ذلك يحرك الجانب الإبداعي لدى أي شخص أراد أن يفعل شيئا على خشبة المسرح.
ومن مداخلات ضيوف الندوة وجهت الناقدة صفاء البيلي الشكر لمخرج العرض عادل رأفت على هذا العمل الذي ترى أنه يمثل استراتيجية مسرح الشباب من طرح قضاياهم ومشكلاتهم من خلال ممثلين شباب. أضافت أن العرض يمثل الحياة وأن محطة المترو هي محطة من محطات الحياة، مشيرة إلى متاهة الحياة التي نعيشها متمثلة في بعض الإشارات مثل الساعة التي لم تتحرك عقاربها والتماثيل الثابتة بابتسامة صفراء ولوحات كلاسيكية مبهمة. وأن أبواب المترو خروج فقط ليس بها باب للدخول وغيرها من الإشارات.
أشادت البيلي بالديكور ووصفته بأنه واقعي وأن الإضاءة كان لها دور كبير في كل مشهد بالإضافة إلى الملابس التي كانت تعبر عن كل شخصية، مشيدة ببطلة العرض والمطربة سلمى، معربة في نهاية كلمتها عن سعادتها بهؤلاء الشباب.
فارس عبد المنعم مدير المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، قال إن المركز يقوم بتوثيق كل العروض التي تقدم على خشبات مسارح البيت الفني للمسرح. وعن المسرح المستقل أو مسرح الجامعة، قال إن المركز يحاول دائما معالجة كل أوجه القصور في هذه النقطة تحديدا، مؤكدا أن المركز لا يتأخر نهائيا في تلبية أي دعوة من السادة القائمين على المسرح المستقل أو الجامعي أو أي نشاط مسرحي داخل مصر.
تابع: وإذا وجهت لنا دعوة في أي محافظة خارج القاهرة لا نتأخر لحظة. على الرغم من محدودية الإمكانيات إلا أن المركز لديه فريق عمل على أتم الاستعداد لتوثيق كافة العروض في كل أنحاء الجمهورية ليستفيد منها القائمون على العمل ذاته والطلبة والخريجون والباحثون.
وعن «مترو»، قال إن العرض أصابني بحالة من الملل في البداية إلا أن المخرج كان قادرا على أن يأخذنا داخل الحكاية رويدا رويدا، وقد أبدى إعجابه بكل أبطال العمل، وأشار إلى الفنانين اللذين ظلا صامتين فترة طويلة وهما خالد شرشابي ومحمد عمار، مؤكدا أنهما أحدثا حالة من الكوميديا فور ظهورهما، مشيرا أيضا إلى المطربة سلمى مطربة كبيرة.
تدور أحداث العرض حول زحمة الأفكار داخل الإنسان وكثرة الهموم التي تتجسد في شخصية يحيى بطل العرض التي يسترجع حياته الماضية وهو ينتظر المترو القادم المعطل لأسباب فنية.
“مترو” من تأليف محمد فضل، بطولة أحمد خالد، شريهان قطب، خالد شرشابي، أحمد عمار، سلمى عصام، مصطفى رضا، أشعار ضياء الرحمن، إعداد موسيقي محمد خالد، تدريب صوت مصطفى سامي، تصميم استعراضات حمد إبراهيم، ديكور أحمد مورو، إضاءة أبو بكر الشريف، ملابس شاهندا أحمد، العرض فكرة وإخراج عادل رأفت.
 

 


محمود عبد العزيز