العدد 586 صدر بتاريخ 19نوفمبر2018
ولدت الفنانة القديرة إحسان شريف في 15 مايو عام 1916، وتخرجت من مدرسة «حلوان الثانوية للبنات» التي شهدت بداية حبها للتمثيل وتعلقها به والنبوغ فيه، حيث كانت بدايتها في ثلاثينات القرن الماضي من خلال مشاركاتها ببعض فرق الهواة، وقد بدأت بعد ذلك مشوارها الفنى في الاحتراف بتمثيل بعض الأدوار الصغيرة مع عدة فرق مسرحية ومن بينها فرق: «نجيب الريحاني» و«علي الكسار» وغيرهما، ثم تنقلت بين أكثر من فرقة طوال فترة الثلاثينات، حتى نجحت في الانضمام إلى «الفرقة القومية» وذلك بفضل مساندة الرائد زكي طليمات الذي اقتنع بموهبتها (والذي تزوجته بعد ذلك).
ويجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن الفنانة إحسان شريف باحترافها الفن خلال فترة ثلاثينات القرن الماضي تعد من الرائدات في مجال التمثيل النسائي بمصر، فهي من أوائل الممثلات المصريات اللاتي عملن بالفن المصري خلال النصف الأول من القرن العشرين (والمقصود بالتحديد المسرح بوصفه القناة الفنية الوحيدة قبل ظهور السينما والإذاعة والدراما التلفزيونية)، ربما لم يسبقها في ذلك سوى كل من لطيفة عبد الله، ومنيرة المهدية، وزينب صدقي، دولت أبيض، وفاطمة رشدي وشقيقتيها رتيبة وأنصاف، زكية إبراهيم، أمينة رزق، فردوس حسن، عقيلة راتب، زوزو حمدي الحكيم، حيث اقتصرت البطولات النسائية خلال نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على مشاركات مجموعة من الفنانات الشوام (من بينهن: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، وردة ميلان، ماري صوفان، أبريز استاتي، ألمظ استاتي، صالحة قاصين، فاطمة اليوسف، بديعة مصابني، ماري منيب، ثريا فخري)، أو مجموعة من المصريات اليهوديات (ومن بينهن: ميليا ديان، أديل ليفي، استر شطاح، نظلة مزراحي، سرينا إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا كوهين، فيكتوريا موسى).
وكان من الطبيعي بعد نجاحها في إثبات موهبتها بالعروض المسرحية وصقلها بالخبرة انتقالها إلى عالم السينما عام 1944 بفيلم “ابنتي”، واستمرت في أداء بعض الأدوار الصغيرة في مجموعة من الأفلام حتى شاركت في فيلم «هدية» عام 1947 مع محمود ذو الفقار، ثم انقطعت فترة عن التمثيل بالسينما لمدة تقترب من ست سنوات، وبعد فترة التوقف عادت الفنانة إحسان شريف مرة أخرى للعمل بالسينما من خلال فيلم «بين قلبين» مع شادية وكمال الشناوي.
وجدير بالذكر أن الفنانة إحسان شريف نجحت في تجسيد عدة أدوار متميزة بالسينما من بينها شخصية الحماة الصامتة التي تمصمص شفاهها بصفة دائمة كعلامة للاعتراض والامتعاض في فيلم «أم العروسة»، وكذلك شخصية السيدة الصعيدية في فيلم «البوسطجي». وبخلاف أدوارها السابقة تميزت بتجسيدها لشخصية العانس شقيقة جدو عزيز في فيلم «أين عمري؟» عام 1957، والذي جسدت خلاله شخصية أخت الباشا العانس مع ماجدة وزكى رستم، كما قدمت دورا آخر أكثر قوة في «أرض السلام» بوصفها امرأة فلسطينية مقاومة مع فاتن حمامة وعمر الشريف.
هذا وتضم قائمة أعماله السينمائية عدة أدوارا مهمة أخرى ببعض الأفلام التي تعد من أفضل علامات السينما المصرية، فنذكر لها شخصية راهبة الكنيسة في «الناصر صلاح الدين»، وشخصية داية القرية الثرثارة التي تنقل الأخبار بفيلم «البوسطجى»، وشخصية الأم في «أنف وثلاث عيون» و«الرصاصة لا تزال في جيبى»، فضلا عن تجسيدها لشخصية والدة الفنان أحمد زكي بفيلم «النمر الأسود»، ووالدة زينات (مها عطية) في فيلم «خرج ولم يعد» بطولة يحيى الفخراني.
والحقيقة أن المخرج السينمائي القدير فطين عبد الوهاب استطاع - بعد نجاحها وتميزها في تجسيد عدة أدوار ثانوية سواء علي خشبة المسرح وشاشة السينما - أن يكشف النقاب عن مواهب كوميدية كبيرة لدي الفنانة إحسان شريف، وذلك عندما أسند إليها عام 1960 دور «بهيجة هانم بنت سلطح باشا» الثرية الأرستقراطية ذات النفخة الكدابة زوجة يوسف وهبي ووالدة سعاد حسني في فيلم «إشاعة حب»، وقد شاركهما البطولة كل من الفنانين: وعمر الشريف وعبد المنعم إبراهيم، فنجح في إعادة تقديمها هي وجميع طاقم الفيلم الذين حولهم من نجوم دراما إلى نجوم كوميديا من الطراز الأول وهو تحد نجح فيه بجدارة، وظهرت إحسان مع زملائها بطابع فني جديد، وأدت دور يعد من أفضل وأشهر أدوارها السينمائية وما زال الجمهور يتذكره حتى الآن.
ويذكر أن الفنانة إحسان شريف شاركت في ثلاثة أفلام تتحدث عن فلسطين أولها عام 1957 في فيلم «أرض السلام» بطولة فاتن حمامة (سلمى)، وعمر الشريف (أحمد)، ولعبت فيه «إحسان» دور”رقية” خالة سلمى، والفيلم الثاني هو فيلم «الناصر صلاح الدين» بطولة أحمد مظهر، ولعبت فيه «إحسان» دور «راعية الكنيسة»، فبعد أن حرر “صلاح الدين الأيوبي” مدينة القدس طلبت منه «راعية الكنيسة» أن يحرر ابنتها من يد الجنود، أما الفيلم الثالث فهو «الرصاصة لا تزال في جيببي»، بطولة محمود يس (محمد) ونجوى إبراهيم (فاطمة)، الذي جسدت فيه شخصية «إحسان» والدة الضابط محمد الذي عاد من حرب 1967.
ويجب التنويه إلى أن مشاركات الفنانة القديرة إحسان شريف لم تقتصر على كل من مجالي المسرح والسينما فقط بل ساهمت أيضا في إثراء الأعمال الإذاعية والتلفزيونية بمشاركتها في عدد كبير من المسلسلات والتمثيليات والسهرات الدرامية، فقدمت على سبيل المثال للتلفزيون عدة أعمال مميزة من بينها: «أبناء العطش»، «ميراث الغضب»، «العنكبوت»، «اللسان المر»، «الدوامة» وغيرها.
ويتضح مما سبق أن مجموعة أدوارها قد تنوعت بصفة عامة بين الميلودراما والكوميديا وأيضا بين أدوار المرأة الأرستقراطية والمرأة الشعبية.
تزوجت الفنانة إحسان شريف من أستاذها الرائد المسرحي الكبير زكي طليمات، وانفصلت عنه في أوائل الخمسينات (وكان قد سبق له الزواج والانفصال من زوجته الأولى الفنانة القديرة روز اليوسف خلال عشرينات القرن الماضي). وقد رحلت عن عالمنا بعد رحلة فنية ثرية في 8 سبتمبر عام 1985.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لإختلاف القنوات المختلفة (مسرح، سينما، إذاعة، تلفزيون) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا: الأعمال المسرحية
ظل المسرح هو المجال المحبب للفنانة إحسان شريف، فهو المجال الذي تفجرت هوايتها لفن التمثيل به، كما أثبتت وأكدت موهبتها من خلاله بعدما تعلمت أصول التمثيل بفضل نخبة من أخلص أساتذته (في مقدمتهم الأساتذة زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي). ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها المسرحية طبقا للتتابع التاريخي مع مراعاة إختلاف الفرق المسرحية وطبيعة الإنتاج كما يلي:
1 - «المسرح القومي»: الوطن (1942)، أدم وحوا، شارع عماد الدين، متلوف (1943)، شارع البهلوان (1945)، حواء الخالدة، عفاريت المرحومين، الموت يأخذ أجازة، أول بختي، حسن الشحات، مشغول بغيري (1946)، صلاح الدين ومملكة أورشليم، عفريت مراتي، الحالة ج، الناصر، الشرف الياباني (1947)، حب موديل 48 (1948)، اليوم خمر، اللص (1949)، شقة للإيجار (1950)، بنات الهوى، الذهب (1951)، السر الهائل، عيلة مجانين (1952)، أولاد الفقراء (1954)، خفايا القاهرة، سكان العمارة، شجرة الدر، حواء (1955)، تحت الرماد، ملك القطن (1956)، الوارثة (1957)، سيأتي الوقت، ثورة الموتى، الشيخ متلوف، الناس إللي فوق (1958)، الست هدى، بداية ونهاية (1959)، أفراح الأنجال، شقة للإيجار (1960)، الموت يأخذ أجازة (1961)، القضية، بيت برنارد ألبا، دكتور كنوك (1962)، سليمان الحلبي (1965)، ثلاث ليالي - الليلة السوداء (1966)، أقوى من الزمن (1974)، رابعة العدوية (1980)،
2 - مسرح الحكيم: آه يا ليل يا قمر (1967)، البيانو (1969).
3 - الطليعة: يا عنتر (1977).
وذلك بخلاف بعض المسرحيات التي تم إنتاجها للتصوير التلفزيوني ومن بينها: القصة المزدوجة للدكتور بالمي، روفيدة أول طبيبة في الإسلام.
وجدير بالذكر أنها ومن خلال مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها قد تعاونت مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، سراج منير، نور الدمرداش، سعيد أبو بكر، كمال يس، كمال حسين، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، سمير العصفوري.
ثانيا: أعمالها السينمائية
شاركت الفنانة إحسان شريف في إثراء مسيرة الفن المصري ببطولة ما يزيد عن خمسة وخمسين فيلما خلال ما يقرب من أربعين عاما، حيث كانت أولى مشاركتها بفيلم «إبنتي» عام 1944 من إخراج نيازي مصطفى، في حين كانت آخر أفلامها فيلم «شهد الملكة» عام 1985 من إخراج حسام الدين مصطفى.
هذا وتضم قائمة مشاركاتها السينمائية بخلاف فيلمي: الابن، انتقام المهراجا الأفلام التالية: ابنتي (1944)، هدية (1947)، بين قلبين (1953)، الغريب، أين عمري؟ (1956)، الطريق المسدود، عشاق الليل، أرض السلام (1957)، نور الليل (1959)، إشاعة حب، المراهقات، عنتر يغزو الصحراء، بهية (1960)، الضوء الخافت، الخرساء، السبع بنات، أعز الحبايب، بلا عودة (1961)، سلوى في مهب الريح، عريس لأختي (1962)، الناصر صلاح الدين، أم العروسة (1963)، حكاية نصف الليل، بنت عنتر، المارد (1964)، تنابلة السلطان (1965)، 3 لصوص، سارق عمته، شيء في حياتي (1966)، السمان والخريف، الدخيل (1967)، ثلاث قصص، البوسطجي (1968)، أبي فوق الشجرة (1969)، أنف وثلاث عيون، كباريه الحياة (1972)، ذات الوجهين، زائر الفجر، شلة المراهقين، العنيد، أبناء للبيع (1973)، الحفيد، الرصاصة لا تزال في جيبي (1974)، لعنة امرأة، لا تتركني وحدي، زائر الفجر (1975)، لا وقت للدموع (1976)، هكذا الأيام، دعاء المظلومين (1977)، لست شيطانا ولا ملاكا (1978)، الأخرس، كم أنت حزين أيها الحب، الدرب الأحمر (1980)، وضاع حبي هناك (1982)، خرج ولم يعد، النمر الأسود (1984)، شهد الملكة (1985).
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار مخرجي ورواد السينما العربية وفي مقدمتهم الأساتذة: يوسف وهبي، نيازي مصطفى، محمد عبد الجواد، السيد بدير، كمال عطية، هنري بركات، صلاح أبو سيف، يوسف شاهين، محمود ذو الفقار، فطين عبد الوهاب، حسن الإمام، يوسف معلوف، ريمون نصور، رمسيس نجيب، حسن الصيفي، كمال الشيخ، أحمد ضياء الدين، عاطف سالم، حسام الدين مصطفى، حسين كمال، محمود فريد، كمال الشناوي، نور الدمرداش، نادر جلال، علي عبد الخالق، محمد خان، ممدوح شكري، أحمد السبعاوي، عبد الفتاح مدبولي، عبد المنعم شكري.
ثالثا: إسهاماتها الإذاعية
يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذه الفنانة القديرة والتي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من الأعمال الدرامية على مدار مايقرب من نصف قرن، وذلك لأننا نفتقد للأسف الشديد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وتضم قائمة أعمالها الإذاعية مجموعة كبيرة من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية ومن بينها: مدرسة الفضائح، عندما تغيب الشمس، ورود وأشواك، نص دستة عيال، بعد كل هذه السنين، الحب الضائع، جونسون لم يكن جنتلمان، ثومة، دقات القلب الجريح، الأستاذ أبو المكارم، لست شيطانا ولا ملاكا، قاهر الظلام، لوكاندة النوم، شخصيات تبحث عن مؤلف.
رابعا: أعمالها التلفزيونية
عاصرت الفنانة القديرة إحسان شريف بدايات البث التلفزيوني وبداية إنتاجه الفني مع بدايات ستينات القرن الماضي، وبالتالي فقد تحملت مشقة مرحلة التأسيس والبدايات، حيث كانت الصعوبة التي تواجه جميع العاملين خلال فترة البدايات هي ضرورة تصوير الحلقة كاملة دون توقف - لعدم وجود إمكانية لعمل «المونتاج» - وبالتالي فقد كانت واحدة من جيل الممثلات والممثلين المسرحيين الذين أثروا العمل التلفزيوني بقدرتهم على الحفظ وأيضا بتفهمهم لطبيعة التصوير ومراعاة زوايا الكاميرا المختلفة. هذا وتضم قائمة إسهاماتها الإبداعية بخلاف مشاركتها في مسلسلي الليل والبراري، واشهد يا زمن مشاركتها في أداء بعض الأدوار الرئيسة بعدد من المسلسلات والتمثيليات التلفزيونية المهمة ومن بينها: العابثة (1962)، عروس اليمامة (1964)، بيار القمح (1967)، الدندورمة - لوحة غنائية (1969)، الفراشة (1971)، الدوامة، العنكبوت (1973)، الحواجز الزجاجية (1974)، اللسان المر، البوسطجي (1976)، فارس الأحلام (1979)، ميراث الغضب (1981)، أبناء العطش، الرجل والحصان (1982).
وذلك بالإضافة إلى مشاركاتها بالتمثيل ببعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومن بينها: المعذبون في الأرض.
رحم الله هذه الفنانة القديرة الذي نجحت في ترك بصمة فنية خاصة بها في زمن النهضة المسرحية والفن الجميل وسط كوكبة من كبار النجوم، واستطاعت أن تثبت وبصورة عملية من خلال جميع مشاركاتها بأنه ليس هناك دور صغير ودور كبير بل هناك فقط ممثل ضعيف محدود القدرات أو ممثل قدير يستطيع من خلال جميع أدواره وحتى الأدوار الصغيرة جدا أن يثبت موهبته ويؤكد حضوره، كما أثبتت ذلك بجميع أدوارها حتى ولو شاركت بأدائها الصامت ببعض المشاهد، ويحسب لها خلال مسيرتها الفنية مهاراتها في التمثيل باللغة العربية الفصحي بنفس إجادة أدائها باللغة العامية، وكذلك مهاراتها في أداء الأدوار الكوميدية بنفس مستوى إجادة أدائها للأدوار الميلودرامية، وذلك بخلاف قدراتها الرائعة على التعبير الصامت بالاعتماد على لغة العيون وحركات الشفايف والإيماءات (لغة الجسد) مع القدرة على الانتقال من حالة شعورية لأخرى بمنتهى البساطة والسلاسة دون أي افتعال أو تكلف. ويكفي أن نذكر لها نجاحها في الوقوف على خشبة المسرح ومشاركة كبار النجوم بأداء مجموعة من الأدوار المركبة المهمة في عدد كبير من المسرحيات العالمية والمحلية، وأيضا نجاحها في اكتسابها للخبرات بصفة دائمة وتطوير أسلوب أدائها خلال مسيرتها الفنية، والتخلص من مدرسة الأداء المسرحي الكلاسيكي للانتقال إلى مدرسة الأداء الطبيعي التلقائي الذي يتناسب مع لغة العصر وتكنيك العمل بالأفلام السينمائية.