مروح ع فلسطين طريق النضال يبدأ من فوق خشبة المسرح

مروح ع فلسطين طريق النضال يبدأ من فوق خشبة المسرح

العدد 580 صدر بتاريخ 8أكتوبر2018

بعض القضايا لا تذبل مهما طال الزمان وبعض المواد الفنية تظل حية متجددة مهما تم تناولها عبر الوسائط الفنية المختلفة.. يستعيد المتفرج تلك الفكرة وهو يتابع على مسرح متروبول في وسط المدينة عرض “مروح ع فلسطين” الذي قدم ضمن فعاليات المهرجان التجريبي الدولي الذي شهدت فعالياته مسارح القاهرة، وذلك تحت عنوان العرض الذي يشير للقضية المركزية في الوعي العربي فلسطين.
من الطبيعي أن نستشف أن العرض سوف يتناول القضية الفلسطينية، ولكن مع بداية العرض نرى أن تلك الرؤية المسبقة تعكس الحقيقة ولكن بشكلها السطحي جدا فدائما للحقائق وجوه مختلفة وأغوار عميقة، وعلى عكس المتوقع لا يبدأ العرض داخل فلسطين ولكن يبدأ داخل أمريكا حيث يصل مولود جديد لأسرة عربية تعيش بأمريكا حيث تقرر تلك الأسرة تسمية المولود باسم عربي وهو «جاد» ليجدوا استهجانا من الجميع حيث إنه ليس بالاسم المعروف داخل الثقافة الأمريكية لنجد أنفسنا أمام التناقض الأمريكي، فالثقافة الأمريكية دائما ما ادعت أنها البوتقة التي تساع الجميع على عكس الحقيقة فعلى الرغم من أن الثقافة الأمريكية متنوعة بسبب اختلاف الأعراق التي تعيش داخل حدود الدولة الأمريكية، فإنها تظل مستهجنة للاختلاف بشكل كبير وخصوصا إذا كانت هذه الثقافة هي ثقافة عربية، ونرى هذا الاستهجان واضحا مع أول مشاهد العرض مع ولادة «جاد» الذي يستهجن الجميع اسمه الغريب على ثقافتهم ويحاولون مناداته بجاك وإقناع والدته بتسميته جاك بدلا من جاد، ومن خلال تلك التفصيلة البسيطة نرى محاولة طمس الهوية العربية واستبدالها بالهوية الغربية أو الأمريكية، ثم من خلال أحداث المسرحية نرى «جاد»، الذي صممت والدته على الاحتفاظ بهويته من خلال اسمه العربي، يكبر وتبدأ الهوية الغربية من تملكه حتى إنه يرفض مناداته بجاد ويستبدلها بجاك ويتماهى داخل الثقافة الأمريكية الغربية حتى يقع تحت يده بالصدفة كتاب للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني فيبدأ بقراءته، ومن هنا تبدأ الأحداث في أخذ منحنى آخر حيث يحن الفتى الشاب لأرض الأجداد ويقرر الذهاب لإلقاء نظرة على هذا العالم الجديد الذي لا يعرف عنه شيئا سوى من خلال نشرات الأخبار، ومن هنا نبدأ منحنى جديدا داخل العرض حيث نرى الواقع الفلسطيني أمامنا بأعين جاد القادم من ثقافة مختلفة يحمل داخل طيات عقله الشكل الرومانسي عن فلسطين المحتلة الذي أخذه من كتابات غسان كنفاني، ويبدأ جاد في اكتشاف اختلاف الواقع عن الصورة الذي تخيلها منذ وصوله إلى تل أبيب لنرى أمامنا الواقع الأليم الذي يعيشه الفلسطينيون أصحاب الأرض الأصليون كمنبوذين داخل أراضيهم، فتل أبيب العاصمة للكيان الصهيوني لا تعامل العربي أو الفلسطيني بشكل خاص كصاحب للأرض، إنما كضيف غير مرحب به على هذه الأرض، وتمتد رحلة «جاد» داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة لنذهب معه في رحلة إلى المخيمات داخل فلسطين لنرى أن المجتمع الفلسطيني نفسه يعاني أيضا من عدة سلبيات يراها جاد بأعين الغريب المكتشف لأول مرة فنرى الاستغلال للسائح الأجنبي محاولة استنزافه ماديا وحتى تفضيل الأجنبي على ابن نفس جنسيته، ومن هنا يخلق لنا العرض إطارا نرى من خلاله سلبيات مجتمعاتنا العربية أيضا حيث إن تلك العيوب والمشكلات لا تقتصر على المجتمع الفلسطيني فقط، بل تمتد لتشمل الكثير من المجتمعات العربية، ثم يبدأ الممثلون في تجسيد المشكلات والمآسي التي يتعرض لها بسبب الاحتلال وما يفرصه الاحتلال من ظروف اقتصادية، فنرى الحياة داخل المخيم، نرى صعوبة الزواج بسبب الظروف الاقتصادية، نرى صعوبة الانتقال داخل الأراضي الفلسطينية وصعوبة الانتقال من الضفة الغربية إلى غزة، نرى المأساة اليومية للشعب الفلسطيني حتى ينتهي العرض في لحظة ملحمية على استشهاد شاب فلسيطيني وهو يقاوم الاحتلال الصهيوني ليراه جاد ويتوحد مع تلك الحالة النضالية التي تغلف جميع أهل فلسطين المحتلة ليتحول من جاك الأمريكي المكتشف إلى جاد الفلسطيني المناضل، ويرفض الرجوع لأمريكا مرة أخرى ويقرر البقاء داخل فلسطين المحتلة رغم اختلاف المعيشة ورغم اختلاف الثقافة والحالة الاقتصادية.
بني العرض على قصص حقيقية مستوحاة من حياة أهل فلسطين، ورغم الظروف الاقتصادية التي أتى من خلالها العرض، فإنه استطاع أن يتميز بشكل كبير حيث إنه احتفظ بالطابع التراثي الفلسطيني الذي لا يمكن أن تفصل الجانب النضالي السياسي عنه ولكنه أيضا لم يركز على هذا الجانب فقط، ولكن أخذنا في جولة طويلة داخل المجتمع الفلسطيني ككل ومن ثم نستطيع أن نرى بوضوح تفرد العرض واختلافه.
اعتمد العرض على الموسيقى الحية التي تعزف على المسرح بشكل مباشر وقد بدأ العازفون في عزف موسيقاهم قبل بداية العرض لإدخال الجمهور داخل حالة العرض لم يعتمد العرض على أثاثات في الديكور بل إنه لم يعتمد على ديكور من الأساس، واكتفى باستخدام أجساد الممثلين كديكور للعرض، جاءت الملابس سوداء متوحدة مع خلفية المسرح يرتديها جميع الممثلين لأداء الكثير من الشخصيات مشهدا تلو الآخر، وعلى الرغم من اعتماد العرض على إمكانيات ضعيفة فإنه استطاع إظهار تميزه واختلافه من خلال أداء الممثلين والحبكة المختلفة المتميزة، فقد شهد مسرح متروبول عرضا لا يتكرر كثيرا.


هالة راضي