العدد 577 صدر بتاريخ 17سبتمبر2018
ذو إرادة قوية ومتجددة، طبيب الكلمة، قدمها شعرا ونثرا ومسرحا، مستشعرا الهوية المصرية ساعيا لاستعادتها بعرضه «ستديو» الذي قدمه مؤخرا ضمن دورة المهرجان القومي الأخير مؤلفا ومخرجا وممثلا. ليتوج عنه بجائزة أفضل مؤلف مسرحي صاعد، بعد أن نال عن نفس العرض «ستديو» جائزة أفضل عرض مسرحي ومركز أول في التأليف وأفضل سينوجرافيا في دورة نوادي المسرح الأخيرة. التقينا به لتهنئته بالجائزة ونتحدث معه حول المسرح وهمومه.
- حدثنا عن بدايتك مع الكتابة والتأليف المسرحي؟
لم أبدأ رحلتي مع الكتابة عبر بوابة المسرح، كان الشعر هو الأقرب لقلبي، وكانت أشعاري تموج بالحكايات، والتقط زميلي هيثم الشرابي في نادي أدب الجامعة بالمنوفية الخط الدرامي الواضح في شعري، وفتح عيني على عالم القصة القصيرة، ووجدت فيه متنفسا دراميا لا بأس به، وبدأت ملامح كتابتي تتضح في النقلات السريعة الخاطفة، واختصار الزمان والمكان الزائد عن الحاجة، والكتابة القاسية (الكتابة بالحذف) كما يحلو للبعض تسميتها، ورغم الإشادة التي حظيت بها من زملائي وأساتذتي في كتابة القصة القصيرة، فإنني كنت أشعر دائما أن هناك حلقة مفقودة، فأنا لا أصل للمتعة الكاملة مع القصة القصيرة بل الأمر أشبه بمن ارتشف رشفة فزادته ظمأ، ثم كان اللقاء مع المسرح كمن فتش عن حبيبته كثيرا والتقيا في غفلة من الزمن، أسرني ذلك التشابك المعقد في العلاقات بين شخوص المسرحيات العظيمة بل أسرني ذلك التشابك النفسي داخل الشخصية الواحدة، ومن هنا وجدت ضالتي في الكتابة للمسرح.
- ماذا عن مشاركاتك الإخراجية للمسرح؟
قدمت في 2005 أولى تجاربي المسرحية في الإخراج (رجال لهم رؤوس) لمحمود دياب، لفريق مسرح كلية الطب البشري بجامعة المنوفية، ونلت عنه جائزة أفضل عرض مسرحي وأفضل إخراج وأفضل ديكور والمركز الأول في التمثيل نساء والموسيقى، و(ليالي الحصاد) لمحمود دياب لفريق كلية التجارة 2007 بالمنوفية أيضا، وحصل على أفضل عرض وأفضل إخراج والمراكز الأولى في التمثيل وشارك العرض في ملتقى الدلتا الأول بطنطا 2008 ممثلا عن جامعة المنوفية وبمشاركة جامعات بالمنصورة والغربية والقليوبية، وحصل على عدة جوائز منها أفضل عرض وأفضل إخراج وأفضل ديكور والمراكز الأولى في التمثيل، وفي 2012 قدمت لكلية التجارة أيضا أوليمبيا طريق الشمس وهو أول نص مؤلف لي أطرحه على خشبة المسرح وحصل العرض على عدة جوائز أفضل عرض وأفضل إخراج ومراكز أولى في التمثيل، وشارك النص في المسابقة التي كانت تقيمها مجلة دبي الثقافية على مستوى الوطن العربي وحصل على جائزة أفضل نص مركز ثانٍ.
ثم في 2014 أعيد إنتاج «ليالي الحصاد» وشارك في مهرجان ساقية الصاوي وحصل على المراكز الأولى في التمثيل والديكور وجائزة أفضل عرض متميز، كما شارك في مهرجان شخصية مصر الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة وحصل على عدة جوائز منها أفضل إخراج على مستوى الجمهورية وأفضل ممثلة على مستوى الجمهورية
وشارك العرض أيضا في نهائيات آفاق الدورة الثالثة واجتاز كل مراحل التصعيد وصولا لختام المهرجان لثماني فرق ضمن 237 عرضا تسابقوا في هذه الدورة،، في 2016 قدمت عربة اسمها الرغبة لكلية طب الأسنان جامعة طنطا وحصل العرض على جائزة أفضل ممثلة.
في العام الماضي2017 قدمت «العرض الوحشي» مخرجا وهو ثاني نص من تأليفي أقدمه لخشبة المسرح لنادي مسرح شبين الكوم، وشارك في المهرجان الختامي لنوادي المسرح الدورة 26 وحصل على جوائز منها لجنة التحكيم الخاصة وأفضل نص مؤلف أفضل ممثل مركز ثان عن دور الساحر الذي قدمته بالعرض و» ستديو» هو ثالث نص من تأليفي أقدمه لخشبة المسرح لنادي مسرح شبين الكوم.
- ماذا يعني لك الفوز بجائزة التأليف في المسابقة، خاصة بعد حجب جائزة التأليف المسرحي بالدورة السابقة؟
يعني إلقاء المزيد من الضوء على الأصوات الشابة الموجودة بقوة، التي تحاول مؤسسات مستقلة وحكومية أن تدعمها في أكثر من مناسبة، مثل نوادي المسرح، والنشر الإقليمي، وجريدة مسرحنا، والكثير من مسابقات التأليف، ولو أمعنت النظر في كل مسابقة تأليف مسرحي داخل مصر أو في الوطن العربي لوجدت بين الفائزين زمرة من الأصوات المصرية الشابة تبحث فقط عن من يلقي الضوء على أقلامها كي تنطلق بقوة وتملأ المسرح ربيعا وفتوة. من الذي ادعى يوما أن التسابق هو هدف من أهداف المسرح. جميل أن نتسابق كي نقدم الأفضل، لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو همنا الشاغل. إن عرضا يحوز على كل الجوائز، ويفشل في أن يصل لمتلقيه هو عرض أخفق في رسالته. الجمهور هو القبلة الأولى لدى الفنان، هذا هو ما ينشده كل صادق محب لفنه، وإن صاحب ذلك وجود قطعة كرز على رأس الكعكة فلا ضير من هذا.
- وكيف رأيت إهداء دورة المهرجان للكاتب المصري محمود دياب؟
محمود دياب العظيم قصة عشق لا تنتهي، من وجهة نظري المتواضعة أنه وميخائيل رومان، وصلاح عبد الصبور، وعبد الرحمن الشرقاوي، ونجيب سرور من أعلى القمم والهامات التي خطت مسرحا مصريا له انفراده وأصالته، و أول مسرحية أخرجتها كانت (رجال لهم رؤوس) لمحمود دياب، وثاني مسرحية أخرجتها كانت (ليالي الحصاد) له، وكنت أعجب أشد ما أعجب في كتابته بما يسمى بالنص الموازي، فما بين أقواسه يرصد ببراعة وحنكة تحولات شخصياته بدقة تثير الدهشة ف (أبا بكري) يتحسس في جيبة الصحيفة الممزقة حين تأتي سيرة العلام الذي حُرِمَ منه، والزباء تتحسس بطن أختها الحبلى كأنما تتحسر على أمومة لن تشعر بها يوما. إن محمود دياب يبعث شخوصه للحياة على الورق لا يبقى إلا أن تتناولها جاهزة معدة للتقديم بعد أن قطع نحوك بكتابته وملاحظاته أكثر من نصف الطريق. وأرجو أن يصدر له قريبا مجلدا يجمع أعماله الكاملة لندرة طباعة مؤلفاته والعناء الشديد الذي نلقاه في الوصول إليها لذا، فحصولي على جائزة من دورة تحمل اسمه هي مصادفة لن أستطيع إغفالها، بل قد يبعث لي الراحل إشارة خفية تتجاوز عالم الأرواح، ويربت على كتفي ويقول لي: «لا تيأس»، من يدري! ربما!
- شارك بدورة المهرجان القومي الكثير من العروض المأخوذة عن الأعمال الأدبية الغربية، كيف تجد تفسيرا لذلك؟
أرى أنه أمر محزن أن نكون صدى لأصوات غيرنا، جميل أن ننقل الثقافات المختلفة لنلقي الضوء عليها، وأعتقد أن هذا هو الدور الذي يمارسه المهرجان التجريبي كل عام وهو أمر هام للغاية، لكن أن يمثل المهرجان القومي للمسرح المصري عشرة نصوص مصرية فحسب من 37 عرضا هو أمر يستحق التوقف. إن الهوية هي مسألة بقاء، والإغراق في المحلية هو السبيل الأمثل للعالمية. نحن لا نتواصل بالشكل الكافي والصحيح مع هويتنا وتراثنا تحت وطأة الانبهار بالمسرح الغربي. وأعتقد أن جزءا كبيرا نتحمله نحن في طريقة دراسة المسرح في مصر، فلم لا نسمع شيئا عن المسرح الأفريقي بطقوسه الغرائبية اللافتة، أو المسرح الآسيوي بسحر الشرق الكامن فيه، وماذا عن تجارب أمريكا اللاتينية. إننا اتخذنا من أوروبا المثال والطريقة والقدوة دون غيرها، وأهملنا الثقافات الأخرى، وأهملنا فوق كل هذا هويتنا وتراثنا. إن النصوص التي تناقش مثلا الحقبة الفرعونية في مصر تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، وحتى المحاولات المختلفة لإعادة إحياء هذا التراث لا تجد الصدى المرضي عند الجمهور، لأننا نكتبها على المنوال الغربي. البحث عن سبل جديدة لطرق أبواب الهوية ضرورة ملحة.
- قدمت العرض في المرة الأولى في نوادي المسرح بالثقافة الجماهيرية، كيف ترى أداء إدارة المسرح في الفترة الأخيرة؟
للثقافة الجماهيرية فرسان يجوبون الأقاليم ويسدون النصيحة بكل حب وإخلاص، ويكفي أن أقول لك إن الملاحظات التي أسدتها لي لجنة المشاهدة في المنوفية وخصوصا ملاحظات الناقد الأستاذ محمود حامد غيرت تفكيري بالكامل في المسار الذي كان سيتخذه النص. أما عن أداء الجهاز نفسه فهو مؤخرا بدا كعجوز تحاول أن تنفض عنها غبار الماضي وتبعث من رماد الأمس كإيزيس تخفق بجناحيها مرة أخرى، فأدخلت إدارة المسرح برئاسة الدكتور صبحي السيد الكثير من التعديلات على اللائحة السابقة التي كان الزمان قد طوى رقبتها بسطوته لتصبح خيالا هزيلا لجسم كان فتيا في زمن غابر، ونجحت هذه التعديلات في رفع ميزانية الثقافة الجماهيرية عامة، ونوادي المسرح على وجه الخصوص، وأدخلت نظام الورش لاعتماد المخرجين الذين يقدمون تجارب متميزة في نوادي المسرح في محاولة من الجهاز لضخ دماء شابة في جسم الفاتنة العجوز، وهذا العام هو أول عام تشارك فيه الثقافة الجماهيرية بخمس عروض في المهرجان القومي في بادرة طيبة من إدارة المهرجان القومي تسمح بأن يحظى الجميع بقسط عادل من المشاركة.
- قدمت عرض «ستديو» من خلال مسرح الغرفة مبتعدا عن الشكل التقليدي والكلاسيكي فهل في ذلك أهداف تمنيت تحقيقها؟ وما هي؟
صياغة الفضاء المسرحي وابتكار أنماط مغايرة هو أمر يشغل تفكيري بشدة، بل أشعر أحيانا أنني ربما أتخذ موقفا عدائيا من مسرح العلبة، لا أشعر أنه الشكل الأنسب لجمهورنا، إننا نحب التبسط والمجالسة والحكاوي. ربما كان حكاء القهوة قديما يلمس نبض الجمهور أكثر منا لأنه جالسهم وباسطهم وبدأ معهم من حيث يعلمون. لذا، فأنا أفضل الفضاءات المفتوحة والحرة والقابلة للتشكيل، ولي تجربة كتابة لمسرح الشارع (على فين رايحين!) شاركت في مهرجان مسرح الشارع الذي أقيم في أعقاب ثورة يناير، وكانت من أمتع التجارب التي خضتها لما لمسته من التحام الجماهير وتفاعلهم مع أسرة العرض، بل إن هذا العرض شارك في اعتصام وزارة الثقافة حينها وكان له أطيب الأثر على نفسية المعتصمين هناك لحساسية الموضوع الذي كان يناقشه عن محاولات سلب الهوية. أعتقد أنني لو أكملت في مسيرة الإخراج فإنني لن أدلف من باب المسرح، بل سأفتح باب الحديقة واتخذه موطنا للعرض.
- لماذا تفضل تقديم تجاربك مخرجا ومؤلفا؟
لأنها الأصدق في إيصال رسالة المؤلف كما أراد. تحت دعاوى الرؤية الإخراجية ووجهة نظر المخرج يتم غبن حق المؤلف تماما، ويتناسى بعض المخرجين أن المخرج إنما تسلم أمانة من المؤلف لكي يصل بها للجمهور. كنت أشاهد مؤخرا مسرحيات تراثية، وأنا أمسك في يدي بنص المسرحية الأصلي، ووجدت أن الممثلين يلتزمون حرفيا بكل كلمة وردت في النص، أنا لا أعلم ما هو العائق بين أن يكون لديك رؤية كمخرج، وأن تلتزم بنص المؤلف كما أورده لك، إذا لم يعجبك النص من البداية لا تخرجه، لكن أن تنصب نفسك إلها فوق أنقاض النص هو أمر مؤلم للغاية. أرى أن البراعة الحقيقية للمخرج تكمن في استوالد واستكشاف النص مرات ومرات بحثا عن عوالم لم يطأها غيره لكن دون التجني على أمانة النص.
- أيهما أفضل للنهوض بالحركة المسرحية تقديم نصوصنا المصرية أم نصوص الثقافة الغربية؟
الماضي بوصلة للمستقبل، و إحياء الماضي ونحن نخطو نحو المستقبل هو الطريق الأقوم. فالنهضة المتوازي نحو إعادة إنتاج النصوص المصرية القديمة برؤى متجددة مع السعى الجاد نحو إطلاق أصوات جديدة هو الطريق الأنسب للنهضة.
- كيف ترى وضع الحركة المسرحية المصرية في السنوات الأخيرة ومدى تطورها؟
المسرح المصري يشهد تحولا ونهضة وريادة لجيل جديد من المؤلفين الأساتذة الذين يدعمون بكل قوتهم التجارب الشابة، وأعتقد أن هذا التعاون سيثمر عن جيل سوي يشعر بالامتنان لمن سبقوه ويقدم الدعم لمن يليه.
- ما الدور الذي تلعبه المهرجانات المسرحية، والمهرجان القومي للمسرح في إثراء الحركة المسرحية؟
إن أي مهرجان هو احتفاء واحتفال باجتماع عقول وأرواح محبة للفن في نطاق صغير فكأنما المهرجانات هي جنة المبدعين على الأرض تلتقي فيها أرواحهم الطيبة، ومن وجهة نظري فإن التسابق رغم أهميته إلا أن يدخل الشرور على هذه اليوتوبيا، لكني اعتدت أن أنظر للتسابق على أنه قطعة الكرز التي تعتلي الحلوى إنها تعطيها جمالا إضافيا ومذاقا خاصا لكنها لن تستطيع أن تنزع من الحلوى سكرها، وهكذا الجوائز لا تستطيع أن تنزع عن عرض إعجاب الجمهور به، أو احتفاء نقاد به، لكن هي فقط تمنح هذا العرض قطعة إضافية من الكرز، والمهرجان القومي للمسرح المصري هو المصب، والتقاء النهر بالمحيط، حيث تتجمع كل روافد المسرح المصري خلال عام على اختلاف أشكالها وجهات إنتاجها، لتلتقي في أكبر تظاهرة مسرحية في مصر والعالم العربي، نستطيع عبرها أن نحلل الأنماط السائدة والمهجورة، وأن نستنبط مواضع الخلل والإجادة للخروج بتوصيات ودراسات نقدية تكون نبراسا للعام القادم.
- لديك تجارب إبداعية أخرى في القصة القصيرة والشعر فهل سيتركز إبداعك القادم على الكتابة للمسرح خاصة بعد الفوز بالجائزة؟
سوناتات شكسبير الشعرية لم تتعارض مع كونه أعظم كتاب المسرح. تشيكوف كان يكتب القصة القصيرة والمسرح، يوسف إدريس كان يكتب القصة القصيرة والمسرح، نجيب محفوظ الروائي العظيم له مجموعات قصصية بل صاحبته لغة شعرية في كتاباته تشي برغبته الأولى في أن يكون شاعرا. المحتوى هو من يفرض الشكل الأدبي الأمثل له. وإن كنت أجد متعتي الأكبر في الكتابة للمسرح إلا أن ذلك لن يمنعني من إصدار ديوان أو مجموعة قصصية إن وجدت أنها عبرت عن مكنوني بصدق.
- إلى أي هدف سيكون سعيك في الحركة المسرحية المصرية وماذا تنوي أن تقدم مستقبلا لجمهور المسرح من قضايا؟
أنتوي أن أتوقف مع التراث وأن أحاول أن أقدم تجارب تنهل من الماضي وتتماس مع الحاضر وتقدم الدهشة للجمهور من خلال إعادة اكتشاف هويته.
ما هي أمنياتك وطموحاتك المستقبلية؟
أرجو أن أتمكن في يوم ما أن يكون لدي معمل مسرحي وفضاء مفتوح مجهز يكون نواة للتجارب المختلفة، وحتى يحدث هذا فإنني سأخمش الصخر حتى يلين، ومن يدري لعل الصخر يتشقق، ويفصح عن ينبوع صاف رغم الألم والمشقة.