جلال عثمان: شقة عم نجيب مرآة تعكس ازدواجية المجتمع

جلال عثمان: شقة عم نجيب مرآة تعكس ازدواجية المجتمع

العدد 551 صدر بتاريخ 19مارس2018

يعرض الآن بمسرح الغد العرض المسرحي «شقة عم نجيب» تأليف د. سامح مهران، تمثيل شريف عواد، هبة توفيق، محمد عبد الرحيم، خضر زنون، سلمى رضوان، مصطفى سليمان، أحمد نبيل، مروة يحيى، موسيقى د. ياسمين فراج، ديكور نهاد السيد، حول هذه التجربة والجديد الذي يتناوله من خلالها المخرج جلال عثمان كان لنا معه هذا الحوار.
 

 لماذا قررت تقديم نجيب محفوظ رغم أن أعماله قد استهلكت كثيرا في السينما والتلفزيون والجمهور يحفظها عن ظهر قلب؟
أقدم في «شقة عم نجيب» شخصيات روايات نجيب محفوظ بشكل جديد ومختلف، حيث أقوم بالتركيز على الانقسام الذي حدث في هذه الشخوص ورصده نجيب محفوظ بشكل جيد جدا، ويبين أن نصف المجتمع وهو المرأة قد تم إهمالها على مستوى التاريخ، وأن تلك المرأة هي فقط التي استطاعت أن تنجو بنفسها وترفض فكرة أن الأشباح تسيطر على رأسها وأن تصبح منقسمة ومشروخة من الداخل، فمثلا شخصية السيد أحمد عبد الجواد من الداخل شيء ومن الخارج شيء آخر، ومحجوب عبد الدايم أمام عائلته شيء وفي الواقع شيء آخر، عكس علي طه الذي كان يملك الكثير وقاد مظاهرات وكان يطالب بطرد الاستعمار، وريري التي خدعها عيسى الدباغ إلا أنها في النهاية رغم أنها ترتزق من جسمها، فإنها رفضت الزواج منه لأنها تملك المبدأ ولم تخجل ودافعت عن موقفها من أجل العيش، ويوجد شخصية اسمها ذو الرأسين التي هي قسمتي ونصيبي وهو برأسين، حيث نطلع على ما بداخل الشخصية، قسمتي الذي يؤمن بنصيبه في الدنيا لكنه يلتصق به.
 إذن أنت تقوم بجمع عدة شخصيات متناثرة من عدة روايات حول مفهوم واحد..
يجمع كل هذه الحواديت شخوص نجيب محفوظ، أما دخول الشخوص الأساسية فهو عبارة عن ولد وبنت عباس وسعدية، حيث إنهما من طبقة بسيطة جدا ولا يستطيعان الزواج منذ فترة، حيث يقرآن إعلانا بقرطاس ترمس عن شقة تقع على النيل، فيجذبهما الطموح للمشاهدة ويكتشفان أن هذه الشقة هي شقة نجيب محفوظ وأن أشباح شخوص نجيب محفوظ تظهر لهما فيها، والبنت ترفض في النهاية هذا الانقسام وتلك الازدواجية وتنجو بنفسها لأنها ترفض فكرة أنها كمرأة في المجتمع أن تكون مزدوجة، لكن زوجها عباس يعجبه عالم سي السيد والعربدة والمسخرة والمتعة وينجذب خلف أهواءه كمجتمع ذكوري، يسير خلف رغباته.
 هل يوجد قالب جديد تقدمه في هذا العالم القديم؟
الجديد في الشكل أني أتعامل مع فضاء القاعة بأسلوب مختلف، حيث إن الجمهور يجلس في المنتصف والتمثيل يدور حول المتفرجين في مختلف جوانب المسرح، وقاعة مسرح الغد هذه لم يتم استخدامها بهذا الشكل من قبل، فأجمل ما في قاعة الغد أنه يمكن تشكليها كما يريد المخرج، فطبيعتها مثل طين الصلصال ويمكن وضع منصاتها بأشكال مغايرة.
 ماذا يمكن أن يبهر المتلقي بصريا في عمل نسج من قصص واقعية لزمن بعيد؟
استخدام الموتيف وتقنية الإضاءة التي تعطي الجو الشبحي وفي نفس الوقت كل ماهو داخل شقة نجيب محفوظ باللونين الأبيض والأسود ودرجات الرمادي، فنجد مشاهد الولد والبنت على كورنيش النيل طبيعية بالألوان لكن بمجرد دخولهما عالم نجيب محفوظ نرى كل شيء بالأبيض والأسود، فهما كأنهما قد اخترقا حاجزا لشاشة عرض سينمائي لفيلم قديم. فمثلا لو كانت البنت ترتدي الأخضر نرى كل شيء بالأبيض والأسود حتى الحائط والشخوص يعود بالزمن لتاريخه، ماعدا هي تظل بينهم باللون الأخضر، ونجد فكرة الانقسام والشروخ التي بداخل الشخصيات نراها بشكل عام وظاهري وهو غير مقصود لكن تظهر لمساته في كل قطعة ديكور أو ملابس أو الشخوص التي تعيش الحياة والضرورة الحتمية للحياة.
 ألاحظ أن الرؤية الدرامية والإخراجية بنيت بالتركيز على المنظور النفسي للشخصيات، هل هذا صحيح؟
المجتمع لديه شيزوفرنيا، وهذا رصده نجيب محفوظ بعدما اختلط بالشوارع والمقاهي وعايش فيها ومارس كل أشكال الصعلكة التي يمكن أن تصنع إبداعا حقيقيا، عكس المبدع الذي يجلس في الصالون ويبدع، نجيب محفوظ حاكى كل النماذج المصرية في واقع الزمن الذي عاشه في رواياته، والتي أخذها المبدعون وكسوها لحما ودما، وعملوا منها شخوصا حقيقية توازي رؤية الرواية الأصلية لمحفوظ، ونحن طوال عمرنا مجتمع يضع رأسه في الرمال كما النعام، فمثلا تجدني أتسيد في بيتي على ابنتي وزوجتي لكني أخرج من البيت أتملق كل النساء بالشارع، لذا فإن نموذج الراقصة التي ترقص في الملهي لا تخجل من كونها راقصة وتصرح بذلك، وهي متسقة ومتصالحة معنفسها، فتحترمها، وهي تتميز بالشهامة والرجولة في المواقف، هذا عكس المرأة التي تظهر أمامك في قمة الاحتشام لكنك لا تدري ماذا تفعل من ورائك، وهذا ينطبق على الرجال والنساء، فهذا العالم تم رصده كي يعيد لأذهان الناس ما يحدث، فهؤلاء الشخصياتعبارة عن مرآة لنا في المجتمع. إن فكرة الانقسام لا تخلق شخصية مجتمع أو نهضة أو علاقات أسرية أو نمو أو تاريخ ولا يحقق تراث لأنك تقول الشيء وتفعل ضده.
 إذن العرض يقوم بتشريح الأبطال من الداخل كمرآة للواقع؟
بالضبط، وأنا معني أساسا بالجيل الجديد حاليا الذي لم يقتحم هذا العالم، البعيد عن عالم نجيب محفوظ ورواياته، فأنا كنت أشاهد فيلم السكرية بالأمس حيث كان مشهد السيد أحمد عبد الجواد يأمر ابنه بعدم الخروج في المظاهرات، وحيث يحتفل الشعب بعودة سعد زغلول من المنفى بالمظاهرات السلمية فنجد في نفس الوقتالسيد عبد الجواد ورفاقه يحتفلون بنفس المناسبة لكن بطريقتهم الخاصة في الخمارة. فتلك هي الازدواجية في الشخصية. ونجد هنا في النص المسرحي المؤلف د.سامح مهران، في أحد المشاهد يدخل السيد أحمد عبد الجواد على عباس وسعدية ويقول لهم ادخلوا الشقة واطردوا الأشباح منها وعليكم إنجاب أبناء سيئين لطرد الأشباح، فيبدأ عباس بمغازلة زوجته فيخترق أحمد عبد الجواد الحاجز ويستنكر ذلك قائلا له (هو فيه حد بيعاكس مراته)، ثم ينادي أمينة فيسألها عن ذلك فتقول له إن المغازلة تكون خمسة أو ستة مرات في العمر بخمسة أبناء مات أحدهم في مظاهرة والمقصود هنا أن ننتقد ونرفض النظرة للزوجة أنها عبارة عن جسد للشهوة أو كائن حيواني دون التعامل معها بما أوصانا به الرسول صلى الله عليه وسلم,..
 كيف يمكن للشباب والأجيال الجديدة  أن تستوعب تلك الشخصيات وتفهم مدلولاتها وهم غالبا لم يقرؤوا لنجيب محفوظ ولم يشاهدوا أفلامه؟
الجيل الجديد الذي لم ير نجيب محفوظ يكفي أنه سيرى السيد عبد الجواد وزبيدة وهي تركب على ظهره كالحصان في حين أنه يتظاهر بالقوة والرجولة أمام زوجته، ويرى المتفرج هنا محجوب عبد الدايم وهو بقرنين مثلما أظهره صلاح أبوسيف، ويراه وهو يحرض البنت أنت تفعل مثل أخواتها ويريد أن يلوثها مثله، وهو يرسل لأبوه أقل القليل من النقود وهو في الحقيقة قواد.
 هل تعتمد في العرض على المتفرج الخاص الذي شاهد هذه الأعمال من قبل ولديه خلفية سابقة عن الشخصيات ومدلولاتها؟
هذا يتم توضيحه في العرض، فعندما نقول إن نجيب محفوظ كتب هذه الروايات ثم اكتست هذه الشخوص لحما ودما، ثم نبدأ بتعريف الشخصيات في سياق الحوار حيث يذكر كلام يفهم منه الجميع هذه الشخوص ومبدأها ومنطقها في الحياة، وكيف كان الزمن الذي عاشت فيه وكيفية ربطه بالزمن الحالي، فإذا كنا نبحث عن أن يكون لدينا شخصية سوية ومجتمع يرغب في نهضة حقيقية وتطور وتقدم، فلا بد أن نكون واضحين ولدينا مستوى واضح حتى نستطيع تربية أبناءنا، حتى نخرج جيلا سويا ومنضبط ولديه القدرة على اتخاذ القرار، فلا بد أن يرى هذه النماذج ونضع له تعريفات عليها حتى يربطها مابين القديم والحديث.
 حدثنا عن الثيمات الخاصة للموسيقى؟
الموسيقى مسجلة لكنها من نفس النسيج ومن نفس العالم، فمثلا من الظواهري أو على إسماعيل كان فيه جمل موسيقية كتيمات مرتبطة بالشخصيات، فلدينا موسيقى تصويرية منها بآلات مختلفة ومعبرة عن الشخصيات كي يكون لدينا موسيقى بطعم هذا الزمن، مع بعض أشكال الموسيقى العصري حاليا مثل أغنية حالية معبرة أو معلقة على موقف درامي ما، وتحيل الدور إلى الحوار إما بالتأكيد أو السخرية من المواقف.
 هل الديكور مستمد من أماكن الأحداث أم من أماكن معبرة عن شخص نجيب محفوظ؟
لدينا موتيف من كل مكان به حدث ولدينا عالم فانتازي غير واقعي فليس بالضرورة أن يكون لدي الأشكال بأشكالها بل بمعناها فمثلا الحائط لا يكون حائطا حجريا بل يمكن أن يكون قماشا أسودا أو أبيضا، أو خلفية خارجية فتعطي سلويت لبعد آخر، لأشباح وظلال، وكأنه عالم خارج من خيال. والملابس ملابس الشخصيات نفسها، مثلا بالنسبة للسيد عبد الجواد الجبة والقفطان والحزام والطربوش، ومحجوب عبد الدايم البدلة والطربوش والباشا بعصايته والنظارة بسلسلة والبايب وهكذا.
 على أي أساس تم اختيار شخوص واستبعاد أخرى من الروايات؟
شخصيات نجيب محفوظ كلها ثرية، لكن د. سامح مهران المؤلف أخذ أبرز الشخصيات التي يظهر فيها الشروخ والانقسام مثل السيد عبد الجواد ومحجوب ذو الرأسين فهذا انقسام صريح ووكذلك زبيدة، إنما ريري وعلي طه فهما اللذان لا ينتميان لهذا العالم فقام علي بمظاهرة ودافع عن سعد وسعى لطرد الإنجليز ويحمل قضية وريري نفس الحكاية.
 أليس تناول عمل ضخم بقدر نجيب محفوظ يستوجب الاستعانة بعناصر عمل ذو خبرة كبيرة؟
لقد تحمست في هذا العرض للعمل مع بعض الوجوه الشابة مثلما تحمست من قبل للعمل مع الكثير من الوجوه الجديدة، وهو شيء أحرص عليه في كل تجربة أقدمها لأننى أرى أن منح الفرص للوجوه الشابة واجب علينا.
وأخيرا ألاحظ أن هناك تعاونا وتفاهما فنيا متعددا بينك مخرجا وبين د. سامح مهران مؤلفا.
هذا هو التعاون الثالث بيني وبين د.سامح مهران حيث بدأنا بعرض مسرحية حباك عوضين تامر بمسرح السلام سنة 2010، ثم مسرحية «انبوكس» سنة 2015بمسرح الغد، كما اشتركت معه بالتمثيل حيث كان هو مخرجا في مسرحية «بازل» بالمسرح العائم، ومسرحية «لير بروفة جنرال بمسرح الغد.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏