حريق الفسطاط.. صورة من تاريخ الوحدة الوطنية للشعب المصري

حريق الفسطاط..  صورة من تاريخ الوحدة الوطنية للشعب المصري

العدد 576 صدر بتاريخ 10سبتمبر2018

كثيرا ما تحرك أحداث تاريخية كبرى المؤلف ليحولها إلى قطعة فنية تُعرض على الناس.. وهنا تثار عدة أسئلة قد تنجح بعضها في إبراز رؤية شاملة حول تعاملنا مع التراث/ الأحداث الموروثة، من مثل: هل من الضروري أن يحافظ الكاتب على المادة التاريخية كما وردت إلينا؟ وهل يحق له أن يضيف أو يحذف؟ وإذا صح له هذا فما المعايير التي ينطلق بناء عليها؟ ثم السؤال الأهم المحرك لكل ذلك: ما الدافع وراء اختيار الكاتب لحظة تاريخية محددة ليحولها إلى عمل درامي/ فني؟
“حريق الفسطاط” حدث تاريخي مهم وقع في مرحلة عصيبة من حياة الشعب المصري؛ إذ كان حدثا فاصلا انتهى على أثره حكم دولة ليقوم حكم دولة أخرى، وربما كان من الطبيعي أن يترك ذلك أثره على الحياة الاجتماعية التي يعيشها المصريون.. وسواء تشابه هذا الحدث الماضي مع أحداث واقعية معاصرة، وتشابهت تلك الظروف الاجتماعية في كلا الفترتين، فإن ذلك ليس ما نهتم له كثيرا في مناقشتنا لنص درامي اختار أن تقوم بنيته على حدث تاريخي، مهما اختلط فيه الواقعي بالخيالي أو التاريخي بالمُتخيل؛ إذ لا محل لمناقشة ذلك في العمل الفني، لا سيما الدرامي.
ونص “حريق الفسطاط” الصادر عن مؤسسة يسطرون 2018، للكاتب رامي البكري، يحاول استثمار الحدث التاريخي الكبير، ليقدم لنا حبكة درامية تتمحور حول حريق الفسطاط أول عاصمة عربية إسلامية في تاريخ مصر التي بناها عمرو بن العاص سنة 641م. وحافظ على سير الأحداث قدر المستطاع لتظل الخطوط العامة ممتدة في إطار الواقعي التاريخي، مستحدثا بعض المواقف والأحداث الهامشية وخلق شخصيات غير واقعية لتجسد الحياة في تلك الفترة معبرة عن طبيعة الشعب المصري، ومتخيلة شكل العلاقات الاجتماعية فيه. لكنه وهو يفعل هذا يطرح قضايا قديمة حديثة يمرر من خلالها طبيعة متصورة لما كان عليه الشعب المصري، وما هو عليه الآن، وما يجب أن يكون عليه دوما، وأعني تحديدا مسألة الطائقية، محاولا تقديم صورة نمطية عن نسيج الوحدة الوطنية المتماسك، وكيف يضرب المصريون مثالا يُحتذى لتلك الوحدة خاصة في أشد المواقف صعوبة.
تستمر أحداث المسرحية عبر فصلين طويلين يتخللهما كثير من اللوحات، تتنامى معها الخطوط الدرامية للمسرحية مجسدة الصراع السياسي في صورة بصرية رسمها المؤلف بعناية فائقة من خلال تقسيم خشبة المسرح إلى يمين ويسار، متنقلا بالإضاءة بينهما ليبرز الصراع الدائر بين السلطة والشعب، كما دعم ذلك من خلال الحوار بين الشخصيات المختلفة؛ مما يعكس وعي المؤلف بأهمية الحركة على خشبة المسرح. والاهتمام أيضا بالخطوط الدرامية المختلفة السائرة أحيانا بالتوازي وأحيانا أخرى بالتقاطع، وقد وضح هذا في علاقة البطل حسام الدين المصري بالمرأتين الأرملتين، وهو القائد الشعبي الموعل عليه القيام بالجهاد في سبيل تخليص الوطن، وعلى الرغم من هذا فإنه الإنسان الطبيعي الذي يحب ويأمل في إقامة حياة طبيعية مثل الناس. نجح هذا بشكل ملحوظ مع شخصية حسام، بينما أخفق في معالجة شخصية “حسن الشجاع” ابن الوزير شاور، الذي يقود كتيبة شعبية ضد الفرنج، على غير رغبة أبيه، وينضم إلى المقاومة الشعبية. وتلك الشخصية كانت في حاجة إلى تجسيد الصراع النفسي بين انتمائها للأب وخروجها عليه وانحيازها للوطن، الأمر الذي أهمل تماما من قبل المؤلف.
وإذا تأملنا مسألة الوحدة الوطنية التي حاول المؤلف تصديرها كرسالة يجب تقديمها وإبرازها، نجد أنه تناولها بنمطية واضحة كصورة قدمت آلاف المرات خالية بلا أدنى مبرر درامي، ويتجلى هذا في مشهدين واضحين: الأول عندما يتم الحفاظ على مسجد عمرو بن العاص – وهو هنا رمز الديانة الإسلامية – من الحريق على يد جندي مسيحي، وفي المقابل يتم الحفاظ على الكنيسة المعلقة – كرمز على الديانة المسيحية – على يد جندي مصري، وهو الحدث الذي قُدم بشكل مقحم ولا علاقة له بالبنية الدرامية، حتى إنه يمكن الاستغناء عنه دون أي تأثير على تلك البنية. المشهد الثاني هو مشهد النهاية الذي حُشر فيه أجناس مختلفة تعبر عن تكاتف ووحدة الشعوب العربية الذين ليس لهم أية علاقة بالأحداث المطروحة في النص.
أعتقد أن هذا إخفاق قلل من قيمة العمل فنيا، على الرغم من أنه طُرح بهدف إبراز وتدعيم القضية الأساسية في النص، وقع هذا الإخفاق من استراتيجية فكرية ربما ينتمي إليها المؤلف لكنها – للأسف – لا تنتمي للنص.
لا أود أن أقدم صورة معتمة عن النص، كما أنني لا أود أيضا أن أقدم صورة مبهرة عنه، لكنني أحاول أن أكتب هنا - محايدا – قراءتي لعمل يستحق أن يراه الناس على خشبة المسرح.   


عادل العدوي