حكاية الحكاية.. البحث عن هوية متهاوية

حكاية الحكاية.. البحث عن هوية متهاوية

العدد 648 صدر بتاريخ 27يناير2020

ضمن فعاليات الموسم المسرحي 2019/2020 قدمت فرقة قصر ثقافة الزقازيق العرض المسرحي ( حكاية الحكاية ) تأليف وإخراج محمد الدرة في اطار التجارب النوعية والتجارب النوعية اما تجربة تهدف الي الخروج من أسر العلبة الايطالية ورونقها للاماكن المفتوحة او الفضاءات المغايرة او الاماكن الاثرية و ما الي ذلك وإما تجربة استثنائية تستخدم الحكي منهجا او الغناء او القالب المغاير للعروض التقليدية او تجارب تحاول الاشتباك مع الموروث الثقافي والاجتماعي وهو ما ينطبق علي العرض المسرحي حكاية الحكاية الذي جادل الموروث الثقافي والاجتماعي بل وتخطي الي معارضة الموروث الديني السماوي في محاولة لضحد الانتماء وخلق هوية تتسق مع معتقدات يراها الاحق بالاتباع ومن لا يتبع ينعت بالتطرف والجمود الفكري ذلك اننا امام راوي يبدأ العرض من أقصي يمين المسرح كفيفا يرتدي ( بدلة ) ويمسك بيده ( ربابة ) ويروي حكايته انه الراوي الباحث عن أمه ( والدته ) التي تاه منها في المولد ويستوطن الراوي / الشاب / الكفيف / الغريب اقصي اليسار ويقص الحكاية انه تعلم علي يد شخص رباه وعلمه ولقنه الفنون والاداب وأن الاوان ان يبحث عن ذاته والبحث عن الذات بالضرورة ينجلي ان التقي بأمه ثانية وبعد حكي طويل نسبيا - اقترب من السرد - جسد منه ما جسد بحركات تعبيرية مقولبة من قبل ( المجموعة / الجوقة / الأدوار المساعدة ) والتي اتضح ارتدائهم جميعا لملابس بيضا متطابقة وبعض قطع القماش المختلفة الألوان ( احمر ، أصفر ،،،،الخ ) لكل شخصية لمحاولة التفريق والتخصيص تظهر الحبكة الرئيسيىة رويدا رويدا ذلك ان المؤلف / المخرج حاول ان يؤكد ان مصر ليست دولة عربية ولا اسلامية ولا مسيحية فهي فرعونية الاصل والمحتدا وما حدث بعد انهيار دولة الفراعنة لابد ان تنجلي وتعود مصر ثانية لأصلها فرعونية وتتخلص من الاحتلال العربي
في خضم رحلة الراوي / الكفيف / الغريب عن أمه وجد سيدة حكت هي الاخري حكايتها انها كانت في مكان مقفر وبحثت عن الماء دون جدوي حتي حفرت بئرا بجوار انفجرت منه اعين كثيرة في تماس واضح مع السيدة هاجر وولدها اسماعيل عليه السلام - ( وهو ابو العرب ) - وقرأ المؤلف / المخرج الحكاية من منظور مغاير للوحي السماوي حتي انه اشار لسنوات التيه لليهود بشكل سردي وتلميحا دون التصريح بالديانة ناعتا اياهم بالدجل والشعوذة ومع سرد الاحداث ابتعد الشاب / الراوي / العجوز عن هذه السيدة ليجد سيدة اخري في منطقة اخري اعتقد انها امه ولكنها حكت عن رجل انجب فتاة دون زوجة ودون ان يعاشر امرأة وكانت لهذه الفتاة بركات ومعجزات فهي التي سقت رجل ماء بسكر ففاق من اغمائته وهو الذي اعتقد الجميع انه مات وعالجت المرضي فكانت هذه الحكاية تعارض واضح مع حكاية السيد المسيح عليه السلام وأمه مريم وبشكل مغاير للوحي السماوي ومن وجهة نظر المخرج / المؤلف وحده حتي انه الفتاة المؤلهة من قبل جيرانها صلبت علي رؤوس الاشهاد كالمسيح ودائما ما كانت طيفها يتجلي في شكل نوراني يوم ميلادها كمعتقد المسيحين ورفض الشاب / الراوي / الكفيف ان تكون هذه امه حتي مر بسيدة اخري تستقطب الشباب وتبث فيهم الكراهة والتعاليم المتزمة ونالت هذه الحكاية مما نالت منه الحكايتين السابقتين وان زادت الحكاية من جرعة الارهاب والتكفير والحث علي العنف كمعتقد ديني الهي لهذه الفئة - الصقه الغرب بالمسلمين في واقع الأمر واعتنقه صناع العرض -  فضلا عن انهم ليسوا الا مجموعة من الحفاة العراه وهرب الشاب منها كما في الحكاوي السابقة حتي عثر علي امه الحقيقية التي اكدت انها ابنه الفراعنة وان ما كان ليس الا احتلالا فكريا وان اصل المصرييين هو انتمائهم لحضارتهم الفرعونية وترك ما عاداها ومعاداتها  وان الوسائط الفكرية الاخري ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) تجاوزت في حق المرأة ونادت بؤدها وانها حاولت طمس هوية المصريين مثلها مثل المستعمرين ( الفرنسيين والانجليز والاتراك بالاضافة للعرب المسلمين بطبيعة الحال ) وان الشاب حامل الربابة لا يحق له العزف عليها او حفظ السير الشعبية التي سكنت الوجدان كالسيرة الهلالية مثلا فهي لا تنتمي له ولا ينتمي لها وان الربابة نفسها وترها من شعر الحصان العربي والمصريين ليسوا عرب وان حكايته لابد ان تكون فرعونية وكفي كالفلاح الفصيح مثلا ولابد ان تحكي علي الهارب وهو الالة المصرية الاصيلة وان يري بعين حورس فهي عين الحكمة والحافظة من كل مكروه وسوء وان افكاره الجديدة  بالضرورة ستستمطرعليه اللعنات وعليه أن يعي أن من لا يؤمن بافكاره ليسوا الا أهل الشر
ان حاول مغازلة النظارة المخرج / المؤلف بأن حدد لكل سيدة تحاول استقطاب الكفيف / الغريب / الشاب / الراوي منطقة شهيرة من مناطق مدينة الزقازيق ( الاشارة – حسن صالح – شارع فاروق – الغشام – وادي النيل .... الخ ) دون سبب درامي حقيقي  واعتمد علي السرد بشكل كبير فاختل ايقاع العرض وحاول تنحية السينوغرافيا في تشكيل ثابت طوال العرض مرسوم علي ( بانر ) في الخلفية مزين بالسلك الشائك المستخدم في الحروب علي الحدود و( بانوه ) علي يمين المسرح وآخر عن يساره وحاول تجسيد بعض المشاهد باجساد الممثلين اثناء الحكي الفردي من الراوي او الام واتضح من السينوغرافيا التداخل الكبير بين اللوحات الاسلامية والقبطية والفرعونية وفي العمق لوحة لبعض المنازل القديمة في المدينة .
جاءت الاضاءة خافتة في احيان عدة واستخدمت اجهزة غمر الاضاءة في محاولة لملء فراغ خشبة المسرح التي عدت بلا وجود معماري هام لعدم استخدام الامكانات التقنية لخشبة المسرح او تقسيمها  بشكل مغاير ولم يتم تركيز الاضاءة في بؤر خاصة الا مع بداية الحكي للراوي ومع النهاية في ترتيل الحكم الفرعونية مع تجميع لوحة مرسوم عليها عين حورس لتصدير أفكار شخصية ذاتية تتدثر بشجاعة الطرح - وأن تماهي الطرح مع دعاوي شيفونية - والاستغناء عن جماليات الشكل للتركيز علي المضمون


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏