من طالبة إلى أستاذها سنظل محكومين بالأمل كما علمتنا

من طالبة إلى أستاذها سنظل محكومين بالأمل كما علمتنا

العدد 570 صدر بتاريخ 30يوليو2018

«إنكم بالأمل محكمون
وبالخيال يجب أن تؤمنوا
وكل شيء له بواطن وأصول
فابحثوا عن أصوله وانصرفوا عن الأشياء الثابتة ولا للمعلومات الفورية تنتظرون»
تلك هي مقدمة مسرحيته التي كتبها طيلة حياته
نعم، فهو كان يقدس مقدمات المسرحيات ويؤكد على مدى أهميتها وتأثيرها في فهم الأحداث.
فدعوني أخبركم من هو هذا الشخص إنسانيا ومهنيا..
هو شخصية درامية حاصلة على الجنسية المسرحية
تتصف بالحزم والعزيمة والأخلاق الكريمة
وسعي لترسيخ تلك المبادئ وأصولها العظيمة فينا والبعد بنا عن القوالب العقيمة
هو من جعلنا ننظر خارج الصندوق
ونبحث عما الخيال يفوق
ونحلق به لأبعد وأبعد الحدود
هو من وهب حياته لنا
في سبيل أن يؤكد على أن الأمل ما زال موجود
وهو أيضا من ترك بداخلنا من الحزن والأسى ما يكفي أن نفيض به على العالم ونجود
لتروا.. لتروا، كم وضع بداخلنا من تناقضات!
أي أمل تحدثنا عنه ومن بعده يأتي الفراق؟!
بدأت مسرحيتك بالأمل وأنهيتها بالاشتياق
صنعت بها حبكة درامية بامتياز
مليئة بالأحداث والأحداث
ومن هنا يأتي السؤال
هل كنا نستحق منك أن تتركنا؟!
ونحن في أشد الحاجة إلى البقاء
نحن من تعلمنا منك أن نكون أصحاب آمال وأحلام
فلماذا؟
لماذا أيها الحازم الهمام
ماذا فعلنا بك كي تقول لنا سلام؟!
سلام لمن وعلى من؟!
هل سلام على الدنيا وما فيها أم سلام لكل الآمال والأحلام؟!
في كل الأحوال هو سلام
وسلامك كان لحياتك خير ختام
من دون تعب أو مشقة
من دون أجواع أو الالام
عشت سالما وفارقت سالما
واليوم، نسلم جميعا عليك ونقول لك.. سلام.
فسلامه كان هادئا من دون إزعاج ولا شكوى، هو نوم وفقط
اكتفى عزمي بأن ينام نوما مطمئنا ثم يحلق من بعده إلى أرض جديدة لم نرها جميعا من قبل
فقد اعتاد عزمي على التحليق والسفر لكن هذه المرة كان تحليقه مختلفا، تحليق أثار دهشة أحبائه وأهله وطلابه وأصدقائه.
وكما عرف عن عزمي أنه شخص عنيد، فظل يعاند الجميع حتى بعد رحيله بعدم عودة جثمانه إلى مصر بشكل سريع، وهذا بالطبع يعود للإجراءات الدولية المتبعة في نقل الجثمان، حيث إنه توفي بمدينة «بلجراد - صربيا» أثناء مشاركتة بمؤتمر «الهيئة الدولية للبحوث المسرحية»، ولكن الجميع تذكر حينها أشهر جمله على الإطلاق، وهي «في أوروبا والدول المتقدمة»، تلك الجملة التي كانت تلازمه في معظم حواراته، واستشهاده الدائم بمواقف أوروبية، بها من النظام والديمقراطية ما يكفي لتجعله مغرما بها، وكان يذكرها عندما تواجهه مواقف مضادة لها في مصر، طامحا في أن تصبح أشياء كثيرة في مصر مثل أوروبا والدول المتقدمة، ولكن حضور الجملة في أذهان كل من عرف عزمي جيدا، عاد لسبب وفاته بدولة من دول أوروبا ظنا منه بأنه يعاند الجميع على عدم الرجوع منها.
وعلى ذكر أشهر الجمل التي كان يستشهد بها عزمي أيضا، جملة «إننا محكمون بالأمل» وهي الجملة الأشهر على الإطلاق للكاتب المسرحي السوري الراحل «سعد الله ونوس» (1941 - 1997)، فحب عزمي لهذه الجملة يعود لتفسيره الدقيق لها، في أن ونوس لم يجزم بوجود الأمل في حياتنا وإنما رؤيته أنه لا يوجد خيار آخر أمام الجميع غير «الأمل»، كما رأى عزمي أن الجملة تحمل عوامل الاكتئاب والحزن المصاحبة لنبرة ذات «طابع جنائزي» في إلقاء ونوس لها، ورأى أيضا أنها حاملة في نفس الوقت لرغبة في استشراق المستقبل رغم كل شيء.
ويمكن هذا التحليل المنطقي للجملة هو أحد أسباب تمسك عزمي بها، لأنه كان دائما حاملا للأمل بداخله رغم كل وأي شيء يواجهه. وكان يسعى لنقله لكل من حوله، بداية من طلابه بقسم الدراما والنقد المسرحي الذي بدأ العمل به بداية من عام 2014م، الذين كان يعتبرهم عزمي بمثابة أمل مطلق في حد ذاته، جيل جديد حاول عزمي تشكيل وعيه مسرحيا وثقافيا وسياسيا، جاهدا في بث روح البحث والاستطلاع على كل ما هو جديد بداخلهم، وإعطاء الجميع حرية الإدلاء برأيه دون حرج أو خوف، سعيا في بناء نشأ على وعي بالديمقراطية المفقودة داخل عالمنا المعاصر كما كان يرى.
نقل عزمي خبرته المسرحية والحياتية لكل من تتلمذ على يده.
وعرف الجميع من على لسانه من يكون ميكافللي وسعد الله ونوس وممدوح عدوان وعبد الكريم برشيد وبريخت ولينن الرملي وتوفيق الحكيم وغيرهم وغيرهم من المسرحيين.
كما اعتاد منه الجميع على أن يشارك برأيه حول أغلب الأعمال الفنية بخلاف المسرح سواء كانت سينما أو تلفزيون أو غيرهما، حتى وإن كان عن طريق صفحته الشخصية على موقع تواصل فيسبوك، فكان كثير التفاعل، عاشقا للجدال والنقاش المربح الذي لا يفسد للود قضية والاختلاف الذي لا ينتج عنه خلاف، بل يولد آراء جديدة تصب في مصلحة العمل.
كما كان يسعى للنهوض بالحركة المسرحية المصرية والعربية وشارك في الكثير من الأنشطة الدولية والمحلية المسرحية، ومن ثم رحل عزمي عن عالمنا في عامه التاسع والأربعين، لكن سيظل عزمي حاضرا بين الجميع، حاضرا بعلمه وإنجازاته وثقافته ووعيه الدائم بقيمة العمل الفني رغم غيابه الجسدي، وسيظل مؤثرا في كل من مر بحياته، فهو الذي تحدث عن الأمل مرارا وتكرارا ثم رحل ليضع لحياته نهاية درامية تثير الحزن والأسى في نفوس أحبائه.
رحل ولكن أعماله وإسهاماته وكلماته ما زالت تحيط بالجميع وتتردد حوله وعندما تقع على مسمع أحد يتذكر على الفور «حازم عزمي» الغائب الحاضر والمؤثر.

 


منار خالد