الاستعانة بخبراء من الدول المتقدمة للتدريب في مصر هل هو الحل الأمثل لتطوير المسرح المصري؟

الاستعانة بخبراء من الدول المتقدمة للتدريب في مصر هل هو الحل الأمثل لتطوير المسرح المصري؟

العدد 568 صدر بتاريخ 16يوليو2018

شهدت فترة منتصف القرن الماضي إرسال عدد من المخرجين المسرحيين إلى بعثات للخارج، فأرجع إليهم كثير من المحللين والنقاد تطور شكل المسرح في مصر وانتشار مناهج ومدارس مسرحية جديدة ومختلفة. ثم توقفت البعثات تماما، وهو ما وصفه البعض بأنه وقوف ضد التطوير. ثم واصل مركز الهناجر في فترة رئاسة د. هدى وصفي، إرسال عدد قليل جدا من المسرحيين في بعثات للخارج في عناصر الإضاءة والديكور، ثم توقف ذلك أيضا، يكتفي من يرغب في التعلم بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، كما يلتحق البعض بالورش التي تعلن عن نفسها دون التأكد من أهلية القائمين عليها للتدريب، أو يلتحقون بالورش التي تقام على هامش فعاليات المهرجانات المصرية، التي لا يمكنها استيعاب الأعداد المتقدمة، وقد تساءل كثيرون في الفترة الأخيرة: لماذا لا يتم الاستعانة بخبراء ومدربين من الدول المتقدمة مسرحيا والاعتماد على نظام الورش إذن، عوضا عن نظام البعثات؟ وهل تكفي الورش التي يدرب فيها خبراء أجانب للنهوض بالأمر؟ 
«مسرحنا» التقت بعدد من المهتمين لاستطلاع آرائهم.
د. جمال ياقوت قال: الورش والدورات التدريبية أمر جيد ومفيد جدا لأنه يعرفنا بالمناهج المعاصرة في مجالاتنا، فالكثير من الأشخاص وحتى المدرسين الأكاديميين وقفوا عند مرحلة التلمذة ولم يجددوا معلوماتهم، ولذلك فالورش تعطي فرصة للاحتكاك بالتجارب الأخرى طالما لا تقوم الدولة بدورها في إرسال الشباب للخارج للحصول على دورات تدريبية والتعرف على المناهج الجديدة مثلما كان يحدث من قبل عندما سافر سعد أردش وكرم مطاوع وغيرهما. أضاف: لنأتِ بالمدربين ليستفيد منهم أكبر عدد من الشباب، نعم لن تكون مثل البعثات لأنها الأوسع والأفضل، ولكن «نصف العمى ولا العمى كله»، ولكن شريطة أن يحدث ذلك بشكل عادل فلا ينضم إليها الأحباب والأصدقاء ويحرم منها المجتهدون والموهوبون، ويعلن عنها بشفافية تامة. 
أما عن أكثر العناصر احتياجا للورش، فقال: المجال الذي سيجد رواجا كبيرا هو التمثيل بينما العناصر الأكثر احتياجا فهي عناصر السينوغرافيا، الديكور، الماكياج، الملابس، الإضاءة، والدراما الحركية والموسيقى. أما عن الآلية، فقال: تختلف من شخص لآخر حسب الجهة المنظمة وكل برنامج تدريبي له خطته وفقا للميزانية والمكان المتاحين والمدربين، وأعتقد أن الجهات الرسمية يجب أن يكون لها دور فاعل في هذا الأمر مثل البيت الفني للمسرح ومركز الإبداع الفني، مضيفا: يوجد في اليونان ما يسمى بالمهرجان الدولي لصناعة المسرح، وتقوم عليه مدرسة خاصة باسم مدرسة مسرح التغيير بأثينا، ويقام في شهر يونيو من كل عام، وحاليا يتم التنسيق لمشاركتهم وعمل نسخة مصرية من المهرجان في مصر، وسيتم الاستعانة بخمسة عشر مدربا أكاديميا من مختلف الدول القوية مسرحيا كإنجلترا وفرنسا وآيرلندا وروسيا، على أن تقسم مجموعة المتدربين لثلاث مجموعات كل منها خمسة عشر متدربا وكل مجموعة يدربها أحد المدربين على أن يمر عليهم جميع المدربين في شتى عناصر العمل المسرحي، وسيبدأ البرنامج التدريبي يوميا من الساعة التاسعة صباحا حتى الثامنة مساء، وبعد انتهاء البرنامج التدريبي نقدم عرضا مدته ربع ساعة من إنتاج الورشة، وقد أعلنت عن انضمام أعضاء جدد للمدرسة ممن سيخضعون للتدريب على أيدي أجانب على أعلى مستوى، لأننا نقدم خدمة حقيقية، أولا: من خلال مهرجان «مسرح بلا إنتاج» الذي سيقام على هامشه ملتقى صناعة المسرح. وثانيا: المدرسة تهتم بتقديم الورش التدريبية ومسرح الأطفال حيث سيفتتح فرع الإسكندرية خلال أغسطس القادم ثم فرع القاهرة في أكتوبر، وقريبا سنعلن عن مهرجان دولي لمسرح الطفل.
وتساءل المخرج شادي الدالي:
من سيقوم بهذا الدور وينظمه.. هل هي وزارة الثقافة أم يتم بشكل حر؟ مضيفا: تخرجت في كلية الفنون الجميلة، وعملت بالمسرح منذ طفولتي، وشاركت مع فرقة أتيليه العظيمة بكلية الفنون الجميلة، وأعمل بمسرح الدولة كممثل منذ عشرين عاما، وحتى عشر سنوات مضت كان يتم الاستعانة بخبراء من دول أجنبية أكثر تطورا في المسرح، وكثير من المدربين حضروا إلى مصر، بالإضافة إلى أن الهناجر كان من أهم الأماكن - فترة رئاسة د. هدى وصفي – التي تقوم بإرسال البعض للخارج، وكذلك كانت بعض المراكز الثقافية تحضر خبراء من الدول التي تحمل اسمها مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا، وأنا انضممت لعدد كبير من الورش التي لم تكن مجرد ورش بل كانت تقدم اختبارات صعبة واكتسبت منها الكثير، إلى أن حصلت على بعثة لهولندا وكانت من خلال أشخاص عرفتهم أثناء تلك الورش، كما حصلت على ورش في الكتابة المسرحية والتمثيل، وفي الموسيقى والتعبير الحركي وكان يحاضر فيها متخصصون في الأداء الحركي والرقص الحديث، وكانت القاهرة حينذاك مكانا مهما لاستقبال الورش من هذا النوع، وكان الأمر ينعكس بشدة على العروض التي يقدمها الشباب في تلك الفترة، بينما اليوم اختفت وقتلت هذه الورش، لذلك فإن مسألة استقطاب مدربين وخبراء للتدريب على مختلف عناصر المسرح أمر مهم وضروري، وأنا مستعد شخصيا للمشاركة في ذلك. 
وأضاف «الدالي»: أكثر العناصر التي أرى أن إقامة ورش خاصة بها أمر ضروري هي التقنيات، لمحاولة القرب من التقنيات الحديثة مثل عناصر السينوغرافيا، ويليها الإخراج، والتمثيل الذي يعتبر العنصر الأقل حاجة للورش، لكن بالتأكيد كل شيء في تطور مستمر، لأنه حينما نشاهد عرضا للشباب نكتشف أن كل منا في مكان مختلف على الرغم من أن بعض أصدقائي الأوروبيين عند زيارتهم للقاهرة أبدوا إعجابهم بزخم الأحداث والمشكلات الاجتماعية التي تخلق مناخا خصبا للدراما بعكس دول أخرى توصلت لحلول لكل مشكلاتها ولم يعد لديهم ما يقدمونه. 
وتابع: أما عن الآلية التي يتم بها ذلك، فقد أصبح الأمر سهلا مع سهولة التواصل عبر مواقع الإنترنت مع مواقع المسارح الهامة في العالم، بالإضافة للجامعات والمدارس، فالفرصة متاحة لتواصل مع المسئول عن إقامة تلك الورش والمكان المراد استقطاب خبراء منه، بالإضافة لضرورة أن يتاح مسرح أو اثنان لهذا الأمر على أن يكون الهناجر أحدهما لأنه منارة لذلك، ويتم التركيز على التجارب الشبابية وأن تتضمن الخطة برنامجا كاملا للورش على مدار العام. وبالمناسبة، أنا أستنكر أن يكون لدينا معهد واحد فقط للفنون المسرحية ومعهد للبالية لاستحالة استيعابهما كل المواهب.
وأكد المخرج محمد جبر أيضا على أن إقامة الورش المسرحية أمر مهم جدا، وتمنى أن يكون هناك برنامج لاستضافة خبراء من الخارج لتوسيع قاعدة الأفكار الجديدة والفكر المسرحي المختلف، بالإضافة للاحتكاك بثقافة وأشكال أخرى تجعلنا نفكر خارج الصندوق، شرط أن يعلن عنها بشكل جيد وأن يشارك بها الجميع للإفادة، وأن تكون الاختيارات صحيحة وأن نلجأ لمن يملك جديدا في عالم المسرح ولديه من الخبرات ما يفيد به شباب المسرحيين، وليس لمجرد تبادل المصالح. 
أضاف: أما أكثر العناصر التي تحتاج للورش، فأرى أن جميع العناصر مهمة لمعرفة آخر التحديثات، وقد يختلف عنصر السينوغرافيا بعض الشيء، حيث يعتبر في الخارج تخصصا منفصلا وعنصرا بسيطا لا يعتمد على الديكور بل يمكن للممثلين أو المخرجين القيام به، وهو من العناصر المهمة التي يمكن الاستعانة فيها بخبراء، موضحا أن آلية التنفيذ لن تشكل عائقا ولا فارقا، وأن الأهم أن تتم، لأننا ننتظر أيا من الفعاليات لنتعلم ونشاهد التجارب الأخرى ونكتسب منها الخبرات أيا كان الشكل التي تقام به.
فيما قال المؤلف أشرف عتريس:
في اعتقادي أن الاستعانة بخبراء لإقامة ورش وتدريب المسرحيين هي الحل الوحيد الآن، إذا كان هناك رغبة في تطوير المسرح في مصر وتأهيل مريديه، كما أنها ضرورة حتمية لنهضة مسرحية حقيقية تعويضا لزمن فائت انتهت كل صلاحياته واندثرت معالمه، وأصبحنا نسخا مكررة، ولا عيب في الاستعانة بخبرات مسرحية أجنبية (ننبهر) بها في المسرح التجريبي الذي أصبح وجوده أمرا حتميا أيضا، فلقد كنت وما زلت مع فكرة مشاهدة تجارب أخرى، وبعدها يأتي التقييم، وهذه الورش بالفعل سوف تعيد الدماء إلى عروق العاشق لفن المسرح على الخشبة، بلا استشهاد مجاني؛ بمعنى أن الممثل والمخرج والملحن والمؤلف والكيروجراف والديكوريست وكل عناصر العملية الفنية، سوف يستفيدون جميعا إذا ما خلصت النيات واتضحت الرؤية بغية الإفادة للجميع دون تمييز. 
أما عن أكثر العناصر حاجة للورش، فقال: جميع عناصر العملية المسرحية من إخراج وديكور وموسيقى وإضاءة وأزياء وإدارة مسرحية (على الخشبة)، بالإضافة لفني المسرح (الميكانست)، الكل يحتاج إلى هذه الدورات أو الورش بما في ذلك الكتابة، ولا عيب في ذلك، فلم يعد المؤلف هذا الذي يعتلي برجه العاجي كي يكتب عن عوالم فضائية ولا نعرفها وينبئ كالشاعر – كل هذا لم يعد موجودا – المؤلف له أن يعيد ترتيب أفكاره وفق اللحظة الآنية والواقع الذي يعيشه والعالم الذي قد يأمله على أرض الواقع، وأؤكد على أهمية هذه الورش للجميع بلا تمييز كي نستفيد جميعا.
«حجر» في المياه الراكدة
واتفق مصمم الإضاءة عز حلمي حيث قال: إن استقدام مدربين وخبراء مسرح مهم جدا لمهنتنا بجميع تخصصاتها، لأننا طوال الوقت نشاهد بعضنا دون أي تطوير أو اطلاع على ما وصل إليه المسرح العالمي من آليات وتقنيات، واستقدام مدربين بمثابة إلقاء «حجر» في المياه الراكدة. 
أما عن أكتر العناصر المسرحية التي تحتاج لذلك، فقال: الإضاءة والصوت والميكانيزم وتقنيات المسرح عموما، فكل يوم هناك جديد. أما عن الآلية، فقال: المسئول عنها وزارة الثقافة، لكن للأسف تطوير البشر والاستثمار فيهم آخر اهتماماتهم، حتى من يحاول تطوير نفسه يعرقل بالروتين العقيم الذي عفا عليه الزمن.
فيما أشارت الناقدة أمل ممدوح إلى أن استقدام المدربين والخبراء من الخارج يعوض الكثير من نقص الاتصال بالخبرات العالمية واكتسابها، جراء قلة البعثات وتقليصها، وترى أن استقدام الخبرات العالمية الحقيقية المنتقاة لا الخارجية فقط، أمر شديد الأهمية والإفادة وقوي التأثير كي لا نظل نجتر آلياتنا وأفكارنا القديمة بينما تجاوزها العالم وتجاوز فلسفتها، مضيفة: لا بد لنا من التطور الجاد والسريع والانفتاح على خطوات المسرح العالمي للنهوض بالحركة المسرحية كما يجب. 
تابعت «ممدوح»: أما عن أهم العناصر، فأرى أن الممثل يحتاج للمزيد من تدريبات الحركة والأداء الجسدي بما يناسب مناهج الأداء المختلفة والجديدة، الأمر ذاته الذي يحتم قبل ذلك توفر ورش الإخراج وفق هذه المناهج، كذلك نحتاج للحاق بركب التطور السريع في المنظر المسرحي والسينوغرافيا والخدع المكانية والإخراجية كي تتجدد الدماء القديمة بشكل ومضمون حديثين، أما آليات حدوث ذلك فلا بد أن تستمر هذه الورش طوال العام ولا تنحصر في المهرجانات فقط، وأن تضطلع بها فروع قصور الثقافة لا في العاصمة وحدها.
تدريب الكوادر الإدارية والتسويقية
فيما قال المؤلف والمخرج أشرف حسني: فكرة الاستعانة بخبراء من الخارج لإقامة ورش للمسرحيين جيدة ولكنها لا تستطيع أن تملأ محل البعثات، ففي النهاية هي ليست دراسة وافية، كما أنني أرى أنه قبل أن نؤهل عناصر المسرح المتميزة فنيا لا بد أن يكون لدينا ورش لتدريب العناصر والكوادر الإدارية والتسويقية لأنها لا تقل أهمية، فمسرح الثقافة الجماهيرية والمسرح في مصر بشكل عام يعاني من التخبط الإداري المستمر، إلا في بعض الاجتهادات من أشخاص يحاولون تذليل العقبات، ولكن مع الأسف المنظومة ككل تحتاج لإعادة النظر، بالإضافة لوضع خطط منظمة وطويلة الأجل. وأضاف حسني: الفنانون مصابون بالإحباط طيلة الوقت بسبب تغيير الإدارات الذي يعقبه دائما تغيير في الخطط والتوجهات والعودة لنقطة الصفر لنبدأ من جديد، وأتمنى أن يستعينوا بمدربين أجانب لتدريب العناصر الفنية وأيضا الكوادر الإدارية والتسويقية.
فيما قالت مدربة الرقص المعاصر كريمة بدر: تقام بعض الورش خلال المهرجانات ويقبل عليها الكثيرون، وأرى أن استقدام خبراء ومدربين من الخارج لتدريب الشباب المهتمين بالمسرح سيعود بالنفع على المسرح والمسرحيين وعلى بلدنا، فهناك عدد كبير سيستفيد منها خاصة مع غياب البعثات، حتى وإن وجدت فلن ترسل أعدادا كبيرة ممن يمكن للورش أن تشملهم. أما عن العناصر الأولى، فقالت: جميع العناصر الفنية من تأليف وديكور وسينوغرافيا وإخراج وتمثيل وتصميم حركي، تحتاج إلى التدريب، ويجب استقدام مدربين وخبراء لها، ولكن لا بد أن يكون هناك جهة مختصة لتنظيم الأمر، حتى وإن لم تقدم الخدمة مجانية وقدمتها بأسعار رمزية.
وأضافت بدر: من خلال تجربتي في مهرجان شرم الشيخ الدولي تقدم للورش عدد كبير من المهتمين، ولكننا لم نستطع قبول الجميع لمحدودية العدد المطلوب نظرا لإقامة المهرجان خارج القاهرة، مما يعرقل مسألة توفير إقامة لهذا العدد، فالجميع يحب التعلم والمعرفة والورش تتيح نقل الخبرات سواء منا إليهم أو العكس.
 


روفيدة خليفة