العدد 567 صدر بتاريخ 9يوليو2018
ينتهي عرض “الحادثة” للينين الرملي والمخرج عمرو حسان (الذي قدم على خشبة مسرح الغد)، بظهور صورة الفتاة في عمق منطقة التمثيل في مكان صورة الخاطف معلقة على الجدار، لتبدأ لحظة الكشف للجمهور في المسرحية، فما كان يتابعه الجمهور منذ بداية العرض أصبح في غير موضعه، فتلك الشاشة في بداية العرض التي قدمت فتاة يتم خطفها من قبل شاب، لم تعد حقيقة، بعد ظهور صورتها في العمق مع نهاية العرض حيث يتم معارضة هذا المعنى، فمن قام بالخطف هي الفتاة ذاتها، بما يعنى أنها هي من خطفت الشاب وليس العكس، وعلى ذلك فإن كل تلك المدة السابقة في متابعة العرض هي عالم مزيف يتم أدؤه بصدق فني.
تلك الحالة تسمى “الالتباس” حيث يجهل المتلقي معلومة أن الخاطف هو الفتاة وليس الشاب، وهكذا يتولد نوع من متعة الترقب لدى المتلقي حينما يتم الكشف من خلال تبادل الصور في عمق مساحة التمثيل، هنا تبدأ الفتاة في تقمص ثلاث شخصيات في آنٍ معا «كنوع من الهلوسة»، تأكيدا على كونها هي المريضة الخاطفة وليس الشاب.
فيما يسبق على «مشهد النهاية أو الكشف» وفي خضم أحداث المسرحية، يتولد عن فعل العزل والعقاب والشعور بالوحدة، ذلك ما تحصل عليه الفتاة في خضم التباس إدراك الجمهور بأنها المخطوفة، فيحدث لها نوع من الخضوع باسم الحب فرضه عليها الشاب وصولا لحالة الاعتياد على تلك المفروضة عليها وعدم القدرة على الخلاص منه.
جرب أن تعزل أيا من بني البشر في مكان لا يوجد به إلا أنت، مارس نوعا من البطش والترهيب، اقنعه بأنه لا مفر منك إلا أنت.. بعد فترة من الزمن اترك له الحرية في أن يهرب، هل سيهرب؟ قد تجده باستمرار المحاولة طيعا مرنا غير قادر إلا على فعل الخضوع لك، هذا ما رأيناه في الفتاة المخطوفة التي رفضت حب الشاب في البداية ثم قبلته بدافع الخوف، من الوحدة والعزل أو الخروج إلى صحراء لا تعرفها تواجه فيها الموت، لذلك وبدافع الخوف من مواجهة المجهول تنهار الفتاة ولا تحاول الهرب، على الرغم من أن مفتاح حريتها في يدها.
لذلك، فعندما يخرج الشاب ويترك لها الباب مفتوحا فإنها لا تخرج “فالوعي بالحرية مثير للقلق” كما يقول سارتر، لقد أصبح لدى الفتاة حرية الخضوع لمنطق “المخادعة” فقبلت به في هذه اللحظة من الضعف الإنساني، وتعاملت مع هذا الحب المفروض وكأنه حقيقة واقعة في أسرها، وأصبحت مُستلبة الإرادة.
من ناحية أخرى، يلقي العرض بالضوء على موضوع الإتجار في الآثار المصرية، وهي الوسيلة التي تظهر بها شخصية الخواجة الذي تستنجد به الفتاة في خضم خداع الجمهور بأنها المخطوفة.
وعبر كل ذلك، يكثف مخرج عرض “الحادثة” لحظاتها الدرامية بشكل ملحوظ؛ مما جعل المتلقي يتابعها باهتمام إلى النهاية.
على مستوى الأداء التمثيلي، فقد قام بدور “عاصم” مصطفى منصور بأداء متقن يتنوع بين ثلاث شخصيات يؤديها في اللحظة ذاتها بالتناوب، تتبدى تلك الشخصيات أمام المتلقي نظرا لأن شخصية عاصم، لديها مرض نفسي يجعلها تنشطر إلى ثلاث شخصيات في جزء من الأحداث يؤديها عاصم ذاته، وفي جزء آخر ينثر المخرج هذه الشخصيات في منطقة التمثيل من خلال ثلاثة مؤدين “يحيطون المخطوف” وكأنهم محاصرون له إمعانا في إرعابه ليخضع لمنطق الخوف ومن ثم القبول، كذلك أدت دور الفتاة المخطوفة “زهرة” ياسمين سمير بتنوع أدائها وفق اللحظات الدرامية المختلفة، بتمكن واضح، كما أدت ريهام أبو بكر دور «الفتاة اللعوب» بأداء ممزوج بالكوميديا والتمكن من الأدوات التمثيلية، وأخيرًا قام بدور “مستر جون” فتحي الجرحي، وقد أداه بإتقان واضح.
المادة الفيلمية لشادي أحمد عبرت عن لحظة اختطاف الفتاة في بداية العرض، وهو ما نكتشف عكسه في النهاية، وكانت اللحظات قليلة ومُكثفة في إطار المادة الفيلمية، كذلك نجح الديكور لمحمد فتحي في التواؤم مع طبيعة إبراز كون المنزل معزولا عن العالم في الصحراء، كذلك تميز المكياج لإسلام عباس مع شخصيات الأشباح، أو تلك الشخصيات التي تتلبس الخاطف، وترعب المخطوف.