في عودة الإله.. كاليجولا في مرآة نيرون

في عودة الإله.. كاليجولا في مرآة نيرون

العدد 566 صدر بتاريخ 2يوليو2018

في محاولة لتجسيد الرفض التام لقوى الشر في صورة ممثلة في الحاكم الإله الظالم نيرون، ولتجسيد الثنائية الدائمة والمستمرة بين الحاكم والمحكوم، الإله الحاكم بقبضة من حديد على شعب ضعيف يتألم يوما بعد يوم، كانت لآلمه نهاية بانفجار غضبه والانقلاب على ذاك الحاكم وقتله، قدم فريق كلية التجارة بجامعة المنوفية في المهرجان المسرحي للجامعة عرض «عودة الإله» تأليف محمود السبروت وإخراج محمد المنوفي، لمحات من قصة الحاكم نيرون الذي ينتمي في أصله إلى كاليجولا ذاك الحاكم السادي إبان فترة حكمه ومراحل استسلام نيرون دوما لتلك الأفعى التي تخرج له من مرآته متمثلة في شخصية خاله كاليجولا، ويتبع كل ما يقوده إليه ليتفشى ظلمه وطغيانه الذي يؤدي به أن يحرق مدينته بغية الوصول إلى مراده القمر.
وجايوس يوليوس قيصر أو ما يُعرف بكاليجولا، هو ذاك الإمبراطور الروماني الثالث وعمّ نيرون الإمبراطور المشهور بإحراقه لروما، الذي قيل عنه إنه أشهر طاغية عرفه التاريخ الإنساني القديم، عُرف بوحشيّته وغبائه وجنون العظمة المنتشر في نفسيّته بدون أي ضوابط أو شرائع أو مُحددات أخرى، وهذا ما يطرحه يؤكده العرض المسرحي “عودة الإله” ويناقش هذا الإرث الدموي الذي سلمه كاليجولا لابن أخته نيرون فظلم وطغى وأكثروا الفساد في البلاد وصب على رؤوس محكوميهم ألوان العذاب. وعن هذين الحاكمين وسماتهما الشخصية وفترة حكم نيرون وفساده في الأرض إبان حكمه لروما في العقد الأول والثاني من القرن الثاني عشر ميلادية، حاول أن يقدم المخرج محمد المنوفي العرض المسرحي «عودة الإله» على نحو مغاير بسيط في العلاقة العائلية بينهما، وفقا لتتابع أحداث نصه المسرحي، ليضعنا أمام التجاوزات المحرمة فعلتها وتصدر فتوى من قبل السلطة الدينية لإجازتها خوفا من بطش نيرون ليحل له ما حرمته العقيدة السائدة آنذاك، وهو أن تتزوج المرأة “والدة نيرون” ابن اختها لتصل ثانية إلى الحكم بعد أن كانت طردت خارج البلاد في حياة كاليجولا، وتكتمل الأحداث في سيرها المتوقع من كثرة الظلم، ما يؤول إلى غضب الشعب الروماني عقب حريق نيرون لروما، فيقومون بالثورة عليه وقتله في صورة مسرحية قوية قدمت في تشكيل جسدي هرمي من جميع الممثلين، قتل نيرون أعلاه دل على الدقة في تدريب جسد الممثلين بالفريق وانسيابية تامة في تناوب التشكيلات وقوتها.
ومثلما كان كاليجولا نموذجا في الشر والغباء وجنون العظمة المُجسمة في هيئة رجل، وكنتيجة طبيعية لهذه الصفات استبدّت به فكرة أنه إله على الأرض وورث ذلك لنيرون وصل به عقب عدم تمكنه من الحصول على القمر آخر ما ابتغى وتمنى بالعرض بعد أن أقر بأنه آله آخر للرومانيين له ما يؤمر به ويقول كن فيكون.
“عودة الإله” هي محاولة جادة للنبش في أغوار النفس البشرية الطاغية والبحث عن أصول هذه الشرور ومنبتها ومحاولة إدراك بعض أبعادها النفسية وتنامي هذه الأبعاد من نشأتها في طفولتها وشبابها وتحقيق نزواتها حتى نهايته المأساوية والثأر منه بقتله من شعبه الجسور الذي تكبد فساده.
دارت أحداث العرض المسرحي “عودة الإله” داخل إطار سينوغرافي ثابت شكل الديكور فيه كتلة كبيرة ثابته من اليمين إلى اليسار في خلف المسرح أمام البانوراما السوداء اتسمت بالجمود وارتفاع الفساد وسطوته على الشعب طوال العرض في مجابهة حالة الغضب والسخط تميز بها شخصيات الدراما داخل نص العرض، وكثير من الصخب القائم في أحداث العرض المسرحي التي قدمها العرض كان يتغير تشكيله فقط باستخدام بؤر الإضاءة التي تميزت باحترافية على توزيع الكشافات واستخدام متنوع وجيد للألوان بخاصة اللون الأحمر في غالبية العرض مع نيرون وكاليجولا.
تميز عرض «عودة الإله» بتدفق الإيقاع البصري والتشكيلي للمشهد المسرحي، ولكنه كان يتجلى إضاءة وتشكيلا جسديا وميزانسين حركة لبعض الشخصيات الدرامية بالعرض فقط، كان أكثرها وضوحا على نحو كبير شخصية كاليجولا الذي قدمها الطالب محمود السبروت هذا الحاكم الغائب بموته الحاضر من داخل مرآة نيرون في المشهد الذي تميز بالمرونة العالية في جسده والأداء الأكثر قدرة على الحفاظ على إيقاع العرض من بداياته لنهايته والتنويع المتميز في رسم خطوط حركته عن بقية شخصيات العرض بين مساحة الفضاء المسرحي يمينا ويسارا وأعلى وأسفل المسرح وفي الفراغ ووصل في بعض الأحيان لتعلقه على حبل مدلى من سقف المسرح والبقاء عليه صعودا وهبوطا دلالة على محاصرة صورة هذا الحاكم غير الحي لابن اخته نيرون ليزج به إلى طغيان وسادية مستمرة، لكن العرض نحى الاهتمام بالتطور والنمو في إيضاح وتدريب بقية الشخصيات الدرامية بالعرض مثلما ولى اهتمامه لتقديم شخصيتي كاليجولا ونيرون.
وقدم العرض بملابس بسيطة ناسبت في تفاصيلها الزمان والمكان المسرحي وعدم زخمها كما عرف بالرمان في ملابسهم الحربية، لكنها معبرة بعض الشيء عن ملامح العصر الروماني التي غلب على كثير منها اللون الأسود للشعب والوشاح الأحمر لنيرون الحاكم.
قدمت موسيقى العرض بعض المقطوعات المنتقاة من الموسيقى العالمية وإن بدت في بعض منها أنها غير غربية أو ملائمة للعصر الروماني المقدم فيه القصة المسرحية، وأن بها طابع الشرق الأقصى التي ابتعدت عن الزمان والمكان المسرحي للعرض.
“عودة الإله” العرض الفائز بالمركز الأول في مهرجان الفنون المسرحية بجامعة المنوفية لعام 2018 أشعار أحمد عمر، ديكور شادي قطامش، تأليف موسيقى أحمد عماد، إضاءة عز حلمي، تأليف محمود السبروت، إخراج محمد المنوفي.
 


همت مصطفى