يوم معتدل جدا.. على أوبرا ملك

يوم معتدل جدا.. على أوبرا ملك

العدد 565 صدر بتاريخ 25يونيو2018

على مسرح أوبرا ملك تم افتتاح العرض الثاني لمشروع مسرح الشباب من إنتاج البيت الفني للمسرح، وتحت رعاية مؤسس المشروع ومدير مسرح الشباب عادل حسان. العرض فكرة وإخراج سامح بسيوني، ومن تأليفه بالاشتراك مع المؤلف سامح عثمان، ديكور وائل عبد الله، أشعار سامح عثمان، ألحان كريم عرفة، أزياء ميما محمد، إضاءة وليد درويش، دعاية أحمد نور.
والأداء تمثيلي: كمال عطية في دور معتدل، محمد رشدي: الأب، نور الديريني: خطيبة معتدل، أحمد أيوب، هشام طارق، يوسف عادل، أحمد شبانة، أمير حمدان، عبد المنعم هشام، صلاح عبد الوهاب، زمن طاهر، آلاء أشرف، هبة العطار، روان رضا، محمود خلفاوي، محمد زين، أدهم شكر، أغنية، محمود نجيب، نورهان سالم، ومينا عطية. مساعد مخرج حسام الطحان، ومخرج منفذ: مصطفى فهمي عبد الحميد.
العرض يبدأ بالشاب معتدل ذاهبا إلى صديقه ليحكي له ما مر به من ضغوط يومية في المنزل والعمل والشارع ومع حبيبته أيضا. يتركه صديقه في محل الملابس الذي يعمل به ويذهب للحصول على قطعة من الحشيش ويبقى معتدل بمفرده فينام من التعب ويبدأ العرض/ الحلم. العرض يتكئ على أربعة مشاهد رئيسية لمعتدل مع أبيه في المنزل، ومع زملائه في العمل، ومع حبيبته في الشارع، ثم في منزل الحبيبة لخطبتها.
لجأ المخرج إلى حيلة الإعادة الموازية بطول العرض في كل المشاهد ليتم عرض كل مشهد بطريقتين: الطريقة العادية التي نمر بها في حياتنا اليومية، والطريقية التخيلية التي نتمنى أن تسير بها الأمور، ففي مشهد الأب مثلا يوقظ ابنه معتدل معنفا له عن تأخيره ليذهب إلى عمله رافضا معه الحوار بشأن خطبته للفتاة التي يحبها، ويبدأ المشهد الموازي بعدما تتدخل الملائكة الصغيرة التي تتسرب إلى الحلم فيصبح الأب نموذجا مختلفا تماما يوقظ ابنه بلطف ويجهز له الإفطار ويتقبل الحوار معه ويرضى بخطبة ابنه من الفتاة التي يحبها رغم ظروفه المتعسرة، وهكذا، ففي مشهد معتدل مع زملائه ومديره في العمل في المشهد الأول يعنفه المدير ويحيله إلى التحقيق لأنه يكشف سلبياتهم ومخالفاتهم في العمل بينما المشهد الآخر يكرمه المدير على نشاطه واجتهاده رغم حضوره للعمل متأخرا عن زملائه من باب أن يأخذ كل ذي حقٍ حقه.. وكذلك مشهد الشرطة التي عاقبت معتدل وحبيبته لأنهما يسيران في الشارع بدون ارتباط رسمي عندما تعرض لهم بعض المشاغبين بالضرب والمعاكسة وأمرت بحبسهما وضرب معتدل وتعذيبه وإطلاق سراح المشاغبين كان المشهد الموازي احترام الشرطة لهما ولكل المواطنين واعتذار الشابين المشاغبين لمعتدل عن سوء التصرف.. حتى انتهى الحلم برفض والد العروسة تزويج ابنته إلى ابن تاجر المواشي المتعجرف رغم احتياجه للمال ووافق على تزويج معتدل لابنته رغم ظروفه المتعسرة.
العرض يدور في فلك الحياة النمطية التي نحياها، هي مشاهد متكررة للجميع. الجميل أن المخرج أراد أن يضعنا أمام أنفسنا للمقارنة ماذا لو أننا واجهنا المواقف الذي نمر به بطريقة أخرى أو تلفظنا بكلمات أكثر اتساقا وهدوءا قبل أن نتسرع في الرد على الآخرين، تماما كلاعب الشطرنج الماهر فلكل كلمة سحرها على الروح، ربما ستسير أمور الحياة بشكل أكثر جمالا واتساقا، بل وتدفعنا للتصالح مع أنفسنا ومع الآخرين وتجنبنا الوقوع في مشكلات كثيرة.
العرض نتاج ورشة قام بها المخرج لمجموعة كبيرة من الشباب معظمهم وقفوا على خشبة المسرح للمرة الأولى لم نستطع التمييز فيما بينهم لمهارتهم خلال المباراة التمثيلية التي قاموا بها على خشبة المسرح والتي تؤكد التدريب المكثف الذي قام به بسيوني كعادته في كثير من عروضه الإخراجية، فالعرض في حد ذاته مباراة تمثيلية كانت هي الأساس لتثبت الطاقات التمثيلية الهائلة التي يتم تصنيعها في عروض مسرح الشباب أداء الممثلين كان متوهجا وممتعا طوال العرض، فجميعهم على قدر كبير من الإحساس بقيمة الوقت وقيمة الفكرة ولديهم القدرة على جذب الجماهير بأداء حركي وصوتي ونفسي جميل وهو العامل الأقوى في رأيي.
النص جمع شرائح متعددة للبشر الذين نقابلهم في حياتنا اليومية لذا جاءت الملابس المتميزة لميما محمد حيث إنها عرضت تلك الشرائح المجتمعية كما نراها فلم تخرج عن إطار الواقعية لا سيما إضافة روح الكوميديا على موتيفات الملابس كوالد العروسة مثلا وأهل العريس تاجر المواشي.
أشعار سامح عثمان أضافت كذلك إلى العرض روح الجمال التي اعتاد عليها مع ألحان كريم عرفة بينما جاء الديكور الذي صممه وائل عبد الله داخل محل الملابس متقنا وبسيطا لكنه تم استغلال أركان الساحة المسحية من أقصى اليسار واليمين إلى مقدمة المسرح طوال العرض مما أضاف الحيوية كما في أغنية “سيلفي” التي أداها الممثلون مع الجمهور في الصالة.
إتكاء العرض على الحلم أيضا لم يفصلنا عن أرض الواقع على العكس أخذنا إلى الواقعية أكثر لكنها كانت واقعية جميلة ورائقة تماما تجعلنا نتريث كثيرا قبل أي رد فعل نقوم به في حياتنا حتى يكون كل يوم في أيامنا معتدل جدا كيوم سامح بسيوني. تهانينا لكل فريق العرض ويكفي أن عروض الشاب ستقدم للساحة كل هؤلاء الفنانين الموهوبين ليصبح المستقبل المسرحي زاخرا بهم.
 


عفت بركات