خريجو الخشبة يتألقون في دراما رمضان

خريجو الخشبة يتألقون في دراما رمضان

العدد 563 صدر بتاريخ 11يونيو2018

المسرح هو المدرسة الأولى لصناعة الممثل القدير، هو المعمل الحقيقي لإعداد جيل من الممثلين المبدعين في وسائط التمثيل المتعددة، فكم من نجوم كبار أمتعونا على شاشات السينما والتلفزيون وكانت بداياتهم من خلال خشبة المسرح، وفي رمضان 2018 ظهر عدد كبير من ممثلي المسرح الذين أبدعوا وتألقوا في أدوارهم على شاشات التلفزيون، وتميزوا عمن سواهم من الممثلين الذين لم يتربوا على خشبات المسارح.. ولكن ما السر في تميز هؤلاء؟ وهل صحيح ما يقوله بعض النقاد والمخرجين أن ممثلينى المسرح «أوفر» في أدائهم على شاشات التلفزيون؟ أم أنها سمعة قديمة اجتازها ممثلو هذا الجيل؟
محمود سليمان
في البداية قال علاء قوقه أستاذ بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إن التمثيل بالمسرح يتطلب طاقة كبيرة للتعبير بكل أدوات الممثل أثناء حضوره في هذه المساحة المفتوحة التي تواجه من خلالها الجمهور بشكل مباشر، فالمسرح لا يحتمل الخطأ والإعادة أما التمثيل أمام الكاميرا فيتطلب تجميع هذه الطاقة الهائلة واستغلالها في حدود الكادر التلفزيوني، ولذلك يجب على ممثل التلفزيون مراعاة حجم اللقطة التي يمثل بداخلها والتعامل معها بشكل صحيح حتى لا يرى مفتعلا أو مبالغا. وأضاف أنه قام بثلاثة أدوار مختلفة في الدراما التلفزيونية هذا العام، شخصية كوميدية في مسلسل «فوق السحاب» وشخصية رجل من الجماعات الإرهابية في مسلسل «أبو عمر المصري» وشخصية الرجل الطيب المثالي في مسلسل «أنا شهيرة أنا الخائن» ويرى أن الفضل في تميزه واختلافه يرجع إلى خبرته في المسرح ووعيه بما يتطلبه التمثيل للواسائط المختلفة، كما أضاف أنه فخور بجيل جديد من الممثلين الشباب طلاب وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية الذين أثبتوا وجودا قويا على شاشات التلفزيون، وذكر الكثير من الأسماء منها محمود حجازي وطارق صبري ومحمد ناصر وهند عبد الحليم وخالد أنور وعبد الرحمن القليوبي وأحمد صبري غباشي.
أما الممثل الشاب خالد أنور فقال إن بدايته كانت من خلال المسرح المدرسي ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، وأن التمثيل بالمسرح ساعده كثيرا ليتميز في السنيما والتلفزيون، فهو لم يجد صعوبة كبيرة في التعامل مع الكاميرا أو التعامل مع النجوم الكبار الذين قام بالتمثيل أمامهم على الرغم من الرهبة في بادئ الأمر، فالمسرح كان سببا رئيسيا في كسر هذه الرهبة بل ونيل استحسان فرق العمل التي شارك فيها خلال رحلته في عالم الميديا. 
شارك خالد أنور هذا الموسم في بطولة مسلسل «عوالم خفية» مع النجم عادل إمام ومسلسل «أبو عمر المصري» مع النجم أحمد عز، كما كانت له مشاركة متميزة مع المخرج تامر محسن في مسلسل هذا المساء الذي لاقى استحسانا كبيرا من النقاد والجماهير عندما تم عرضه في رمضان الماضي.
بينما قالت سماء إبراهيم طالبة بالمعهد العالي للفنون المسرحية «ماذا أفادتني التجربة المسرحية عند وقوفي أمام الكاميرا؟ كان هذا السؤال بالنسبة لي سؤالا مراوغا، فلقد قفز إلى ذهني حال سماعي له أنه يسأل بصورة غير مباشرة عن المعنى المعاكس، أي بماذا أضرت التجربة المسرحية تجربة الكاميرا، وخصوصا أنني تذكرت المقولة المتكررة في الأوساط السينمائية والتلفزيونية منذ زمن بأن الأداء المبالغ فيه يشار إليه بأنه أداء مسرحي! وأن المخرجين السينمائين لا يفضلون العمل مع الممثلين المسرحيين. إشاعات لها جذور فلقد كان بعض المسرحيين لا يفرقون بين اللقاء المباشر بينه والجمهور في العرض المسرحي وبين وسيط الكاميرا والمايك، إلا أنه وعلى الرغم من التطور التقني وتعدد المدارس المختلفة للأداء سواء المسرحي أو السينمائي ظلت تلك الصفة مقترنة بالأداء المسرحي وبالتالي كانت أول وأهم ملحوظة حرصت على تجنبها أثناء العمل هي ألا أترك العنان لملامحي وحركاتي وصوتي أمام الكاميرا التي تعمل بمثابة الميكروسكوب، وأن أعمل على فهم بعض الأمور مثل حجم اللقطات وزوايا الكاميرا، وفي تجربتي الحالية “أم جابر” في مسلسل “طايع” مع المخرج عمرو سلامة شعرت أثناء اللقاءات التحضيرية أننا في بروفات مسرحية نبحث عن تفاصيل وتاريخ للشخصيات وننسج ملامحها، مع الحرص على قراءة العمل كاملا قبل التصوير لفهم كافة خيوط الدراما، ذلك الأمر ساعد أثناء التصوير على استحضار الشخصية في كافة مراحلها مثلما يستحضر الممثل المسرحي شخصيته كل يوم أثناء ليالي العرض. 
إن المسرح مختبر للكثير من الممثلين يستطيع خلال العام أن يقدم أكثر من تجربة مع أكثر من مخرج تحت ظروف إنتاجية منخفضة، وبتعدد تلك الأعمال يكتسب الممثل الكثير من الخبرات تصبح زخيرته عند تقديمه لعمل تلفزيوني أو سينمائي. واستطاع الكثير من الممثلين المسرحيين اليوم عند وقوفهم أمام الكاميرات تصحيح تلك الإشاعة ليكون الأداء المسرحي هو الأداء الدرامي المؤثر.
أما عبد الرحمن القليوبي طالب بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج الذي قدمه المخرج محمد سلامة كوجه جديد في دور «شبورة» بمسلسل «رحيم» يقول إنه أصر على أن تكون انطلاقته في عالم الميديا من خلال المسرح.. وبالفعل كان عرض «الجوزة» على خشبة مسرح نقابة المهن التمثيلية هو الضوء الذي رأه من خلاله المخرج محمد سلامة ليقدم عبد الرحمن القليوبي إلى جمهور التلفزيون من خلال مسلسل «رحيم».. تميز القليوبي في أداء دور”شبورة” بشهادة الجمهور.. وهو يرى أن هذا التميز بفضل رحلته الطويلة في عالم المسرح بداية من المسرح المدرسي مرورا بالمسارح الأكثر احترافية وحتى وصوله إلى عالم الدراما التلفزيونية.
وقال الممثل أحمد صبري غباشي خريج المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، إن تجاربه في التمثيل والإخراج المسرحي كان لها فضل كبير في تميزه واختلافه كممثل تلفزيوني، كما أن ثقافته المسرحية أصقلت موهبته لمواجهة الكاميرا بلا رهبة. وأضاف أنه يجب على الممثل إدراك الفرق في التكنيك بين التمثيل للمسرح والتمثيل للتلفزيون حتى يتجنب ما يسمى بالافتعال أو «الأوفر» في الأداء التمثيلي أمام الكاميرا، شارك أحمد صبري غباشي في الموسم الرمضاني السابق في مسلسل «الزيبق» ومسلسل «قضاة عظماء» كما شارك في الموسم الرمضاني الحالي في مسلسل «اختفاء» ومسلسل «كلبش2».
وأكدت دينا أحمد خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، أن ممثل المسرح ليس مفتعلا، وأن هذه «السمعة» القديمة عن ممثلي المسرح انتهت الآن. فأغلب الممثلين المتميزين في السينما والتلفزيون كانت بداياتهم من خلال المسرح. فالتجارب المسرحية تنمي ذكاء الممثل وقدرته على الحفظ واستحضار الحالة وكسر الرهبة وثقل الموهبة والإحساس، وهذا هو سر تميز ممثل المسرح، شاركت دينا هذا الموسم في مسلسل «ممنوع الاقتراب أو التصوير» ومسلسل «أمر واقع»، وقال عنها النقاد إنها أثبتت في مشاركتها أن ممثل المسرح له طابع خاص أمام الكاميرا وبعيدا كل البعد عن الانفعال أو «الأوفر».
بينما قال إيهاب محفوظ طالب بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، إن التمثيل هو التمثيل من حيث الموهبه ولا فارق بين التمثيل في المسرح أو أمام الكاميرا سوى وسيلة التعبير، ولكن الممثل الذي سبق له تجارب مسرحية قد يتميز بسبب خبرته وامتلاكه لتكنيك التمثيل وتدريب أدواته. 
وجدير بالذكر أن إيهاب محفوظ حاز على الكثير من الجوائز المسرحية منها أفضل ممثل صاعد في الهرجان القومي وأفضل ممثل في مهرجان إبداع وأفضل ممثل في المهرجان الأكاديمي الدولي بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت.. كما شارك في أعمال تلفزيونية كثيرة منها مسلسل «الكيف» ومسلسل «قضاة عظماء» في الموسم الماضي ومسلسل «أبو عمر المصري» في هذا الموسم، وأضاف إيهاب أن تجاربه في المسرح كان لها دور كبير في تخطي ربكة التعامل مع الوسيط التلفزيوني الذي هو بالطبع مختلف عن التجارب المسرحية.
وقالت هنادي عبد الخالق أستاذ مساعد بالمعهد العالي للفنون المسرحية من الطبيعي، أن يكون هناك فارق بين ممثل تعلم أن يعمل على دور بالكامل، وبين من يعمل على مجرد جمل حوارية. ممثل تعلم أن يكون مدركا للمسار الدرامي بأكمله، ومع ذلك يدعي أنه يتفاجأ مع كل نقطة تحول، ممثل تعلم أن يتماسك حتى لو أصابه التوتر لأنه في مواجهة جمهور ولا يحق له أن يخذلهم ولا أن (يفصل)، ممثل اعتاد أن يؤدي في صمته كما يؤدي أثناء إلقائه لجمله الحوارية، فالجمهور المسرحي كاشف له طوال وجوده وليس كالكاميرا التي تبرز ما تريد، وبالتالي اعتاد أن تكون لانفعالاته أهمية ويكون مشهده حقيقيا بقدرته على التواصل الانفعالي المدربة. بالتأكيد هناك فارق بين من تعلم أن يؤدي عملا كاملا ومعقدا وطويلا في مواجهة جمهور. وبين آخر ليست لديه هذه الخبرة ولكن (الحلو ميكملش) زيادة طاقة ممثل المسرح تحتاج بدورها لتدريبات خاصة لتناسب الكاميرا.
أما محمد نبيل منيب خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، فقام بتبني فكرة جديدة لتسليط الضوء على زملائه الممثلين الذين بدأوا حياتهم الفنية في المسرح ثم تميزوا في الدراما الرمضانية، عن طريق إنشاء ألبوم كبير على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، يضم عددا كبيرا من الممثلين الصاعدين في الميديا. وقال متحدثا عن فكرته: في بداية عام 2011 قمت بمباركة بعض الزملاء الذين شاركوا في أعمال درامية في الموسم الرمضاني عن طريق نشر بعض الصور لهم على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».. وفي بداية عملي ككاستينك دايريكتور تعرفت على زملاء أكثر وممثلين موهوبين كثيرين.. وبعد عملى كـ”كاستينج دايركتور” ومشاهدة الصعوبات التي تواجه هؤلاء الممثلين ليصلوا إلى حلمهم.. وكم هو طريق الوسط الفني مليء بالعراقيل، بسبب كثرة من يدعون الموهبة وتزاحمهم مع الموهوبين الحقيقيين في الوسط الفني.. حتى تاه وسط هذا الزحام الشديد الكثير من من هم موهوبون بالفعل. ففكرت في أن أبارك لزملائي الذين قاموا بأدوار صغيرة أو كبيرة أو حتى النجوم الكبار من أصدقائي الذين أتيحت لهم الفرصة وكان ذلك لسببين الأول أن أدفع زملائي الموهوبين هؤلاء بطاقة إيجابية للعمل أكثر ومباركتهم، وثانيا أنني أعرف أن صفحتي الشخصية يتابعها الكثير من المخرجين والمنتجين الذين يمكن أن يروا هذا الألبوم ويستعينوا بمن فيه من ممثلين في أعمال جديدة أو صحافيين للتحاور معهم والمساعدة في انتشارهم وتسويقهم وبالفعل هذا ما حدث، فهذا هو العام الثالث لهذا الألبوم.. في العامين الماضيين وضعت في هذا الألبوم أكثر من 100 ممثل ومنهم من أتيحت له فرصة من خلال الألبوم ومنهم من تحدثت عنهم الصحافة. ورغم أنه يتطلب مني مجهودا كبيرا.. غير أن سعادتي بما يحققون الألبوم من نجاح لأصدقائي تطغى على تعبي ومجهودي فلا أشعر بالعناء، بل أشعر بسعادة كل أصدقائي الذين استفادوا من هذا الألبوم، وهذا هو هدفي الأساسي. 
وأكد محمد عبد المعطي أستاذ دكتور بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومن النجوم المتميزين في عالم التلفزيون والسنيما أن التمثيل في الأساس هو التمثيل المسرحي، وأنه لا يوجد بالمعهد العالي للسنيما قسم خاص بالتمثيل كما هو في المعهد العالي للفنون المسرحية، وأن مخرجي السنيما والتلفزيون يعتمدون في المقام الأول على الصورة والكاميرا، أما في المسرح فالممثل هو أساس اللعبة، لذا وجب على ممثل المسرح أن يدرب أدواته على التعامل مع هذا الوسيط المختلف «أمام الكاميرا» تدريبا خاصا.. ليعي الفارق بين تكنيك التمثيل المسرحي والتلفزيوني والسنيمائي وحتى الإذاعة والدوبلاج، وأضاف أن الممثل القادر على استيعاب هذه الفوارق في الوسيط الذي يقدم فنه من خلاله هو الممثل المتميز.
كما أضاف السيناريست والكاتب المسرحا وليد يوسف أن الممثل الذي خاض تجربة المسرح قادر تماما على التمثيل في أي وسيط آخر؛ حيث إن المسرح يبرز كل إمكانيات الممثل ويطورها، فالممثل المتميز في المسرح يتميز في أي وسيط آخر غير أن لكل قاعدة شواذا، فالممثل ذو الوهبة المتميزة يفرض نفسه على الساحة بقوة حتى إن لم يسبق له تجارب على خشبة المسرح.
وقال السيناريست والناقد رامي عبد الرازق إنه في الحالة المصرية عادة ما يكون الممثل المسرحي ذا خبرة كبيرة حيث إنه في المسرح تتاح له الفرصة للتلون وأداء الكثير من الشخصيات المختلفة، وهذا يشيد في ذاكرة الممثل مخزونا ضخما من الشخصيات المتنوعة التي يمكن للممثل استدعاؤها أثناء قيامة بالتمثيل أمام الكاميرا، فالمسرح يتطلب أداء حيا، وتكرار ليالي العرض تنمي مهارات الممثل وتمده بخبرات الأداء الهائلة سواء أداء جسدي أو تلون الصوت أو مخارج الافاظ. وأضاف أنه إذا تعاون المخرج السينمائي أو التلفزيوني الجيد مع الممثل المسرحي ستتحقق معادلة أو تركيبة جيدا جدا حيث إن المخرج الجيد يستطيع أن يسيطر على الانفعالات الحية لدى الممثل ويكيفها على قدر اللقطات وممثل المسرح يخدم المخرج بتلونه وتنوع أدائه بحكم اعتياده وتراكم خبراته على خشبة المسرح، ودلل على وجهة نظره بأننا إذا بحثنا عن تاريخ أي ممثل تميز بشكل واضح في السباق الرمضاني التلفزيوني، فستجد أنه غالبا كان له تجارب مسرحية سابقة في تاريخه الفني.
 


محمود سليمان