الكومبارس وهم وحقيقة

الكومبارس وهم وحقيقة

العدد 561 صدر بتاريخ 28مايو2018

على خشبة مسرح قصر ثقافة منيا القمح، وضمن فعاليات عروض فرق الأقاليم (المسرح للجمهور) في موسمه الثاني، قدم المخرج إيمان الصيرفي عرضه المسرحي الكومبارس تأليف إبراهيم الرفاعي وبطولة أعضاء فرقة الشرقية القومية المسرحية، ويطرح المخرج في هذا العرض فرضية: ماذا لو أتيح للكومبارس فرصة لعب دور البطولة؟ فتسرد الأحداث من ثم حكاية الخلاف الناشئ بين المخرج وأبطال المسرحية التي نتج عنها انسحاب الأبطال، وعندما أوشك العامل على غلق المسرح لإلغاء العرض فاجأه مجموعة الكومبارس برغبتهم الحقيقية في التمسك بفرصتهم التي واتتهم دون حول منهم ولا قوة وتعاونوا معا لتقديم العرض المسرحي، فشرعوا في تقديم العرض مع ملاحظة عدم وجود المخرج الذي تشاجر معه أبطال العرض الأساسيين لتبدأ أحداث المسرحية المروية بلسان المهرج مقدما المشخصين الذين ارتدوا ملابسهم أمام الجمهور، وحكت الأحداث عن حاكم يدعى الزعيم المفتح بإذن الله يعاني من الملل والفراغ، ويعاونه رئيس للحكومة وقائد الشرطة اللذان أقنعاه أن يجمع الشعب لمسابقة كبيرة ومن يستطيع إضحاك الملك وتسليته له جائزة عظيمة وعلى مستوى آخر يتم عرض حال الشعب وأحواله والمتدهور والمتردي لأبعد درجة، فهناك من يحتال على الشرطة لتحبسه في السجن لأنه أصبح المكان الوحيد المنتظم في الطعام، فيحاول إقناع الجميع أنه قتل عائلته زوجته وأولاده تحديدا بالسم وفشل في الانتحار ويريد أن يعاقب بالسجن وهناك أب يحاول بيع ابنته كجارية أو محظية باسم الزواج ليستطيع أن يصرف على بقية أبنائه، ويرفض الشباب عرضه لقصر ذات اليد وهناك زوجة تبحث عن زوجها في كل مكان في المملكة ولا تجده، وهناك ثائر وحيد يسعى وحده دائما للحصول على الحرية والكرامة له وللجميع، وتستمر الأحداث إلى أن يصطفي الحاكم الزعيم المفتح بإذن الله - وهذا اسمه في الأحداث - يصطفي أحد الرعية ويتنازل له عن الحكم وما أن يعتلي سدة الحكم حتى يقتل رئيس الشرطة الزعيم المفتح بإذن الله، وتكشف الأحداث أن من اصطفاه الزعيم حاكما هو الزوج (عبد الستار) الهارب من زوجته (شنتوفة) وهو أب للثائر الوحيد (الأدباتي) وهو جاهل لا يدرك شيئا وهو الحاكم في بلدتهم وهو الذي ما إن ارتقى الحكم ترك الثائر أو تخلى عنه أو لفظه وارتدى بنطال الحاكم كما ورد في الأحداث لتنتهي المسرحية بتساؤل المخرج: هل يستحق الكومبارس تقلد البطولة؟
جسد عرض الكومبارس فرضية شائكة حيث يهرب الكومبارس من دونية حياته والغبن المسيطر عليها بالنواح تارة مغنيا المونولوج الشهير لإسماعيل ياسين “عيني علينا يا أهل الفن” الذي عد افتتاحا للمسرحية والمخدرات تارة أخرى بغية التغييب المتعمد لعقولهم المستباحة وقدراتهم المسلوبة حتى يأتيهم خبر انسحاب أبطال العرض الأساسيين لخلافات مادية مع المخرج فيشرعون لركوب الفرصة وتقمص شخصيات الأبطال في مسرحيتهم ليتجلى غبن الواقع وواقع الغبن في لوحات منفصلة متصلة أكدت وهم الواقع المستباح قسرا والمهدر عمدا، فعد وهما حقيقيا، فضلا عن اعتناق العرض بأن الحقيقة فرضية وهمية ليست إلا دربا من دروب اللادرب واللاهدف، فدارت الحقيقة حول محورها ولم تخلُ حبكة الكومبارس من الافتعال الدرامي وميلودرامية الحدث والحديث والأداء الميلودرامي لبعض الشخصيات رسما وأداء وتنفيذا بهدف الإضحاك تارة ودفع الأحداث إلى أفق أخرى قسرا تارة أخرى فتدفق الإيقاع حينا وترهل الإيقاع في أحيان أخرى متعددة.
وجاءت الملابس المسرحية لهذا العرض لا تخلو من الخيال والرمز لإحداث حالة من الأبعاد زمنا ومكانا هروبا من المباشرة البادية في الجمل الحوارية، وإن تخفت في دلالات رمزية كتأكيد الحاكم المفتح بإذن الله أنه من لم يصبح غنيا في عهده لن يصبح غنيا في أي عهد، وتلك دلالة لن يقرأها إلا مصري عاش في النصف الثاني من القرن العشرين، فضلا عن استفحال قوة وخطر اتباع الزعيم الذين تحولوا إلى مراكز قوى تغير وتعدل في الأحداث والرؤى وفي وسط خيالات الملابس ورمزيتها تجلى الأب بملابس عصرية جدا ومعه ابنته وتجلى الراقصين بملابس ساحلية مصرية كملابس الصيادين فارتبكت الدلالة وتأرجح الطرح والمطروح بين المباشرة والرمزية وجاء الديكور والناقل للأطروحة الفنية دائما عبارة عن جمجمة مخيفة في صدر المسرح شاغلة لعمق الخشبة وبعض الستائر الراسية التي تزين مشاهد الحاكم الزعيم والتي استخدم مستوياتها لخروج المهرج حينا والثائر حينا.
وجاءت كلمات الأغاني لمؤلف النص (إبراهيم الرفاعي) شارحة للنص ومؤكدة الدلالات المؤكدة، وعاونها موسيقى (أحمد إسماعيل) التي اهتمت برسم إيقاعات استعراضات (محمد بركات) الحركية والبدنية.
اهتم مخرج العرض بخلق حالة من الإيهام الكامل على مستوى الرؤية عن طريق خطة الإضاءة الإيهامية وخطوط إسقاط الضوء وألوانه وزوايا الإسقاط على الرغم من حالة الحكي والسرد المقتربة من البريختية في بنائها وتنفيذها ومن براندلوا في بنائها وعولجت بعض الزوايا باستخدام (الزوم) خاصة مع شخصية المهرج التي ظهرت في بداية الأحداث كبقية الممثلين تشرب المخدرات حتى إذا بدأت التمثيل (كل الشخصيات) اختفى مفعول المخدرات التي أثقلت اللسان والحركة قبل بدء التشخيص ومع التشخيص امتاز الأداء بالجد والتقمص الكامل لدلالات الشخصية المرتدي ثيابها أمام الجمهور سلفا، وابتعدت منصة التمثيل عن الصالة ابتعادا حقيقيا لاستخدام تقنية الإيهام الكامل في الإضاءة والتشخيص في عرض أكد على أنهم بصدد تقلد أدوار المسرحية بديلا عن أبطالها المنسحبين لتقترب الأطروحة شكلا من براندلوا.
“الكومبارس” عرض مسرحي أكد لفظا أن الحاكم ليس إلا دمية في يد الحكومة والشرطة تحديدا، وأنه دائما ما ينتهي دور الحاكم ويموت والشرطي لا يموت.

 


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏