حزام ناسف عرض قادر على طرح قضيته

حزام ناسف عرض قادر على طرح قضيته

العدد 556 صدر بتاريخ 23أبريل2018

في محاولة جادة وحقيقية تتميز بالوعي بواقع المجتمع المصري ومشكلاته المعاصرة، قدم المخرج محمد النجار العرض المسرحي «حزام ناسف»، تأليف السيد فهيم بفرقة بيت ثقافة زفتى في موسم «المسرح للجمهور» الثاني ضمن عروض فرق الثقافة الجماهيرية لهذا العام.
تدور أحداث العرض المسرحي “حزام ناسف” عن الشاب يوسف الذي يزج به ويسقط في هوة سحيقة محاصرة له من متطرفي الفكر صانعي الإرهاب إثر فشله في استكمال حلمه بالزواج من حبيبته أو حصوله على فرصة عمل جيدة فيصاب باليأس والإحباط مما يجعله فريسة خيارات قواها لهولاء المتطرفين، ويتم تجنيده من قبلهم ليقوم بتنفيذ مهمة خاصة وهي تفجير “حزام ناسف” في أحد تجمعات المواطنين الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوة بما يحاك ضدهم، ومع تطور أحداث ودراما العرض التي تلقي كثيرا من الضوء على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الضحايا، يدرك يوسف كذب وحيل من قاموا بتجنيده، وأنهم يقومون بالمتاجرة بالدين لتحقيق مكاسبهم الخاصة لكن يوسف يأبى استكمال الطريق معهم ويقاوم فلا يجد إلا أن يلقى مصيرا مؤلما بموته في نهاية العرض، وتستمر الدائرة باجتذاب شاب آخر للإيقاع به في شباك ومخالب هؤلاء المتطرفين ليصاغ وسيلة لاستمرارهم في تنفيذ خططهم، لنخلص إلى نتيجة جوهرية في نهاية العرض أن نفتش عن الأسباب الحقيقية للخطر إذا أردنا أن نواجهه.
بدا جليا أن الرؤية الإخراجية التي قدمها عرض “حزام ناسف” ارتكزت في اتخاذ قالب الكباريه السياسي كمنهج رئيسي للإخراج، استهدف قضية وطنية معاصرة “التطرف والإرهاب” بأسلوب مباشر لمحاولة إحداث حالة من إيقاظ الوعي لدى المتلقي من خلال المسرح، فقد اتخذ موقفًا واضحًا وصريحًا تجاه هؤلاء المتطرفين وتعاطفا كبيرا لدى الشباب المستهدف في العرض، كما قدم العرض صورا هزلية وساخرة في رصد صورة البطالة وخواء الشباب المقيم كثيرا على المقهى ونماذج الشحاذين التي نجدها انتشرت كثيرا في الأعوام الأخيرة.
قدم المخرج تكوينات جسدية حرة وممزوجة بحركات راقصة بسيطة بمصاحبة أغاني وموسيقى العرض ظهرت بالعرض كإطار استعراضي بجانب الحوار أظهر لياقة عالية للممثل ينفي أداء هارموني يتحركون في وحدة وتناسق كما أنهم يتمتعون بسهولة الانتقال منها والعودة إلى التشخيص، وساهم في إثراء المشهد المسرحي على مستوى التكوين البصري والسمعي والحركي للعرض؛ أما عن مستوى التشخيص والمستوى الحركي نجده يتضح من تقديم فواصل غنائية حركية، وأنها قادرة على أن تكون جزءا حميميا من السرد ودراما العرض وليس للاستعانة به لتصبح فقط من جماليات العرض.
فقدمت الأغاني المؤلفة بكلمات الشاعر أحمد سليمان ولحن محمد ناجي للعرض تخطى عددها العشر بلغة عامية بسيطة في استعراض حركي راقص زاده حياة الملابس التي كانت تتطابق بألوانها مع سمات شخصيات العرض تدفع بالعرض أن يتزن إيقاعه العام وأن يخلق تفاعلا قويا وناعما إلى الجمهور.
احتل مقدمة المسرح يمينا ويسارا وفي أعلى المسرح بانوهات سلكية وزعت بعض منها في سيمترية حادة على جانبي المسرح وفي البانوراما ناقلة إحساس الشباك الخانقة ليوسف التي كان يتم تحريكها تجاهه من قبل الممثلين لتأكيد إيقاعه في شبكة هؤلاء المتطرفين وحبسه بداخلها تارة في فخ التطرف وأخرى داخل أحلامه العقيمة مع حبيبته، وعلى جانبي المسرح شكل مهندس الديكور أيضا سلما للصعود على الجانب الأيمن وآخر للهبوط على الجانب الأيسر دلالة وتأكيدا على الصراع الداخلي بين الشك واليقين الذي زاحم وأرق شخصية يوسف الدرامية بالعرض.
وفي صورة مسرحية شديدة الأثر اتكأ الأب الكهل على عصاه بطول كبير مبالغ فيه واضعا إياها بينه وبين ابنه ليؤكد على عبثية ما توصلنا إليه واضعا إياها حائلا بين يوسف وأبيه أثناء الحوار النصح والإرشاد وليطرح الفجوة الكبيرة بين جيل الآباء والأبناء؛ مما قد تكون سببا لابتعادهم عن أصولهم وسهولة هروبهم إلى أية ملجأ وبدائل.
“حزام ناسف” عرض مسرحي احتشد بطاقات تمثيلية وأدائية كان أوضحها محمد سعد في دور يوسف وأنس العفيفي بدور الشيخ غريب وأسماء رجب في دور أخت يوسف فتاة الحلم حاولوا مع بقية الفريق كثيرا أن يشعلوا خشبة المسرح بأداء حماسي بمعايشة أدوارهم وتنوع في طبقات الصوت وجسد يحاكي لتقديم قضية العرض بوضوح.
في النهاية، يحضرنا مقولة د. سيد الإمام في كتابه “الفضيلة الغائبة”: “إن المسرح وجع وهم البحث عن الجمهور العام واجتذابه والتواصل معه بطرق متعددة مع الزمن”. وقد ولى المخرج محمد النجار اهتماما كبيرا للجمهور ليتفاعل مع المسرح في تقديم قضيته وكانوا يرهفون السمع بآذان مخلصة وعيون لا تلتفت عن خشبة المسرح يمينا ويسارا لبساطة وقوة وصدق ما قدم.
عرض “حزام ناسف” تمثيل وبطولة أنس عفيفي، محمد سعد، مصطفى المقمر، علي النحاس، إيمي الشرقاوي، علي غنيم، أسماء رجب، رضا داؤود، كريم الشربيني، أحمد السيد، فرحة الشريف، سلمى البهوتي، عمرو شبانة، محمد منصور، زياد منصور، تقى مبارك، تسبيح مبارك، أشعار أحمد سليمان، موسيقى وألحان محمد ناجي، تأليف السيد فهيم، وإخراج محمد النجار.


همت مصطفى