سيمون ماك بورني:

سيمون ماك بورني:

العدد 553 صدر بتاريخ 2أبريل2018

المسرح باق.. المسرح مأوىولد سيمون مونتاجو ماك-بورني في 25 أغسطس 1957 كامبريدج، إنجلترا، المملكة المتحدة، هو ممثل ومخرج إنجليزي. وهو المؤسس والمدير الفني لقصر المؤتمرات في لندن. كان لديه أدوار شهيرة في أفلام: المرشح المنشوري، الأصدقاء مع المال، البوصلة الذهبية، الدوقة، روبن هود، هاري بوتر والأقداس المهلكة: الجزء الأول، تجسس خياط الجندي تينكر، السحر في ضوء القمر، نظرية كل شيء، والمهمة: مستحيل - أمة مارقة.
يعيش بورتي في لندن مع زوجته، عازف البيانو Cassie Yukawa، وثلاثة أطفال. في عام 2005 مع مرتبة الشرف في العام الجديد، تم تعيين McBurney ضابطا في وسام الإمبراطورية البريطانية (OBE) «لتقديم الخدمات للدراما». وهو سفير من أجل البقاء الدولية، الحركة العالمية لحقوق الشعوب القبلية.
الجوائز: حصل ماك-بورني على عدة جوائز من بينها 1998: جائزة لورانس أوليفييه (أفضل تصميم للرقص في دائرة الطباشير القوقازية) «دير كواكشيس كريديكريس»، (المسرح الملكي الوطني، أوليفييه ستيج، لندن)، 1999: جائزة مسرح دائرة النقاد (أفضل مسرحية جديدة لـ«Mnemonic» في مسرح ريفرسايد)، 2005: ضابط في وسام الإمبراطورية البريطانية، «قائمة الشرف السنوية الجديدة» للملكة إليزابيث الثانية، 2007:Nestroy - Theatrepreis (ترشيح أفضل إخراج لرقم مختفي في Wiener Festwochen)، 2007: جائزة دائرة النقاد المسرحية (أفضل مسرحية جديدة لـ«عدد مختفي» في مسرح الاحتفالات)، 2008: Konrad - Wolf – Preis.
على بُعد نصف ميل من الساحل القيرواني في شمال ليبيا يوجد مأوى صخري شاسع يبلغ عرضه 80 مترا وارتفاعه 20 مترا، ويطلق على هذا الكهف في اللهجة المحلية اسم «هوا فطيح». في عام 1951م أظهر تحليل الكربون الذي يستخدم لتحديد عمر الآثار أن الإنسان استوطن هذا الكهف لفترة زمنية مستمرة لا تقل عن 100,000 عام، ومن بين القطع الأثرية التي تم اكتشافها كان هناك مزمار مصنوع من العظم يعود تاريخه إلى ما بين 40 و70 ألف عام.
كصبي عندما سمعت بهذا سألت والدي: «هل كان لديهم موسيقى؟».
ابتسم لي وقال: «حالهم كحال كل المجتمعات البشرية».
كان والدي أمريكي المولد وعالما في آثار ما قبل التاريخ، وكان أول من حفر «هوا فطيح» في برقة.
إنه لشرف عظيم لي أن أمثل قارة أوروبا في كتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح هذا العام.
في عام 1963م، قال سلفي في كتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح، الكاتب والروائي والمسرحي الكبير آرثر ميلر في الوقت الذي كان تهديد الحرب النووية يثقل كاهل العالم: «في هذا الوقت الذي أصبحت فيه أسلحة الدبلوماسية والسياسة قصيرة وضعيفة للغاية، فإن على الفن بامتداده الرقيق، ولكن الطويل المدى أحيانا أن يتحمل عبء تماسك وترابط المجتمع البشري».
تم اشتقاق كلمة دراما من الكلمة اليونانية “dran” وتعني «العمل»، بينما تنبع كلمة «المسرح» باللغة الإنجليزية من الكلمة اليونانية “Theatron”، ومعناها الحرفي هو «مكان الرؤية»، مكان لا ننظر فيه وحسب، بل نرى وندرك ونفهم. قبل 2400 عام، صمم بوليكليتوس مسرح إبيداوروس الكبير الذي يتسع لـ14,000 مشاهد ويعتبر معجزة في الهندسة المعمارية بسبب خصائصه الصوتية المذهلة في الهواء الطلق، حيث يمكن أن يسمع صوت عود ثقاب يتم إشعاله في منتصف خشبة المسرح في كل المقاعد البالغ عددها 14,000 مقعدا، وكما هي العادة في المسارح الإغريقية عندما تنظرون إلى الممثلين يمكنكم أيضا رؤية ما وراءهم من المناظر الطبيعية، فلم يقتصر الأمر على تجميع عدة أماكن في الوقت نفسه: المجتمع والمسرح والعالم الطبيعي، بل استحضر أيضا كل الأزمنة في ذات اللحظة، وبما أن المسرحية تستحضر الأساطير الماضية في الوقت الحالي، يمكنكم النظر إلى المسرح ورؤية ما سيؤول إليه مستقبلكم النهائي: الطبيعة.
إن أحد أهم الاكتشافات المرتبطة بإعادة إعمار مسرح غلوب الشيكسبيري في لندن تتعلق أيضا بما يمكنكم رؤيته، فهذا الاكتشاف متعلق بالضوء، حيث يتم إضاءة خشبة المسرح والقاعة بالتساوي، فيمكن للفنانين والجمهور رؤية بعضهم البعض، فترى الأشخاص في كل مكان تنظر إليه وفي كل وقت، وأحد النتائج المترتبة على ذلك هو تذكيرنا بأن المناجاة الرائعة، على سبيل المثال، لهاملت أو ماكبث، لم تكن مجرد تأملات خاصة، بل مناظرات عامة.
نحن نعيش في وقت تصعب فيه الرؤية بوضوح، إننا محاطون بالخيال أكثر من أي وقت مضى في التاريخ أو ما قبل التاريخ، يمكن الطعن في أي «حقيقة»، ويمكن لأي حكاية أن تطالب بانتباهنا على أنها «الحقيقة»، هناك شك لواحد من الخيال على وجه الخصوص يحيط بنا باستمرار، وهو ذلك الذي يسعى لتفرقتنا عن الحقيقة وعن بعضنا البعض، فنصبح منفصلين: البشر عن البشر والنساء عن الرجال والبشر عن الطبيعة.
ولكن كما نعيش في زمن الانقسام والتشرذم، فإننا نعيش أيضا في زمن الحركة الهائلة، فالناس يتحركون أكثر من أي وقت مضى في التاريخ، فتراهم يفرون ويمشون ويسبحون إذا لزم الأمر، ويهاجرون إلى كل أنحاء العالم، وهذه هي البداية فقط. والرد كما نعلم كان بإغلاق الحدود وبناء الجدران وبالصمت والعزلة. نحن نعيش في نظام عالمي مستبد، حيث اللامبالاة هي العملة والأمل هو البضائع المهربة، وجزء من هذا الطغيان هو السيطرة ليس على الفضاء فحسب، بل على الزمان أيضا. فالزمن الذي نعيش فيه يتجنب الحاضر، ويركز على الماضي القريب والمستقبل القريب: أنا لا أملك هذا وسأشتري هذا.
الآن، وقد اشتريته يجب أن أحصل على الشيء... التالي، تم طمس الماضي البعيد، ولا توجد عواقب للمستقبل.
هناك الكثير ممن يقولون إن المسرح لا ولن يستطيع تغيير أي شيء من هذا، ولكن المسرح باقٍ لن يذهب، لأن المسرح موقع، وأميل أن أقول إنه مأوى، يتجمع فيه الناس ويشكلون المجتمعات على الفور، كما فعلنا دائما، كل المسارح تماثل في حجمها أحجام المجتمعات البشرية الأولى: من 50 إلى 14,000 نسمة، من قافلة بدوية إلى ثلث أثينا القديمة.
ولأن المسرح موجود في الحاضر فقط، فهو يتحدى هذه النظرة الكارثية للزمن، فاللحظة الحالية هي دائما موضوع المسرح، ويتم إنشاء معانيها في العمل المشترك بين الفنان والجمهور. ليس هنا فقط، بل الآن. فبدون تمثيل الفنان لا يستطع الجمهور التصديق، وبدون تصديق الجمهور لن يكون الأداء كاملا، فنحن نضحك في نفس اللحظة وتتحرك مشاعرنا ونشهق أو نشعر بالصدمة إلى درجة الصمت، وفي تلك اللحظة من خلال الدراما نكتشف تلك الحقيقة الأكثر عمقا: أن ما اعتقدناه أكثر الأشياء خصوصية في انفصالنا عن بعضنا البعض وهو حدود وعينا الفردي، هو أيضا بلا حدود. إنه شيء نتقاسمه.
لا أحد يستطيع إيقافنا، سنعاود الظهور في كل ليلة، وسيعاود الجمهور والممثلون التجمع في كل ليلة، وسيتم تمثيل الدراما نفسها، لأنه كما يقول الكاتب جون بيرغر «في عمق طبيعة المسرح يوجد الإحساس بعودة الطقوس»، وهذا هو السبب في أن المسارح كانت دائما الشكل الفني للمحرومين، وهو - بسبب التفكك الحالي لعالمنا - حالنا جميعا. حيثما يوجد الفنانون الأدائيون والجمهور سيتم تمثيل القصص التي لا يمكن سردها في أي مكان آخر، سواء في دور الأوبرا والمسارح في مدننا الكبيرة، أو في المخيمات التي تأوي المهاجرين واللاجئين في شمال ليبيا وفي جميع أنحاء العالم، سنظل دائما ملتزمين معا بشكل جماعي بمعاودة تمثيل الحكايا.
ولو كنا في مسرح إبيداوروس الكبير يمكننا النظر إلى الأعلى ورؤية كيف نتشارك هذه اللحظة مع المناظر الطبيعية، وندرك أننا دائما جزء من الطبيعة ولا يمكننا الهرب منها كما لا يمكننا الهرب من كوكبنا، ولو كنا في مسرح غلوب سنرى كيف يمكن طرح الأسئلة التي تبدو خاصة علينا جميعا، ولو كانت لدينا فرصة حمل المزمار العظمي في برقة الذي يعود لـ40,000 مضت، سنفهم أن الماضي والحاضر هنا لا يمكن تجزئتهما، وأن سلسلة المجتمع البشري لا يمكن أبدا كسرها من قبل الطغاة والديماغوجيون.
 


ترجمة: حصه الفلاسى