ويريوير - ليكينغ: المسرح واستعادة الإنسانية

ويريوير - ليكينغ: المسرح واستعادة الإنسانية

العدد 553 صدر بتاريخ 2أبريل2018

ويريوير - ليكينغ ولدت 1 مايو 1950 في بونده في الكاميرون، وتعيش في ساحل العاج منذ عام 1978، وهي فنانة متعددة التخصصات، كتبت ما يقرب من ثلاثين عملا أدبيا، بدءا من الرواية إلى المسرح، مرورا بالقصص والمقالات والكتب الفنية والشعر، إضافة إلى الرسم منذ عام 1968، قدمت عددا كبيرا من المعارض في جميع أنحاء العالم. كاتب مسرحي، ومصمم عرائس مبتكر، ومدير للكثير من اللوحات الجدارية المسرحية الكبيرة، وكلها وصفت بأنها الأوبرا الأفريقية، وكثير منها قدم جولات في العالم، ممثلة المسرح والسينما.
شاركت الباحثة في تقنيات التربية التقليدية في جامعة أبيدجان (إيلينا) من 1979 إلى 1985، وشاركت في الثورة المسرحية الطقسية، وبدأت مجموعة فنية كي - يي مبوك. وهي تقوم بتطوير نظام تدريب خاص مستوحى من المبادرات الأفريقية التي تسمح لها بمرافقة مئات الشباب الذين يواجهون صعوبة في إعادة الاندماج في المجتمع، أسست مؤسسة البانافريكان كي يي لتدريب الشباب في الإبداع والتنمية من خلال الثقافة في عام 2001، وفازت بعدد من الجوائز مثل جائزة أرليتي من فرنسا، ورينيه برايل من بلجيكا، وفونلون نيكولز من جامعة ألبرتا في كندا، وشيفالير ديس آرتس إت ليترس فرانسيس، وقائد النظام الوطني للاستحقاق في ساحل العاج، وعضو المجلس الأعلى من الفرانكوفونية من 1997 إلى 2003، بريكس نوما 2005، وحائزة على جائزة كتاب عام 2007 لروايتها «الذاكرة بتر الأعضاء» وغيرها، وهي اليوم عضو دائم في أكاديمية العلوم والفنون والثقافات في أفريقيا والمغتربين الأفارقة في ساحل العاج.
في يوم ما يقرر إنسان أن يطرح أسئلة أمام مرآة (جمهور) ليختلق أجوبة، وأمام هذه المرآة نفسها (جمهوره) لينقد نفسه ويسخر من أسئلته الخاصة ومن أجوبته ليضحك منها أو يبكي لا يهم، لكن في النهاية.. ليحيا وليبارك مرآته (جمهوره) لأنها منحته تلك اللحظة من التأجيل ينحني ويحييه ليعبر له عن امتنانه واحترامه.
وفي أعمق أعماقه كان يبحث عن السلام، السلام مع ذاته ومع مرآته: كان يمارس المسرح.
في هذا اليوم كان يتكلم.. ماقتا هناته ومفارقاته وعيوبه، منتقدا عن طريق (المايم) تعابير وجهه وتشويهاته، تفاهاته التي تقبح إنسانيته.. خداع أدى إلى الطوفان
كان يكلم نفسه.. معجبا بنفسه في عنان تجاوزاته، في طموحه إلى العظمة والجمال إلى كينونة أحسن وإلى عالم أفضل، كان قد شيده بأفكاره الخاصة، كان قد شحذه بيديه، إذا كان منه وإليه في المرآة، كان يقول إنه يريده، إذا كان هو ومرآته، كانا يقتسمان المتعة.
لكنه كان يعرف، كان يقدم العرض.. إنها سخرية ولا ريب وَهْمٌ، لكن بالتأكيد أيضا نشاطا ذهنيا، بناء وإعادة خلق للعالم، كان يمارس مسرحا.. حتى وإن نسف كل الآمال بكلماته وحركاته المليئة بالاتهامات، كان يسعى إلى جعلهم يظنون أن كل شيء سينجز بهذا المساء الوحيد بنظراته الجنونية، بكلماته الرقيقة، بابتسامته الماكرة، بفكاهته الحلوة، بكلماته التي حتى وإن جرح أو هدهد بها، ستجري عملية جراحية من أجل إحداث المعجزة.. نعم كان يمارس المسرح.
وبما أنه بصفة عامة، عندنا بأفريقيا، خاصة بمنطقة «كاميت» التي أنحدر منها، نستهزئ من كل شيء حتى من نفسنا، نضحك من كل شيء حتى في الحداد ونحن نبكي، نضرب الأرض حين تخيب أملنا برقصات «الجيجبي» و«البيكوتسي”، ننحت الأقنعة المخيفة وعن طريق كونهم موضوعا للمتلاعبين بهم، نتصور الطقوس حيث الكلمة الملفوظة معبأة بالغناء والأنفاس الإيقاعية، فيندفع إلى البحث عن المقدس، يثير رقصات مثل الغيبوبة، التعزيمات ونداءات الإخلاص، لكن أيضا وبخاصة رشقات الضحك للاحتفال بسعادة العيش التي لا قرون العبودية والاستعمار من العنصرية والتمييز العرقي، لا الأوقات الثقيلة باغتصابات مستنكرة، لم يتمكنوا لا من خنق ولا اقتلاع الإنسانية من روح الأب أو الأم.
بأفريقيا وبالتأكيد في بقية البقاع بالعالم، نمارس المسرح.
وبهذه السنة الخاصة بالهيئة العالمية للمسرح، أنا استثناء سعيدة ومفتخرة لأمثل قارتنا، لأبلغ رسالتها للسلام، رسالة سلام المسرح، لأن هذه القارة التي كان يقال عنها بالعهد ليس بالبعيد، إن العالم يمكن أن يستغنى دون أن يحس بأي أدنى انزعاج أو نقص كان، وهي الآن معترف بدورها الأساسي من أب وأم الإنسانية، والعالم بأكمله يسهم في تدفقها
لأن كل واحد يأمل دائما في إيجاد السلام.
بدراعي والديه أليس كذلك؟
وبهذا العنوان إذن، يستدعي مسرحنا دائما ويلزم كل البشر، وعلى الخصوص كل هؤلاء الذين يتقاسمون الفكر والكلمة والنشاط المسرحي، لاحترام أكثر لذواتهم ولاحترام هؤلاء لأولئك مع تركيزهم على أفضل القيم الإنسانية، أملا منهم في استعادة إنسانية أفضل لدى كل واحد: تلك التي تعمل على انبثاق الذكاء والفهم.
عن طريق هذا الجزء من الثقافات الإنسانية من بين أكثرها نجاعة هذه بعينها التي تقوض كل الحدود: إنه المسرح.. وهو من بين أثر الثقافات الغنية لأنه يتحدث بكل اللغات، ويورط كل الحضارات ويعكس كل المُثُل، معبرا عن وحدة عميقة لكل الرجال الذين، عبر كل المواجهات، يبحثون بخاصة على أن يتعرفوا على ذواتهم بصفة أفضل، وليتحابوا بطريقة أفضل، في السلام والهدوء.
حين يصبح العرض مشاركة يذكرنا بواجب العمل الذي تفرضه علينا سلطة المسرح لجعل كل الرجال يضحكون، ويبكون معا، مع التقليل من جهلهم بزيادة معرفتهم، ليصبح الإنسان مجددا هو الغنى الأكبر للإنسان.
يقترح علينا مسرحنا أساسا أن نعيد الفحص والتقييم، كل هذه المبادئ الإنسانية، كل هذه الأخلاق العالية، كل أفكار السلام والصداقة هذه فيما بين الشعوب التي لطالما دعت إليها منظمة اليونيسكو، لبعثها في الخشبات التي أبدعناها اليوم؟ لكي تصبح هذه الأفكار والمبادئ حاجة ضرورية، وفكرا عميقا للمبدعين المسرحيين بدءا من أنفسهم الذي يستطيعون اقتسامه مع جمهورهم بطريقة أفضل.
لهذا إذن إبداعنا المسرحي الأخير بعنوان: “الشجرة الإله” بإعادة، نجو بيون بي كو بان “وصايا كينداك معلمنا” الذي يقول ما يلي: «الله مثل شجرة عظيمة التي لا يستطيع أي أحد لمحها إلا من جانب واحد كل مرة من خلال زاوية النظر التي هو متموقع بها: ومن يطير فوق الشجرة لا يلمح غير أوراقها، واحتمالا بعض الفواكه والأزهار الموسمية.
سيعرف أكثر عن الجذور من يعيش تحت الأرض، وهؤلاء الذين يسندون ظهورهم على الشجرة يعرفون ذلك عن طريق الإحساس الذي ينتابهم من الخلف.
هؤلاء الذين يأتون من الجهات الأربعة الأصلية، سيرون الجهات التي لم يتمكن أصحاب الجهة الأمامية بالضرورة ولوجها، وبعض المحظوظين سيلمحون السر فيما بين لحاء ولب الخشب، وآخرون أيضا لهم العلم الباطني بنخاع الشجرة، لكن مهما يكن الظاهر أو عمق نظر كل واحد، لا أحد أبدا يكون متموقعا تحت زاوية نظر انطلاقا منها، يستطيع لمح كل الجهات مرة واحدة إلا إذا أضحى هو نفسه هذه الشجرة المقدسة!
لكن بعد ذلك هل ما زلنا بشرا؟
على أن كل مسارح العالم تتعايش وتتقبل بعضها بعضا، وذلك لخدمة الهدف العالمي للهيئة العالمية للمسرح لكي في هذه الذكرى السبعينية لها أخيرا، سيكون سلام أكثر في العالم عن طريق مشاركة قوية للمسرح.
ترجمة كلمة أفريقيا ليوم المسرح العالمي من لغة النص الأصلي الفرنسية جهد الجمعية الدولية لنقاد المسرح الفرع المصري للأستاذة الدكتورة جميلة زقاي من الجزائر.


ترجمة : جميلة زقاني