العدد 551 صدر بتاريخ 19مارس2018
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلتقى فيها كل من لينين الرملي وعصام السيد مع بعضهما البعض في عمل مسرحي واحد، بل كان هذا العرض الأخير هو نتاج تعاون طويل بينهم لعروض كثيرة سابقة أشهرها على الإطلاق كان العرض المسرحي: أهلا يا بكوات، على نفس المسرح القومي، الذي سبق له تحقيق نجاح منقطع النظير.
في هذه المرة أيضا نجح عصام السيد في خلق حالة من التواصل مع أجيال مختلفة سواء أكانوا ممثلين على خشبة المسرح أو جمهور في صالة العرض، حيث يعتمد العرض على تفجير التناقضات والمفارقات من بدايته لنهايته حتى اسم العرض نفسه في حد ذاته يعد أكبر مفارقة عندما جمع الكاتب بين الضحك والموت في صيغة واحدة رغم تناقضهما وعدم منطقية توحدهما معا، ولكن رؤية العرض استطاعت أن تضع المتلقي في مواجهة ذلك التناقض، حيث اعتمد العرض موضوع انتظار الموت والسخرية والضحك من همومنا ومصائرنا كما نشاهد في أحداث العرض المسرحي، فالعرض هنا يقوم على قصة صديقين من كبار السن نبيل الحلفاوي ومحمود الجندي، كل منهما له همومه وآلامه التي يضحك ويسخر منها وكل منهم ينتظر الموت، فالحلفاوي (يحيى) مريض بالسرطان ويرفض العلاج، ويشرف عليه طبيب نفسي قام بدوره زكريا معروف لمحاولة إقناعه بالانتظام في العلاج دون جدوى، كما أنه في صراع وخلاف دائم مع ابنه الذي تركه وحيدا من أجل النزول للميدان مع ثوار يناير في منزله المطل على ميدان التحرير رافضا فكر وعداء أبيه للثورة؛ مما جعله يعطف على فتاة شارع قامت بدورها إيمان إمام بعد أن عرف قصتها وتعاطف معها بعد تعرضها للتحرش التي ستنضم للثوار فيما بعد وتستضيف أحدهم في منزل الحلفاوي لمعالجته من الإصابة، الذي قام بدوره تامر الكاشف، وقرر أن يستضيفها في منزله لتؤنسه كابنة له وترعاه بعد هجر ابنه له، تلك الوحدة التي جعلته يتخيل أنه يتعايش مع جثة بالمنزل تتبادل معه الحديث أوقاتا وكأن تلك الجثة هي همومه وآلامه ومرضه الذي تصاحب معهم وقام بأداء دور الجثة حمدي حسن.
أما محمود الجندي (طاهر) الذي جاء للإقامة مع صديقه هاربا من خلافاته الزوجية مع زوجته الثانية ومستعدا لاستقبال جارته حيث استعادة الحب القديم، التي تقوم بدورها سلوى عثمان، والتي تفاجئه بأنها تحب رجلا آخر وكانت تستخدمه لمجرد التمويه على علاقتها الجديدة، كما أنه يعاني من جحود ابنته المقيمة بالخارج التي تعيش هناك على غير عاداتها التي تربيت عليها في أسرتها وترفض الحضور لوطنها لمشاهدة والدها، كل هذه الهموم جعلته يفكر في الانتحار، وينتهي العرض بأن يتبادل كل من الحلفاوي والجندي موقع كل منهما الآخر كناية عن أنهما يتعايشان في هم واحد وحالة شعورية مشتركة ألا وهي صراع الآباء مع الأبناء أو ما يطلقون عليه صراع الأجيال.
ويختتم العرض بدخول شباب ثوار ميدان التحرير إلى الشقة بعد أن تفتح لهم شبابيك شرفة الصالة وكل من الحلفاوي والجندي يتأملانهم في استسلام، في مشهد خيالي يرمز إلى أن ثورة 25 يناير ستظل حقيقة وواقعا ذا تأثير واضح في حياتنا شئنا أم أبينا، اتفقنا معها أو اختلفنا عليها.
تميز الأداء التمثيلي بالحيوية والقدرة على تخليق حالة من المتعة للمتلقي عبر التحولات بين الأداء الكوميدي والدرامي.
على مستوى الأزياء لنعيمة عجمي، فقد حافظت على الطبيعة الواقعية للحدث وملاءمة الشخصية، كذلك كان الديكور (محمود الغريب) في منتهى البساطة ولكن به فكرة ودلالات من خلال استخدام شرفة المنزل المواجهة لميدان التحرير كشرفة أحيانا وكبانوراما تعرض من خلالها أحداث الثورة أحيانا أخرى، التعبير الحركي لشيرين حجازي جاء موفقا في التجسيد لأحداث الثورة وكذا التأثير على المتلقي، جاءت الموسيقى التصويرية لهشام جبر من قلب الحدث ولدرجة مدى توفيقه في اختيار التيمات الملائمة لمشاهد العرض المسرحية لم نشعر بها وكأنها جزء متلازم من حياة كل الشخصيات المسرحية، كذلك قامت الإضاءة المسرحية في العرض بدور هام حيث لم تكن مجرد إضاءة عادية بل نجحت أن تكون موحية في دلالاتها كما حققت المتعة البصرية بألوانها وطريقة توزيعها.
ولعل أحد أبرز العناصر التقنية في العرص هو المادة الفيلمية باستخدام (فيديو مابينج) التي قام بإخراجها أحمد عصام السيد، وقام بتحديد أماكن عرض المادة على الديكور وحجمها وشكل ظهورها رضا صلاح، حيث نجحت تلك التقنية في تحويل شخصيات المادة الفيلمية إلى شخصيات حقيقية على المسرح تشارك ممثلي العرض الحياة والحوار والحديث المتبادل بينهم بتنقل تلك الشخصيات للمادة الفيلمية على حوائط كل أرجاء الشقة أو الديكور.
اعتمد كل من المخرج عصام السيد والمؤلف لينين الرملي على لغة الدلالات والرموز في العرض المسرحي، مثلما شاهدنا على سبيل المثال لا الحصر شخصية حورية (سلوى عثمان) التي جاء اسمها حرية تارة وحربية تارة أخرى، كما رأينا الجثة التي ترمز إلى هموم وآلام يحيى (أو نبيل الحلفاوي) التي صاحبها في العرض، ورأينا شربات تلك الفتاة الجميلة الوطنية وتجسيد محاولة التحرش بها على الشاشة في إسقاط واضح على أعداء مصر في الداخل ومحاولة التربص بها وإسقاطها.
كل ما يؤخذ على العرض المسرحي هو الإطالة في بعض المشاهد الحوارية بين بطلي العرض الحلفاوي والجندي؛ مما كاد أن يحدث بعض الملل لولا اإبهار العرض في المجمل بكل مكوناته.