يوتيرن مفردات داخل شرنقة المعاني

يوتيرن مفردات داخل شرنقة المعاني

العدد 549 صدر بتاريخ 5مارس2018

تطورت الكتابة المسرحية بتطور فكر المجتمع والمشاهد؛ حيث أصبح بعض الكتاب يخرجون عن البناء الدرامي المعروف من بداية ووسط ونهاية داخل النص، وبالتالي يصبح البناء الدرامي معتمدا على بناء الصورة من مفردات تحمل الكثير من الدلالات التي تتفجر منها المعاني داخل الرسالة الفنية.
يأخذ العرض المسرحي (يوتيرن) المتلقي داخل هذه المفردات حتى يصبح بدوره مفردة من تلك المفردات كما يتابع من خلال خيوط العنكبوت التي وضعت أمام الديكور لتضفي على الصورة حالة الشرنقة؛ حيث تدور الأحداث داخل المنزل الذي يشبه السفينة ذات الطلاء الأبيض؛ مما يجعل المتلقي أمام صورة لها عمق تصل به إلى الماضي البعيد، وهذا ما تمت إشارة إليه في الكتابة الفرعونية في عمق الصورة، وأيضا الإحساس بالجمود أو التجمد، ليؤكد على رمزية الحركة والسكون في آنٍ واحد داخل الصورة المتحركة من خلال حركة الممثلين وعنصر الديكور والإضاءة والصوت، ولكن رمزية العرافة التي ظلت صامتة في بدايات العرض هي أبعد من الشخصية ذاتها، فهي الغموض والسكون والمراقبة في نفس الوقت وشاهدة على الحركة الكونية التي بدأ بها العرض مستخدما التقنيات الحديثة في صورة الانفجار الكوني، وبعدها خلق الإنسان الذي بدأ بالصراع الجسدي؛ حيث تطور ذلك الصراع ليصل بنا إلى صراع المعلومة والسباق إليها رغم تشوش بعض المعلومات منها، وأظهر العرض المسرحي هذا الصراع داخل البيت الذي يتكون من الأم والأب والابن، ولكن هناك تناقضا بين شخصية الابن والابنة ليعبر عن المكانية والزمانية، فالابنة هنا كانت المكان المعاصر، والابن هو الزمن الماضي يصل إلى الإنسان البدائي، ليؤكد على تطور المكان وثبات الزمن، وهو توقف العقل أو توقف الفكر، وهذا ما أكدت عليه ملابس الابن والابنة في الثلث الأول من زمن العرض، أما الأم فهي ترمز إلى المكان الأكبر الذي يحتوي كل الأماكن، فهي تمثل العالم الأكبر الذي أصبح مهلهلا اليوم، مع أنها تبدو مسيطرة إلا أنها تتغاضى عن القيم داخل هذا العالم، والأب هو الزمن المتطور الذي ينتقل بنا من مكان لمكان ودائما ما يحاول أن يترك عالمهُ الأكبر ليسكن عالما أصغر عندما يرتبط بالشغالة داخل المنزل، وهنا يخرج بنا من البحث في محتوى العقل البشري إلى التابعية؛ أي الفرع وترك الأصل داخل المجتمع الإنساني الذي يحتوي على كم كبير جدا من المعلومات، وأصبحت هذه المعلومات هي التي تتحكم في حركة الإنسان ذاته بل وتضع عقله داخل شرنقة، وأكد العرض على هذا من خلال المذيعين، فهما وسيلة من الوسائل التي تقدم المعلومة في هذا العالم الذي أصبح مكانا واحدا يجمع كل البشر.
أما العلاقات بين الشخصيات داخل الصورة في العرض المسرحي “يوتيرن”، فتترابط وتنفصل في إيقاع سريع جدا، ليس لخلل في بناء الصورة، ولكنها أشبه بطلقات للدلالات التي تُرمى إلى الواقع المعيش، فهي علاقات طردية بين الصورة المتحرك في العرض المسرحي والواقع الحقيقي للإنسان المعاصر ومن الدلالات على سبيل المثال داخل العرض “العجلة” هي ليست بالمعنى اللفظي للكلمة بل تتفجر منها معانٍ كثيرة منها حركة الحياة، وعجلة التطور، وتختلف تلك الدلالة اللفظية في المعنى من متلقٍ لآخر كل يقرأها حسب ما يشعر به “رئيس عالم الثدييات”، فهي نقلة سريعة تشير إلى جزء من الكل داخل المجتمع الكبير، “الأرض تدور” من المعروف أن الأرض تدور، ولكن الدوران هنا ليس دوران الأرض بمفهومها، ولكن عندما يشعر الإنسان بدوران الأرض فقد وقع في دوامة تلك الحركة، وأيضا ارتبطت حركة صورة الفيديو المسجلة مع الصورة الممثلة، ليست فقط لعمل ميكس في الصورة ككل، بل هو يجعل المتلقي ينظر إلى المستقبل الذي هو نتاج للحاضر المعيش.
يطرح العرض عدة تساؤلات، منها: ماذا يحدث إن لم نحرر العقلية الفكرية؟ وماذا يحدث عندما نكون داخل الشرنقة؟ وماذا يحدث إن لم نتحرر من الجمود؟ فيجيب العرض المسرحي عن تلك التساؤلات من خلال صورة الفيديو في عمق المسرح. شخصية الزوجة “هايدي عبد الخالق” وشخصية الزوج “شريف خير الله” يجمع بينهما حلم واحد هو البحث عن الواقع الحقيقي بين محافظة الأم على البيت وبين بحث الزوج عن الجديد، ومع أن داخل كل شخصية منهما صراعا نفسيا، لتحقيق الحلم المشترك سرعان ما يظهر الصراع بينهما من خلال شخصية الخادمة “ريهام أبو الخير” التي ينجذب إليها الزوج. هنا صراع قوتين بين المورث والانبهار بالحضارة المعاصرة، شخصية الابنة “نرمين نبيل” هي الامتداد للواقع، وهي الأم التي تنجب المستقبل ليحقق الحُلم الذي لم يستطع كل من الأم والأب أن يحققاه، شخصية الابن “هشام فهمي” هي شخصية تكون امتدادا من العصر البدائي والصراع الأول على ظهر الأرض الذي ينتج عنه قتل الإنسان لأخيه، والحاضر أيضا فيه صراع ينتج عنه قتل وهو الصراع الفكري الذي بدأ منذ الإنسان الأول. أما شخصيات المذيعون (ميشيل ميلاد، ريتا هاني، إسلام علي) شخصيات تعمل على تأهيل عقل المتلقي لاستقبال الدلالات التي تكمن داخل العمل المسرحي “يوتيرن” من خلال بقية الشخصيات بل وتأكيد على المعنى لتلك الدلالات، واستخدم مخرج العرض الشخصيات الثلاث من المذيعين ليطرح لنا التلوين في الأداء الإعلامي، في نقل المعلومة؛ مما يحدث التشويه للرسالة الإعلامية، فقد قدم لنا العرض المسرحي “يوتيرن” مضمون الواقع في هذا العنوان البسيط للعرض المسرحي، فمتى نخرج من - اليوتيرن - إلى قطار الحلم ليصل بنا إلى مستقبل أفضل لواقع مبهر؟ ومتى نتحرر من الجمود العقلي، أقصد هذا اللفظ. لأن تحرر العقل هو الانطلاق إلى المستقبل فقد وظف مخرج العرض العناصر الفنية لصناعة صورة مبهرة، وإن كان هناك الكثير من العلامات تعطي معنى واحدا داخل الديكور فهذه قراءة خاصة لممصمم الديكور، فقد يريد التأكيد على الجو العام داخل الصورة، فهناك المدفأة، والجليد، واللفظ المتكرر الذي يشير إلى البرودة والسقيع على لسان شخصية الأم.
العرض المسرحي “يوتيرن” ديكور وملابس محمود الغريب، فيديو جرافيك محمد يحيى، كيروجراف عمر باتريك، دراماتورج وأشعار سامح عثمان، موسيقى صادق ربيع، وتم الاستعانة بأشعار أمل دُنقل ومحمد الماغوط، إخراج سعيد المنسي.
 


أحمد خضير