العدد 586 صدر بتاريخ 19نوفمبر2018
تحت رعاية منظمة هاوكاري الألمانية، أقيمت فعاليات الملتقى الدولي الأول للفن والسلام في مدينة كِفْري التابعة لإقليم كردستان – العراق، وذلك خلال الفترة من الثامن والعشرين وحتى الثلاثين من أكتوبر الماضي، خلال الأيام الثلاثة وفي إطار فعاليات الملتقى تم تقديم بعض الأفلام السينمائية والعروض المسرحية، إلى جانب معرض للفن التشكيلي وآخر للمصنوعات اليدوية لفريق «فتيات الموهوبات» في كفري، كما حرص منظمو الملتقى على تقديم حفل توقيع كتاب «جذر السوسن» بحضور مؤلفه الدكتور بشار عليوي، وهو كتاب باللغة العربية يتناول الثقافة والفنون الكردية المعاصرة.
احتل مسرح الشارع ركنا رئيسيا خلال الفعاليات، ففي اليوم الثاني للملتقى وعلى مسرح فنون كفري، تم تخصيص محاضرة لكاتبة هذه السطور تتعرض لمسرح الشارع والتعريف به وبأبرز الملامح التي تميزه عن المسرح التقليدي ومسرح العلبة الإيطالية وذلك على مستويي الشكل والمضمون، مؤكدة على خصوصية عروض مسرح الشارع التي تكمن في اتخاذ عملية التلقي طابعا مميزا لها عن مثيلتها في عروض المسرح التقليدي، كما أن العرض يتم تقديمه في شارع أو ساحة يتم اقتطاعها من الحياة اليومية المُعاشة، وبالتالي فإن العروض هنا لا تستهدف عنصر الإيهام بقدر اهتمامها وسعيها لمشاركة المتفرج في هذه العروض، الأمر الذي يتطلب قدرا من الارتجال الذي تفرضه مشاركة أفراد أو جماعات من الجمهور خلال الحدث الدرامي والذي من شأنه يستدعي نوعا من المرونة والمهارة من الممثل في التعامل مع هذه المواقف، مؤكدة كاتبة السطور على أهمية الممثل وإمكاناته خلال عروض مسرح الشارع التي يغيب فيها خشبة المسرح وقطع الديكور ومختلف المؤثرات الفنية، وفي النهاية قامت باستخلاص بعض الملامح المميزة لمثل هذه العروض.
في الساحة المقابلة لمبنى سراي كفري قدم قسم النشاطات الطلابية بجامعة بابل عرضا ينتمي لمسرح الشارع بعنوان «أولاد التقاطع»، وهو مونودراما فكرة وتمثيل وإخراج حسين كاظم، ويدور العرض حول الشاب بائع المناديل الورقية في إحدى التقاطعات المرورية رغبة في الحصول على ما يسد احتياجاته الرئيسية بعد فشله في الحصول على وظيفة مناسبة، إلى أن تراه حبيبته مصادفة فتتركه للارتباط بعجوز ثري، وبينما يمتلك هذا الشاب موهبة في الأداء الراقص تؤهله فيما بعد لتحقيق الشهرة والثراء، هنا تحاول حبيبته السابقة العودة إليه إلا أنه يصدها بذات الأسلوب الرافض الذي قامت به معه فيما مضى، مكملا طريق عمله إلى جانب حرصه على تقديم يد العون والمساعدة لأحدهم من أولاد التقاطع.
ينطلق العرض من دخول الشاب بائع المناديل من وسط المتفرجين معتبرا إياهم جزءا من اللعبة المسرحية ويبيع لهم بعضا من أكياس المناديل التي يحملها على كتفه، وتمتع الممثل بمرونة في أدائه الحركي مكنته من تجسيد معاناة الشاب وكثرة الأماكن التي ذهب إليها من خلال أدائه للحركة في مكانه وأدائه الحركي الذي يؤكد على المعاناة، إلى جانب إتقانه لأداء بعض مهارات البريك دانس Breakdance التي قام بأدائها حين انطلق الشاب إلى عالم الشهرة، وقد صاحب الأداء التمثيلي الصامت جملا موسيقية مسجلة أو بعض أصوات السيارات المارة، إلى جانب بعض الجمل الحوارية المسجلة أيضا للتعبير عما يجول داخل الشخصية الوحيدة التي تتحرك ويحيطها المتفرجين، أو لتجسيد بعض الشخصيات التي تمر في حياة هذا الشاب، وفي نهاية العرض يخرج الشاب من بين صفوف المتفرجين وهو ممسكا بيد شخصية افتراضية تجسد أحد أولاد التقاطع في تأكيد على حرص هذا الشاب على تقديم يد العون والمساعدة لمن يحتاج إليها.
وخلال إحدى الساحات التي تتوسط سوق كفري تم تقديم عرض مسرحية «بنت الشجاعة» من تأليف وإخراج محمد تنيا، وتمثيل مزده جوهر، وسركوت أكرم، ويدور الحدث حول الفتاة الجميلة التي تضطر للعمل في تنظيف وتلميع الأحذية للمارة لكسب قوت يومها، وعلى الرغم من بساطة عملها إلا أنها لا تقلل من شأنه بل إنها راضية به، وبعد تنظيفها لحذاء أحد المارة وانتظارها للنقود ثمنا لمهمتها تفاجأ بالشاب يفصح لها عن رغبته في الاستمتاع بها كامرأة، الأمر الذي يجعلها تستشيط غضبا وتلطخ وجهه وملابسه بطلاء الأحذية وتدفعه بعيدا، وتنهض حاملة لصندوق تلميع الأحذية مكملة عملها فتتحرك وسط صفوف المتفرجين مثلما ظهرت في البداية.
ظهرت الفتاه في البداية من بين صفوف المتفرجين معلنة عن وظيفتها وتتجاذب أطراف الحديث مع بعض من المتفرجين المحيطين بمنطقة التمثيل حول أهمية وظيفتها نظرا لأهمية الحذاء لدى الجميع، مؤكدة من خلال هذا العمل البسيط عن صعوبة حصول الفتاه في مجتمع العرض على فرصة مناسبة للعمل، ورغم ذلك فهي تواجه بمن يتوق لاستغلالها لمجرد كونها امرأة، إلا أنها تمتلك من القوة القدر الذي يؤهلها للدفاع عن كيانها ووجودها واستمرارها حين تنطلق وسط صفوف المتفرجين مكملة لمسيرتها.
على الرغم من أن العرض الأول «أولاد التقاطع» تم تقديمه باللغة العربية، وتم تقديم العرض الثاني «بنت الشجاعة» باللغة الكردية، فإن كلا العرضين حرصا على لغة الجسد وعنصر الإيماءة لتجاوز حدود اللغة المنطوقة وتوصيل المغزى الرئيسي، فتم التأكيد على قرب عروض مسرح الشارع من المتفرج لانطلاقه من مشكلاته اليومية، كما تم التأكيد على أن الممثل بإمكاناته خلال هذا النوع من العروض يمكنه تجاوز حدود وقيود اللغة وصولا لقيم حياتية وإنسانية أكثر شمولا.