العدد 540 صدر بتاريخ 1يناير2018
في احتفالية ثقافية عربية، ضمت جزائريين وفلسطينيين وسوريين وعراقيين، فضلا عن مصريين، احتفى النقاد بالكاتب الروائي والمسرحي السيد حافظ، أقام الندوة ملتقى السرد العربي بمؤسسة (إيثار) الأسبوع الماضي.
أدار الندوة الناقد حسام عقل، وبدأها بالقول إن السيد حافظ هو أحد مشاكسي المشهد الإبداعي المصري والعربي، وأشار إلى أنه قال قبل ثلاثة أعوام إن نظرية الأنواع الأدبية تغيرت وانقلبت رأسا على عقب، الذي يتصور أن نظرية الأنواع تركة يرثها كما هي ويورثها لأبنائه، مخطئ كبير. مشيرا إلى أن السيد حافظ أخذ زمام المبادأة ودفع إلى المشهد بما نسميه المسرواية. حيث مزج بين المسرح والرواية، واصلا في تجربته «كل من عليها خان» بين تجربة توفيق الحكيم في “بنك القلق” ويوسف إدريس في “نيويورك 80”.
الكاتب السيد حافظ قال: سأكون غير تقليدي في تقديم نفسي وسأقرأ كلمة بسيطة على غلاف كتابي القادم بإذن الله «ما أنا بكاتب» وهو تناص مع الحلاج: «أنا الغريب سلكت الحياة حتى أعرفها وأنا من قطع مقامات الأربعين ومزقت إلى أربعين ودفنت في أربعين مقاما، أنا المقام في الأدب، ومدينة من مدن الكتابة، ولي رهبة عند العارفين، وأعرف السبب لأنني السبب وأنا من طلب العلا في الحرف والعجب، في اللغة، وأعرف سر العطب». تابع الكاتب: إن ما تقوم به الجزائر لهو لفتة كريمة، أن يأتوا إلى مصر ويقدموا حلقة دراسية عن أعمالي الروائية والمسرحية، مشيرا إلى أن هذه الحلقة بدأت منذ فترة طويلة، معلقا: الجزائر بلد الرواية وعندما تتبناني في الرواية فلا بد أن أكون قد ساهمت بشيء من التجديد والتطوير، أضاف: أنا أنسف كل القواعد القديمة، وأبشر بجيل جديد يأتي، جيل يكتب ما لم نكتبه نحن، أنا أفجر فيهم الجنون والعظمة، العظمة المتواضعة أمام الحرف، أن يتوضأ الكاتب بنور الكلمة، أن يصلي ليس بالسجود فقط ولكن بروحه أمام العبارة، أعتقد أنني قطعت شوطا كبيرا. تابع: أُنجزت 52 دراسة جامعية عن أعمالي ما بين ماجستير ودكتوراه ودبلومات، وكلها طيبة، ولكنني أصر أن أجمل دراسة لم تكتب عني بعد، وأن أجمل عمل لم أكتبه بعد، وأجمل شمس في الدنيا لم تشرق بعد.
ملامح بريختية
ثم قدم د. مفتاح خلوف مداخلة بعنوان “تجليات بريخت في مسرح السيد حافظ” بدأها بالقول: نحن الجزائريين استلهمنا كثيرا من أفكارنا النقدية من هذا الكاتب العظيم، وقد عثرت على ما يفوق عشرين دراسة نقدية عنه، وأنا شخصيا أشرف على خمس رسائل ماجستير لدراسات أكاديمية عن أعماله، أضاف: في قراءة بسيطة عن أعمال السيد حافظ المسرحية قمت بمسح سيميولوجي وسوسيولوجي وبنيوي، وطبقت فيه معظم النظريات التي تتداول في الحقل النقدي الأدبي، فلاحظت مجموعة من الملحوظات على مسرحه، أولها كسر الإيهام، حيث حمل السيد حافظ لواء الدفاع عن أدبية الأدب وإيجاد آليات جديدة لإنتاج عمل فني مسرحي جديد، يتلاءم مع البنية الفكرية التي تجول في خواطر العالم العربي، فرأيت أنه يجب أن يعاد النظر في المناهج النقدية حتى تتلاءم مع أدبه لأن كل المناهج النقدية التي درسنا عنها تقسم وتجنس الأدب، لكن أعماله تخرج عن هذه القوالب النقدية لذا يجب أن نتوصل إلى مقاييس جديدة لدراسة أعماله الروائية والمسرحية. تابع: ومن العلامات البريختية لديه أيضا الثورة على القوالب الكلاسيكية، وأذكر هنا رمزين من رموز المسرح العربي استطاعا التمرد على هذه القوالب وهما السيد حافظ وما فعله من تجريب ولدينا في الجزائر عبد القادر علولة، كذلك من العلامات البريختية في مسرح السيد حافظ ظاهرة المزج بين السرد والمسرح، فإذا كان المسرح الكلاسيكي مسرحا وصفيا، فإن مسرح السيد حافظ تتماهى فيه الرواية بالمسرح، وهي ظاهرة أشار إليها الكثير من النقاد، وهي أننا لا نستطيع أن نجنس أعماله ضمن جنس معين فهي أعمال زئبقية، وهناك ظاهرة أخرى هي شعرية اللغة، فمما ثار عليه بريخت في المسرح الكلاسيكي أن لغته لا تتلاءم مع واقع الناس وهذا أمر احتواه السيد حافظ، فعندما تقرأ أعماله تجد فيه بعض الخصائص الشعرية التي يتميز بها دون غيره من الكتاب. ميزة أخرى من ميزات السيد حافظ وهي الثورة على الزمن، فالمسرح الكلاسيكي كان يعتمد على الثلاثية وحدة الزمان وحدة المكان وحدة الحدث، والسيد حافظ قلما يثبت على زمن واحد وقلما يوظف زمنا واحدا. شيء آخر هو توظيف المكان، فالمكان عنده له ملامح بريختية فالمكان قلما يثبت، وقلما يقدم كفضاء، بل يتحول المكان في حد ذاته إلى طور الشخصية.
توليفة المسرواية
وقدم د. محمد زعيتري ورقة بعنوان “توليفة السيد حافظ بين الرواية والمسرح” قال فيها: عندما أخذنا هذه الأعمال صدمنا في البداية كما يصدم أي قارئ بعتبة العناوين التي يختارها وكنا لا نعرف ما بداخل هذا الكتاب، رواية أم مسرحا، لأننا حملنا من العنوان ما تقتضي السيميولوجيا، وما تقتضي القراءة السيميائية للعناوين، صدمنا بعناوين على شكل جمل مركبة وعلى مفردات قلما نجدها. تابع: السيد حافظ كتب الوجع الإنساني، تنفس على الورق كلمات وحقيقة، في توليفة ما بين الرواية والمسرحية نسميها “المسرواية”، وسأركز هنا على البعد السيكودرامي؛ كيف استطاعت هذه الأعمال أن تخرج بعيدا عن منارات الإشعاع العلمي وهي الجامعات، كيف استطاعت أن تخرج من باب الأكاديمية الأدبية لتصبح وصفات علاجية للمجتمعات، تقدم صورة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة في ثنائيات للمخاتلة نبحث فيها عن جمالية فنية حقيقية، ولكنها تجتر الوجع الإنساني، وأشار إلى أن رواية “كل من عليها خان” حملت عدة قضايا يتخبط فيها الوطن العربي، أضاف: وشدني في أعماله المسرحية عمل بعنوان “ملك الزبالة” وعمل بعنوان “امرأتان” هذه الأعمال التي لا ولم ولن أدرسها بعد اليوم على أساس أنها نصوص مسرحية ولكن لنتلمس البعد النفسي الموجود بداخلها، منوها بأن الأبعاد النفسية هي نوع جديد من الأبعاد التي يطرحها السيد حافظ بعيدا عن التفكيكية والتأويلية والبنيوية، وبعيدا عن كل هذه المدارس التي قذفت بنا إلى شطآن لا نجاة فيها، نحاكم فيها الحرف واللفظ، ونحاكم الجملة ولكننا نسينا أننا نحاكم عملا إنسانيا انبثق من إنسان له تجارب متعددة في الحياة. تابع: نحن كنا نغيب التجربة ونحاكم النص في حد ذاته، والسيد حافظ يصنع قارئا ولا يصنع شخصيات ولا روايات للمتعة ولا يكتب مسرحيات للفرجة فهو يكتب فلسفة عميقة، تستطيع أن تزاوج بين الخط السردي للرواية وبين تقنيات المسرحية، وليس عيبا أن نزاوج في ثنائيات بين «كوكتيل» مختلف بين الرواية والمسرحية والقصة، ولكن العيب أن نتوقف عند حدود الأكاديمية التي تلزمنا أن نتوقف عند قوانين أكل عليها الدهر وشرب، ونحن في الجزائر نؤسس لمدونة أدبية عربية جديدة، لا تستهلك المصطلح الغربي ولا تستهلك الثقافة الغربية استهلاكا مباشرا، وستكون النماذج التي سنشتغل عليها نماذج عربية بداية من السيد حافظ، وهنيئا لكم بهذا الرجل، هو البحر في أحشائه الدر كامن فاسألوا السيد حافظ عن صدفاته.
تداخل الأجناس
أما د. عزوز ختيم فاستهل ورقته النقدية “تداخل الأجناس الأدبية في أعمال السيد حافظ” متسائلا: كيف استطاع الجزائريون أن يقرأوا ما لم يقرأه غيرهم؟ مجيبا: إن النقد الجزائري الذي استطاع أن يرد على جريماس في مربعه السيميائي، والنقاد الجزائريون الذين استطاعوا أن يجبروا جيرار جينيت على إعادة تصوره لـ”طيف النص” فكتب لافي جرساج، والذين ردوا على ميشيل فوكو في عالم الأشياء واللغة، والذين استطاعوا أن يؤسسوا مدرسة متميزة في النقد الحديث هم الذين استطاعوا أن يقرأوا السيد حافظ، هذه أسباب من أسباب كثيرة جعلتنا نحن في الجزائر نفطن إلى أن هذه الأعمال ليست أعمالا عادية إنما هي أعمال رائدة ونحن في الجزائر لا نظن بل متأكدون أن أعمال السيد حافظ، لا سيما سباعيته، تمثل مرحلة ومنعطفا تاريخيا في تاريخ الرواية العربية، هنيئا لمصر التي أسست برواية “زينب” نموذجا حديثا للرواية العربية ووضعت معالم الرواية العربية والفنيات اللازمة لكتابة الرواية بالأسلوب الحديث، هنيئا لها مرة أخرى بأن تضع شكلا جديدا من أشكال الرواية، ونوعا جديدا في الأجناس الأدبية على يد السيد حافظ، وهنيئا للأمة العربية برجل استطاع أن يجمع أجناسا أدبية كثر الصراع حولها طويلا ولا يمكن لكم أو لنا أن نتصور أن عربيا قد استطاع أن ينتج نصا أدبيا جمع فيه جميع الأجناس الأدبية، جمع الشعر والمسرح والسيرة الذاتية وجمع اللغة الإشهارية والتاريخ والتوثيق والنقد وجمع التلفزيون والسينما، لم يترك شيئا تحتاج إليه عملية التواصل إلا ووضعها داخل كتاباته الروائية. تابع: نحو بصدد ولادة جديدة لجنس أدبي جديد سمه ما شئت، لكنه ليس رواية فقط وليس سردا فقط وليس مسرحا فقط وليس سيرة ذاتية فقط، علاوة على ما كتبه في البنى الشكلية للرواية، وهي بنية فلسفية ستتعبنا كثيرا ونحن نتتبعها. هذا النمط الفلسفي، يحتاج إلى النقد الثقافي الذي يجب أن يركز في أعمال السيد حافظ على النسق الثقافي والنسق التاريخي المرتبط بالزمان والمكان، وهذا ما يجب أن يشتغل عليه النقاد حتى يستطيعوا أن يفككوا شفرة، لا أقول دافنشي، ولكن أقول شفرة السيد حافظ.
جماليات التشكيل
الدكتورة فايزة سعد أستاذ الأدب والنقد بكلية الألسن جامعة عين شمس أيضا قدمت مداخلة بعنوان “البنية والدلالة وجماليات التشكيل في أعمال السيد حافظ” قالت فيها: “كل من عليها خان” هي أحدث الإبداعات الروائية للسيد حافظ، الكاتب الروائي والمسرحي الذي قدم للمكتبة العربية ما يقارب الستين عملا إبداعيا متنوعا بين الرواية والمسرح والكتابة للطفل والمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية.
وتعدّ هذه الرواية منعطفًا مهمًا في مسيرة الكاتب الإبداعية، من خلالها يواصل الكاتب نهجه في تحديث بنيه السرد في الرواية العربية موظفًا تراسل الفنون وتقاطعاتها مع الدراسات الإنسانية ليقدم للمتلقي رؤية بينية تجمع بين السرد والشعر والدراما والتاريخ وعلم النفس، هي تعبير عما يمكن أن نطلق عليه سمة العصر حيث تذوب الحدود الفاصلة بين الفنون بعضها بعضًا، وبين الفنون والعلوم الإنسانية.
تابعت: تتكون الرواية بنائيًا من اثني عشر فصلاً لا تحمل عناوين ولا أرقام ولكن يفصل الكاتب بينها بصفحة بيضاء تحمل جملة واحدة: «فاصل ثم نواصل الرواية» ثم يشير للمتلقي إلى انتهاء الفاصل صفحة بيضاء تتوسطها بعبارة “عدنا للرواية، اقرأ”. ويشكل هذا التقسيم بنية منهجية يلزمها الروائي. أما على مستوى البينة اللغوية، فقد التزم الروائي عبارة “فاصل ونواصل مع الرواية لا تذهب بعيدًا”، في صياغة الإشارة اللغوية لبداية الفاصل في الفواصل جميعا، وهي جميعًا تؤدي الوظيفة اللغوية والسياقية نفسها؛ فهي تنبه المتلقي إلى نهاية جزء من بنية السرد. وهي جميعًا على ما بينها من اختلافات طفيفة على مستوى البنية اللغوية تؤدي الوظيفة اللغوية والسياقية نفسها في الإشارة إلى انتهاء الفاصل واستئناف النص السردي. أضافت: وغير خفى تأثر الكاتب بتقنيات الكتابة “التلفزيونية أو الإذاعية”؛ حيث يستغل هذه الفواصل في فقرات دعائية، ويقدم الكاتب للمتلقي من خلال هذه الفواصل جرعات مكثفة من الإبداعات الفنية والقراءات الثقافية. أشارت أيضا إلى أن الكاتب قدم سبع مسرحيات تنتمي جميعًا إلى المسرح التجريبي الذي يجمع بين المونودراما ومسرح العبث أطلق عليها “مسرحية قصيرة جدًا” وهي جميعًا دون عنوان، ولا يفوت الكاتب أن يقدم من خلال هذه الفواصل قصة قصيرة جدًا، ليشبع ذائقة المتلقي الذي يتابع ما يمكن أن يطلق عليه “صيحات الكتابة القصصية”، هذا إلى جانب مقاطع من أغنيات زمن الفن الجميل لأم كلثوم وعبد الوهاب وكاظم الساهر، وهذه الفواصل تمثل نصوصا موازية، وسباحة عقلية، ومتعة جمالية متعددة المشارب والاتجاهات يخاطب الكاتب من خلالها ذائقة المتلقي، وينعش وعيه الثقافي.
على الهامش
تخللت الندوة بعض الفقرات تضامنا مع قضية القدس وقرار الرئيس الأمريكي ترامب نحو القدس، وقد ألقى الكاتب فضل أبو حرير بيانا أسماه “بيان المثقفين العرب”، ثم ألقت الإعلامية الفلسطينية ناريمان شقورة بيان هيئة القانون والنظام الفلسطينية، ثم ألقى الشاعر والمسرحي الجزائري توفيق وومان رئيس جمعية الجزائر للأدب الشعبي قصيدة حماسية، وتلتها قصيدة أخرى عن فلسطين للشاعر المصري ياسر سالم، ثم قصيدة للشاعر سمير فراج.