العدد 543 صدر بتاريخ 22يناير2018
على خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية شاهدت عرضا بعنوان (مش دمية إبسن)، وفعلا العرض كان على خشبة المسرح لأن المخرج أحمد الحناوي، وباسم عادل الذي قام بتهيئة النص أو إعادة الكتابة أو،، إلخ، أراد أن يتخذ شكل العرض ما يسمى بمسرح القاعة، ولكن فيما يبدو أن المعهد وأكاديمية الفنون لا تملكان قاعة صالحة!
حاول العرض أن يتخذ شكل البروفة أو التدريب حتى يسمح لباسم أن يتدخل معترضا على ما يقدم أمامه، ومن ثم يكون هناك نقاش وتساؤلات بين صانعي العرض أنفسهم، والغرض من كل هذا ليس تقديم شكل جديد بالطبع، لأن هذا الشكل موجود من قبل حتى أن يولدوا، ولكن كان هذا التعامل لأمرين؛ أولهما التأكيد على أنهم لا يقدمون نص إبسن كما هو، والأمر الثاني والأهم والدافع وراء التقديم بهذا الشكل، ومن قبله الدافع لمحاولة التعرض للنص أصلا، هو مناقشة ماقامت به نورا مع الجمهور.
وفي عجالة، نقول إن نص العرض اعتمد على نورا التي تتعرض لابتزاز من جانب من اقترضت منه المال للقيام بنفقات رحلة علاج زوجها، لأنها قامت بالتوقيع بدلا من والدها الذي توفي، ولكنها أرخت الصك بموعد لاحق على تاريخ وفاة والدها؟ أي أنها قامت بالتزوير، ولذا كان الابتزاز من الدائن الذي يعمل تحت إمرة زوجها في البنك، ومعروف بسوء السمعة والسلوك لدرجة أن الزوج قام فعلا باتخاذ القرار بفصله رغم طلب نوار منه منح المبتز فرصة أخرى، وهناك صديقة لنورا تأتي فجأة وتقابلها نورا بطريقة خشنة نظرا لتاريخ العلاقة القديم الذي أوحى بأن نورا كانت تغار منها، ولكن الصديقة تدهور بها الحال وأتت لطلب فرصة عمل في البنك الذي يديره زوج نورا، وهنا تعدها نورا بالمساعدة_ هذه النقطة لم تكن في التساؤلات اللاحقة لصانعي العرض_ ومن خلال النقاش تعلم الصديقة بورطة نورا مع المبتز، الذي فعلا يرسل رسالة للزوج، فتقرر نورا مفاتحة الزوج؛ الذي يغضب ويثور، ويحاول البحث عن حل ينقذ سمعته مؤكدا على خطأ ما فعلته نورا، ولكن الصديقة تدخل فجأة وتخبرهم أنها حصلت على الوثائق، ولا نعرف كيف مع أن الدلائل تشير لسوء سمعة المبتز وسعيه وراء المتعة، كيف جاءت الصكوك، وهو أمر لم يلق أي اهتمام لا من صانعي العرض ولا من نورا وزوجها، الذي يتحول معه الأمر للجيد، فيحاول أن يمضي بحياته كما كانت ولكن نورا تقرر وقتها ترك المنزل والزوج والأطفال.
كل هذا كان حتى يسأل صانعو العرض من حضر من المتفرجين عن رأيه فيما صنعته نورا، أولا بالتزييف وثانيا عندما تركت المنزل.
أعتقد أن السبب الرئيسي وراء هذا التساؤل لم يكن منبعه الأول هو مجرد المعرفة، ولكن هو إلقاء الضوء على حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع إزاء قضية ما، وكيف أن هناك أطرا حاكمة على العقل فيما يقوله من آراء لا تستند للمنطق الواجب؟ وكيف أن الإطار المرجعي الخاص ببعض الشخصيات المؤثرة التي نالت قدرا كبيرا من التعليم، وكان لها الحظ في التنقل والارتحال وساعدتها الظروف بتبوأ مناصب مؤثرة على العقل المجتمعي، كيف يتوارى هذا كله وراء بعض الآراء الموروثة التي اتخذت عند البعض صفة القداسة، ورفض الشيء أو قبوله بناء على شكل تطابقه العام مع الموروث دون الدخول للمسببات والدوافع ومن ثم النتائج.
وبما أن العرض مقدم من طلبة الدراسات العليا فهناك سؤال عام ملح نطرحه، هل نحن بصدد تقييم مشتغلين بالفن المسرحي؟ أم منح الفرصة للمبدعين؟ وكيف نقوم الإبداع داخل الإطار الذي تم تدريسه أو تلقينه أو المران عليه، والمفترض أن الإبداع يأتي بمنطقه الخاص الجديد؛ بشكل يتم من خلاله وبه اتساع الإطار المعرفي لنوع الفن الممارس؟
ثم يأتي التساؤل الخاص بالعرض نفسه، هل تلك القضية المثارة واتكاؤها على العم إبسن كانت لمجرد تبيان أننا نعرف إبسن وأننا قادرون على عدم الالتزام بما كتبه، أم أن القضية كانت الشغل؟
إن كانت الثانية؛ ألم يكن أولى تبني قضية غارمة من الغارمات التي يزخر بها المجتمع وكانت في نفس الظروف؟ فهناك الكثير من الرجال تركوا زوجاتهم للسجن لأنهم اقترضوا لأجلهم، وعندما جاء فاعل خير ودفع الغرم، حاول الزوج العودة بالعلاقة كما كانت في حين أصرت الزوجة على الانفصال، صفحات الحوادث وأروقة المحاكم بها الكثير من هذا، وساعتها المناقشة ستكون أكثر التصاقا دون الدخول وراء ثقافة يمنع فيها المرأة أن تكون لها ذمتها المالية المستقلة بشكل لا يفهمه الكثيرون، مع أنها كانت النقطة الحاكمة في عرض المشكلة.
ثم السؤال الثالث المتعلق بالمناقشة هذه، ألم يكن الأولى طرح المناقشة للعموم، من يرد أن يبدي رأيا فليكن؛ مهما كان هذا الرأي صادما أو غريبا، وساعتها ستتجلى قدرة القائمين على العرض في الاحتواء والمناقشة، أم ما تم بها الشكل المعد سلفا حينما سأل المخرج أشخاصا بذاتها له علاقته معهم ومناقشاته أيضا، ومن ثم أدرك يقينا قبل الطرح؛ كيف سيكون الرد فاستعد له، وهنا سقطت العفوية المأمولة ومحاولات التعرف، وجاءت فقط الأطر المتفقة مع الطرح العام لمقدمي النص مع بعض آراء مختلفة معروفة مسبقا تؤكد ما سبق.
وإن جاء رد بأن السيد المخرج لم يكن يعرف رأي من سألهم؟ مع أنه تجمعهم به علاقات الزمالة في العمل والدراسة، أو علاقات التلميذ بالأساتذة، سأترك لكم وقتها الرد.
ثم السؤال الأخير المتعلق بتقنية تقديم العرض ذاته، وكما قلنا العرض جاء كما لو كان المقدمون في بروفة يتبعها العرض، وأكد عليها بأنه في النهاية تم تقديم أنهم سيقدمون الآن عرض كذا من تأليف وإخراج كذا وكذا.. إلخ، لست ضد هذا، ولكن هذه المناقشة مع الجمهور أين كانت، في البروفة أم العرض، جاء هذا اللبس لأن هناك سؤالا أساسيا لم يستوقفهم ألا وهو هل نحن في بروفة بشكل العرض؟ أم نحن في عرض بشكل البروفة؟ وأعتقد أن الفارق كبير من وجهة نظري.
ثم نأتي للشكل الذي يؤكد أن عملية المناقشة المبتسرة كانت هي الأساس في اختيار شكل القاعة ليكون الجمهور أكثر حميمية، ومن ثم تكون المناقشة مجازا أو التساؤلات والإجابات كواقع، ومع هدم وجود القاعة كانت خشبة المسرح هي الحل، وبما أن خشبة مسرح المعهد العالي كأي خشبة مسرح أخرى يحكمها كيان متوازي المستطيلات إن تكلمنا عن الأبعاد الثلاثة، وشكل المستطيل إن حكمنا على البعدين، وطبيعي أن يكون الضلع الأكبر للمستطيل أي المواجه للجمهور من خلال هذا التوظيف هو المتسع لأكبر عدد من الجمهور، ولم يكن على الجانب المقابل وجود لجمهور بل الممثلون وأشياء أخرى، فاستوجب هذا أن يقصر الخطان القصيران المكملان للمستطيل عما هما عليه، فكان وجود الجمهور في الجانبين القصيرين أقل ما يمكن نظرا لطبيعة المكان والتوظيف، فهنا يكون من الواجب على السيد المخرج أن يتعامل مع ثلاث جهات - مستطيل ناقص ضلع - ولكننا لم نلمح هذا إلا فيما ندر، فلماذا؟ هل نسي المخرج؟ أم أن الممثلين رغما عنهم وبناء على العادة المتوارثة وجهوا نظرهم ومن ثم حركتهم لجهة الجمهور أي الخط الكبير الذي هو عادة المكان والتوجه الطبيعي لخشبة المسرح؟ مع الوضع في الاعتبار عدم التكافؤ في عملية توزيع الجمهور بناء على ما ذكرناه من ظروف المكان، ساعتها يكون التوجه للجهة الأكثر حضورا مستساغا ومقبولا حتى وإن تعارض مع شيء سبق، فبناء عليه وبناء على ضيق المساحة المتاحة، ووجود بعض الأثاث كانت الحركة في معظمها في خطين متوازيين المسافة بينهما ضيقة دون وجود تزامن، ولكن إن كان واحد غاب الآخر، مع وجود بعض الخطوط الرأسية والمنحنية على هذين الخطين لم تحتمهما ضرورة درامية ولكن عملية الدخول والخروج من وإلى منطقة التمثيل، ولذا أعتقد أن مكان العرض ووجود الجمهور بشكل أكبر مما توقع المنظمون أو صانعو العمل كان له الأثر على تفعيل النص بالشكل المرئي أو الحركة المسرحية، كما أن وجود الجمهور بهذا القرب من المؤدين يفرض زاوية الرؤية بحيث لا تتسع لأكثر من أجساد الممثلين أمامهم، وإن حاولت أن ترى أكبر أو أن تلمح شكل الديكور الذي صممه محمد فتحي، ساعتها سيفوتك الحدث، هنا يكون سؤال آخر هل كان للديكور وظيفة أكبر من بعض الأثاث الواجب الموجود الذي أعتقد أنه سابق وليس مصنوعا للعرض نفسه؟ حتى وإن كان فهو أشار للشكل الذي قلته إذن فلا جديد ولا دال، هنا لا حكم على محمد فتحي ولكن توظيفه في الأساس به بعض الشيء طبقا لطبيعة المكان التي لا تسمح إلا بزاوية رؤية ضيقة تقتصر على المؤدين فقط في الأغلب، وهنا إذا افترضنا عدم وجود أي شيء غير المكتب والمقاعد هل سيكون هناك نقص فيما شاهدناه؟ أعتقد لا.
ولكن لو تحدثنا عن الأداء التمثيلي فالحديث سيكون مختلفا، فشريهان قطب التي قامت بدور نورا، ممثلة جيدة وواعية وتملك هذا البريق الخاص بها، الذي يجعل من المشاهد في عمومه دائم الالتفات إليها، هذا من حيث الهبة أو الموهبة، وهي اشتغلتها جيدا في التأكيد على ما تملك حيث كانت تنقلاتها بين الحالات الموجودة متسقة مع طبيعة كل حالة على حدة، سواء كممثلة في بروفة قد تضيق أو ترضى، ثم كشخصية فاعلة ومتفاعلة، وهي مشروع ممثلة كبيرة لو تخلصت من بعض الأشياء الصغيرة التي قد تدفعها إلى العاطفة والاستغراق في الشخصية دون الالتفات للوظيفة الدرامية، مثل تلك الحالة البكائية التي انتباتها في أواخر العرض، تلك الحالة التي تتعارض مع الموقف.
أما أحمد سليك (الزوج) فقد أدى ما طلب منه بدون تعقيد وهو أيضا يملك حضوره، باق فقط أن تكون له شخصيته الخاصة كممثل ومن خلال مشاهدتي أعتقد أن هذا قريب، أما بحرية سعد التي قامت بدور الصديقة كريستين، فمن الواضح أنها أتت لإنقاذ موقف فقط وهو شيء تشكر عليه، أما باسم عادل في تدخلاته فالحقيقة لم يثر تساؤلات ولا تحفظات تعكس عمله الأساسي في العرض، وفي النهاية نقول نحن في انتظار المبدعين فالمشتغلون بالفن كثرون جدا للأسف.