من عين فلان ابن فلانة.. هل السحر المصري أصل الفودو؟

من عين فلان ابن فلانة.. هل السحر المصري أصل الفودو؟

اخر تحديث في 9/1/2019 12:48:00 AM

محمد إمام صالح

يعتقد الكثير أن اتباع الفودو يصنعون دمى لأعدائهم ويغرسون بها الدبابيس ثم يحرقونها على أمل أن تصيبهم اللعنة، فالفودو هو نوع من السحر الأسود الذى يستخدم أهله الأشباح والجن لخدمتهم. 
ويعتقد أتباع هذا المذهب في معبود يتمثل في أرواح الأجداد والآباء الذين ماتوا وهذه الأرواح قادرة على مساعدتهم أو حتى معاقبتهم، وبالتالي فإن معتقداتهم تقوم على أن الطقوس التى يمارسها الأحياء تهدف لإرضاء أرواح الموتى لنيل رضاهم. وقد بدء انتشار سحر الفودو في قارة أفريقيا، وهو مشتق من الكلمة الفرنسية Vaudou التي يترجمها محرك البحث جوجل "شعوذة- ساحر- مشعوذ". 
هذا عن سحر الفودو، فماذا عن السحر المصري، وهل بينهما ارتباط أم لا؟
العلاقة بين الدين والسحر في مصر القديمة علاقة وثيقة جدا حتى أنه يصعب الفصل بين التعاويذ الدينية والسحرية، حيث إن الكثير من النصوص الدينية تستخدم في التعاويذ السحرية. ويسمى السحر في مصر "حِكَا" وقد وهب المعبود المصريين السحر ليكون قوة دفاعية لهم، فقد جاء في تعاليم خيتى لابنه مريكا رع: لقد عمل المعبود للبشر السحر ليكون سلاحا لردع يد الأحداث.
ويستخدم السحرة التعاويذ حيث يتلونها مصحوبة بطقوس مختلفة حتى يكون لها فائدة كأن يتلونها على الماء. كما يستخدموا التمائم لحماية الناس من الشرور كالحسد والمرض، وقد استخدم الناس في مصر القديمة عدة طرق منها الدعاء للمعبودات أو التوسل بأحد الأسلاف ليكون شفيعا، مثلما يحدث حاليا بأن يتوسل بأحد الأولياء.
كما يمكن أن تصيب أرواح الأموات الأحياء بأذى وتضع أمامهم العراقيل والعبارات، فقد وردت في بعض النصوص أن زوجا يطلب من روح زوجته المتوفاة أن تكف عن إيذائه حتى يواصل حياته. أو أن تدخل روح الميت في جسد الحي وهو ما يطلق عليه حاليا (اللبس أي أن فلان ملبوس بالمعنى الدارج) وقد يسميه البعض (المس).
وتدخل تلك الأرواح إلى أجساد الأحياء عن طريق أحد فتحات الجسم كالأنف، الفم، والعينين، لذا فإن خروج هذه الروح من تلك الفتحات قد يسبب الضرر، فقد ورد في تعويذة أن الميت والميتة يسببون الضرر للعينين. ويبحثون عن علاج المس حاليا إما بالرقية الشرعية أو بالذهاب إلى ساحر ليخلصه منها بنفس الطريقة المصرية القديمة!! وهو ما يشبه حاليا قول الساحر لمن يتلبس بالمصاب (لا تخرج من أذنه أو من عينه حتى لا تسبب له الصمم أو العمى). وقد يستخدم الساحر التهديد بأن يهدد العفريت أو الجن المسبب للمرض بالقضاء عليه أو حرقه أو تدميره بأية وسيلة إن لم يخرج من جسد المريض!! كما يستخدم الثوم والعسل والماء لإبطال مفعول هذا السحر.
أما عن التشابه بين سحر الفودو والسحر المصري القديم فنلحظه في طقوس اللعنات المصري التي كان يمارسها الكهنة المصريون لإنزال اللعنات على الأعداء باستخدام دمية من الطين ووخزها بالإبر والدبابيس في المناطق كافة ثم حرقها، وهذا ما يحدث في وقتنا الراهن حيث تصنع الأم أو الجدة عروسة تثقب كل مكان بها حتى تتشوه ملامحها وهى تتمتم (من عين فلان ابن فلانة، ومن شر فلانة بنت فلانة) وهو نفس ما كان يفعله أتباع مذهب الفودو، وربما كان ذلك نتيجة الامتداد الثقافي المصرى الإفريقي في العصور القديمة مما ساهم في التأثيرات الدينية والثقافية المشتركة بينهم.
ومن ضمن ما قيل عن براعة المصريين في السحر تسخيرهم لعالم الجن، ليكونوا حراسا على مقابرهم وذهبهم، وهذا من الخرافات التي لا أصل لها.
ويتبقى سؤال آخر، هل يقع السحر على العين أم على الشيء؟
يعتقد كثير من الناس أن السحر، يقع على الشئ، والأصل أنه لا يقع على الشيء وإنما يقع على العين فقد فقال الله تعالى "فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ "، وفى موضع آخر "فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ". ففي الآية الأولى يخبرنا الله صراحة أن السحر يقع على العين، أما فى الآية الثانية فاستخدم فعل يُخَيَّلُ وهو فعل مبنى للمجهول من فعل يتخيل أي يتصور ما ليس موجود بفعل السحر. 
وهناك سحر آخر يقع على السمع وهو سحر البيان، فقد يُثنى المتكلم على شخص حتى يحبه الناس وقد يسخط عليه ويذمه حتى يكرهه الناس حتى أن هناك حديثا عن الرسول يقول فيه (سبحان الله إن للبيان لسحرا).
والسحر حسبما جاء في قاموس لسان العرب هو: أُخْذَةُ التي تأْخُذُ العينَ حتى يُظَنَّ أَن الأَمْرَ كما يُرَى وليس الأَصل على ما يُرى؛ والسِّحْرُ: الأُخْذَةُ. وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُه ودَقَّ، فهو سِحْرٌ.
وعلى هذا قال الأزهري فأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، وهو ما يقوله كذلك علماء الاجتماع والأنثروبولجيا وأضافوا إليه هو فن السيطرة على الكائنات الخارقة والسيرة على الطبيعة بوسائل خارقة. كما يعرف السحر بأنه قوى خفية كامنة عند بعض الأفراد تمكنهم من السيطرة على الطبيعة والتحكم فيها، ومن يمتلك هذه القوى الخفية يصبح ساحرا يستطيع أن يتصرف في مصير الأفراد أو يقوم بدور الوساطة بين الطبيعة والمجتمع من جهة وبين المجتمع والقوى الغيبية من جهة أخرى. 

.............
المراجع
ليلى عزام، التعاويذ السحرية ضد الأمراض في عصر الدولة الحديثة، رسالة دكتوراه، كلية الآداب جامعة حلون.
قرآن كريم: سورة الأعراف الآية 116
قرآن كريم: سورة طه الآية 66
 


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @