الإسكافي، وغنوش، وغانية المعبد، شخصيات مسرحية في مؤتمر  الحركة المسرحية بالأقصر

الإسكافي، وغنوش، وغانية المعبد، شخصيات مسرحية في مؤتمر  الحركة المسرحية بالأقصر

اخر تحديث في 3/8/2019 2:18:00 PM

محمد إمام صالح- أسماء عبد الهادي
أقيم مساء أمس 7/3/2019  المؤتمر الأدبي الفرعي "الحركة المسرحية بالأقصر"، وذلك بقصر ثقافة  الأقصر.
قال حشمت  يوسف رئيس المؤتمر  أن المسرح يختلف عن غيره من الفنون فى طبيعة التجربة التى يخلقها لرواده،  فيستطيع الإنسان أن يستمتع وحده بالقراءة أو بسماع الموسيقى. ولكن المشاركة الجماعية فى العرض المسرحى تخلق نوعا من المتعة الفردية.
ووظيفة المسرح هى التقدم بالحياة الإنسانية عن طريق نقد هذه الحياة وكشف جوانبها المجهولة التى يستطيع الفنان وحده أن ينفذ إليها. وربما كان المسرح فى مقدمة الفنون التى تثيت هذا الافتراض، فقد كان المسرح منذ أقدم العصور ، أى منذ المسرحيات اليونانية القديمة..فهناك أولا فى تلك المسرحيات قضية الإنسان فى الكون أو سر الحياة والموت والقوى التى تسيطر وتسطر حياة الإنسان، او صراع الإنسان من أجل الحب أو الشرف أو المثل العليا.
وتناول المسرح من هذه الزوايا الثلاث أكسبه نوع من شمول الرؤية للحياة الإنسانية..ولعل هذا الشمول جعل أرسطو يقول أن الدراما أقرب شئ إلى الفلسفة وإنما هى تختلف عن الفلسفة فى أنها فن، بمعنى أنها لا تقدم حلولا بل تقدم جدلا.
وقال الباحث سعد فاروق فى كلمته "أن المسرح فى الأقصر بدأ فى معابد الكرنك، عندما كانت تُقام المسرحيات الطقسية على ضفاف البحيرة المقدسة. وقد أرخ الباحث الألمانى "دورايتون"  للمسرح  فى الأقصر. وفى العصر الحديث هناك العديد ممن أضافوا إلى المسرح فى الأقصر مثل "ربيع العبادى" أبو المسرح فى الأقصر فى خمسينيات القرن الماضى.
وقال "محمود الكرشابي" أمين عام المؤتمر "دائما كنت لا أفهم هذا الفصل القهرى بين نوعين من الشعر الغنائى والملحمي،  ربما لأن أول ما قرأت من الشعر كانت رائعة عبد الرحمن الشرقاوي "الحسين ثائرا". وفى مرحلة لاحقة ومع قراءة المعلقات كنت أعجب كيف لا يرون الملحمية فى تلك الطوال العظام من يدعون أن شعرنا العربي غنائيا فقط.
وفى مرحلة متقدمة أدركت الفرق بين الشعر التمثيلى والشعر الغنائى، حيث أن الأول هو قصائد تصاغ على ألسنة شخصيات ناطقة لتمثيلها على المسرح. ولكن بقى لدى يقين أن كلاهما وجهين لعملة واحدة يستطيع المسرح الشعري تحقيقها. حيث يدفع الحدث "الدراما" الشعر إلى الأمام، وتكثف الللغة الشعرية الحدث، فينتجان معا الشكل الأعلى من الفن وهو الشعر المسرحى أو المسرح الشعري.
وفى الأقصر حركة مسرحية لا بأس بها، ومسرحيون على قدر كبير من الموهبة والاحترافية، لكن يظل المسرح الشعري غائبا وبعيدا، ولكن هذا قدر المسرح الشعري فهو وإن كان ابن إلهين عظيمين، إلا أن حظه من الاهتمام لا يليق بقدره.
ويتناول المؤتمر ثلاثة محاور: المحور الأول قدرية العجز ومقاومة سقوط العقل. والمحور الثانى: أنوش مسرح يستوحى الأسطورة. أما المحور الثالث فبعنوان سقوط المقدس فى راحاب غانية المعبد.
وفى المحور الأول تناول ناصر خليل قدرية العجز ومقاومة سقوط العقل فى مونودراما "الإسكافي" لمحمود الكرشابي. فقال: إن القارئ للنص المسرحى مونودراما "الإسكافي" الفائزة بجائزة الفجيرة للمونودراما عام 2018، يحتاج إلى كما هائلا من العمليات الذهنية لإدراك مرمى المؤلف من تلك اللعبة التراجكوميدية المحكمة. وانفتاح أفق الرؤية على تأويلات لا تحصي، وبنيويا أيضا النص تتقاذفه أمواج شتى فيقترب من مرسى العبث؛ لكنه لا يرسو عليه.
فالإسكافى الذى يواجه بمنتهى الاستسلام فرمانا من الحاكم بأمر الله يحظر صنع نعال للنساء،  وهذا يهدد مهنته بالبوار ويحرمه من قوت يومه. وبقدرية عجز العاجز يبرر له أفعاله ولكن بسخرية لاذعة فيرجع الأمر لحكمته ورجاحة عقله، فيمزج بين الكوميديا والتراجيديا. وهو ما يدفع المتفرج قدما بإثارة العقل أو القلب ثم تشتته وتحيره بحيث يضطر مرة تلو الأخرى أن يعيد النظر فى فاعليته الخاصة فى قراءته للمسرحية.
فواقع الإسكافى مأساوى، ومهدد فى حياته، ومقهور من قوى ديكتاتورية لا يستطيع دفعا لها سوى بنهج التراجكوميدية والاستسلام بقدر العاجز مثله مثل فلاديمير واستراجون وبوزو ولاكى وشخصيات بيكيت فى مسرحية انتظار "جودو" الذين لا يفعلون شيئا اتجاه ما يحدث معهم.
وأخيرا فإن مونودراما الإسكافى هى رؤية للعالم تتعدى رؤية ذاتية للمؤلف، وتظهر مجتمعا جامدا مهترئا، فيه يعبد الطاغية التافه الغبي من دون الخالق، الطاغية الذى يدير آلات ظلمه وبطشه على مدار الساعة، فيه أفراد كثيرة كالإسكافي يشاركون سيزيف قدره فى حمل صخرته، ولكل صخرته.
أما فى المحور الثانى"أنوش مسرح يستوحى الأسطورة" قال النوبي عبد الراضى فى بحثه بعنوان" الأسطورة والمسرح (أنوش "علي حسان" استدعاء للتراث الإنساني) : أقل ما يجب تجاه حركة الإبداع النشطة والتى تمثلها تلك الجوائز التى يحصدها مبدعو مصر على مستوى العالم العربي، أن تكون هناك حركة نقدية تواكب هذا النشاط الإبداعي.
ومسرحية علي حسان والتى فازت بالمركز الأول فى مسابقة الشارقة للإبداع العربي فى مجال المسرح عام 2018، تستوحى فكرتها وأحداثها من التاريخ الدينى الإنسانى، حيث ترد قصة أنوس فى أدبيات الأديان السماوية.
أنوش (ويترجم إلى "أنس" فى العربية) بن شيث (هبة الله) بن آدم أبو البشر، وهو من قام بإختراع الكتابة، هذا الفعل المقدس الذى واكب الكتب المقدسة.
وتعتمد المسرحية على الصراع الذى يعد عصبها وعلى الفكرة التى يجسدها الشخوص من خلال حكاية تتعقد فيها الأحداث لتصل إلى ذروتها ثم يأتى الحل أخيرا. فهذا هو الترتيب الكلاسيكى للمسرح؛ وإن كان المسرح الحديث لا يعتد بهذا الترتيب. وأنوش الذى أراد أن ينشر الكتابة "الوعى" بين الناس، فواجهه الناس بحملة من التشكيك واتهم أنه يريد مجدا لنفسه لا خيرا للناس. ويستمر هذا الصراع فى المسرحية، ليعبر أنوش عن نزعة الخير فى الوجود، وليكون شاهدا على ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان من قتل وتدمير وتخريب وظلم واستبداد.
وهى انتصار لفعل القراءة والكتابة، وإنه الموضوع الذى أراد "علي حسان" أن يضعه فى اهتمامه، وأن يضع اهتمامنا فى إطاره. فالكتابة ليست أن تخط وأن تقرأ ما يخط، بالكتابة هى الوعى، هى التقدم، هى الحياة بكامل عنفوانها.
وفى المحور الثالث سقوط المقدس فى راحاب غانية المعبد، قال عبد النبي عبداي فى بحثه الذى بعنوان "مقاربة تفكيكية للنص المسرحي (راحاب "غانية المعبد"): تكتب معظم النصوص المسرحية فى الأساس لكي تؤدى على خشبة المسرح. ونحن أمام نص فائز بجائزة المجلس الأعلى للثقافة عام 2016. وهو نص مقتبس عن الإصحاح الثانى والسادس من سفر "يشوع"، والذى لم يحد عنه المؤلف كما ذكر فى مقدمة نص المسرحية.
ونحن الآن أمام نص دارت أحداثه فى عام 1473 قبل الميلاد فى مدينة "أريحا الكنعانية". والعنوان من منظور تفكيكى ينطوى على تناقض نسبي أولى مهم، فالكاتب أشار فى مقدمته للمسرحية إلى "راحاب" الزانية قائلا (هذه هى راحاب الزانية) بينما جاء العنوان الفرعى بين قوسين على الغلاف (غانية المعبد). وربما تعامل المؤلف مع المفردتين كمترادفتين وهذا صحيح. لكننا لا نستطيع أن نتغافل عن المعانى الأخرى لكلمة غانية، فالغانية هى المرأة الحسناء بدون زينة، وهى المرأة المتزوجة، وهى الراقصة فى الملاهى الليلية، وهو بائعة الهوى. ولقد أرجأ الكاتب التصريح المباشر بكونها الزانية مستخدما تقنية الغموض والالتباس فى المعنى، حيث الدلالة المركبة والملغزة لأن راحاب هى كل هؤلاء.
وإذا جئنا إلى خطاب النص المسرحي نجده فى مضمونه معبرا عن حيرة "راحاب" فى مجتمع مؤمن لكنه كافر بالحب، ولا يفهم حاجات الروج. فالبعل الذى يحرث فرج "راحاب" لا يمس قلبها بحال من الأحوال، لأن "راحاب" غير مخلصة له كما قالت العرافة.
كما يحاول الكاتب التعرض للعنف وكشف أصوله التاريخية العميقة التى لا ترتبط بدين بدون غيره، لكنه وقف على حافة الأمر ولم يعط الموضوع حقه فى النص، بل أرى أن المؤلف أقحم النص ما ليس فيه، فالمشهد الذى يخص حرب العبرانيين على أريحا وقتلهم لأهلها والفظائع التى ارتكبوها بها، يكاد يكون هو المشهد الختامى حيث بدأت الحرب فى منتصف المشهد الثامن عشر وسقطت أريحا فى المشهد التاسع عشر.

شاهد بالصور


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @